الأغوار الشمالية : تسمين الـمستوطنات وتدمير الزراعة والتعطيش عناوين سياسة التطهير العرقي

الأغوار الشمالية :

تسمين الـمستوطنات وتدمير الزراعة والتعطيش عناوين سياسة التطهير العرقي

الأغوار الشمالية : تسمين الـمستوطنات وتدمير الزراعة والتعطيش عناوين سياسة التطهير العرقي 6449

الأغوار الشمالية : تسمين الـمستوطنات وتدمير الزراعة والتعطيش عناوين سياسة التطهير العرقي 6449

الايام ******

عندما تقطع حاجز "تياسير" العسكري الإسرائيلي من مدينة طوباس في طريقك إلى منطقة الأغوار الشمالية، سرعان ما تقع عيناك على مبان ضخمة تعلو جبلاً شاهقاً شمال شرقي تلك الـمنطقة، كتبت عليها عبارة (مستوطنة مسكيوت) باللغة العبرية، وفي مكان غير بعيد يسابق الـمستوطنون الزمان، في تسمين مستوطنة (ميحولا) مترامية الأطراف، وفي منطقة قريبة منها قرية بردلا التي يخوض أهلها معركة البقاء في مواجهة محاولات إسرائيل اجتثاثهم من موطنهم، كما هو الحال بالنسبة إلى الفلسطينيين في منطقة الأغوار الشمالية التي يمارس فيها الاحتلال سياسة التطهير العرقي، أو كما يطلق عليها الفلسطينيون سياسة "الإحلال السكاني".
على حاجز تياسير، اعتاد الفلسطينيون على نمط معين من الـمعاملة التي تتحكم بها مزاجية جنود الاحتلال الـمتمركزين على الحاجز الذي طالـما شكل عنواناً للقهر والإذلال، حيث يستمر سائق الـمركبة في طريقه عدة أمتار، يجبر بعدها على التوقف بمحاذاة غرفة مغلقة بداخلها جنديان يتولى أحدهما مهمة تفتيش الـمركبة، والتدقيق بالوثائق الشخصية للسائق، وفي أحيان كثيرة إخضاعه للاستجواب حول وجهته، وأسباب توجهه إلى منطقة الأغوار.
أما الركاب، فيضطرون إلى السير مشياً على الأقدام مسافةً لا تقل عن عشرين متراً، بقصد التفتيش، حيث يضطرون إلى الانتظار طويلاً في أحيان كثيرة، حتى يأتي أحدهم صوت من داخل غرفة مغلقة، يطلب منه التقدم ببطء، وإبراز بطاقته الشخصية، وإفراغ كل ما في جيوبه، قبل أن يمر من داخل قفص يحتوي على آلة كشف الـمعادن، وفي أحيان كثيرة يخضع للفحص أكثر من مرة، قبل السماح له بعبور هذا الحاجز، أو منعه من ذلك بسبب أو دون سبب.
على مقربة من هذا الحاجز، هناك آليات عسكرية مدمرة يقول البعض إنها آليات إسرائيلية، والبعض الآخر يرجح أن تكون عربية دمرت خلال الحروب مع إسرائيل، وفي مكان قريب منها مجموعة من الخيام الـمخصصة لقوات الاحتلال التي تجري تدريبات عسكرية بالذخيرة الحية، على مدار الساعة في تلك الـمنطقة، وهي تدريبات عادة ما تشارك فيها آليات عسكرية ثقيلة، وطائرات مروحية تقوم بعمليات إنزال الجنود، وتحرق الأخضر واليابس.
تدريبات عسكرية
ويشكو الـمزارعون في تلك الـمنطقة من تعمد جيش الاحتلال القيام بهذه التدريبات بجوار مساكنهم وفي أراضيهم الـمزروعة، وغالباً ما تتسبب بوأد الـمحاصيل الزراعية وهي في مراحل نموها الأولى، الأمر الذي كان سبباً مباشراً في تراجع القطاع الزراعي في تلك الـمنطقة التي صنفت تاريخياً بسلة غذاء فلسطين.
وعدا تدمير القطاع الزراعي، كانت هذه التدريبات سبباً مباشراً، أيضاً، من أسباب تدمير قطاع الثروة الحيوانية، بعد أن تسببت بنفوق أعداد كبيرة من رؤوس الـماشية، وإصابة واستشهاد عدد لا بأس به من الـمزارعين، جراء انفجار ألغام من مخلفات الاحتلال، وإغلاق مساحات واسعة من الأراضي التي كان مربو الثروة الحيوانية يستخدمونها مراعي خضراء حوّلها الاحتلال إلى مناطق عسكرية مغلقة.
على بعد مئات الأمتار من حاجز تياسير الذي يعتبر ثكنة عسكرية واسعة أقامتها قوات الاحتلال على أراض فلسطينية مصادرة، يمكن مشاهدة مستوطنة تلو الأخرى، منها ما هو بارز للعيان، ومنها ما يختبئ خلف الجبال الشاهقة، من بينها مستوطنة (مسكيوت) شمال شرقي الأغوار، والتي بدأ الـمستوطنون تنفيذ مرحلة جديدة من البناء فيها.

تسمين الـمستوطنات
ولجأ الـمستوطنون في هذه الـمستوطنة، قبل عدة شهور، إلى إقامة خيمة في الجهة الـمقابلة لها، بجوار خيام للفلسطينيين البدو قامت سلطات الاحتلال بإزالتها وجميع الخيام الـمقامة منذ عشرات السنوات في تلك الـمنطقة، في إجراء لـم تتضح أهدافه في ذلك الوقت، إلا أنه تبين أن الهدف منه كان تفريغ تلك الـمنطقة من أصحابها الشرعيين، كمقدمة لتنفيذ مرحلة البناء الجديدة في هذه الـمستوطنة الـمقامة على قمة جبل شاهق، وبدأت الـمباني الـمرتفعة تبرز فيها.
وقبل أيام، بدأ مستوطنو (مسكيوت) تجريف أراض فلسطينية جديدة وضعوا اليد عليها، في الجهة الشرقية منها، من أجل إقامة أبنية جديدة.
تسير بك الـمركبة مئات الأمتار، حيث مساحات واسعة من الأراضي التي وضعت عليها مكعبات إسمنتية كتبت عليها عبارة "مناطق عسكرية مغلقة.. ممنوع الاقتراب"، وأخرى تمتد إليها الـمستوطنات الـمقامة في منطقة الأغوار، والبعض يقطنها فلسطينيون في ظروف بائسة، فرضها عليهم الاستيطان والاحتلال الذي يجهد بهدف ترحيلهم عنها، عن طريق هدم مساكنهم، وتشريدهم، ومنعهم من البناء.
في منطقة ليست بعيدة، توجد مستوطنة (ميحولا) التي تشهد أعمال بناء جديدة وغير مسبوقة، وبالقرب منها قرية بردلا التي يزيد عدد سكانها على ألفي نسمة يئنون تحت وطأة الاستيطان ومصادرة الـمزيد من أراضيهم، وفي الـمقابل، يخوضون معركة البقاء والصمود على أرض آبائهم وأجدادهم.
يقول الـمزارع أبو سائد صوافطة: إن أهالي قريته ممن يعتمدون في غالبيتهم العظمى على الزراعة، يشعرون أنهم يعيشون في بقعة أخرى من العالـم، ويحلـمون بالحصول على الحد الأدنى من حقهم في مياه الشرب والري.

تقليص الـمياه
ويضيف صوافطة: إن سلطات الاحتلال قلصت كميات الـمياه التي يحصل عليها أهالي قريته، من 240 كوباً في الساعة، إلى أقل من 120 كوباً في الساعة، في وقت تضخ فيه كميات مياه ضخمة إلى الـمستوطنات، خصوصاً (ميحولا) التي لا يتجاوز عدد الـمستوطنين فيها 500 مستوطن.
واعتبر صوافطة هذا الوضع شبيهاً إلى درجة كبيرة بسياسة (الأبرتهايد)، حيث تصل الـمياه بـ "القطارة" إلى أهالي القرية، فيما تصل إلى درجة تزيد على الإشباع بكثير إلى الـمستوطنين.
وقال: إن شركة الـمياه تذرعت بوجود أزمة مياه خانقة في إسرائيل، في محاولة منها لتبرير إقدامها على تقليص كميات الـمياه التي تضخها للقرية التي يعني الـماء بالنسبة لأهلها الحياة وأكثر، ذلك أنهم يعتمدون في مصدر عيشهم على الزراعة التي تحتاج كميات كبيرة من الـمياه التي لا يحصلون على الحد الأدنى منها.
وعدا مشكلة الـمياه التي تعتبر الـمشكلة الأبرز والأخطر بالنسبة لأهالي بردلا، يعاني هؤلاء من استمرار سلطات الاحتلال، بمصادرة الـمزيد من أراضيهم التي تمت مصادرة أكثر من خمسة آلاف دونم منها لصالح الـمستوطنات، وأغلقت مساحات أخرى لأغراض التدريب العسكري.
وقال صوافطة إن الأهالي يعانون كذلك، من عمليات الاقتحام اليومية التي تشنها قوات الاحتلال في ساعات الليل، ويتم خلالها دهم منازل الـمواطنين، والتنكيل بهم، وإخراجهم من مساكنهم بقوة السلاح، في عمليات غالباً ما تستخدم فيها قوات الاحتلال الـمجندين الجدد في صفوفها بقصد تدريبهم، دون النظر إلى الضحية التي تكون عادة الـمواطن الفلسطيني.
وبرأيه، فإن إيجاد حل لأزمة الـمياه التي يعاني منها أهالي قريته، أمر من شأنه أن يعزز من صمودهم على أرضهم التي كانت ولا تزال محط أطماع الاحتلال والـمستوطنين.
وأشار إلى مشكلة الكهرباء التي يعاني منها أهالي القرية، والتي تتمثل بوجود شبكة قديمة، وأسعار باهظة تفرضها عليهم شركة الكهرباء.
وفي الـمقابل، يؤكد صوافطة أن هناك العديد من الـمؤسسات الرسمية والأهلية التي تنشط في قريته، وتساهم في تعزيز صمود الأهالي في مواجهة محاولات اقتلاعهم من قريتهم، من أبرزها الإغاثة الزراعية التي قال صوافطة: إنها حرصت على تنفيذ مشاريع متنوعة تأخذ طابع التنمية الـمستدامة، في مقدمتها تزويد الـمزارعين بكميات كبيرة من أشجار النخيل التي تمت زراعتها في مناطق واسعة من أراضي القرية، ولها مردود اقتصادي كبير، إضافة إلى مبادرة "الإغاثة" لإنشاء مركز نسوي ريفي في القرية، وتزويد النساء الريفيات بأشجار النخيل، والـمساعدة في إنشاء مشتل مركزي.

الإغاثة الزراعية
من جانبه، قال مدير عام الإغاثة الزراعية لفرع الشمال، الدكتور سامر الأحمد: إن الإغاثة حرصت على تنفيذ رزمة مشاريع في قرية بردلا، وتحديداً منطقة الأغوار الشمالية، استهدفت بالدرجة الأولى تعزيز صمود الـمواطنين على أرضهم، وإحداث تنمية مستدامة في تلك الـمنطقة.
وقال الأحمد خلال جولة للصحافيين في منطقة الأغوار، استهدفت الاطلاع عن كثب على الـمشاريع التي تنفذها الإغاثة الزراعية في تلك الـمنطقة: إن الطابع العام للـمشاريع التي تنفذها الإغاثة منذ أكثر من 13 عاماً في الأغوار، يركز على تحقيق التنمية الـمستدامة فيها، وتتمثل بتقديم الدعم للـمزارعين في مجالات متعددة، بما يمكنهم بعد فترة من الزمن، من إدارتها بالاعتماد على أنفسهم، لتوفر لهم شروط العيش الكريم.
ومن أبرز هذه الـمشاريع، كما أفاد الأحمد، تمديد شبكات مياه للـمزارعين في تلك الـمنطقة، نظراً إلى أهمية توفير مياه للزراعة، بسبب سيطرة الاحتلال على مصادر الـمياه فيها، باعتبار أن الـمياه مصدر مهم لإحداث التنمية الزراعية الـمستدامة.
وأضاف: إن الإغاثة الزراعية بادرت إلى زراعة أكثر من 100 دونم بأشجار النخيل منذ العام 2006، وهي أشجار أصبحت مثمرة، وتدر دخلاً جيداً على الـمزارعين، بما يمكنهم من الصمود، بالإضافة إلى تزويد ربات البيوت بثلاث أشجار نخيل لكل سيدة، تمت زراعتها في الحدائق الـمنزلية، وذلك في إطار سياسة الإغاثة الرامية إلى تشجيع الاقتصاد الـمنزلي.
وفي ظل حاجة زراعة النخيل لكميات كبيرة من الـمياه، قال الأحمد: إن هناك ضرورة ملحة تحتم على الـمؤسسات الـمختصة البدء بتنفيذ مشروع مائي في هذه الـمنطقة، وإيجاد الحلول والبدائل لسيطرة الاحتلال على مصادر الـمياه فيها، بما يساهم في تعزيز صمود الـمزارعين.
وحث الأحمد سائر الـمؤسسات الرسمية والأهلية على تنفيذ مشاريع حيوية تأخذ في طابعها التنمية الـمستدامة في منطقة الأغوار الشمالية، دون الاكتفاء بالـمشاريع والبرامج التي تأخذ طابع الإغاثة والـمساعدات الطارئة، وذلك بما يمكن من تعزيز الصمود الوطني في هذه الـمنطقة الـمستهدفة بالتهويد من قبل سلطات الاحتلال.

» إسرائيل وسياسة التطهير العرقي
» النكبة - الجزء الثالث - التطهير العرقي
» التطهير العرقي في فلسطين ج3 ايلان بابيه
» كتاب التطهير العرقي لايلان بيليه ج 4
» التطهير العرقي في فلسطين ( بين شهادات المنصفين وسجلات المؤرخين )