القدس... عنوانٌ مُتجدّد للنكبة

راسم عبد الواحد ****
القدس... عنوانٌ مُتجدّد للنكبة

لم تكن عائلة صلاح في حيْ بيت صفافا، وقبلها عائلات الكرد والغاوي وحنون في حيْ الشيخ جراح، العائلات المقدسية الوحيدة التي شهدت فصول نكبة جديدة ضد الشعب الفلسطيني في مدينة القدس، فهناك عائلات سبقتها، وهناك عائلات ما زالت تعيش هواجس الترحيل والتهجير وتؤكد مُجدّداً أن فصول النكبة لم تنته بل تتجدّد كل يوم ما دام الاحتلال جاثماً على صدور المقدسيّين.

ولعلّ في تمسك المواطن عبد الفتاح نمر عبد ربه، بأرضه بقرية الولجة، جنوب القدس، ورباطه وإقامته في كهفٍ بوسطها منذ العام 1987م ما يُدلل على مدى تمسك الفلسطيني بأرضه وعشقه لها.

ومنذ سنوات وسكان حي البستان ببلدة سلوان جنوب القدس القديمة، وعددهم يزيد عن الألف وخمسمائة مواطن، يعيشون ظروفا نفسية صعبة، وتحت وطأة تهديدات الاحتلال بترحيلهم وتهجيرهم وهدم منازلهم في الحي لصالح إقامة 'حدائق ' تخدم أكذوبة وخرافة الهيكل المزعوم، فيما يخشى سكان القدس في الأحياء المجاورة من أن ينسحب ذلك، لو نجح، على سائر منازل الأحياء المجاورة، في إطار مخططات تهويد المدينة ومعالمها.

وما ينطبق على حي البستان ينطبق تماماً على حي الشيخ جراح، حيث كانت تعيش 28 أسرة فلسطينية فيه منذ ستينات القرن الماضي وقبل، وهم بالأصل ممّن تم تهجيرهم من أحياء أخرى في غربي المدينة، وتم إسكانهم في هذه المنطقة وفق اتفاق بين 'الأونروا' والحكومة الأردنية.

ورغم إبراز كافة الأوراق الثبوتية والتي تم جلب قسمٍ منها من الحكومتين الأردنية والتركية، إلا أن الجماعات اليهودية المتطرفة نجحت في وضع يدها والاستيلاء على عدد من منازل الحي تعود لعائلات الكرد والغاوي وحنون، بدعم ومساندة سلطات الاحتلال، فيما لا زال الخطر محدقا بسائر منازل الحي.

وتتكرر فصول النكبة مع هدم كل منزل فلسطيني في مدينة القدس، حيث تُسارع لجنة الصليب الأحمر لتزويد العائلة بخيمة تؤوي الأسرة فيها بعد عملية تشريد قسرية، ويكاد هذا المشهد لا يغيب عن أذهان المواطنين على مدار أيام السنة، وبحججٍ لا تعجز سلطات الاحتلال على الإتيان بها.

ورغم كل محاولات الترحيل، من خلال فرض الضرائب، وبناء جدار الضم الثعباني، والتضييق على المواطنين، إلا أن السكان يزدادون تشبتاً بمنازلهم وأرضهم وقدسهم، ويؤكدوا أنه لا يمكن للاحتلال أن ينجح في مخططاته، وهذا ما يتجلى في قصة المزارع عبد ربه الذي فضّل الإقامة في كهفٍ بأرضه الزراعية المُهدّدة بالمصادرة جنوب القدس، ولسان حاله يقول إن العيش في كهفٍ هي الطريقة الوحيدة التي يستطيع فيها البقاء في مزرعته.

وكان هذا المزارع الفلسطيني، البالغ من العمر 48 عاماً، قد ورث هذه الأملاك الواقعة في قرية الولجة على الحافة الجنوبية من مدينة القدس من والده وجدّه، لكنه اضطر إلى تركها خلال حرب الأيام الستة في العام 1967 عندما احتلت إسرائيل المكان. وفي العام 1999، عاد إلى الولجة والمزرعة، مخاطراً باحتمال أسره الدائم، ومتجاهلاً قراراً إسرائيلياً بضم الولجة إلى القدس. ويقول عبد ربه إنه يمضي معظم ليالي الأسبوع في الكهف ذاته الذي كان ينام فيه عندما كان طفلاً، لكنه يتعرض لضغوطٍ كبيرة من سلطات الاحتلال لترك الكهف.

اللاجئ الفلسطيني أحمد عبد الله محمد علي، وعمره الآن 90 عاماً، يروي كيف وصل به المطاف من قرية أبو غوش القريبة من غرب مدينة القدس المحتلة منذ نكبة عام 1948م من لجوءٍ إلى لجوء حتى وصل به المطاف إلى مخيم شعفاط للاجئين وسط القدس.

يقول: 'تم تهجرنا من أبو غوش إلى حي الشرف في البلدة القديمة قرب حائط البراق، ومكثنا هناك أكثر من عشرين عاماً، وتزوجت ورزقت بأبنائي هناك، وعندما وصلنا إلى هنا لم تكن أي خدمات مقدمة، لا ماء ولا وحدات سكنية، وعشنا التشرد من جديد حتى قامت وكالة الغوث بتقديم الوحدات السكانية لنا'.

ويضيف الحاج محمد علي، إن الحياة مع بداية المخيم كانت أصعب من رحلة اللجوء الأولى والتشريد من قريته الأصلية. وتابع: 'جئنا هنا وكانت عبارة عن صحراء لا يوجد فيها أي مصدر للحياة، وكان علينا الاعتياد من جديد على الخيمة ومن ثم وحدات الوكالة الضيقة'.

ويقيم الآن الحاج محمد علي ويواصل مسيرة لجوئه في مخيم شعفاط مع نحو أربعة آلاف لاجئ تكاثروا ليصل عددهم الآن إلى 25 ألف مواطن على نفس قطعة الأرض.

ولعلّ جُل ما يحاول أن ينجح به الاحتلال في القدس هو أن يجعل الفلسطيني المقدسي يتملكه شعورٌ بالإحساس بأنه غريبٌ في وطنه ومدينته، وسط عُزلة كاملة عن محيطه الفلسطيني وعن عالمه العربي والإسلامي.

» القرى المنكوبة بالجدار والاستيطان تحيي الذكرى الـ 62 للنكبة
» عشية الذكرى الـ63 للنكبة: التماس ضد "قانون النكبة"
» لتأكيد حق العودة حملات بلبنان في ذكرى الـ63 للنكبة
» حزام استيطاني.. بلدية القدس تخطط لبناء 15 الف وحدة استيطانية في القدس
» القدس القديمة هي مركز مدينة القدس العاصمة ألابدية للثقافة العربية