هل يصلح صانع الحرب كرسول للسلام؟

المدير العام العمر : 59 *المزاج* :

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

خلال الأسبوع المقبل يمثل توني بلير، رئيس حكومة بريطانيا السابق، أمام “لجنة تشيلكوت” المسماة باسم رئيسها التي شكلتها الحكومة البريطانية للتحقيق في حرب العراق .
ورغم الاهتمام الإعلامي الدولي بأعمال اللجنة، إلا أن أكثر المتابعين لأعمالها يعتقدون أنها لن تخرج على الرأي العام البريطاني والدولي بنتائج لم تكن معروفة سلفاً . فلجنة التحقيق في حرب العراق التي شكلتها الحكومة الهولندية أعلنت قبل أيام قليلة أن الحرب افتقرت إلى أي مسوغ من وجهة نظر الشرعية الدولية، وهذا الحكم سمعناه على لسان الأمين العام السابق لهيئة الأمم المتحدة كوفي أنان عندما قال قبيل وقوع الحرب إنها خارج الشرعية الدولية .
ومن المرجح أن تخرج “لجنة تشيلكوت” بنفس الاستنتاجات، خاصة إذا توصلت إلى أن بلير “أبلغ جورج بوش بأنه عندما تدخل الولايات المتحدة الحرب ضد العراق، فسوف تجد بريطانيا معها على الطريق” وأن هذا التأكيد تم قبل عرض القضية على مجلس الأمن، كما ردد بعض الشهود من العسكريين والدبلوماسيين البريطانيين أمام اللجنة .
كذلك من المرجح أن تلتمس “لجنة تشيلكوت” في تقريرها النهائي الأعذار لبلير على موقفه من الحرب . فاللجنة تضم أعضاء، مثل المؤرخ البريطاني الصهيوني مارتن جيلبرت، تجمعهم إلى توني بلير الصداقة الحميمة مع “إسرائيل” وسجل حافل بالدفاع عنها وبمساندة مواقفها ومصالحها . فضلاً عن هذا وذاك فإن اللجنة لم تشكل لكي تخرج بإدانات صارمة إلى زعيم عمالي، لأن عملاً من هذا النوع سوف تكون له مضاعفات سلبية على حزب العمال في الانتخابات النيابية المقبلة . هذه المعطيات تفسر المقاربة “الخجولة” التي تطبقها “لجنة تشيلكوت” في أعمالها . فهي لم تستفد من الوثائق والتقارير التي قدمتها لها الدوائر الحكومية نفسها والتي تكشف مخالفات حكومة بلير .
وأعضاء اللجنة يتجنبون توجيه الأسئلة المحرجة إلى الشهود كما بينت صحيفة “الغارديان” (24/12/09) .
رغم القصور المتوقع، فإن “لجنة تشيلكوت” لن تتمكن من تجاهل عملية الخداع التي مارسها بلير عندما كان يقود البلاد نحو دخول الحرب على العراق . بيد أن اللجنة سوف تترك المجال مفتوحاً أمام أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة .
السؤال الأول هو، إذا كان بلير قد كذب، فأي نوع من الكذب مارسه رئيس الحكومة السابق؟ وأي عقوبة يستحقها على كذبه هذا؟ هل ارتكب بلير كذبة “بيضاء” عندما قال “إن صواريخ صدام حسين قادرة على تهديد بريطانيا خلال 45 دقيقة”؟ هل كانت هذه الكذبة مخالفة مسلكية بسيطة وزلة عابرة أتى بها رئيس الحكومة السابق؟ حتى ولو كانت كذلك فإن القوانين البريطانية لا ترحم من يمارس هذه المخالفات .
فلقد ارتكب جوناثان ايتكن، وزير الدفاع البريطاني الأسبق في حكومة المحافظين عام ،1999 مثل هذه المخالفة عندما أخفى عن الحكومة وعن المجلس أنه قبل دعوة ثري عربي إلى قضاء ثلاث ليال في ضيافته في باريس، فكانت نتائجها وبالاً عليه وعلى عائلته . عوقب بالسجن سنة ونصف وقضى على مستقبله السياسي كلياً مع أنه كان مرشحاً لزعامة الحزب والبلاد .
إذا كان هذا شأن ايتكن العاثر الحظ، فكيف يعامل بلير الذي قاد بلاده إلى الحرب وحملها كلفة بشرية ومادية عالية؟ ايتكن الذي حل ضيفاً على عربي أنزلت به أشد العقوبات، أما بلير الذي احتل بلداً عربياً فقد كوفئ أحسن مكافأة بتعيينه مندوباً للرباعية الدولية في مفاوضات الشرق الأوسط . هذه الصفة ساعدته على البقاء تحت الأضواء الدولية وأعطته مشروعية “صانع السلام”، بينما هو متهم بأنه مجرم حرب . وهذه الصفة مكنته من الحصول على أرباح تقدر بخمسة عشر مليون جنيه استرليني خلال العام المنصرم وحده! السؤال الثاني هو، ماذا كان حافز توني بلير لاتخاذ قرار بالانضمام إلى إدارة بوش في حرب العراق؟ هل كان حافزه الرغبة في الإبقاء على العلاقات المميزة بين الولايات المتحدة وبريطانيا كما يقول أنصاره؟ قول مردود يقول ناقدوه .
خلال الحرب على فيتنام، استمرت العلاقات بين البلدين على أفضل ما يرام، متينة وقوية رغم أن هارولد ويلسون رئيس الحكومة العمالية رفض انضمام بلاده إلى الحرب .
هل كان الحافز التزام بلير “بالقيم الأخلاقية” و”بالمثالية الأممية”، كما قال مارتن ايفنز في صحيفة “صنداي تايمز” التي يملكها روبرت مردوخ؟ هذا هراء، يقول ناقدو بلير الذين يلاحظون أن نصير الديمقراطية في العراق هو نفس الشخص الذي يهرول إلى زيارة أكثر زعماء العالم تنكراً لحقوق الإنسان ولمبادئ الديمقراطية البرلمانية وإلى إغداق المدائح وشهادات حسن السلوك عليهم أملاً في الحصول منهم على عقود وعلاقات عمل لمكتبه الاستشاري في لندن .
فضلاً عن ذلك، يقول هؤلاء الناقدون، إن بلير لم يبرهن خلال ولايته أنه كان حريصاً على الديمقراطية في بيتها البريطاني .
استغل صلاحياته الرئاسية في الحزب من أجل طرد ناقديه ومعارضيه من الحزب، خاصة أولئك الذين عارضوا سياسته المنحازة إلى جانب إدارة بوش و”إسرائيل” .
وكزعيم حزب الأكثرية، دأب على اظهار استهتاره بالبرلمان وبالنواب البريطانيين خاصة من حزبه . هذا السلوك أدى إلى اتهام بلير من قبل نقاد كثيرين بأنه يبدل النظام السياسي البريطاني من نظام ديمقراطي برلماني، وهي ميزة يفخر بها البريطانيون، إلى نظام رئاسي، وهو نظام ينظرون إليه بارتياب .
السؤال الثالث الذي ينبغي أن يسأله المعنيون بأوضاع المنطقة العربية بصورة خاصة هو، هل هناك علاقة بين معتقدات بلير ومصالحه الشخصية وبين موقفه تجاه الحرب على العراق؟ يقدم انتوني سلدون في كتابه “بلير” ايضاحات مهمة حول موقف رئيس الحكومة البريطانية السابق تجاه الصراع العربي-”الإسرائيلي” .
ويبين سلدون ان بلير كان نصيراً ل”إسرائيل” منذ دخوله المعترك السياسي .
ولقد ترافقت هذه القناعات الشخصية مع مصالحه الانتخابية والتحالفات التي عقدها مع شخصيات دولية مثل سيلفيو بيرلسكوني، رئيس الحكومة الايطالية، وروبرت ميردوخ صاحب الامبراطورية الإعلامية العالمية، عرفت بتعاطفها مع “إسرائيل” وبوقوعها تحت تأثير نزعة “الآرابوفوبيا” .
الإجابة على هذه الاسئلة تقتضي اهتماماً خاصاً لدى الأطراف العربية المعنية .
ينبع هذا الاهتمام من الدور الذي أسند إلى بلير “كرسول سلام” بين العرب و”الإسرائيليين”، وكسياسي يقدم نفسه إلى أصحاب الشأن في العالم على أنه عالم بأمور المنطقة العربية وخبير بأحوالها، مؤهل للحديث عنها ولشرح أوضاعها، كمحاضر وصاحب مكتب استشارات دولية يكسب ملايين الدولارات من عقود في المنطقة العربية . الأرجح أن الإجابات كلها ستؤكد على أنه ليس صديقاً للعرب ولا هو حتى بالحيادي تجاههم، وأن استمراره في منصبه كمندوب للرباعية الدولية إلى مفاوضات الشرق الاوسط يخدم مصالح “الإسرائيليين” بالدرجة الأولى .

رغيد الصلح
الخليج الاماراتية

» كشفت مصادر إسرائيلية أن خطة كيري، المقترحة للسلام
» عباس يدعو لإلزام إسرائيل الى العودة للسلام
» فاضح أسرار ( نووي اسرائيلي ) يرفض ترشيحه انوبل للسلام
» المجلس الوطني الفلسطيني يوافق على المشاركة في مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الاوسط
» صور من الحرب الظالمة على غزة