عذراً مصر!

موضوع: عذراً مصر! الثلاثاء مارس 08, 2011 2:32 am

عذراً مصر!

الكاتب حيدر عيد

كنا، ولفترة اعتبرناها دهراً ، قد فقدنا الأمل في قدرة الشعب المصري في إحداث تغيير جذري في طبيعة النظام الحاكم هناك، ففي فترة الخمسينيات والستينيات تعلمنا معنى "الكرامة" والحرية من خلال كلمات الرئيس الملهم جمال عبد الناصر وفهمنا أننا، مع الشعب المصري، علينا أن "نرفع رؤوسنا" لأن " عصر الاستعمار قد ولى" .

ولكن جمال عبد الناصر قد مات وجاء أنور السادات ، وبدأت فترة من أصعب فترات التاريخ العربي المعاصر، وتحول معنى الكرامة الى التقرب وبقدر الإمكان من الاستعمار وطَلب منا هذه المرة أن نخفض رؤوسنا لأن 99% من أوراق الحل في يد أمريكا.

ومات السادات اغتيالاً ليترك لنا تركة ثقيلة وبلكنة امريكية . وكنا نحن الفلسطينيين قد تأسلونا (من أوسلو) وتأنجزنا بعد ان ملأنا الدنيا تبريرات عن أهمية السلام مع "الآخر" ومصافحته وبررنا ذلك بتخلي العرب عنا وبان التغيير في العالم العربي ، وفي مصر بالذات, بات مستحيلاً.

ويقول الكثير من المحليين أن ثورة تونس العظيمة ضد النظام القمعي لزين العابدين بن علي قد بدأت كرة الثلج المتدحرجة في العالم العربي. ولكني اختلف مع هذا الطرح اللاتاريخي. مما لا شك فيه أن الثورات تأتي نتاج تراكمات نضالية على مر الزمن ولكن هناك مفاصل تاريخية تعطي زخماً هائلا للتحرك الثوري . إن الانتخابات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة 2006 بنتائجها المخيبة لآمال النظام العربي الرسمي والفلسطيني، كانت قد أحدثت زلزالاً هائلاً ليس فقط لإبرازها خياراً غير متوقعاً ، ونهاية حل الدولتين العنصري، ولكن أيضاً لتفكيكها الفكرة العنصرية الاستشراقية عن عدم ملاءمة الديمقراطية الليبرالية للثقافة العربية ، وتفكيك الفكرة الصهيونية بوجود واحة وحيدة للديمقراطية في الشرق الأوسط . ومن المعلوم الآن أن امكانية انتخابات ديمقراطية تحت حراب الاحتلال هي ضرب من الخيال. ولكن السؤال الذي طرح، وبشكل محرج جداً للنظام العربي الرسمي هو أنه إذا كان الفلسطينيون الرازحون تحت الاحتلال قد استطاعوا أن يختاروا ديمقراطياً ، فلماذا لا يتم تطبيق الديمقراطية في باقي العالم العربي؟.

ومن هنا نستطيع فهم العداء الشديد لنتائج الانتخابات من قبل النظام العربي " المعتدل" بقيادة النظام المصري البائد وتنفيذه لتعليمات الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من فرض حصار خانق قتل أكثر من 600 فلسطيني ومشاركته بطريقة أو بأخرى بالحرب الإبادية التي أعلنت عنها إسرائيل من قلب القاهرة وبحضور وزير الخارجية المصري ,الذي كان قد هدد أهل غزة الجوعــى بكسر أرجلهم إذا تعدوا على " أمن مصر القومي"!.

إن خوف إسرائيل من فيروس الديمقراطية والتي جربت في الضفة وغزة هو خوف وجودي ، بمعنى أن الديمقراطية هي النقيض الرئيسي للصهيونية تماماً كما كانت نقيض نظام الابارتهيد في جنوب أفريقيا العنصرية . المعادلة: عالم عربي ديمقراطي بالضرورة سيكون معادياً لإسرائيل الصهيونية.

لا شك أن محمد بو عزيز قد أنار الطريق لثورة لم نرى نهايتها حتى الآن بعد، وأن كنا قد نختلف ديمقراطياً على بداياتها. ولكن من الواضح أيضاً ان هناك إجماعاً عاماً ، مع وجود بعض الأصوات الانهزامية, على أن الكرامة الجماعية والشخصية هي الهدف الرئيسي لهذه الثورة العارمة. هذه الكرامة التي عبر عنها أهل غزة بصمودهم 22 يوم بانتظار عون منعه عنه النظام العربي، كرامة شعر بفقدانها المواطن المصري، عندما لم يستطع أن يفتح البوابة الوحيدة لنصرة أهل غزة، كرامة انتهكت عندما بدأ النظام البائــد ببناء الجدار الفولاذي, وبإشراف أمريكي, لإغلاق شريان الحياة الوحيد لأهل غزة، كرامة جسدها الفلسطيني، وبالرغم من كل أدوات القمع الصهيونية بحملة مقاطعة وعدم استثمار وفرض عقوبات تأخذ زخماً دولياً لم ولا يشعر به النظام الرسمي العربي، كرامة جسدها دم 9 أتراك والمئات من المتضامنين الأجانب الأحرار الذين منعهم النظام السابق من نصرة أهل غزة الذين على الرغم من حصارهم لم يركعوا.

وتحركت مصر ، وعندما تتحرك مصر فان العالم العربي يحبس أنفاسه انتظارا لنتائج هذا الحراك . مصر تحركت ضد القهر والظلم .ولكن فلسطين كانت هناك أيضافي ميدان التحرير. إن كل قافلة كانت تمنع من قبل زبانية النظام السابق كانت تساهم في دق مسمار في نعش هذا النظام.

وحينما منع 1400متضامن في ديسمبر 2009 من الوصول إلى غزة للمشاركة في مسيرة عالمية ضد الاحتلال ، نقلت غزة الى قلب القاهرة ، واعتصم المتضامنون الأبطال أمام سفاراتهم بالقاهرة ولم يصب احد منهم بأذى ، وكان التعامل معهم من قبل قوات الأمن المصرية قد أثار الكثير من الأسئلة لدى المواطن المصري العادي عن معنى التضامن من خلال العمل الشعبي الفاعل . فهم الكثيرون أن البكاء من أجل غزة يجب أن يترجم عملياً إلى واقع ملموس بعيداً عن قرارات جامعة الدول العربية فارغة المضمون . لاشك أن الثورة المصرية هي التجسيد العملي الملموس للثورة الاجتماعية . ولكنها أيضاَ تعي تماماَ أنها جزء من محيط عربي يؤثر ويتأثر بها ، محيط مأسور بالهم الفلسطيني.

إن مشاركتنا ، وللأسف، في تكريس مفهوم الألوهية للنظام السابق وكأنه لا يتغير على الإطلاق من خلال ما ادعينا أنه براغماتية ضرورية وفهم " للواقع" السياسي في المنطقة ، وتوجهنا فوراً للقاهرة بعد صمودنا لمدة 22 يوم في وجه العدوان الصهيوني, ساهم وبشكل واضح في تبييض وجه هذا النظام. إن إحدى الخطايا الهائلة للقيادات الفلسطينية ,بألوانها المختلفة ، هي عدم قدرتها على فهم معنى الثورة والتحرير والتعامل مع ما تعتبره هي "العالم"، أي الولايات المتحدة والغرب فقط ، من منطلق أنها حكومة ، دولة ، سلطة ، وليست حركة تحرر . وأصبحت المعادلة في أنك تفهم سياسياً إذا استطعت التعامل مع الحكومات الغربية والعربية " المعتدلة" بعيداً عن المجتمع المدني والحركات الشعبية والمعارضة . ومن هنا تم قمع أية محاولة تضامن مع الشعب المصري في بداية الثورة ! ولكن لم يكن هذا موقف القيادات الشعبية والتي أبدت التضامن مع الثورات المصرية والتونسية ,و الليبية" الآن, من منطلق انه من الأجدر أن نتضامن مع من يتضامن معنا وليس مع من يتحالف مع مضطهدينا.

ان من يعيش في قصور رئاسية، وفيلات خرافية، ومن يتنقل بين فنادق 7 نجوم من أجل التفاوض, ومن يحمل بطاقاتVIP"" وشعبه ينام جائعا, ومن يتخلى عن عودة شعبه لدياره التي شرد منها ويعيش على الفياغرا السياسية، ويطلق الجمال والكلاب والحمير على مواطنيه, لا مكان له في هذا العالم العربي بعد اليوم.

» عذراً عبد الحي عذراً سيدي غفلنا زمن
» الملك عبدالله الثاني: لن ألتمس عذراً لتأخير دورة الحياة ...
» الدوايمة / أسرانا عذراً فسجنكم حياة ونحن السجناء اخبار احرارنا الأسرى