موقع منتدى الدوايمة الاكتروني al-Dawayima تأسس 27 سبتمبر 2008
موقع منتدى الدوايمة الاكتروني al-Dawayima تأسس 27 سبتمبر 2008
موقع منتدى الدوايمة الاكتروني al-Dawayima تأسس 27 سبتمبر 2008
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع منتدى الدوايمة الاكتروني al-Dawayima تأسس 27 سبتمبر 2008

أخبار .. بحث.. سياسة .. آدب .. ثقافة عامة .. حرية رأي .
 
الرئيسيةبوابة فلسطينالتسجيلأحدث الصوردخول
من حروف أسم الدوايمة يتكون وطني الدوايمة(د .. دم)(و..وطني)( أ .. أوثقه)(ي.. يأبى)(م .. مسح )(هـ .. هويته) (دم وطني أوثقه يأبى مسح هويته)...نضال هدب


أن نسي العالم مجزرة الدوايمة أو تناسىى فان طور الزاغ الكنعاني سيظل شاهداً أميناً على المجزرةالمتواجدون الآن ؟
المواضيع الأخيرة
» رحلة الإنسان من بداية خلقه وتكوينه وحتى دخوله الجنة أو النار .
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالأحد يوليو 30, 2023 3:30 pm من طرف الشيخ جميل لافي

» عيد ُ الحُــــب / فالنتــاين !! .
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالثلاثاء فبراير 14, 2023 1:42 am من طرف الشيخ جميل لافي

» كيف تخشـــع في صلاتك ؟
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالإثنين يناير 16, 2023 3:37 am من طرف الشيخ جميل لافي

» ما هي كفارة تأخير قضاء رمضان بدون عذر ، وما مقدارها ونوعها ؟؟
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالسبت نوفمبر 26, 2022 9:24 pm من طرف الشيخ جميل لافي

» أحكام الجمع والقصر في السفر والحضر والمطر
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالإثنين أبريل 05, 2021 12:25 am من طرف الشيخ جميل لافي

» عظم الكلمة عند الله عز وجل .....
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالسبت ديسمبر 26, 2020 2:31 am من طرف الشيخ جميل لافي

» الإمامة في الصلاة . مهم جـداً
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالسبت ديسمبر 26, 2020 2:28 am من طرف الشيخ جميل لافي

» إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشرّ ومنهم من يُهاب لله ومنهم إذا رؤوا ذُكر الله
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالسبت ديسمبر 26, 2020 2:25 am من طرف الشيخ جميل لافي

» البيع المُحرّم في الإسلام . الجزء الأول
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالسبت ديسمبر 26, 2020 2:24 am من طرف الشيخ جميل لافي

» كفارة الغيبة والنميمة .
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالسبت ديسمبر 26, 2020 2:23 am من طرف الشيخ جميل لافي

» حُكم الغناء والموسيقى والمعازف .
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالسبت ديسمبر 26, 2020 2:22 am من طرف الشيخ جميل لافي

» رباه إنا طامعين بجنة - الشاعر : عطا سليمان رموني
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالخميس يناير 18, 2018 12:11 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني

» رباه إنا طامعين بجنة - الشاعر : عطا سليمان رموني
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالأحد يناير 14, 2018 12:36 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني

» مشروع وثيقــــة شـــرف عشائر الدوايمة”
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالثلاثاء ديسمبر 08, 2015 3:24 am من طرف نضال هديب

» ادخل احصاء ابناء الدوايمة في الشتات
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالإثنين نوفمبر 30, 2015 5:41 pm من طرف أدارة الدوايمة

» الدوايمة ليست قبيله ولا عشيرة
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالإثنين نوفمبر 30, 2015 3:18 pm من طرف نضال هديب

» الدوايمة ..أنا لاجىء من فلسطين في الداخل والشتات اوقع لا تنازل عن حقي بالعودة
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالإثنين نوفمبر 30, 2015 4:23 am من طرف نضال هديب

» لإحياء المجزرة التي تعرضت لها قريتهم «غزة» توقد ذاكرة أبناء الدوايمة وتدفعهم للتحرك قانونياً
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالإثنين نوفمبر 02, 2015 5:45 pm من طرف نضال هديب

» مجزرة الدوايمة وصرخة الدم النازف.بقلم .نضال هديب
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالخميس أكتوبر 29, 2015 10:54 am من طرف نضال هديب

» صباح الخير يا دوايمة
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالخميس أكتوبر 29, 2015 1:24 am من طرف نضال هديب

» خربشات نضال . قال القدس لمين
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالخميس أكتوبر 29, 2015 1:22 am من طرف نضال هديب

» المستوطنون يستعدون لاكبر عملية اقتحام للأقصى
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالخميس سبتمبر 17, 2015 2:04 pm من طرف نضال هديب

» اخي ابن الدوايمة \ البوم صور لقاءات ومناسبات ابناءالدوايمة في الداخل والشتات
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالخميس سبتمبر 17, 2015 1:44 pm من طرف نضال هديب

» اجمل ترحيب بالاعضاء الجدد الذين انظمو لقافلة منتديات الدوايمة وهم السادة
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالخميس أغسطس 20, 2015 1:04 pm من طرف ahmad-lafi

» ما هوَ ثمن الجـنـّة ؟؟ .
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالخميس أغسطس 06, 2015 7:18 pm من طرف الشيخ جميل لافي

» حرمة الإحتفال بعيد الأم المزعوم
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالأربعاء مارس 18, 2015 5:13 pm من طرف الشيخ جميل لافي

» القناعة للشاعر عطا سليمان رموني
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالأربعاء ديسمبر 24, 2014 11:04 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني

» قرية الدوايمة المغتصبة لا بديل عنها ولو بالقدس
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالثلاثاء ديسمبر 23, 2014 3:08 pm من طرف أحمد الخضور

» عن حقي ابد ما احيد للشاعر عطا سليمان رموني
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالإثنين ديسمبر 22, 2014 1:16 pm من طرف الشاعر عطا سليمان رموني

» بابي لعبدي مشرع للشاعر عطا سليمان رموني
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالثلاثاء نوفمبر 25, 2014 8:25 am من طرف الشاعر عطا سليمان رموني

» الذكرى الـ97 لوعد بلفور المشؤوم
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالأحد نوفمبر 02, 2014 9:14 pm من طرف نضال هديب

»  نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي موشيه فيغلن اقتحم الحرم القدسي
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالأحد نوفمبر 02, 2014 9:09 pm من طرف نضال هديب

» يووم سقوط الدوايمة
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالثلاثاء أكتوبر 28, 2014 9:37 pm من طرف نضال هديب

» حذاري ان تعبثوا بالوطن
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالسبت أكتوبر 25, 2014 9:34 pm من طرف نضال هديب

» اعلان وفاة زوجة الحاج عبد الحميد ياسين هديب وحفيدة ابن رامي عبد الحميد
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالجمعة أكتوبر 24, 2014 9:32 pm من طرف نضال هديب

» جرح مجزرة الدوايمة يأبى الإلتئام بقلم نضال هديب
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالسبت سبتمبر 27, 2014 11:04 pm من طرف نضال هديب

» الدوايمة / كتاب توراة الملك ........ دليل لقتل الفلسطينيين
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالسبت سبتمبر 27, 2014 10:58 pm من طرف نضال هديب

» غداً السبت الموافق 27ايلول 2014 تحتفل بالعام السادس لتاسيس منتدى الدوايمة
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالجمعة سبتمبر 26, 2014 3:27 pm من طرف نضال هديب

» أحاديث لا تصح في الأضحية وفي المسح على رأس اليتيم
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالجمعة سبتمبر 26, 2014 1:34 am من طرف الشيخ جميل لافي

» فضائل صوم ست من شوال
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالجمعة أغسطس 08, 2014 1:46 am من طرف الشيخ جميل لافي

» قرر الرئيس محمود عباس تشكيل الوفد الفلسطيني الى القاهرة كما يلي :-
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالسبت أغسطس 02, 2014 12:27 am من طرف نضال هديب

» بان كي مون يطالب بـ "الافراج فورا" عن الجندي الاسرائيلي الاسير
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالسبت أغسطس 02, 2014 12:17 am من طرف نضال هديب

» لقناة البريطانية العاشرة الجندي الاسراييلي الاسير بريطاني الجنسية
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالسبت أغسطس 02, 2014 12:12 am من طرف نضال هديب

» الاسير هدار غولدين ابن عم وزير الدفاع الاسرائيلي
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالجمعة أغسطس 01, 2014 10:08 pm من طرف نضال هديب

» اسر الجندي الصهيوني الملازم الثاني هدار غولدين
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالجمعة أغسطس 01, 2014 10:07 pm من طرف نضال هديب

» في ذكرى رحيل أمي
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالجمعة أغسطس 01, 2014 6:20 pm من طرف نضال هديب

» ينعى موقع منتدى الدوايمة الاكتروني بشديد الحزن والاسى الجامعه العربية
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالثلاثاء يوليو 29, 2014 2:34 am من طرف نضال هديب

» تضامنا مع غزة شبكة منتديات الدوايمة تدعوا اقتصار مظاهر العيد على الشعائر الدينية
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالسبت يوليو 26, 2014 7:45 pm من طرف نضال هديب

» توفيت الصحفية عزة سامي، نائب رئيس صحيفة الأهرام التي قالت «كتر خيرك يا نتنياهو ربنا يكتر
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالسبت يوليو 26, 2014 1:43 am من طرف نضال هديب

» أغنية الجندي المخطوف (شاؤول ارون)عملوها الفدائية
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالخميس يوليو 24, 2014 9:14 pm من طرف نضال هديب


 

 الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابو جهاد
نائب المدير مسؤول التوثيق الشفوي والأعلامي
نائب المدير مسؤول التوثيق الشفوي والأعلامي




الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Empty
مُساهمةموضوع: الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة   الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة Emptyالجمعة يناير 21, 2011 8:29 pm

الجزء الثالث والأخير من رواية
الشتات

تأليف
رأفت حمدونة
سجن بئر السبع

تأثر رفيق بحديث رفعت الذي بدى عليه الحزن كثير الألم وأخذ يواسيه ووضع يديه على كتفيه وقال : قدر الله يا رفعت الله يرحمها ويحسن مثواها.
وفي اليوم الثالث جلس رفيق مع زميله أبي علاء على الشباك المغطى بالحديد لعلهم يلمحون السماء ليلاً ، وإذا برفيق يشاهد القمر من بين الأسلاك وسأل أبا علاء:
- هل رأيت أجمل من هذا القمر؟؟
وبصوت يملأه الحنين قال أبو علاء: يارا يا صديقي أجمل مخلوق على وجه الأرض أجمل من ضوء البدر ليلة كماله، وزرقة السماء ونسمة الربيع وصوت الجدول المغطى بالغصن الأخضر وأحلى من خيوط الشمس الذهبية وأجمل من بياض الثلج، يارا قطرة الندى على الزهرة المتفتحة وحبات مطر الشتاء ، يارا يا رفيق مرجانة بل حبة لولو في محار مزين فهي أصفى من ماء العين .
- لهذه الدرجة يا أبا علاء؟؟
- وأكثر من ذلك ، فأهون علي أن أحمل كل المرض على أن لا يمسها سوء، فهي البسمة البريئة الجميلة وسط العذابات، والكلمة الرقيقة بين الآهات وطلعة بدر في ظلام حالك وزهرة رقيقة بين الأشواك.
يارا يا رفيق نسمة حب ووردة معطرة وطير مغرد وسحر أخاذ كم يا رفيق أتمنى ضمها بين ذراعي وحضنها على أضلعي وأن أقبلها بقدر شوقي يارا حلمي الذي انتظره وقلمي الذي أكتب به ، وعاطفتي التي تخرجني بجمالها من هذه العتمة والأسلاك.
يارا كل قلبي ومهجته وكل ما أتمناه يا صديقي أن أعوضها حرمانها وأشعرها بالحنان الذي افتقدته.
يا هل ترى يا رفيق ماذا تتصورني الآن؟؟ فلقد ولدت بعد سجني ولم تعرفني إلا على شبك الزيارة والصور، وهي الآن في البستان بنت الرابعة من العمر كلما نظرت لصورتها تمن علي بشعور الأبوة الذي أعيشه بفضل الله ثم بفضل يارا أصبحت أب لها يا رفيق الآن علمت خشية أبي علي وحب أمي لي .
- الله يجمعك بها يا أبا علاء وتعوضها طفولتها فأنا ذكرتك بمن تحب وفتحت عليك بابا قد تتألم كلما عشت الفراق عنه.
- بالعكس يا رفيق فأجمل اللحظات هي التي أتحدث فيها عن طفلتي وملاكي وأجمل الصور في نظري ملامحها.
مرت الأيام وفي أحدها جلس على سرير زميله أشرف ويقال له أبي رائد يسأله:
- كم لك يا أشرف في السجن؟؟ فأجاب:
- ثماني سنين.
- قال رفيق: وهل لك أولاد؟؟
- لي ابن وحيد اسمه رائد وكان عمره أيام يوم اعتقلت فعرفني وعرفته على شبك الزيارة في سجن حتى قال بابا.
ومع مر السنين قربته إلى فأخرجت له الحلوى في كل زيارة وفي إحدى الزيارات سألته:
- هل تأتي لي أم للحلوى يا رائد. فأجاب : للحلوى.
تأثرتْ زوجتي بجوابه وتألمَت لأجلي وبدأَت معه مسيرة جديدة من التربية ليتقرب إلى ، وبقيت احتفظ له بالحلوى فحرمت نفسي من كل شئ في السجن واذكر أن أحد الأخوة وزع حلوى لزواج أخيه وانقطعت الزيارة بسبب أحداث وانتقلت من سجن إلى آخر فآثرته بها وحينما زرت أخذتها وإذا برائحتها كريهة فلم يأكلها رائد ولم آكلها أنا، وعلى شبك الزيارة سألته بعد أشهر:
- هل تأتي لي أم للحلوى يا رائد؟
- ففاجئني بقوله: آتي لأجلك يا بابا فأنا أريدك أن تخرج من السجن لتحملني كما يحمل عمي أبناءه وأحضنك وتشتري لي دراجة كما صديقي محمود.
- تمنيت حينها لو قبلته وعانقته أو وضعته بين ذراعي ولمست شعره بيدي وحينما كبر تعلقت به وتعلق بي وقبل أشهر دخل المدرسة وكان يذهب مع أبناء عمه إليها وحينما قطع الشارع السريع بين قريتنا والمدرسة ضَرَبَتْهُ سيارة مسرعة وتوفي قبل أن يصل للمستشفى.
ذرفت دموع أشرف على ابنه الأحب وذرفت دموع رفيق على أشرف الذي لم يتمالك نفسه.
وبعد أسبوع جاء الشرطي ليبلغ النقل والسفريات للمستشفى والمحاكم فوقف الأسرى على أبواب الغرف فسمع رفيق اسمه سفرية للمحكمة، كان يترقب هذا اليوم بفارغ الصبر حتى يطمئن على أمه وبيتهم وخطيبته وأخيه فعد الساعات والدقائق وفي ليلته تساءل:
- هل فعلاً اعتقلوا أمي وخطيبتي وآخي وهدموا البيت أم تهديد؟؟ الله يستر، يا رب لا أراهم في المحكمة معانين.
كان الشعور متبادل مع الحاجة محبوبة التي علمت بإصابة رفيق ولم تراه منذ ثلاثة شهور كانت الشرطة تمنع اقتراب أهالي الأسرى من أبناءهم في القفصة لئلا يسلموا عليهم أو يتحدثوا معهم وإذا ما تحدث أسير مع أهله منعوه وإذا تجاهلهم انهالوا عليه بالضرب. كان رفيق يتمنى رؤية أهله ليطمئن عليهم كما الحاجة.
ذهب رفيق للمحكمة بلباس بني مختوم بمصلحة السجون مقيد اليدين والرجلين وعلى جانبيه شرطة مسلحة وحوله مجموعة أخرى بالهراوات. وانتظرت منال والحاجة دخول رفيق بفارغ الصبر وحالت بينهن وبينه حينما لمحوه عن بعد مجندة مسلحة.
جلس رفيق على مقعد يسترق النظر للجالسين أمامه من الأهالي فرأى أمه وخطيبته ولم يرَ أخاه.
اقترب المحامي من رفيق وسلم عليه وسأله عن صحته ليطمئن الحاجة ووصل له سلام أخيه محمد الذي منعته المحكمة من الدخول فبقي خارجها.
تبادل رفيق الإشارات مع أمه وخطيبته وذرفاً دموع الشوق ولكنهم اطمئنوا على بعضهم وأردات أن تحدثه الحاجة التي لم تصبر فلم يسمع فتدخلت المجندة لمنعها فلم تكترث الحاجة محبوبة بتدخلها ورددت السؤال عن رجله فمنعتها من الحديث وصرخت في وجهها واقتربت الحاجة من رفيق قليلاً ونادت عليه فدفعتها المجندة بقوة وألقتها على الأرض، تدخلت منال ولطمت المجندة على وجهها ودفعتها فانتصب رفيق ولم يكترث للهراوات والجنود فطمئنها على نفسه وأصابته بصوت عالي وسال منال عن البيت فأكدت له أنه لم يصبه أذى وأوصته بنفسه فأوصاها بأمه ونفسها سحبت الشرطة رفيق من القاعة التي ضجت بالصراخ وانهالوا عليه بالضرب، وحينما وصل للسجن نزل لمحكمة داخلية فوضعوه في زنزانة انفرادية لسبعة أيام ومنعوه عن الزيارة لشهرين متتابعين مستقبلاً.
لم يشعر رفيق بعقابهم الذي لا يساوي شئ أمام الاطمئنان على أهله والحديث مع أمه ومعرفة أخبارهم واطمأنت الحاجة ومنال على رفيق حينما رأوه بصحة جيدة ومعنويات عالية.
عاد رفيق بعد أسبوع لغرفته يتذكر كل إشارة من أمه وخطيبته وتذكر القرية وترابها الأحمر وعبق زهرها البري وأشجارها الخضراء الضخمة التي تجذرت منذ عشرات السنين، وتذكر البيوت العتيقة والحجر القدسي الصلب الذي لم تؤثر فيه حرارة الصيف وبرد الشتاء وكلما قدم تألق وتجمل وازداد حلاوة.
اشتاق رفيق لمنظر الفلاح الذي روى أرضه بعرقه والى حنان الأم التي ذرفت الدمع شوقاً لمحبيها، إلى فتاة الحي التي صانت نفسها ورفعت رأس والديها بكرامتها وأخلاقها، إلى الطفل الذي يطوف بشجرات البيت كما يطوف الحاج حول البقعة المقدسة، ويداعب فروعها بأصابعه ويلتقط أوراقها كما يلتقط طرف أمه وهو بصحبتها.
اشتاق للهب الموقد في ليلة ممطرة اجتمع حولها المحبون، والى ثمرة التين وشجرة الزيتون التي تستحي طوال العام ولم تتجرد من أوراقها فتعلمن منها نساء القرية العفة والحياء.
اشتاق لدالية العنب وزهرة الموز ومياه البئر البارد في يوليو وطيبة قلب الناس وبساطتهم، إلى العجائز اللواتي طالما دعون إليه كلما تفقدهن وإلى الأطفال الذين أحبوه وتمنوا أن يكونوا مثله عندما يكبرون.
تألم رفيق لأنه مسجون في عسقلان المحتلة، بلده ووطن أجداده، ولكنه كان سعيداً لأنه يلتحف سماءها وندى فجرها يلفح وجهه ويتنسم هواءها العليل فيختلط بدمه وقلبه وصدره وكل خلاياه.
المجدل في نظره قطعة من الجنة على الأرض وهبها الله لأهلها، شعر بالفخر وهو يتذكر ما طالعه عنها وهو في السجن وكلما تعرف على تاريخها، فهي أعظم موانئ البحر المتوسط من قبل آلاف السنين ما قبل الميلاد والموقع الاستراتيجي للتجار والمسافرين بين تركيا وسوريا ومصر فتزينت بالهدايا واهتمامات الدول العظمى والحضارات فأقام فيها الكنعانيون السراديب والأروقة والأبراج وأقاموا حولها حصن حصين يحميها من الغزاة وكانت مصدر إزعاج للفراعنة وازدهرت في عهد اليونانيين.
ولد فيها الملوك كهيرود الذي أقام فيها القصور الفارهة والمسارح والحمامات والأعمدة والحدائق والقاعات الواسعة. عسقلان أرض الرباط والبطولات والجهاد فعاشت في كنف الإسلام ونعمت باستقراره وحمايته ورعايته خمسة قرون نهل أهلها في العلوم والثقافة والحضارة والعزة والاستعلاء، وطمع فيها الغزاة كالصليبين فجمعوا عتادهم وجيوشهم ولم تسقط في يدهم إلا بعد حصار دام سبعة شهور، لم يسلم المسلمون بسقوطها فأعادها القائد الإسلامي العظيم صلاح الدين فأعاد الصليبيون قوتهم ولم يكن أمامه بد إلا تدميرها وقلبه يعتصر ألماً عليها ويقول " لأن أدمر حجراً من عسقلان أصعب على من أن أفقد كل أبنائي وحينما سقطت ثانية أعاد بناءها الغازي ريتشارد ولكنها كانت أغلى على المسلمين فتم إعادتها بعد دماء عزيزة تدفقت على أرضها وتشهد على قيمتها ومكانتها وعشق كل غيور مسلم لكل حبة تراب من أرضها ارتوت بدماء الطاهرين من أجدادنا.
ردد رفيق في نفسه المجدُ لنا، والمجدل لنا، وحتما ستعود بوعد الله وعهده وتوفيقه وهذا السجن سندمره ونحوله لحدائق وسنابل وأشجار برتقال وزهور جميلة تذكر كل من زارها بزهرات أبناء شعبنا الذين قضوا أعمارهم فيها لأجل الله والقدس والمجدل وكل فلسطين.
اشتاق رفيق في سجنه للحاجة محبوبة وتذكر وصاياها له ولأخيه محمد الذي شاركه شظف العيش وكسرة الخبز اليابسة وحبة الزيتون، والى خطيبته منال ومستقبلها وتساءل:
- ما ذنب منال التي لم تختار هذا الطريق، أليس من الأنانية أن تنتظرني كل السنين المقبلة، لماذا لم ترى نفسها ومستقبلها وتعيش حياتها كباقي بنات القرية وتتمتع بشبابها.
تصورها وهي تعاتبه حينما خيرها قبل اعتقاله فرفضت وعاهدته على دوام عهد الله بينهما وأنها لن تكون لغيره.
حلم رفيق في عودته لأمه وخطيبته وقريته وخبز أمه ونسمة القدس وجمالها وسحرها وصمودها على مر الزمن وتذكر الحرم والصخرة والصلاة والآذان وما هي إلا لحظات حتى ارتفع آذان الفجر فقام وتوضأ وأيقظ زملاءه في الغرفة فصلوا جماعة ثم نام.
اهتم رفيق بوقته في السجن وعوض ما فاته من تعليم وثقافة فدرس في كتب الثانوية العامة وحصل عليها، ثم كان من المبادرين للمطالبة بالتعليم الجامعي الذي تحقق بفضل الله ثم بفضل المعركة التي خاضوها الأسرى بجوعهم وصبرهم في الإضراب المفتوح عن الطعام والذي دام سبعة عشر يوما فتحسنت أيضا معيشتهم وظروف زيارة أهليهم واللقاء مع أطفالهم، كانت موافقة إدارة السجن على الجامعة العبرية لتعجيز الأسرى للانتساب إليها لصعوبة اللغة فتفاجأت من إرادة المعتقلين الذين أتقنوا اللغة العبرية بجهودهم الذاتية ومساعدة بعضهم فانتسب للجامعة عشرات الأسرى وكان رفيق على رأسهم وتفوق فيها.
شعر رفيق بنشوة النصر وهو يتحداهم فملأ فراغ السجن بالدراسة، وتعرف على سمهم الذين ينفثوه لأبنائهم حقداً على العرب وتزويراً للتاريخ وتربية على العداء والكراهية فلم يأخذ رفيق من ثقافتهم بقدر ما يأخذ من حجتهم على أنفسهم فتعرف على مجتمعهم المتفكك وتذكر كلام الله عز وجل " تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى " الحشر 14
كانت منال تشجعه عبر الزيارات فتاتيه ولم تقطعه زيارة واحدة، فكان يقوى عزيمتها ويحلما معاً بلحظة الفرج والفرح والأمل بالحياة والسعادة.
كان محمد يتابع أخاه عبر منال فيبعث له بكل احتياجاته ولم ينتظر منه الطلب لها ويشعر دوماً بفضل رفيق عليه.
وكانت الحاجة محبوبة ممنوعة من الزيارة بحجة أنها ليس أمه فبقيت علاقتها معه عبر منال والمراسلات والصور واشارة خاطفة في قاعة المحكمة الظالمة التي تضع الجلاد قاضياً ببزة عسكرية وتستند لقوانين طوارئ يقف فيها المحامي صورياً وبقيت الحاجة تساند الأسرى في كل اعتصام صليب وكل مظاهرة تضامن تطالب بحريتهم.
وبعد ما يزيد عن سنتين تم حكم رفيق بست سنوات كانت كافية لإتمام تعليمه وحصوله على بكالوريوس.
كان اليوم يمر على الحاجة محبوبة بالسنة وهي بعيدة عن ابنها ومحرومة من زيارته، ولكنها كانت تفرح بأخباره وعزيمته واهتمامه بعلمه ووقته، وتقبل كل رسالة كانت تصلها منه.
عمل محمد في مستشفى حكومي بعد عودته من الأردن وتحسنت حالته وبقي متواصلاً مع أخيه وأمن حاجة منال خطيبة رفيق.
تغيرت ملامح رفيق بعد سنوات من اعتقاله فضعف بصره لضيق أفق الرؤية بين الجدران المعتمة ونضج عقله واصبح يضع كل الأمور في نصابها.
كان دوماً يردد أن العدو سجننا عقاباً لنا وهو واهم ، فعلينا أن نتحداه ونجعل من هذه المحنة منحة بالوعي والثقافة والعلم والقرأّن والتقرب إلى الله والتفقه في الدين.
هم يرهبون علمنا كما سلاحنا الذين تركناه منذ اعتقالنا وهم ليسوا أسياداً للكون كما يعتقدون، بل نحن خير أمة أخرجت للناس وديننا دين عقل وعلم ووعي وأخلاق ومساواة وإنسانية.
اختلف الأسرى على اتفاق أوسلوا داخل السجن وكان مادة للحوار والنقاش حوله، فمنهم من أيده ومنهم من عارضه ، قال حميد أحتج زملاء رفيق في الغرفة:
- لن ينجح اتفاق مع عدو حاقد كل يوم يميل شعبه للتطرف ويختفي فيه معسكر السلام، إنهم فقط يراهنون على موت الانتفاضة المباركة ويوهمون العالم بجنونهم للتعايش، يريدون دخول العالم العربي والإسلامي بحجة إنهاء الصراع مع أصحابه.
قاطعه عماد : لن تنجح خطوة لا تخطي بإجماعاً وطنياً وإسلامياً، فما أخشاه أن يكون هذا الاتفاق نقطة توتر داخلي وانقساما بين الشعب الفلسطيني.
فقال زياد : من ثغرات الاتفاق أنه مرحلي، ولا يحدد أزمنة واضحة وتفاصيل ولم يؤكد على قضايا مهمة كالقدس واللاجئين والأسرى ذوي الأحكام العالية ممن عليهم إصابات وقتل وقد يتجاوز أسرى المعارضة، ومن يضمن الاحتلال والتزام حكوماته المتعاقبة من اليسار إلى اليمين وصدق الله العظيم الذي قال : (أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم) البقرة 100
قال أبو ياسر : ولكن لا تنسوا يا إخوان إن هذا الاتفاق شيبت حق الشعب الفلسطيني في أرضه وسيعيد الثورة من الشتات إلى الوطن وسيكون بوابة للسيادة والدولة والاستقلال وسيعود عشرات الآلاف من اللاجئين وسيتم الإفراج بموجبه عن آلاف المعتقلين وسنبني مدن فلسطين ونقيم المؤسسات والموانئ والمطار والعمران.
ختم الحوار رفيق بقوله : ما أراه أن الاتفاق سيحقق القليل من طموحات شعبنا فلا شك أن له منافع ولكنه ملئ بالمخاطر والثغرات والتخوفات فهذا العدو جادل الله تعالى وكفر بالأنبياء ولا يعرف الاستقامة ولا يحلم بالسلام فأوسلو في نظري كالخمر أو الميسر (فيه إثم كبير ومنافع للناس ، وإثمه أكبر من نفعه ).
سنحت الفرصة بموجب الاتفاق لعودة انتصار التي تمنت العيش في بلدها ووطنها بعد شتات طويل ، وزاد شوق العودة كلما تذكرت قصة والدها الذي ترك متاع الحياة شعوراً بالواجب.
أصبحت انتصار طبيبة ماهرة ومتفوقة وذات عقل وحكمة وانتماء للوطن وثقافة عالية ، فلم ترى في نفسها أقل من الرجال في عطاءهم وخدمتهم لوطنهم بل لم تفرق بين طموحها واختيار أبيها للواجب الذي يحتم عليها خدمة شعبها بعلمها.
كانت تقول لأمها : فلسطين وجرحاها تحتاجني يا أم انتصار ، وإن تخليت عنهم بعد ما أصابهم في الانتفاضة لم يجعلني حاضرة الذهن في الموقف وبهذا أفقد قيمتي واحترامي لذاتي واحترام الآخرين لي.
فما قيمة العلم والخبرة إن جمدتها في حين أنني قد أكون وسيلة لشفاء المئات من أبناء شعبي ومساعدتهم والوقوف بجانبهم فان كان للرجال دور فأنا أيضاً لي دور وإن كان رجل يقاتل بسلاحه، فأنا سلاحي مهنتي وعلمي ورسالتي مساندة شعبي .
عادت انتصار لأرض الوطن مع العائدين ولخبرتها وتفوقها تبنتها مؤسسة وعينتها مديرة لها.
لم يفرج عن رفيق في اتفاق السلام وقبل يوم إفراجه بأيام تحرر من أسره ليلاً وكان تحرره مفاجئاً فلم يستقبله أحد.
طرق رفيق باب البيت قرب منتصف الليل فأفاقت الحاجة من نومها وقالت:
- اللهم اجعله خير، من سيأتينا هذه الساعة؟؟
توجه محمد إلى باب البيت وإذا برفيق أمامه، عانق الأخوان بعضهما بحرارة وعاد الدم إلى العروق والبهجة إلى البيت وعادت بعودة رفيق السعادة إلى القرية والحاجة محبوبة ومنال.
- من على الباب يا محمد ؟؟
لم يرد محمد على أمه خوفاً عليها من المفاجأة، فوضعت الحاجة غطاءاً على رأسها وخرجت لترى من الطارق في منتصف الليل ليطمئن قلبها فرأت رفيق أمامها، فأغمي عليها من شدة الفرح.
أسرع الأخوان نحو أمهما فطمئن الطبيب محمد أخاه رفيق الذي أخذ يقبل جبين أمه ورأسها ويديها وحينما فاقت وتكلحت أعينها بطلعة رفيق الذي عانقها وحضنها فبكت وبكى رفيق من شدة السعادة ونعمة الله عليه.
عملت القرية بالإفراج عن رفيق فتجمع المحبون حول البيت وسلم عليه المهنئون فرقصوا وأطلقوا النار استقبالاً لابنهم وحبيبهم ووصل الخبر إلى منال والشيخ حسن فلم يتمالكوا أنفسهم فذهبوا لبيت الحاجة محبوبة.
التقا المحبان والمخلصان لبعضهما والمتعاهدان بعد فراق طويل وجمع الله شمل العائلة من جديد وعادت الشراكة بين رفيق وأبى يوسف الذي انتظره على أحر من الجمر وكان بحاجة له أكثر من السابق لكبر سنه وثقل المرض عليه.
وواصل رفيق أعمال الخير والكرم على كل محتاج في القرية كما كان.
كانت الإصابة تؤلم رفيق رغم مرور السنين، فشعر بحاجته للعلاج الطبيعي فداوم على جلسات في مؤسسة الجريح ، وانتقل من طبيب إلى آخر على أمل الشفاء.
اتصلت انتصار بزميلها محمد بعد عودتها مع أمها لأرض الوطن، فكان العنوان الأقرب والأكثر ثقة هي داخل فلسطين.
شرح محمد حالة أخيه رفيق لانتصار فكانت مشتاقة لرؤيته والتعرف عليه وتتمنى تقديم الخدمة له تقرباً من محمد واحتراماً لرفيق من كثرة ما سمعت عنه من محمد أيام الدراسة في الجامعة.
دعت انتصار محمد ورفيق للمؤسسة لرؤية حالته وما يمكن تقديمه له دعت المستشفى الطبيب محمد للطوارئ في الموعد الذي تم تحديده للقاء انتصار، فأوصى رفيق بالذهاب لوحده ليقابل انتصار.
دخل رفيق المؤسسة التي تعمل فيها الطبيبة وإذا بصراخ وضجيج يملأها ، وسمع مشادة كلامية بين شخص يظهر عليه الكبرياء والغرور والاستهانة بالآخرين وبين إحدى الطبيبات التي تظهر عليها البراءة والأخلاق والحجة.
- قال المغرور للطبيبة : لن أنتظر حتى ينتهي دور كل المراجعين وأريد أن أكمل علاجي فوراً وأعود.
- ردت الطبيبة عليه : لن تدخل قبلهم ومثلك مثلهم فهؤلاء الذين تفضل نفسك عليهم أكرم وأقرب إلى الله منك، فضحوا بأنفسهم لأجل وطنهم ومقدساتهم، نعم انهم فقراء ولكنهم كرماء ومخلصين وأعزاء أما أنت فمصاب بحادث سيارة وقت لهو ومتعة.
- رد عليها : بل أنا افضل منهم ومنك أيضاً وإن لم أتلقى العلاج قبلهم فستجدي نفسك خارج المؤسسة ولا تلومي إلا نفسك.
- أجابته : لن تتلقى العلاج ولو كان أبوك وزيراً.
- بل سأدخل للعلاج شئت أم أبيت.
هنا تدخل رفيق دون أن يعرف انتصار ليس إلا لأنه رأى دموعها وقلة حيلتها أمام إنسان مغرور ويستند لمن له مكانة رسمية من عائلته فقبض أزرار قميص الشاب المغرور من صدره وجره بعنف وازدراء خارج باب المؤسسة ودفعه بقوة على مرأى الجرحى والطبيبة والممرضين وقال له :
- إن سمعت صوتك أو هددت أحد بعد ذلك أو حضرت لهنا ثانية فلن تلومن إلا نفسك.
ركب الشاب سيارته دون أن يتحدث بكلمة واحدة وسأل رفيق عن مكتب الطبيبة انتصار فأشاروا إلى الفتاة التي كان يتشاجر معها المغرور.
اقتربت انتصار من رفيق لتشكره على موقفه قبل أن يصل إليها فتعرفت عليه.
- إذن أنت رفيق أخ محمد إبراهيم ؟؟
- نعم وجئت وفق الموعد ولكن آخي ذهب للمستشفى لأمر طارئ.
- تفضل يا رفيق، فمحمد حدثني عنك كثيراً في الجامعة وكدت أعلم عن حياتك كل شئ وأنا سعيدة جداً بمقابلتك.
- قال رفيق هذا شرف لي وأنا أيضاً سعيد بمعرفتك.
فحصت انتصار رفيق وطمأنته على حاله وطلبت منه المراجعة ثلاث مرات في الأسبوع لعمل التمارين وأكدت انه سيعود طبيعي في أقل من شهرين مع العلاج.
شكر رفيق انتصار وحمل سلام منها لأخيه محمد وعاد لبيت خطيبته منال.
لم يخفي رفيق عنها ما حدث ولا راحته باتجاهها وتحدث عن براءتها وميله الغير عادي لها دون تفسير.
تضايقت منال من كثرة الحديث عن انتصار غيرة من وصفه وإعجابه وتقديره الكبير لها.
فقال لها : لا تهربي لبعيد يا منال فما أشعره باتجاهها ليس له تفسير حب وزواج بل عاطفة قربى غريبة أشعر بها للمرة الأولى، اطمئني يا منال فأنت قدري وتاج رأسي ولن يوازيك في الكون مخلوقة، فأنت الأقرب إلي القلب والروح والعقل والوجدان ثم لكي تبعدي عنك تلك الوساوس والأوهام فما رأيك أن يجمعنا سقف واحد ؟؟
خجلت منال واحمرت وجنتيها وأخفقت رأسها وأجابت، اعطني بعض الوقت لأجهز نفسي فقال:
- وهو كذلك لحتى انتهي من العلاج .
قابلت انتصار زميلها محمد فأخبرته عما حصل وموقف رفيق معها وصارحته بأنها ارتاحت له وكأنها تعرفه من سنين.
تضايق محمد من حديث انتصار غيرة عليها وقال: رفيق يفكر في الزواج قريباً .
- فأجابت: بعدت يا محمد فأنا لا أخفي شعوري اتجاه هذا الشاب كأخ ولكن الأمر غير ما تصورت، فلعل موقفه زاد إعجابي به ليس إلا.
كانت تزيد الرابطة والاحترام والمودة بين رفيق وانتصار عند كل جلسة علاج له فدعاها لبيتهم مع أمها لتتعرف على أمه ومنال فتبادلا معا العلاقات الاجتماعية والعائلية.
وحينما تحسنت ظروف رفيق أرادت الطبيبة استكمال المعلومات في ملفه الطبي لحفظه في المؤسسة فطلبت منه بيانات كاملة.
- قال رفيق : اسمي رفيق نصر العسقلاني.
أوقفت انتصار القلم عن الكتابة وسألته: ألست أخ محمد إبراهيم ؟؟
- فأجاب : بلا أنا أخوه.
- فقالت ولكن اسمه محمد إبراهيم وليس محمد نصر العسقلاني؟؟
- نعم هذه قصة طويلة وقديمة، فأبي كان صديق لأبيه وهما عائدان بي من المستشفى استشهدا بصحبة أمي تهاني السيد العسقلاني وبقيتُ حياً لوحدي، وتبنتني الحاجة محبوبة وربتنا معاً حتى كبرنا ولا نتذكر هذه الحادثة حتى يذكرنا اختلاف الاسم في موقف رسمي كهذا.
- قالت انتصار : إذن أنت ابن الشهيد نصر العسقلاني الذي قتل مع زوجته على مفترق القرية في القدس.
- نعم أنا وهل حدثك محمد عن هذا الأمر؟؟
- فأجابت : يا ليته حدثني بذلك يا أخي، أتعرف من أنا يا رفيق؟؟
- نعم : الطبيبة انتصار.
- قالت : انتصار ماذا ؟
- آسف لا اعرف.
- أنا أختك ابنة الشهيد نصر العسقلاني يا رفيق.
- أحق ذلك؟؟
- نعم يا آخي ، أبونا نصر العسقلاني وأنت آخي، فأبى ترك أمي وهي حامل بي ليجاهد المحتل في فلسطين وعلمت بأنه تزوج واستشهد مع زوجته في نفس المكان الذي وصفته ولكننا لم نعلم أن له ابن حتى تعرفت عليك الآن، لم أصدق نفسي ولا هذا الموقف والصدفة الأجمل في حياتي يا رفيق.
- بل أنا الأسعد بك يا انتصار وأعز الناس على قلبي فاحمد الله أن حقق لقاءنا وجمع شملنا ، كان لي أخ والان لي أخ وأخت جميلة مثلك.
تعانق الأخوان وذرفا دموع الفرح وبكوا من شدة السعادة.
- قالت انتصار: دوماً كنت أشعر بحاجتي لأخ أو أب يساندني وها هو الله يعوضني ويعزني بك، وليس أي أخ، بل برفيق الذي أحببته قبل أن أراه. لقد مرت السنين صعبة وأنا وحيدة بعيدة عن فلسطين والمجدل
- قال رفيق : لن تكون غربة بعد اليوم، وسآخذك للمجدل لتري جمالها وسحرها وسنعوض معاً ما فاتنا من الألفة والحنان والمحبة.
- كم كنت مشتاقة لرؤيتك عندما كان يحدثني عنك محمد.
- قال رفيق : بل أنا الذي كنت أشعر بقرب لم أفهمه من لحظة لقاءنا الأول.
- كم أنا فخورة بك يا رفيق.
- بل أنا يا انتصار- يا عين أخيك وأقرب الناس إلى قلبه.
طلب رفيق من انتصار أن تعود معه لبيت الحاجة محبوبة، فاتصل رفيق بمحمد وطلب منه أن يعود ويأخذ في طريقه خطيبته منال للبيت لأنه يحتاجهم في أمر ضروري.
انتظرت منال ومحمد والحاجة محبوبة عودة رفيق الذي دخل وهو يضيع يديه على كتفي انتصار ويبتسم.
غضبت العائلة من تصرف رفيق الذي لم تعهده الحاجة عليه من قبل وقالت له :
- ألا تخجل من صنيعك يا رفيق؟؟
- الإنسان يخجل من العيب يا حاجة ألم تثقي بابنك وتربيتك؟؟
- وهل يليق بمناضل ومتدين أن يضع يداه على كتفي فتاة غريبة عنه فهل هذه أخلاقنا أم نسيتها؟؟
- بالتأكيد لا يا حاجة فكيف لو كانت أختي؟؟
- ماذا تقصد يا رفيق؟؟
- ابنك محمد يتحمل المسؤولية يا أمي، ألم يخطر بباله تشابه الأسماء بيني وبين زميلته انتصار في الجامعة؟؟
هذه أختي انتصار نصر العسقلاني يا أمي ، أختي من أبي في الأردن.
لم تصدق العائلة ما سمعت من المفاجأة وعانقت الحاجة ومنال انتصار وسعد محمد بهذه الصدفة الجميلة التي ستسهل عليه الكثير.
صارح محمد أمه بحبه لانتصار من أيام الجامعة وطلب منها أن تخطبها له ، فكانت أسعد مخلوقة على الأرض ووعدته أن تطلبها له من أمها وأخيها رفيق.
شفي رفيق كاملاً من إصابته القديمة وتعافى وتحدث مع أمه لتحديد يوم فرحه على منال، وحين اجتماع العائلة في ليلة هادئة قالت الحاجة محبوبة لرفيق:
ما رأيك لو كان الفرح فرحين يا بني ، فأجاب:
أتمنى ذلك يا أمي ولكن كيف؟؟
أنا أطلب منك يد أختك انتصار لأخيك محمد .
تركت انتصار الحاضرين ودخلت إلى المطبخ لتساعد منال فيه.
قبل رفيق رأس أمه ويديها وعانق أخاه محمد وذهب لمشورة أخته انتصار.
- ما رأيك بما سمعت يا أختي؟؟ فأجابت:
- الرأي رأيك يا رفيق وليس لي كلمة بوجودك.
- قال رفيق: بل بوجود أخي محمد بعد اليوم . فعلى بركة الله يا أختي فلن تجدي افضل من أخي وللواجب سوف نطلبك من أمك وأخوالك.
وافق الجميع على محمد وأقامت القرية فرحاً كبيراً تحدثت عنه الناس لسنين وسكن الجميع معاً في بيت واحد تحت جناحي الحاجة محبوبة التي روت لأحفادها الصغار نصر وإبراهيم وتهاني قصص أجدادهم وكل الشهداء فربتهم على حب الله ورسوله والقدس وعسقلان وكل فلسطين.
انتهى الجزء الثالث والأخير من رواية
الشتات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثالث رأفت حمدونة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الأول رأفت حمدونة
» الدوايمة / من أدب السجون ( الشتات ) الجزء الثاني رأفت حمدونة
» الدوايمة / من أدب السجون (رواية قلبي والمخيم ) الجزء الثالث رأفت حمدونة
»  الدوايمة / من أدب السجون (رواية قلبي والمخيم ) الجزء االثاني رأفت حمدونة
» الدوايمة / من أدب السجون (رواية قلبي والمخيم ) الجزء االرابع رأفت حمدونة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع منتدى الدوايمة الاكتروني al-Dawayima تأسس 27 سبتمبر 2008  :: خيمة القضيه الفلسطينية :: منتدى الأسرى والمعتقلات الصهيونية-
انتقل الى: