هزيمة 1967 ونصر 1973

المدير العام العمر : 59 *المزاج* :

هزيمة 1967 ونصر 1973

واحد وأربعون عامآ مرت على هزيمة 1967 . وفي كل عام في الذكرى تحفل وسائل النشر بمقالات وأبحاث ودراسات تضع تلك الهزيمة تحت المجهر ، وتتكفل بالتشريح وإجراء القراءات النقدية والكلمات الإنتقادية ، وهي بحق ضرورية للوصول الفعلي والموضوعي للأسباب والنتائج لإستخلاص الدروس والعبر وتجاوز السلبيات والخطايا ، وتدعيم وتطوير الإيجابيات والأفعال المضيئة . إذ لكل حدث كوني .. عالمي .. إنساني نواحي إيجابية وأخرى سلبية يتحواهما في مضمونه بغض النظر عن نسبة الإيجابيات أو السلبيات .
هذا العام تحل الذكرى الواحد والأربعين وقد تقلصت وإنكمشت بشكل كبير ملاحظ ، تلك المقالات والأبحاث والدراسات التي تحولت في معظمها في الفترة الأخيرة إلى : تكرار ، وهوجه ، وإلى سياط نجلد بها أنفسنا ويجلدنا بها الآخرين . وعوضت بعض " الفضائيات العربية " هذا التراجع مهما كانت أسبابه ، بالإتكاء المقصود على ذكرى الهزيمة لتقدم وتستضيف ( دعاة ثقافة الهزيمة) ليمتد أثرهم وطروحاتهم إلى مجمل هويتنا وإنتمائنا العربيين . وليبلغوا حدود التطاول والتشويه والتجريح والتحطيم لتاريخنا العربي كله .
ومع إنعكاسات الهزيمة آنذاك ، إلا انها لم تكن على درجة من الخطورة المهددة لمنظومتنا الفكرية والسياسية والإقتصادية والتنموية ، بل أن الأخطر بكثير هو ( إختزال ) تاريخنا العربي القديم والحديث في نتائج هزيمة 1967 العسكرية . مغفلين عن عمد وسوء نية ، أو عن قصور تحليلي أو عن إستمراء جلد الذات وعذاباته ، أننا كأمة مشمولة بأحكام التاريخ وقوانينه وحتمياته كما كل الأمم الأخرى : نهزم وننتصر ، نتراجع ونتقدم ، لكن مشروعنا باق لم يفشل .
لقد أشاع دعاة ثقافة الهزيمة والإستسلام فينا ، وأشعنا وتشربنا في بعضنا ونحن نبحث ونتدارس أسباب الهزيمة ، لتمتد تلك القراءات النقدية وصولآ إلى نتائج وإنطباعات سادية وعدائية بحق أنفسنا ، وخاصة من قبل طبقة بعض المثقفين المفترض أن يكونوا ضمير الأمة وحسها النقي المضيئ الواعي والمدافعين عن هويتها وحضارتها ووجودها ، وأن يكونوا الحامل الرافع لكيان الأمة ، لكن تحولوا إلى جلادين للذات وللأمة وللتاريخ .
ولعل النظرة إلى هذا التقلص في التعرض للهزيمة والتجريح أو النقد ، تعزى إلى إما :
• أن كل مابحث ودرس وطرح لم يعط نتائج ولا فوائد ولا تصحيح ولاعبر ، فتسود حالة الإنكماش والتناوم واليأس .
• أو ان نكون في معظمنا قد شبعنا من ألمنا وتعبنا نتيجة جلد ذاتنا الذي أفاقنا لنرى أمورآ أخرى كان ألمنا يغطي عليها فلا نراها ، مع طغيان الليل الحالك والدماء والدمار الآن .
لقد إستمرت دراسة وبحث أسباب الهزيمة أربعون عامآ مترافقة مع ألم جلد الذات .. ولم نعمل للإستفادة من العبر المستخلصة ، بل تحملنا ولادات الآلام والتراجع والذل والخنوع ، وإرتفعت نسبة الفقر والتسول والعاطلين عن العمل والتضخم والديون .. والسجون . وكبرت الهوة بين الحاكم والمحكوم ، وسادت الشراكات مع الأجانب بشروط المرور بأمن إسرائيل والتطبيع معها .
ولقد إختزلت الكتابات ومعظم المقالات والمقابلات ، وتوقفت فقط عند الهزيمة العسكرية عام 1967 . وفصلت ماقبل وما بعد هذا التاريخ عن عمد وقصد ، أو عن حسن نية وغياب رؤية . وإن كنا نقبل وندفع للنقد البناء ، وبإعتبار أن الهزيمة هي حلقة سلبية ضمن حلقات إيجابية مضيئة قبلها وبعدها في مسلسل الكفاح والنضال الوطني الذي خاضته الأمة العربية دفاعآ عن وجودها وإستقلالها وكيانها وهويتها ، إلا أنا لانقبل .. ويصبح القبول عمى وغياب وعي ، إن أحيلت كل تلك المعاناة والهزائم والتراجع والتشتت والضعف والإستسلام السائدين اليوم ، إلى وعلى هزيمة حزيران كمسبب ومنتج ، وتغاضينا عن الأسباب الحقيقية لما نحن فيه الآن .
إن الأسباب الحقيقية بعيدآ عن غايات مشبوهة ومقاصد تزوير الذاكرات ، تعود في بداياتها إلى :
حرب أكتوبر التحريكية ، وإلى منتجاتها من إتفاقات السلام والإستسلام لإسرائيل والتطبيع المجاني او بثمن – الأوطان لاتباع ولاتشرى – معها : كامب ديفيد ، وادي عربة ، اوسلو ، كبدايات أساليب التفاوض المهدر للسيادة وللحقوق وللكرامة وللأمن القومي العربي ، وصولآ إلى الصلح والإعتراف بالدولة الصهيونية والتطبيع معها .
وإنه لمن الخطل والخطايا وقصد محو الذاكرة وتزويرها ، أن لانرى أحداث ومفاعيل وإنجازات باهرة قبل وبعد هذه الهزيمة العسكرية .. من فقدان الذاكرة أن لانرى ونستوعب معارك الإستقلال والتحرر والتمكن من طرد الإستعمار من دول عربية كثيرة ، وان لانرى ولا نعمق في الذاكرة تصاعد نجاحات التنمية وخطط البناء وتراجع الأمية وتأمين العلاج والتعليم وإنارة أبعد القرى وتأمين نسبة عالية للإسكان وبدء مراحل تقدم الصناعة والتصنيع والإعتماد على الذات وتقلص الإستيراد الإستهلاكي ونمو التصدير المنافس ، في العديد من الأقطار العربية وخاصة في مصر وسوريا والعراق .
ومن أكبر الخطايا والمؤامرات على الذاكرة العربية أن يغيّب ويغطى منهج عبد الناصر قبل الهزيمة وبعدها مباشرة .. بأن ما أخذ بالقوة لايسترد بغير القوة . وان لانقف وبعمق عند السنوات الثلاث البالغة الأهمية التالية للهزيمة وحتى رحيل القائد ، من حرب الإستنزاف وإعادة بناء القوات المسلحة التي أمنت وحققت النصر العسكري بالعبور عام 1973 .
إن الصورة الحقيقية والواقع المعاش يقولان بكل وضوح : ان المقاومة كانت حاضرة وبقوة بعد الهزيمة العسكرية في حزيران ، وانها مستمرة على ذات الوقع والروح والإصرار والنهج . فمن معارك رأس العش إلى تدمير " إيلات " اهم مدمرة بحرية إسرائيلية ، إلى حرب الإستنزاف إلى الإنتصار الكبير المعمد بالدم في معركة الكرامة الفلسطينية ضد الصهيونية ، إلى تطور منهج وممارسة المقاومة الفلسطينية ومعاركها ، إلى معركة أكتوبر 1973 وعبور الجيش المصري وإقتحام الجيش السوري محطمين أسطورة جيش إسرائيل الذي لايقهر ، إلى لبنان التحرير والمقاومة سنوات 1982 ، 2000 ، 2006 ، إلى الإنتفاضات الفلسطينية ، إلى عراق المقاومة المحطِمة لآمال ومشاريع وماديات أقوى جيش في العالم ومحور شره أمريكا وإسرائيل ، إلى صمود سوريا أمام كل أنواع الضغوط والتسوير والحصارات لتبقى تقول : لا .. لا للإستسلام .. نعم لدعم المقاومة والممانعة .
لقد كانت لحرب حزيران 1967 وترتيباتها الصهيوأمريكية ، هدفان أساسيان :
• تحطيم الجيش السوري والجيش المصري وقوته المتصاعدة ، بإلحاق هزيمة عسكرية بالقوات المسلحة خاصة لنظام عبد الناصر . وفعلآ إستطاعوا تحقيق هذا الهدف .
• أن يتم الإرتكاز على وقع هذه الهزيمة العسكرية للقوات المسلحة السورية والمصرية ، وتعرية نظام عبد الناصر ، لتحقيق ( كسر الإرادة السياسية ) لجمال عبد الناصر ونظامه ، وتصفية دور مصر العربي وقيادتها لمعاركها التحريرية والتنموية والإستقلالية .
وهذا الهدف لم يفشل فقط .. بل ان وقوع وتحقق الهدف الأول ، اتت نتائجه مخيبة للآمال والتوقعات الصهيوأمريكية . لقد خلق روح التصميم والتحدي وأطلق حيوية كبرى قوية داخل نظام عبد الناصر ، والمجتمع المصري ، والوطن العربي . وخلق اللاءات الثلاث : لاصلح لاتفاوض لاإعتراف بإسرائيل . وتحولت الهزيمة إلى روح جديدة عاشت ثلاث سنوات من أنضج وأعمق سنوات نظام عبد الناصر في معظم المجالات : العسكرية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية .
وأتى / السادات / .. وكان طريقه قد بدأ بالإتضاح منذ 13/ مايو/1971 ، وإخراج الخبراء السوفيت ، وإنهاء معاهدة الدفاع المصرية السوفيتية ، وحتى بعد بدايات النصر العظيم في عام 1973 ، أتى ليقبل عام 1978 " بالشروط السياسية " التي رفضها عبد الناصر مع هزيمته العسكرية . فكان التراجع السياسي الكبير ، بعد نصر عسكري كبير تحقق بجيش عبد الناصر .
فكانت حرب 1967 هزيمة عسكرية .. وصمود وممانعة سياسية .
وحرب 1973 نصر عسكري .. وإستسلام وخنوع سياسي .
وهذا ما حرض / ميشيل عفلق / ليطرح عبارته الشهيرة : [ الهزيمة مع عبد الناصر ، أشرف من النصر مع السادات ] .
لقد كانت إعادة سيناء "كاملة السيادة "، عرضآ موجودآ بقوة قدمته أمريكا لعبد الناصر ، مقابل شرط قبول عبد الناصر بشروطها السياسية من إنهاء لدور مصر العربي وإنسحابها من الصراع العربي – الصهيوني . وقد رفضه عبد الناصر بقوة مع خسارته العسكرية ، فأتى السادات ومع النصر العسكري 1973 ليتنازل عن " السيادة على سيناء " ، ولينهي دور مصر العربي فتنكفئ على ذاتها ، ولينسحب من الصراع العربي الصهيوني ، بل لتصبح إسرائيل دولة صديقة وأخ اكبر لمصر تعيث فيها فسادآ وتسرق تاريخها وهويتها ومكانتها وثرواتها وأمنها القومي .
لقد قدمت الولايات المتحدة الأمريكية وعدآ / للسادات / .. بأن مصر بعد توقيع إتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل ، ستصبح بدعم أمريكا دولة صناعية متقدمة وغنية . وبعد التوقيع والتطبيع والإنفتاح ، ( اختزل ) هذا الوعد إلى صيغة " مساعدات " غذائية وبوليسية متدنية .
وهكذا في ظل التراجع والإندحار الحالي للعرب ، يصبح " السلام الإستراتيجي" العاجز ، ركضآ ولهاثآ وراء سراب ، وبكل مافيه من إستسلام وهوان وتفريط متزايد بالحقوق العربية ، وتسيد حالات التخلف والجهل والفقر والمرض والبطالة وضحالة التفكير وغياب الوعي والإرادة الفاعلة ، كامراضآ مزمنة قاتلة تنخر في الدول القطرية ، وبمجتمعاتها . وتتحول تلك الدول إلى دول إما : فقيرة ، أو ديكتاتورية ، أو تابعة إقتصاديآ وعسكريآ وتكنولوجيآ للدول الكبرى في العالم .
إن التحرر والسيادة والقوة مطلب أساسي للدولة ، ومساهم رئيسي في عملية التنمية وتطوير وسائل الإنتاج وتحقيق التصنيع . ولا تستطيع أي دولة عربية أن تحقق لوحدها تحررها وأمنها وتنميتها وتقدمها . بل لابد من تضافر جهود جميع الدول العربية لتحقيق درجات متقدمة من التنسيق والتكامل على طريق وحدتها وتوفير أمنها القومي العربي ، خروجآ من هذه الهزيمة الحضارية التي تنعكس مفاعيلها السلبية على جميع الصعد والمجالات.

المصدر
مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية

» اسرائيل تستعيد ذكريات حرب 1973
» امبراطـورية التتـار (6) : هزيمة التتار في عين جالوت
» حدود 1967 لا يمكن الدفاع عنها
» صحيفة اسرائيلية: دايان قرر في اجتماع حكومي ترك جنوده الجرحى لمصيرهم في حرب 1973
» حرب حزيران 1967