موقفان في هونج كونج .

بسم الله الرحمن الرحيم

موقفان في مطار(هونج كونج)

كانت محطة إنتظاري الثانية (من مطار سيؤول بكوريا الجنوبية) هي مطار هونج كونج
على سواحل الصين الجنوبية ، ومدة الإنتظار سِتُ ساعات ٍ ونصف ،
وساعة الوصول الخامسة بعد الظهر ، وقد حانَ وقت صلاة العصر ،
وكان خروجي من كوريا قبل صلاة الظهر ، فأولُ عمل ٍ قُمتُ به ِ هو الوضوء ،
ثمَّ وجهت البوصلة للكعبة ، وشرعتُ بالأذان للعصر ، ثمَّ صليت الظهر والعصرَ جمعَ تأخير وقصراً ،
وجلستُ أرتاح من عناء السفر .
فحصلَ معي موقفان مُنفصلان ، أحببتُ أن أقصهما عليكم للفائدة والمُقارنة .
***********

الموقفُ الأول :

جائني شاب في العقد الثالث من العُمر ، وتظهرُ عليه ِ مظاهر ِ الغِنى والترف ،
فطرحَ عليَّ السلام بتحية ِ الإسلام ورددتُ عليه ِ السلام .
وقلت : أنتَ عربي ، فردَ عليَّ قائلاً : أنا مُسلم من سيريلانكا ،
وأعمل بالإستيراد والتصدير للمأكولات البحرية بجميع أنواعها في بلاد شرق أسيا .
فقلت : أهلاً وسهلاً بكَ أخي في الله ، من أيِّ بلاد ِ الإسلام ِ كنت .
فقال : ومن أينَ أنت ؟؟ قلت : أنا من الأردن ، ومن أصل ٍ فلسطينيّ ، وبعدَ هذا التعارف
قالَ لي : لقد لمحتكَ من بعيد بلابُسكَ المُميز هذا فإستغربت وكأني في ُحلم ،
فلم أرى عالماً بهذا الزي في شرق أسيا مع كثرة سفري وتنقلي ،
وهو لباس الدعاة الذين أراهم على الفضائيات في بلاد المُسلمين ، وأنا بحاجة لعالم ( أصلي )
أسألهُ عن أمور تؤرقني في مُعاملاتي التجارية ، وأريد إجابات ٍ شافية إن كنتَ تستطيع ذلك ؟؟
فقلت : هاتَ ما عندك ؟؟
فشرعَ بطرح السؤال تلو السؤال (باللغة الإنجليزية ) وأغلبها في البيوع والمُعاملات التجارية ،
وبحمد الله أجبتهُ عليها كلها وقد تجاوزت خمسة عشر سؤالاً .

وإذا كانت لديه ِ مُخالفة ً شرعية ً بالمُعاملة ، يُبادرني بالسؤال : وكيفَ أصحح وضعي بعد الخطأ ؟؟
فأقول : عليك َ بتحقيق التوبة بشروطها ، وإذا كانت هناك مظالم فرُدها إلى أصحابها ،
وعليكَ بالإكثار من الصدقة لتـُطهر بها مُعاملاتك .
* عن قيس ٍ بن أبي ُغرزة (رضي الله عنه)
قال : (( مر بنا النبي(صلى الله عليه وسلم) فقال: يا معشرَ التجار،
إن البيعَ يحضُرهُ اللغوَ والحلفَ ، فشوبوه بالصدقةِ ))
رواه ابو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه .
(أي طهروهُ بالصدقة ِ) , والحلفُ هنا ، لمن لم ينعقدُ اليمينُ في قلبهِ .

size=24] ************************
* فهذا شاب مُسلم لا ينطق ُ بالضاض ، ومن غير ِ أصول ٍ عربية ، ويتحرى الحلال والصواب
في مُعاملاتهِ ، وجلس يُحاورُني قـُرابة السَاعتين ، ولمستُ الحرصَ في كلامه ِ
لمعرفة الحق ِ واتباعه ِ ، واجتناب الحرام والشـُبهات ... !!
* وكم من مُسلم ٍ وناطق ٌ بالضاض ِ غارق ٌ لأذنيه ِ في الحرام ولا يسأل عن دينه ِولا يُبالي ؟؟
وقد أخبرَ النبي (صلى الله عليه وسلم)عن ذلك فقال :
( ليأتينَ على الناس زمان ٍ لا يُبالي المرءُ بما أخذَ المال أمنَ حلال ٍ أم من حرام ٍ ) صحيح لبخاري .

وطلبَ رقم هاتفي وإميلي ثمَّ ودعني بحرارة ٍ، وانطلقَ مُتابعاً رحلته .
~~~~~~~~~~~~~~~~

الموقف الثاني :

دخل وقتُ صلاة المغرب ، فذهبت وجددتُ وضوئي وبدأتُ أبحث عن ركن ٍ لا يعُجُ بالمارة
لأقيم الأذان والصلاة فيه ، فصادفت رجلين أحدهما في العقد الخامس والآخر في العقد الرابع ،
والملامح عربية ، فطرحتُ السلام عليهما ، فردا عليَّ السلام .
فقلت : من أين الإخوان ؟؟ فقالا : من الأردن ، فقلت : أهلاً وسهلاً ، وأنا من الأردن أيضاً .
فقلت : هل صلـّيـُتما ؟؟
فقالا : والله ِ يا شيخ ما صلينا الظهر ولا العصر ولا المغرب ولا العشاء ... !!
فقلت : لماذا ، وما عُذركما ... ؟؟
فقالا : ليس لدينا بوصلة ، ولا نعرف الإتجاهات .
فقلت لهم : وهل حينما شرعتم في السفر نسيتم أخذ فيزا ، وجواز سفر ، ومال ،
وحقيبة ملابس واحتياجات السفر .... إلخ ؟؟
فقالا : لا . فقلت : ولمَ لم تـُحضرا بوصلة ؟؟ فقال أحدهم : نسينا .
فقلت : ألأمرُ جدَ سهلٌ ، تـُراقب غروب الشمس وتـُصلي باتجاه غروب الشمس ،
أي إلى الغرب إذا كانت الشمس ظاهرة ، أو تجتهد ثمّ تـُصلي
ولا تـُطالب بالإعادة إذا إكتشفت خطأ الإتجاه بعد التحقق .
فشرعت ُ بالأذان وكل من حولنا من أجانب يستمع ، ثمَّ قلت ُ لهم : إذهبا وتوضئا
حتى نُصلي جماعة ً، وجمعاً وقصراً ، وتقضيا ما فاتكما من الصلاة ،
فالصلاة لا تسقط إلا عن المجنون أو الذي في غيبوبة تجاوزت ثلاثة أيام .
وبعد أن صليت أنا ، وأكملا ما فاتهما من صلوات ،
ذهبت لرجل ٍ قريب ٍ منا يُراقبنا ويقرأ قصة باللغة الإنجليزية ،
وتبدو عليه ِ ملامح عربية ، فخاطبتهُ بالعربية فلم يفهم ،
فأعدت السؤال بالإنجليزبة ، فقال : أنا هندي ،
فقلت لهُ : رأيتكَ تـُراقب صلاتنا فهل أعجبتك ؟؟ فسكت .
فقلت له : مُداعباً ولمَ لم تـُشاركنا الصلاة ؟؟ فهز رأسهُ بعدم الرغبة .
فقلتُ لهُ : أُحدثكَ بشيءٍ عن الإسلام .
فقال : لا أنا بلا دين أي ( عِلماني ) .
قلتُ في نفسي : لقد قُمتُ بواجبي بدعوته ِ ، وأخذتُ الأجر وأقمتُ عليه ِ الحُجة ،
فإذا شاء اللهُ هدايتهُ الهداية التوفيقية بعد ذلك ، فذلكَ لله ِ وحدهُ ولا نملكها نحن البشر،
وما علينا نحن إلا هداية الدلالة إلى الله .
وبعدها ، جلست مع الرجلين وقلت نتذاكر في الله ، فقدمتُ لهما موعظة عن الصلاة
وعن حُرمة ِ تأخيرها عن وقتها دونَ عُذر .
ثمَّ أن أغلب الناس في السفر يتكاسلونَ عن الصلاة ، أو يستحيونَ من الناس ،
أو يستحيونَ من دينهم وهوَ الحقّ .
فقال تعالى : ( ... واللهُ لا يستحي من الحقّ ... ) الأحزاب 53.
وقال تعالى : ( ذلكَ َومن يُعظم شعائرَ الله ِ فإنها من تقوى القلوب ) الحج 32 .
وقال تعالى : ( فويلٌ للمُصلين ، الذينَ هُم عن صلاتِهم ساهُون ) الماعون 4+5 .
******************

إخوتي في الله

لا يكفي أن تكونَ مُسلماً وتـُؤدي فرائُضكَ وواجباتكَ فقط ، بل أنتَ مُطالبٌ بنشر ِ دينـٌُكَ ،
كلٌ بموقعه ِ وحسبما هو مُتاح ٌ لهُ ، فالعالمُ بعلمه ِ ، والتاجرُ بصدقه ِ ، والغنيُّ بماله ِ ،
والمُسلمُ العادي بخـلُقه ِ ، وآخرٌ بإبتسامته ِ ، فتبسُمكَ في وجه ِ أخيكَ صدقة ،
والطبيب بحاجة ِ المريض ِ إليه ِ لتخفيف الألم ِ عنهُ فيستغل الموقف بدعوته ِ إلى الله ،
وبالإحسان ِ إلى الناس ِ ، فقد جُبلت الأنـفـُس ِ على حُب ِ من أحسنَ إليها ،
فما تنصرَ كثيرٌ من فقراء ِ العالم ، إلا بتقديم ِ المُساعدات ِ الإنسانية ِ والطبية ِ والغذائية ِ إليهم .
ولا تكٌن أخي في الله ِ
ممن قالَ فيهم النبي (صلى الله عليه وسلم) : ( وإنَّ منكُم لمُنفرين ) ،
يٌُنفروا المُسلمينَ من دين ِ الله ِ، فضلاً عن غير ِ المُسلمين .
ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ
ولنتذكر فضل ِ الصحابة ِ رضوان الله عليهم ، فلولا تضحياتهم بأنفسِهم وبأموالهم لما وصلَ الإسلام ُ إلينا ،
ولما كٌنا مُسلمين ، فلا ندعُ من ماتَ على الكُفر ِ حجيجُنا وخصمُنا عند الله ِ يومَ القيامة .... !!

باركَ اللهُ لنا في القرآن ِ العظيم
وسددَ اللهُ خُطانا على طريق ِ الأولينَ السابقين
ونفعنا بالإسلام ِ ونفعَ الإسلامُ بنا
وهدى بنا وجعلنا سبباً لمن اهتدى
وصلى اللهُ على محمد ٍ وعلى آله ِ وصحبه ِ والتابعين
* وأستغفرُ الله *

جميل لافي
7 / 7 / 2010 [ /size]