يترجمون رفضهم للدولة

يترجمون رفضهم للدولة
الكاتب : محمد السهلي

ردت تل أبيب فوراً على كل ما قيل في رحاب الأمم المتحدة عن عضوية الدولة الفلسطينية في المنتدى الدولي على قاعدة الاعتراف بضرورة قيامها على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وكما هي الردود الإسرائيلية السابقة على أي حديث عن مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967، كان الاستيطان في القدس، وسائر أنحاء الضفة هو الجواب القطعي على سؤال مستقبل هذه الأراضي.
ومنذ العام 1979، وفي سياق الحديث عن «ملحق فلسطيني» لاتفاقات كامب ديفيد، انتشر الاستيطان بمعدلات قياسية ترتفع مع كل محطة يتكرر فيها مثل هذا الحديث. لتستقر مع توقيع اتفاقات أوسلو كسياسة منهجية أدى تنفيذها إلى قيام شبكة استيطانية متينة بدت، داخل فراغاتها، التجمعات الفلسطينية جزرا معزولة ومحاصرة وتم تأطير خريطة الضفة بجدران الفصل العنصري شرقاً وغرباً.
بهذا الرد، توجه حكومة نتنياهو رسالة إلى الجميع تقول فيها: تحدثوا كما شئتم عن الدولة الفلسطينية، لكن من يحدد مستقبل الأوضاع على الأرض هو نحن... ليس غيرنا.
بعد هذا، ما هو الرد الذي من المفترض أن يكون حاضرا لدى المجتمع الدولي... وقبل ذلك الجانب الفلسطيني؟.
اختارت الحكومة الإسرائيلية أن يأتي ردها الاستيطاني من مدينة القدس الشرقية كرد أولي على الطلب الفلسطيني المقدم إلى الأمم المتحدة والذي جاء فيه أن القدس الشرقية هي عاصمة الدولة الفلسطينية التي تطالب ببطاقة عضويتها في الأمم المتحدة، والرد هذا يعني تعريفاً إسرائيلياً لما ورد عن القدس في خطاب نتنياهو كعاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل.
وتستند تل أبيب في ردها الاستيطاني إلى عوامل مساعدة توفرها لها أطراف رئيسية في المجتمع الدولي في مقدمها الولايات المتحدة ومواقف الرباعية الدولية، كما تستند أيضا إلى تجربة العشرين سنة الماضية من المفاوضات مع الجانب الفلسطيني.
* فإدارة أوباما وفرت تشجيعا سياسيا مباشرا لحكومة نتنياهو كي تتمترس بموقفها من الاستيطان عندما تراجعت هذه الإدارة عن موقفها بهذا الشأن، وعبر عنها الرئيس الأميركي ذاته في خطاب القاهرة الشهير منتصف العام 2009، وتكرس هذا التشجيع مع انضمام واشنطن إلى مواقف تل أبيب واعتبرت أن المطالب الفلسطينية بوقف الاستيطان تشكل حجر عثرة في طريق تقدم عملية التسوية السياسية.
وإذا كانت حكومة نتنياهو قد تجاوزت ردات الفعل الأميركية تجاه العطاءات الاستيطانية في القدس إبان زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في آذار (مارس) العام الماضي، فمن الطبيعي ألا تلتفت اليوم إلى الانتقادات اللفظية التي عبرت عنها مؤخراً الوزيرة كلينتون بعدما أقرت الحكومة الإسرائيلية خطة جديدة لبناء 1100 وحدة استيطانية في القدس الشرقية.
* وتقرأ تل أبيب جيدا في مواقف اللجنة الرباعية الدولية وتنظر بارتياح إلى دعوة اللجنة إلى استئناف المفاوضات «بدون شرط مسبق». ومنذ بيان «الرباعية» الذي صدر في آذار (مارس) العام الماضي خلت بياناتها اللاحقة من مطالبة الحكومة الإسرائيلية بتجميد الاستيطان ووقف هدم منازل الفلسطينيين في القدس وقد دأبت على ذكرها منذ البيان في 27/6/2009 بعيد إلقاء أوباما لخطابه في القاهرة. ويأتي توقف اللجنة الرباعية الدولية عن ذكر ضرورة تجميد الاستيطان تماشيا مع تراجع الموقف الأميركي في هذا الشأن، مما سجل للأسف ملاحظة التبعية لمواقف اللجنة وانطوائها تحت عباءة المواقف الأميركية.
على ذلك فإن تسقيف المفاوضات التي دعت إليها «الرباعية» حتى نهاية العام 2012 لا يشكل عمليا ضغطا على الحكومة الإسرائيلية وإن كانت ترفض من حيث المبدأ وضع جدول زمني ملزم للمفاوضات، لكن إطلاق يدها في عملية الاستيطان يجعلها تنظر إلى السقف الزمني بمثابة «فرصة شرعية» للتغول في سياساتها التوسعية ضمن محاولة تسويق مقولة إن الاستيطان يتم في المناطق التي «تتوقع» تل أبيب حصول الاتفاق الثنائي بخروجها من ولاية الدولة الفلسطينية القادمة، وتنظر بالتالي إلى هذا الاستيطان كسلوك ثنائي(!) وليس تصرفاً أحادياً من قبل تل أبيب.
* وتتمسك الحكومة الإسرائيلية بالعناصر الرئيسية لتجربة المفاوضات مع الجانب الفلسطيني منذ مقدمات التوقيع على اتفاقات أوسلو، وخاصة غياب ذكر وقف الاستيطان عن أساس الدعوة إلى المفاوضات وتكرر ذلك في مفاوضات «أنابوليس» في العام 2008. ولهذا السبب، تنظر تل أبيب إلى المطالب الفلسطينية بوقف الاستيطان كمقدمة لأزمة لبدء المفاوضات.
واعتاد المفاوض الإسرائيلي في تجربته السابقة أن يتجاوب المفاوض الفلسطيني مع الضغوط الخارجية التي تمارس عليه، بما في ذلك تأجيل الإعلان عن قيام دولة بعد نهاية الفترة الانتقالية حسب قاموس أوسلو في أيار (مايو) من العام 1999. لذلك، توقع المفاوض الإسرائيلي استمرار تأثير هذه الضغوط حتى مع إعلان المفاوض الفلسطيني بضرورة وقف الاستيطان قبل بدء المفاوضات التي انطلقت العام الماضي. وقد حصل ذلك من زاوية القبول بالتجميد الجزئي والمؤقت بديلا عن الشامل والدائم. وحرصت تل أبيب أن تمتد فترة المفاوضات إلى ما بعد انتهاء فترة التجميد في أواخر أيلول من العام الماضي ورفضت تمديد فترة التجميد، لتضع المفاوض الفلسطيني في صورة من يعطل هذه المفاوضات، وقد قدمت واشنطن يد المساعدة إلى تل أبيب في هذا المجال عندما ألقت اللوم على الجانب الفلسطيني وحذرته من اللجوء إلى خيارات أخرى خارج خيار المفاوضات وبرعايتها الحصرية.
وربما توقعت تل أبيب أن تبقى المعادلات التي حكمت عملية التفاوض السابقة على صلاحيتها، وتتمكن بالتعاون مع واشنطن وحلفاء آخرين من إجبار الجانب الفلسطيني على التراجع عن مسعاه باتجاه الأمم المتحدة وطلب عضوية دولة فلسطينية في الأمم المتحدة على قاعدة الاعتراف بضرورة قيامها على حدود الرابع من حزيران (يونيو) 1967، وتصاعدت الضغوط المتعددة على الجانب الفلسطيني حتى اللحظات الأخيرة التي سبقت خطاب الرئيس عباس في الأمم المتحدة ومن ثم تقديمه طلب عضوية الدولة الفلسطينية في المنتدى الدولي. لكن هذه الضغوط فشلت على الأقل عند هذه المحطة، وكان تجاوب الأغلبية الساحقة من عضوية الجمعية العامة للأمم المتحدة بمثابة صفعة قوية في وجه أصحاب هذه الضغوط.
وربما هي المرة الأولى التي يتقدم بها الجانب الفلسطيني برؤية وطنية موحدة تمت صياغتها في إطار الهيئات الوطنية الائتلافية وهو ما ساهم بتقديم موقف فلسطيني متماسك سياسياً ويستند إلى تأييد شعبي واسع، وأدى ذلك لأن ينظر المجتمع الدولي ـ بما فيه المعارضين للمسعى الفلسطيني ـ باحترام للخطاب الفلسطيني الذي عرض لأساس القضية الوطنية ومسؤولية المجتمع الدولي الذي تقاعس عن دوره تجاه سياسات الاحتلال التوسعية وسعيه إلى تصفية الحقوق الفلسطينية تحت يافطة مفاوضات عبثية في ظل حملات استيطانية تسعى لتهويد القدس وتأييد الاستيطان وفرضه على مستقبل الفلسطينيين.
لهذا السبب، ينبغي التأكيد على ضرورة مواصلة الآليات التي دفعت بالمسعى الفلسطيني للوصول إلى محطة الأمم المتحدة، ونقصد بذلك إعادة اتخاذ القرارات الوطنية إلى دائرة النقاش الجماعي في إطار الهيئات الوطنية الائتلافية وتوسعة دائرة هذه النقاشات لتشمل مكونات الحالة الفلسطينية جميعها بكافة مستوياتها واتجاهاتها لأن الجميع متفق على الأهداف الوطنية في هذه المرحلة.
ومن الطبيعي أن نتوقع في المرحلة القريبة القادمة سيلاً من المناورات السياسية التي تستهدف انتزاع الجوهر السياسي من المسعى الفلسطيني تجاه الأمم المتحدة. وفي مواجهة ذلك ينبغي التأكيد على أن القضية الفلسطينية الآن في رحاب المنظمة الدولية وهي فرصتها في البحث عن حل يستند إلى قرارات الشرعية الدولية، وعدم السماح بإخراجها من هناك وإعادة النقاش في عناوينها في دهاليز مفاوضات بالمعادلات السابقة وتحت رعاية الطرف.. الأكثر تأييداً للاحتلال.

» لا معنى للدولة اليهودية
» خبير قانوني: الولاء "للدولة اليهودية" يمس الوجود الفلسطيني برمته