موقع منتدى الدوايمة الاكتروني al-Dawayima تأسس 27 سبتمبر 2008
موقع منتدى الدوايمة الاكتروني al-Dawayima تأسس 27 سبتمبر 2008
موقع منتدى الدوايمة الاكتروني al-Dawayima تأسس 27 سبتمبر 2008
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع منتدى الدوايمة الاكتروني al-Dawayima تأسس 27 سبتمبر 2008

أخبار .. بحث.. سياسة .. آدب .. ثقافة عامة .. حرية رأي .
 
الرئيسيةبوابة فلسطينالتسجيلأحدث الصوردخول
من حروف أسم الدوايمة يتكون وطني الدوايمة(د .. دم)(و..وطني)( أ .. أوثقه)(ي.. يأبى)(م .. مسح )(هـ .. هويته) (دم وطني أوثقه يأبى مسح هويته)...نضال هدب


أن نسي العالم مجزرة الدوايمة أو تناسىى فان طور الزاغ الكنعاني سيظل شاهداً أميناً على المجزرةالمتواجدون الآن ؟
المواضيع الأخيرة
» رحلة الإنسان من بداية خلقه وتكوينه وحتى دخوله الجنة أو النار .
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالأحد يوليو 30, 2023 3:30 pm من طرف الشيخ جميل لافي

» عيد ُ الحُــــب / فالنتــاين !! .
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالثلاثاء فبراير 14, 2023 1:42 am من طرف الشيخ جميل لافي

» كيف تخشـــع في صلاتك ؟
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالإثنين يناير 16, 2023 3:37 am من طرف الشيخ جميل لافي

» ما هي كفارة تأخير قضاء رمضان بدون عذر ، وما مقدارها ونوعها ؟؟
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالسبت نوفمبر 26, 2022 9:24 pm من طرف الشيخ جميل لافي

» أحكام الجمع والقصر في السفر والحضر والمطر
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالإثنين أبريل 05, 2021 12:25 am من طرف الشيخ جميل لافي

» عظم الكلمة عند الله عز وجل .....
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالسبت ديسمبر 26, 2020 2:31 am من طرف الشيخ جميل لافي

» الإمامة في الصلاة . مهم جـداً
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالسبت ديسمبر 26, 2020 2:28 am من طرف الشيخ جميل لافي

» إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشرّ ومنهم من يُهاب لله ومنهم إذا رؤوا ذُكر الله
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالسبت ديسمبر 26, 2020 2:25 am من طرف الشيخ جميل لافي

» البيع المُحرّم في الإسلام . الجزء الأول
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالسبت ديسمبر 26, 2020 2:24 am من طرف الشيخ جميل لافي

» كفارة الغيبة والنميمة .
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالسبت ديسمبر 26, 2020 2:23 am من طرف الشيخ جميل لافي

» حُكم الغناء والموسيقى والمعازف .
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالسبت ديسمبر 26, 2020 2:22 am من طرف الشيخ جميل لافي

» رباه إنا طامعين بجنة - الشاعر : عطا سليمان رموني
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالخميس يناير 18, 2018 12:11 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني

» رباه إنا طامعين بجنة - الشاعر : عطا سليمان رموني
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالأحد يناير 14, 2018 12:36 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني

» مشروع وثيقــــة شـــرف عشائر الدوايمة”
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالثلاثاء ديسمبر 08, 2015 3:24 am من طرف نضال هديب

» ادخل احصاء ابناء الدوايمة في الشتات
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالإثنين نوفمبر 30, 2015 5:41 pm من طرف أدارة الدوايمة

» الدوايمة ليست قبيله ولا عشيرة
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالإثنين نوفمبر 30, 2015 3:18 pm من طرف نضال هديب

» الدوايمة ..أنا لاجىء من فلسطين في الداخل والشتات اوقع لا تنازل عن حقي بالعودة
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالإثنين نوفمبر 30, 2015 4:23 am من طرف نضال هديب

» لإحياء المجزرة التي تعرضت لها قريتهم «غزة» توقد ذاكرة أبناء الدوايمة وتدفعهم للتحرك قانونياً
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالإثنين نوفمبر 02, 2015 5:45 pm من طرف نضال هديب

» مجزرة الدوايمة وصرخة الدم النازف.بقلم .نضال هديب
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالخميس أكتوبر 29, 2015 10:54 am من طرف نضال هديب

» صباح الخير يا دوايمة
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالخميس أكتوبر 29, 2015 1:24 am من طرف نضال هديب

» خربشات نضال . قال القدس لمين
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالخميس أكتوبر 29, 2015 1:22 am من طرف نضال هديب

» المستوطنون يستعدون لاكبر عملية اقتحام للأقصى
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالخميس سبتمبر 17, 2015 2:04 pm من طرف نضال هديب

» اخي ابن الدوايمة \ البوم صور لقاءات ومناسبات ابناءالدوايمة في الداخل والشتات
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالخميس سبتمبر 17, 2015 1:44 pm من طرف نضال هديب

» اجمل ترحيب بالاعضاء الجدد الذين انظمو لقافلة منتديات الدوايمة وهم السادة
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالخميس أغسطس 20, 2015 1:04 pm من طرف ahmad-lafi

» ما هوَ ثمن الجـنـّة ؟؟ .
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالخميس أغسطس 06, 2015 7:18 pm من طرف الشيخ جميل لافي

» حرمة الإحتفال بعيد الأم المزعوم
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالأربعاء مارس 18, 2015 5:13 pm من طرف الشيخ جميل لافي

» القناعة للشاعر عطا سليمان رموني
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالأربعاء ديسمبر 24, 2014 11:04 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني

» قرية الدوايمة المغتصبة لا بديل عنها ولو بالقدس
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالثلاثاء ديسمبر 23, 2014 3:08 pm من طرف أحمد الخضور

» عن حقي ابد ما احيد للشاعر عطا سليمان رموني
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالإثنين ديسمبر 22, 2014 1:16 pm من طرف الشاعر عطا سليمان رموني

» بابي لعبدي مشرع للشاعر عطا سليمان رموني
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالثلاثاء نوفمبر 25, 2014 8:25 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني

» الذكرى الـ97 لوعد بلفور المشؤوم
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالأحد نوفمبر 02, 2014 9:14 pm من طرف نضال هديب

»  نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي موشيه فيغلن اقتحم الحرم القدسي
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالأحد نوفمبر 02, 2014 9:09 pm من طرف نضال هديب

» يووم سقوط الدوايمة
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالثلاثاء أكتوبر 28, 2014 9:37 pm من طرف نضال هديب

» حذاري ان تعبثوا بالوطن
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالسبت أكتوبر 25, 2014 9:34 pm من طرف نضال هديب

» اعلان وفاة زوجة الحاج عبد الحميد ياسين هديب وحفيدة ابن رامي عبد الحميد
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالجمعة أكتوبر 24, 2014 9:32 pm من طرف نضال هديب

» جرح مجزرة الدوايمة يأبى الإلتئام بقلم نضال هديب
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالسبت سبتمبر 27, 2014 11:04 pm من طرف نضال هديب

» الدوايمة / كتاب توراة الملك ........ دليل لقتل الفلسطينيين
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالسبت سبتمبر 27, 2014 10:58 pm من طرف نضال هديب

» غداً السبت الموافق 27ايلول 2014 تحتفل بالعام السادس لتاسيس منتدى الدوايمة
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالجمعة سبتمبر 26, 2014 3:27 pm من طرف نضال هديب

» أحاديث لا تصح في الأضحية وفي المسح على رأس اليتيم
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالجمعة سبتمبر 26, 2014 1:34 am من طرف الشيخ جميل لافي

» فضائل صوم ست من شوال
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالجمعة أغسطس 08, 2014 1:46 am من طرف الشيخ جميل لافي

» قرر الرئيس محمود عباس تشكيل الوفد الفلسطيني الى القاهرة كما يلي :-
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالسبت أغسطس 02, 2014 12:27 am من طرف نضال هديب

» بان كي مون يطالب بـ "الافراج فورا" عن الجندي الاسرائيلي الاسير
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالسبت أغسطس 02, 2014 12:17 am من طرف نضال هديب

» لقناة البريطانية العاشرة الجندي الاسراييلي الاسير بريطاني الجنسية
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالسبت أغسطس 02, 2014 12:12 am من طرف نضال هديب

» الاسير هدار غولدين ابن عم وزير الدفاع الاسرائيلي
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالجمعة أغسطس 01, 2014 10:08 pm من طرف نضال هديب

» اسر الجندي الصهيوني الملازم الثاني هدار غولدين
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالجمعة أغسطس 01, 2014 10:07 pm من طرف نضال هديب

» في ذكرى رحيل أمي
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالجمعة أغسطس 01, 2014 6:20 pm من طرف نضال هديب

» ينعى موقع منتدى الدوايمة الاكتروني بشديد الحزن والاسى الجامعه العربية
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالثلاثاء يوليو 29, 2014 2:34 am من طرف نضال هديب

» تضامنا مع غزة شبكة منتديات الدوايمة تدعوا اقتصار مظاهر العيد على الشعائر الدينية
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالسبت يوليو 26, 2014 7:45 pm من طرف نضال هديب

» توفيت الصحفية عزة سامي، نائب رئيس صحيفة الأهرام التي قالت «كتر خيرك يا نتنياهو ربنا يكتر
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالسبت يوليو 26, 2014 1:43 am من طرف نضال هديب

» أغنية الجندي المخطوف (شاؤول ارون)عملوها الفدائية
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالخميس يوليو 24, 2014 9:14 pm من طرف نضال هديب


 

 الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ابو جهاد
نائب المدير مسؤول التوثيق الشفوي والأعلامي
نائب المدير مسؤول التوثيق الشفوي والأعلامي




الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Empty
مُساهمةموضوع: الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة   الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالإثنين يونيو 27, 2011 5:23 pm


من أدب السجون الفلسطيني: روايةُ "خارج الزمن".. نظرة عن قرب..
للأسير الروائي/ شعبان حسونه..

خارج الزمن

× هذه الرواية:

الكلماتُ التي تخجل من المرور في رسائلِ الأسرى، وإنْ مرت تبقى خجولةً، كَكَلمةِ "مُوافِقَة" إنْ نطقت بها عذراءَ تُخطب.


|| خارج الزمن ..
رواية خرجت للنور في أواخر العام 2009، تتكون من أربعة فصول روائية جمعت في حوالي 100 صفحة من حجم a4، جاءت بعد أن أخرج الأسير شعبان حسونة عديداً من الروايات كان ترتيبها خروجها كالتالي: (ظل الغيمة السوداء–الهوية والأرض–على جناح الدم-خارج الزمن)، إضافة إلى المدخل لدراسة القضية الفلسطينية "دراسة شاملة عن القضية الفلسطينية سطّرها في 900 صفحة من تاريخ فلسطين مرورا بالنكبات المتتالية والانتدابات والاحتلال المتتالي لفلسطين"، طبع منهن: (ظل الغيمة السوداء-على جناح الدم).

|| خارج الزمن..
تنقلك الرواية بأسلوبها القوي وكلماتها البسيطة بين شخصيات متعددة لشخصية واحدة رسمها الكاتب في (الشاب أمجد المعتقل منذ 25 عاما)، يلخص في هذه الانتقالات مجمل المراحل التي يعتبرها حياة لهذا الشاب، ثم توقفا مفاجئا لمسلسل حياته في سنوات اعتقاله، ثم بدءً لحياة جديدة.. فكانت سنين الاعتقال بمثابة حياة له (خارج الزمن)..

فلديك أمجد الشاب، الذي كان يملأ الأرض وتملؤه هي الأخرى حياة، اعتقل في زهرة شبابه؛ ليتلقى حكما بالسجن سنينا عجافا طويلة، يضطر بعدها هذا الأمجد السجين لدفن أمجد الشاب حيّا في سجنه كي يستطيع تحمل الحياة في مرحلة جديدة (خارج الزمن)، لكن أمجد الشاب يصرّ إلا أن يقفز لمخيلة أمجد السجين في كل لحظة، ينظر فيها أمجد إلى نفسه في المرآة، وعند محاكاته لأقل (قصقوصة) ورق، أو عند مروره بأي منعطف في ذكرياته..

أمجد السجين، يخرج من غرفة زنزانته إلى (خارج الزمن)، متخيلا نفسه وقد انتهت مدى محكوميته وجُهز للإفراج عنه، بأسلوب خيالي رائع، لا تعلم فيه أن خروجه حقيقة في الرواية، أم أنه نسج خيال بين سطور في غرفة القضبان السوداء.. ويبدأ حينها الصّراع.. صراع المتناقضات ما بين أمجد بشخصية: (الشاب، السجين المناضل، الأسير المحرر -الذي يعتبر لفظ محرر مجازا لكنه لا يجوز لمن أمضى فترة اعتقاله كاملة-)، وبين نظرته إلى العالم الذي كان يحيط به من إخوته وأصدقاءه وأهله، وأبيه الذي مات ولم يره.. فكل من حوله قد تغيّر باعتقاده.. إلا أمّه.. التي اكتشف حقيقة مدى بطولتها الكبيرة في حياته..

يكبت كمّا كبيرا من غضبه المتراكم منذ سنين أمام ما يلحظه من تصرفات أو أحاديث تحصل في مخيلة الكاتب مع الشخصيات التي ابتكرت بواقعية بحتة، فيتجول بينها محاولا تحليل كل شخصية كانت قبل سجنه وكبرت، أو كانت وشاخت أو ماتت، أو لم تكن قبل سجنه وولدت.. أو كان لا بد لها أن تولد لو أنه خارج السجن..

يظهر بارزا للقارئ مدى التعب الذي يعانيه الأسير (أمجد) ممثلا لأولئك الأسرى، القدامى منهم خصوصا والآخرين. فحرمانهم من أقل ما يمكن للعقل تصوره لا يشعر به الناس جيّدا إلا هم.. فأصبحت قضية (بيت الخلاء) البشرية الفطرية، تمثل لهم ولدى إدارة السجون إحدى وسائل التعذيب والحرمان، بينما غيرهم في الخارج لا يعطي لنفسه التفكير في مثل هذه القضية الطبيعية جدا، ممثلا لك إياها بأقل التفاصيل.

|| خارج الزمن ..
رواية تعطيك بُعدا فكريا ورؤية جيدة للواقع المعاش بين هذه الشخصيات (شبه الواقعية)، وحقيقة كأنما الأسير يستشعر كل جوانب خروجه جيّدا، فلا يكون -وفق اعتقادنا- إنسانا من عالم آخر، إنما من زمن آخر.. توقفت فيه الثواني لتُعدّ بصورة أخرى، وبطريقة فهم أخرى للحياة..

في نهاية الرواية.. تبقى خاتمتها هي أيضا معلقة (خارج الزمن)، لا تنتهي بأي من الخواتيم التقليدية أو المتوقعة، لتترك لك مجالات عديدة للتفكير، بأي منطلق أو حبكة يمكن أن يعود الكاتب بك فيها، بعدما خرج من زمنه قليلا.. ليوصل رسالة لمن هم خارج الزمن..

أديبُ السجون

أدب السجون مصطلح يُعنى بالعلوم والكتابات التي ألفت داخل السجن، ويعتبر من أصدق أنواع الكتابة وأعذبها، سواءً كان ذلك على مستوى السرد، أو على مستوى الشعر، وذلك لأنّه وليد تجربةٍ حيّة وصادقة، فالإبداع يولد من رحم المعاناة؛ لذا فإن قراءة مذكّرات السجين وحدها كافيةٌ للمتعة والعبرة معاً، كيف لا وقد أُضيف على تلك المذكّرات الصبغة الروائيّة التي تخرجها من كونها سيرة ذاتيّة إلى أن تكون أحداثاً تُروى خارج أسوار الحياة.

ترجمة الأديب
الأديب الأسير "شعبان سليم حسونه" من مواليد عام 1969م لعائلة تقطن حي الشجاعية شرقي مدينة غزة في فلسطين المحتلة، اعتقل للمرة الثانية في الرابع من يناير لعام 1990م على خلفية الانتماء لحركة الجهاد الإسلامي، حيث أصدرت المحكمة العسكرية الصهيونية بحقه حكماً بالسجن 37 عاماً، بعد اعتقال إداري أول في عام 1988م. يقضي مدة حكمه وهو أحد عمداء الأسرى القدامى وأحد قادة الحركة الأسيرة رغم أن اعتقاله الأول كان وهو في التاسعة عشر من العمر، والثاني كان في الحادية والعشرين من عمره؛ أي أنه حوصر في بواكير الصبا، وقد أخذ بإعادة ترتيب أفكاره ملاءمةً مع الأسر إلى أن وصل مرحلة التعمق، حتى تعلم اللغة العربية بأصولها النحوية والصرفية، وخرج من بوتقة مسمى الأسير إلى الأديب، فاستطاع اجتياز شهادة الثانوية العامة داخل السجون.

إنتاجٌ بغزارة
تجاوزت مؤلفات الأسير حسونه حدود أدب السجون فنال شرف التأريخ الفلسطيني عن كتابه "المدخل لدراسة القضية الفلسطينية" المكون من ثلاثة أجزاء، وشملت كتاباته جوانب مختلفة: فانحاز بنقاء صوفي للفكرة المجردة في حياة المجاهدين والشهداء ليخط روايته "على جناح الدم" بتاريخ 6/10/2004م، والتي لاقت صدىً كبيرا وإعجاباً بالغاً، وكتب في المتخاذلين عن دربهم ممن رماهم الاحتلال بعد أن عصرهم مثل قشرة ليمون –كما يصفها في مونولوجات روايته- فسطّر "ظل الغيمة السوداء" في 29/3/1998م، وعرف مدى ارتباط هويته في الأرض فشاج شعوراً في رواية "الهوية والأرض" في 25/5/1997.. ولم ينفذ مخزون الذاكرة واللغة ومساحة الخيال لدى الأديب حسونه، فها هو يخرج للنور "خارج الزمن".
وقد أنتج الأسير المتحرر بروحه مجموعة قصصية أولى بعنوان ((صُورٌ مِنْ خَلّفِ القُضّبانْ)) شاملةً لأكثر من أربعة عشر قصة قصيرة، كان أبرزها: "وبعد ربع قرن، للضرورة أحكام، سمكةٌ في السجن، الباقي: نصف جسد، رسم الخيال، أمسية سجين، استيقاظ متأخر، القط، المجلة، فواز، جوّعى الحرية، أبو أيوب، أملّ، العودة إلى غرفة التحقيق".. وبدأ حسونه في اتجاه آخر وجديد، متمثل بكتابة قصص قصيرة مصورة تحمل الطابع الرمزيّ، بحيث تُنتج القصة القصيرة مدعمة برسومات معبّرة وفكرة إخراجية نهائية للقصة.

إجازة الطباعة
وتقديراً لأعماله وعرفاناً له من أهل العلم والخبرة في الأدب، حصل الأسير حسونه على عضوية اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين في 18/1/2006م، أي بعد عشر سنوات من بداية مشواره الأدبي، والآن وبعد إنجازات عديدة حققها حتى نهاية عام 2010م، من تأليف روايتي على جناح الدم، وخارج الزمن.. ومن القصص القصيرة كـ"صهوة الريح" -حيث أنها جاءت مختلفة اللون عن سابقتها ضمن سلسلة يعكف على إخراجها للنور قريباً-. قد حاز حسونه على إجازة خطية من رئيس اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين "الأستاذ غريب عسقلاني" لتفتح له الأفق لطباعة ونشر أعماله في الضفة الغربية المحتلة.
يقول عسقلاني: "الاتحاد يحاول دعم الكتاب الفلسطينيين عموماً، لكن قضية الأسرى بما تحمله من قيمة لدينا تجعلنا نهتم بها أكثر، وإذا كان الحديث هنا عن أديب بقوةِ وحجم إنتاج أدبي كالأسير شعبان حسونه فإن اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين يضع نفسه تحت خدمتهم دوما"، وأضاف: "كذلك إن توسيع مجال نشر وتوزيع مثل هذه الروايات خارج قطاع غزة إلى الضفة -ومستقبلا إلى الخارج- سيساهم في تقوية تأريخ هذه المرحلة، وسيضع الحركة الأسيرة في صفّ مهم جداً بين الكتب والمراجع الأدبية". وحين سؤالنا له عن أقصى ما يتمناه هو كأديب لهذه الروايات، قال عسقلاني: "أتمنى أن توضع هذه الروايات في محكّ النقد الأدبي من المهتمين، وكذلك في محلّ المرجع الأدبي للباحثين في رسائل الماجستير والدكتوراه كمعرض للنماذج النقدية".

من الأدب إلى الدراما
ويعكف الأديب الأسير في الوقت الحالي على التركيز على رواياته الأربعة الأولى، فكل من يقرأها يجد فيها السهولة لإخراجها كأفلام سينمائية درامية، أما فيما يتعلق بترجمة روايته إلى لغات أخرى فيرجئ الأسير المشكلة إلى مبالغها الطائل وأنها متعلقة بمغامرات الكاتب، رافضاً هذا في استثمارات أدبية تطول حتى تتحقق نتائجها ويتحمل فشلها الآخرون.
وعودة إلى المحور الأول، عُرضت روايتا "على جناح الدم"، و"ظل الغيمة السوداء" على عدة مخرجين سينمائيين، كان منهم المخرجة المصرية د. عزة عزت التي جاءت في زيارة سريعة منتصف شهر أكتوبر الماضي إلى قطاع غزة لإلقاء محاضرات حول فن الدراما وكتابة النص السينمائي، فكان من محاور الدورة عرض نماذج لتحويل النص الأدبي إلى نصّ سينمائي في "سيناريو لعمل فني"، حيث حازت الروايتان معرض النقد والمناقشة.
وأضافت د. عزت: "أنا سعيدة جداً بوجود مثل هذه الروايات في يديّ، وممتنة أيضا للقدر الذي جاء بي إلى هنا، وسأعود إلى مصر حاملة معي جزءاً لا أعتبره هيناً من هذه الذكريات والكتب، وخصوصاً ما كنت أبحث عنه فيما يخص المرأة الفلسطينية وقضية استشهاد ابنها وكيفية تعاملها مع الوضع حقيقة لا إعلاماً وترويجاً، فرواية "على جناح الدم" كانت إجابة حقيقية بكل المعاني الواضحة لما كنت أودّ الاستفسار عنه".

في حين ذلك كله، ظَلَّ الأديب حسونه يكتب رواياته بغزارة في وجه صمت نقدي وإعلامي وتعتيم السجان الصهيوني طيلة فترات اعتقاله المتفاوتة حتى يومنا هذا، وكانت أعماله وما زالت مرمى أعين كثير من قراء ومتذوقي الأدب، فمؤلفاته الأدبية لا تهتم بسرد الحوادث فقط وترتيب الوقائع، وإنما تُعنى برسم صورة للشخصية تُعرِّفنا به وتجلو لنا خلائقه وبواعثه، مثلما تجلو الصورة ملامح من تراه بالعيّن، مما جعلت منها قيمة تزدان بها مكتبة أدب السجون، فبعد أن فرضت أعماله نفسها على النقاد نالت إعجاب كثيرين.. فوصفوها بأنها الشيء الذي يشدك نحو متابعة النص الروائي حتى منتهاه، "فقد تميزت بالإيغال في الواقعية إلى درجة معايشة الحقيقة وملاحقة تحولات السرد، والمصداقية التي رسخت معالمها تضحيات المجاهدين فباتت عرائس الشمع التي شهداؤنا في سبيلها أحياء نابضون"، كما وصفها د. عبد الخالق العفّ – دكتوراه في نقد الأدب العربي والمحاضر في الجامعة الإسلامية- في إحدى تعليقاته. ولقد أضيفت هذه العوامل إلى عبقرية أصيلة وشاعرية فياضة فإذا نحن أمام شخصية فذة ولكنها متمردة الطموح.

أملٌ لا يحده سماء
ومن مقتطف رسالة للباحث "جواد الهشيم" –ماجستير في رسالة بحثية حول الشعر الفلسطيني الملتزم- أرسل بها للأسير الأديب حسونه بعد صدور رواية "على جناح الدم"، يخطّ فيها قوله: "لقد عاتبني قلمي رغم سؤالي المتكرر عنك، كيف لا تكتب لمن أحببت جوهراً وموضوعاً، أليس الأخ شعبان من سطر بصبره معاني الشموخ؟!.. أليس الأخ شعبان الأديب المبدع المسافر أبداً بفكره ورؤاه تارة في ظل غيمة وتارة على جناح طير.. شوقاً إلى كل المستضعفين يأخذ بأيديهم لمجابهة كل طغاة الأرض..".

ورغم معوقات النشر التي تتوالى في حلقة متصلة من ثلاث أجزاء بدءاً من مصادرة السجان لجزء كبير من كتابات السجناء خلال كل حملة تفتيش، ومروراً بصعوبة إيصال ما كتب الأسير إلى الخارج، وانتهاء إلى الأوضاع المادية التي تحول دون الطباعة الوافرة وتراجع نسبة القراء في الشباب العربي.. تبقى كتابات الأسرى ومنهم الأسير حسونه نموذجاً شاهداً لتاريخ سطّر بالدم أولاً، وبصبر الأسرى وشموخهم بعد حين.

مشاريع الأسير شعبان حسونه كثيرة فالطموح متفجر ومستمر، فقد استطاع أن يصنع من أقل الأدوات -مكتباً صغيرا من الكارتون وكرسياً- مكتبة للكتب التي يقرأها والكتابات التي يكتبها، وجعل من زنزانته صرحاً أدبياً سامقا، فهل يسعنا أن نزجي امتنانا لأقلام سكبت عطاءً في أحلك الظروف وأصعبها.
قبسّ..

وكوة الباب الحديدي المصفَّح الداكن، مسدودة بوجه سجان لا يكف عن استعجاله للخروج بصوت أجش يتكلم العبرية بلكنة روسية، ودَّع أمجد النتشة إخوة زنزانته بمآقي تفجرت بعينين غداقين.
ما تخيلوه دامعاً من قبل، ولا هو نفسه كان متوقعاً كل تلك الدمعات الساخنات. باغتته من صدر نشج وأحضانهم المحبة تتلقفه –كقدر على فجأة، فتمكنت منه ولو يقوَ على حبسها. وبدمعه الجاري، وحقيبة صغيرة حملها بيده، اقتاده السجان- بعد أن انتزع نفسه من أحضانهم انتزاعاً –عبر أروقة بيضاء باردة قاسية، اقتاده إلى مستودع أمانات سجن بئر السبع. خلالها، لم يسمع غير الصوت الرتيب وصداه لوقع أقدامه والسجان، ولم يرَ غير صور صهرهم وإياه الكرب العظيم في نفس واحدة. عيناه أبتا برحهم.. بقتا تراقبانهم في زنزانتهم، لتؤججا فيه ألمَ بقائهم خلفه، كأب وأخ قُدِّر له الخلاص الفردي من بيت يحترق دون أبنائه وبقية إخوته، فيما حياته الاعتقالية الطويلة مرره شريطاً سريعاً في خاطره، كما تمر بالإنسان حياته لحظة شعوره بمجيء الموت المحقق.
غير قميص وسروال وحزام، لم يكن له من وديعة في مستودع أما ناره السجن المغطاة جدرانه برفوف مليئة بأكياس قماشية رمادية اللون. أخرجها الضابط المسئول من المستودع، من كيس كالمصفوفة على الرفوف، وهو يقف على جانب سجانين آخرين، خلف طاولة ضخمة تتوسط المستودع، وعلى طرفها الأيسر يجثم جهاز حاسوب؛ ثم ألقاها قبالته على الطاولة، لتهتز ذاكرته مُسقطة في مخيلته صورة لذلك ولشاب الوسيم الذي مكانه قبل ربع قرن من الزمان المحترق، وهو يرتديها مزهواً بأناقته وعصريتها. جمعها في حقيبته بيدين تتحركان هوناً، وهوي يصارح شعوراً عنيداً بالرثاء لذلك الشاب الذي مكانه، وذاكرته تعيد عليه مشهد تجريده منها غصباً في عمارة الخليل ليحتفظوا عليها، ويذيقوه إهانة كشف العورة لأول مرة، ويلبسوه أسمال الاعتقال الكحلية المقيتة تجهيزاً إياه للسلخ، تحده أسقف غرف تحقيق العمارة الجهنمية. وقبل أن يغلق حقيبته عليها.. سحبها الضابط من بين يديه قائلاً: "ستستلم كافة متعلقاتك بعد أن تلتقي بضابط الاستخبارات، ثم دفع بها للسجانين القريبين منه، وهو يبتسم لها ابتسامة المحقق.
تلقفاها بسعادة مقبل على ممارسة هواية مفضلة. وراحا يستمتعان بنبش ما فيها من محتويات رافقته مسلية في فترات طويلة من رحلة اعتقاله ولوحشة، وهو ينظرهما بعينين حبلاوين بغيظ، ثم انضم إليهما ضابطهما، ليتوقف وإياهما طويلاً عن مجموعة من دفاتره، التي يحتفظ فيها بمختارات من لآلئه الثمينة، التي استخرجها من منجم وجدانه، في محطات متباعدة عبر رحلته الاعتقالية، ونحتها وصقلها ونظمها ليُتحفَ بمراجعتها حين يعصف به شعور الغربة والوحدة.
وبعد أن تنافروا بها هازئين.. صادروها منه. وعلى مرأى من عينيه، ألقوها على طاولة صغيرة قريبة من سلة المهملات، بحيث لا يعوزها غير دفعة خفيفة لتكنس داخلها. وعبثوا بألبوم صورة. ونزعوا بعضاً منها، وعند صورة للشاب الذي كان قبل الاعتقال.. توقفوا، كما لو كان عنها يبحثون، وسألوه: "أهذه صورتك؟".
أنكرها شفقاً على نفسه من أنياب شماتتهم. فقالوا: "هي صورتك. لماذا تنكرها؟ أنظر كم كنت وسيماً".
ثم أودعوه، بعد أن فرغوا من تسليتهم، وزنزانة فارغة.. إلا من الرطوبة، والظلمة، والعفن، وكرسٍ طويل.. لم يجلس عليه؛ إذ اختار زراعة الأرض جيئة وذهاباً؛ ليسهل عليه التحليق في سماء خياله الرحب خلف خواطر ذاهبة في المستقبل الآتي، وأخرى عائدة إلى الماضي المنصرم – وبعد عدة ساعات من وجوده فيها.. قادوه مكبلاً على غرفة ضابط استخبارات السجن.
تلقاه الضابط الأربعيني، الذي يصغره بأعوام قليلة، وهو جالس خلف مكتبه المتواضع، وعن يمينه يطل رئيس دولته (موشي كتساف). بسحنته الإيرانية، من صورة معلقة على جدار تنتشر عليه صور أخرى لعدد من مؤسسي الحركة الصهيونية، وأجلسه قبالته بأصفاده مظهراً لطفاً لا يستقيم والأصفاد. ولما شعر بأنه يسخر من لطفه.. قال معتذراً: "هذه قوانين لا يمكننا تجاوزها، فإنك لازلت في نظر القانون سجيناً".
طالع ساعته، وقال بوجه ساخط: "ومتى تنتهي صفتي كسجين؟".
رفع حاجبيه، وألصق كتفيه بظهر كرسيه الوثير، الذي يئن كلما تحرك، ثم أجاب بهدوء: "طالما لم تخرج من بوابة السجن فأنت سجين".
لم يعقِّب، فأردف الضابط وقد فرد على وجهه ما يشبه الابتسامة: "تحملَّت خمساً وعشرين سنة، فتحمل دقائق أخرى للحديث معي، فإنني أتمنى أن يكون هذا لقاءنا الأخير".
هزَّ أمجد برأسه المستاء دون أن يجيب. فتابع الضابط: "وكبرنا في السجون معاً يا أمجد، التقينا وافترقنا أكثر من مرة، في أكثر من سجن، وأما هذه المرة…". ورفع يديه، ومط شفته السفلى، ثم تساءل: "من يدري؟..".
أجابه وبصره إلى الجدار لدى صورة لهرتسل: "ونحن نعيش على أرض واحدة، واحتمال اللقاء بين نم يعيشون على الأرض الواحدة وارد، ولكنني أعدك بأنني سأحاول جعل اللقاء بيننا مستحيلاً".
بدا كأنه عدل عن قول شيء ليسأل: "ماذا ستعمل؟".
"زبّالاً".
ضحك الضابط، كما لو استمع لطرفه، ثم قال: "أنتم أيها السجناء القدماء تجيدون صناعة النكات".
ردَّ بوجه صارم: "فقط مع ضباط الاستخبارات..!".
"فقط مع ضباط الاستخبارات.. لماذا؟".
ابتسم ابتسامة ذات مدلول وهو يجيب: "تحتاج لضباط استخبارات كي يجيبك على هذا السؤال".
ردَّ متسائلاً بلهجة زميل عمل معاتب: "دعك من هذا، وأجبني: ماذا ستعمل؟".
أجاب بضيق: "قلت لك زبالاً".
فقال وهو يمط بكلماته: "لا يعقل لمناضل كبير مثلك، أن يعمل زبالاً للناس، بعد كل سنوات الاعتقال هذه، فقل غير هذا الكلام".
فأجابه وهو كابح الاحتداد في نبرته: "ولم لا يعقل؟.. سبق لي وأن حملت السلاح من أجل الناس، والآن سأحمل من أجلهم المكنسة، فالمهم خدمة الشعب. لما كان ساعدي قوي حملت السلاح، والآن بعد أن وهن سأحمل المكنسة".
أطلق قهقهة عالية، وقال: "الآن فهمتك ستعمل كناساً للفساد.. أليس كذلك؟!. نعم، كنس الفساد. تردد كثيراً في الاصطلاح على مسامعي، من السياسيين الفلسطينيين في هذه الأيام، ولكن، أي أنواع الفساد ستكنس.. العملاء؟".
أنكر بشدة: "لا لا، فهمتني خطأ". وتابع وهو يعدل من جلسته والأصفاد تصلصل في يديه: "أقصد: كنس الزبالة من الأوراق والمعلبات الفارغة وحفائض الأطفال وما شابه".
غمز بعينيه، وقال: "ماذا تقصد بالأوراق والمعلبات الفارغة وحفائض الأطفال؟.. أنتم العرب تحبون الكلام بالألغاز.. تدليع الأشياء وتمويهها بتسميتها بغير أسمائها".
"نحن لا نحب تسمية الأشياء إلا بأسمائها الحقيقية، ولكن أنتم اليهود تحبون أن تحملِّوا الكلمات غير معانيها، فعندكم مذهب الكبلاة الذي يُحمِّل حتى كلمات التوراة معاني غريبة.. لا عندنا...".
قاطعه: "ما مذهب الكبلاة هذا؟..".
أجابه بسآمة: "غير مهم. ولكن المعاني الحقيقية لكلماتي، هو ما أقصده منها.. القصد الذي يعرفه الأطفال الصغار".
سأل بعينين يفتحهما تعجب مسرحي مصطنع على وسعهما: "أو ليس العملاء، هم حقاً زبالة، والذين يخطبون بشعارات كبيرة لا يطبقونها علب فارغة؟..".
أجابه محتجاً: "إذا كنت تريد تحميل كل كلمة أقولها المعنى والقصد الذي تهوى.. سوف لن تستطيع فهمي مطلقاً".
فقال بنزق: "إذن قل كلاماً يقنع" ثم غيَّر من تعابير وجهه ولهجته بما يتلاءم مع الحديث الذي يريده ودياً: "أنتم السجناء القدماء تحبون الوظائف في السلطة، وتفضلون الوظائف المدنية لا العسكرية".
لم يرد، فحثه: "ها.. أليس كذلك؟".
صمت لحظة، ثم قال ضجراً: "أخذتم مني خمساً وعشرين سنة، وإن بقى لكم شيئاً تريدون أخذه فخذوه، فما بقى لي من سنوات ليست أغلى مما سرقتم".
قال معترضاً: "لم نسرق منك يوماً واحداً، أخذنا حسابناً بالضبط".
نظر في ساعته، وقال: "سرقتم مني اثنتي عشرة ساعة زيادة، اعتقلتموني الساعة الثالثة صباحاً.. وها هي الساعة الثالثة عصراً".
فقال ببرود: "وما يضير من أمضى خمساً وعشرين سنة بضع ساعات زيادة" وأضاف بلهجة مختلفة: "ولقاؤنا هذا قد يكون الأخير، يا أمجد!".
فسأله ساخراً: "وهل ستشتاق لي؟".
"بكل تأكيد، فإنني أعرفك منذ كنتُ شرطياً صغيراً".
"بل منذ كنتَ سجاناً صغيراً".
ردَّ وهو يستشعر الإهانة: "وها أنا الآن ضابط كبير، بينما أنت كنت سجيناً شاباً وكهلت في السجون".
"دائماً كنتَ سجاناً، كنتُ سجيناً، وها أنا الآن أعود إلى شعبي مكللاً بالشرف الرفيع، وأما الكهولة فلكلينا".
"وما قيمة الشرف بعد أن أفنيت عمرك في السجون؟".
ردَّ بنصف ضحكة ساخرة، فأردف: "يبدو أن لقاءً قريباً سيكون بيننا".
"أعدك بأنني سأحاول جعل اللقاء مستحيلاً بيننا من جديد".
حدجه بطرف عينه، وهو يقول: "ستفضل الشهادة على السجن. أليس كذلك؟".
فتر وجهه عن ابتسامة صاغرة، وقال: "لقد كبرت سني، ولم يعد في مقدوري سلوك طريقها".
رأى أمجد في عينيه المتنقلتين استحضاره ليوم مضى عليه أكثر من عشرين سنة، يوم عركه في صدام نشب بين الأسرى وإدارة سجن عسقلان، فقال بابتسامة ذات مغزى: "لمي عودوا كما كان قبل عشرين سنة".
ردَّ بابتسامة خبيثة، وقال ملمحاً إلى سيطرة قوات السجن عليه، وانتقامها منه بعد أن أُوسع من ذراعيه ضرباً: "بل لازالا في قوتهما، ولكنهما تعلما كيف يكونان حكيمان".
انعكست ابتسامة الضابط على مرآة وجه أمجد، وقال: "بل خبرتا كم يكون الجبان مقداماً إذا امتلك القوة وكان خصمه أعزلاً".
فقال بهدوء يواري قلباً يحترق غيظاً: "أتعلم أنه بإمكاننا تجديد اعتقالك بمسوغ قانون الاعتقال الإداري؟".
فقال بلا مبالاة: "أعلم أن لديكم قوانين تسوِّغ لكم أيضاً حتى قتلي، وقتل أي فلسطيني آخر، وهدم بيته، وتشريد عائلته، وحرق زرعه".
دق على مكتبه بأطراف أصابعه النزقة، دقات متوعدة، إيقاعها يشبه طرق حواف حصان يعدو، ثم قبضها بغتةً، وقال بعصبية: "لن تتغير، غير مهم، ولكن من المهم ألا تنسى ما سأقوله لك: عش حياتك مثل الناس، فأنت تعلم أن عيننا تراك حيثما كنت، ومسدسنا لن يفارق رأسك، في المرة القادمة لن تكون لك محاكمة، مصيرك سيكون كمصير كل من طالتهم صواريخ طائراتنا. مع السلامة".
نهض بأصفاده، ويمم وجهه شطر الباب، فرأى سجاناً يطل منه في انتظاره، اقتاده السجان في طرقات تملؤها الشمس، وتحفها أسلاك شائكة خلفها حدائق صغيرة منتشرة بين أبنية أسمنته صامت، هاله صمتها؛ فهمس لنفسه ورهبة نم يسير وسط مقبرة تظلله: "ألف من الرجال يثوون أحياءً خلف تلك الجدران، أراد أن يؤكد لنفسه هذه الحقيقة التي خرج منها تواً، ليُذهب عنها شعوراً خالجها بأن الحياة خلف تلك الجدران مستحيلة، وأنَّ عيشه المديد فيها لم يكن سوى كابوس طويل طويل.
وتوقف به السجان عند سيارة من نوع فورد – طراز جيمس، نوافذها محصَّنه بشباك حديدية سميكة، وقسمها الخلفي يشطره حاجز من ذات الشباك، فيه باب صغير، أدخلوه منه، ثم أغلقوه عليه بقفل، وإلى جواره، على الجانب الآخر من الحاجز، جلس سجان مسلح ببندقية رشاشة وتحركت به السيارة بتلكؤ نحو البوابة التي ابتلعته شاباً صغيراً، وقد بدت حزينة يعز عليها أن تلفظه حياً. ومع كل متر كان يتخطاه بالسيارة، كانت جماهير غفيرة داخله تقيم عرساً، وبلغت الأعراس أوجهها والسيارة تخرج به إلى الشمس الطليقة.


منقول
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بسمة زرارة
عضو ذهبي
عضو ذهبي



المزاج : حسب الظروف

الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة   الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة Emptyالإثنين يونيو 27, 2011 10:03 pm

أبو جهاد

يعطيك العافية على النقل المميز

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الدوايمة / من أدب السجون خارج الزمن للأسير الروائي شعبان حسونة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الدوايمة /: من أدب السجون عشيقتي جنى للأسير المحرر رأفت حمدونة
» الدوايمة / من أدب السجون ( عصفور يشارك الأسرى سجنهم) للأسير المحرر رأفت حمدونة
» الدوايمة / من ادب السجون ( خلف أسوار السجون ) تامر عبد الغني سباعنة
» الدوايمة / حملة الأسرى يريدون إغلاق السجون لمنتديات الدوايمة
» الدوايمة / حلم لم يتحقق بعد رواية فلسطينية للأسير علي الصرفيتي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع منتدى الدوايمة الاكتروني al-Dawayima تأسس 27 سبتمبر 2008  :: خيمة القضيه الفلسطينية :: منتدى الأسرى والمعتقلات الصهيونية-
انتقل الى: