وفي عام 1897 أسس هيرتزل الصهيونية السياسية في مؤتمره، ثم تبع ذلك مؤتمر اليهود في مونتريال الذي صدر عنه الإعلان التالي : > نعارض بشدة كل محاولة تهدف إلى إقامة دولة يهودية، وأية محاولات من هذا النوع تظهر بوضوح تزوير رسالة إسرائيل، ونحن نؤكد أن هدف اليهودية ليس سياسياً ولا قومياً بل روحياً، وإن هدفها هو إقامة السلام والعدل والحب بين الرجال <.
ومبدأ المعارضة هذا لم يتوقف بعد إقامة دولة إسرائيل التي أكدت سياستها تخوف أولئك اليهود الأتقياء الذين تمسكوا بدينهم الحقيقي، وقد نشر الحاخام هيرش في الواشنطن بوست Washington Post سنة 1994 مقالاً فسر فلسفة هذه المعارضة بما يلي :
> الصهيونية مناهضة لليهودية، لأنها تهدف إلى إطفاء الهوية القومية على اليهود. وهذا الأمر يعتبر بدعة وخروجاً عن الدين. لقد كلف الله اليهود بالرسالة، وهي ألا يعودوا بالقوة إلى الأرض المقدسة، دون إرادة القاطنين فيها، وإذا فعلوا ذلك فسيتحملون العواقب الوخيمة. والتلمود يقول إن هذا العنف سيحيل لحومكم فريسة للغزلان في الغابات Into the prey of deer in the forest< .
وقد حاصر هيرتزل معارضة معظم اليهود وحاخاماتهم ورد على كل من حاخام فيينا الأكبر، ورئيس جمعية الحاخامات، وحاخام إنجلترا الأكبر، وحاخام بلجيكا الأكبر، ورئيس الحركة اليهودية الليبرالية في إنجلترا. ونقل في النهاية موقع المؤتمر الصهيوني الأول من ميونخ إلى بازل ليتفادى المعارضة الشديدة في ميونخ.
نجاح الصهيونية
تمكن هيرتزل، الديبلوماسي اللامع، من الجمع بين أمرين، الأول الحركة الأوروبية ضد السامية، والثاني رغبة إنجلترا، التي كانت سيدة مصر، بتوسيع سلطتها إلى فلسطين عن طريق هجرة اليهود إليها.
وكان المتحمس الأول لهذه السياسة Laurence Pliphant (1888-1829م) وكتب في كتابه "أرض جلعاد" ما يلي :
> يبقى الأمر لإنجلترا لكي تقرر إعادة بناء مدن فلسطين وتطوير إمكاناتها الزراعية بإعادة اليهود إليها باعتبارهم دخلوها قبل ثلاثة آلاف عام، والاستفادة من المنافع السياسية الاقتصادية التي يمكن أن تحصل عليها <.
وقد فكرت إنجلترا بهذا الأمر جدياً لأن فلسطين تؤمن لها طريقاً إلى الهند، وقال اللورد كتشنر إن فلسطين تقوي مركز إنجلترا في مصر، وهي مركز اتصال مع الشرق (أي الهند).
وفي عام 1901م أسس هيرتزل "الصندوق القومي اليهودي" لشراء الأراضي في فلسطين وتشغيل المزارعين اليهود فيها. وكان يعيش في فلسطين في ذلك الوقت حوالي 600 ألف عربي، ونظرت الصهيونية إلى العرب كما نظر الأمريكان إلى الزنوج الحمر.
وكان لوعد بلفور (1917م) ثلاثة أهداف :
1. إضعاف الدعم اليهودي لألمانيا.
2. منع اليهود من دعم الثورة الروسية والإبقاء على روسيا ضمن معسكر الحلفاء.
3. مساعدة الصهيونية في مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في المجهود الحربي.
أما نص وعد بلفور فكان كالتالي :
> إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعطف إلى إنشاء وطن قومي لليهود، وسوف تبذل جهودها لتسهيل الوصول إلى هذا الهدف. وقد أصبح واضحاً تماماً أن ذلك لن يؤثر على الحقوق المدنية والدينية لسكان فلسطين من غير اليهود <.
إن المقصود في هذا الوعد بسكان فلسطين من غير اليهود هو 92 % من سكان فلسطين، وثانياً إن الوعد شمل أرضاً لم تملكها بريطانيا وعليه فلا يمكنها منح ما لا تملكه. وعليه فإن الوعد كان مخالفة لميثاق عصبة الأمم في ذلك الوقت. ولكن عامل القوة هو الذي يفرض إرادته دائماً ولا يكفي الحق لمقاومة هذه القوة. فالأمر هنا واضح ويتلخص بأن هذه الوثيقة تشكل وعداً من أمة أولى لمنح أمة ثانية أرض أمة ثالثة، علماً بأن الأمة الثانية لم تكن أمة بمعنى الكلمة بل عبارة عن جالية دينية. والأمة الثالثة كانت تحت حكم أمة رابعة هي تركيا.
ولم يتقبل الشعب الفلسطيني هذا الظلم فقام بثوراته المعروفة خلال أعوام 1920، 1921، 1929، 1936، 1939 حتى عام 1948 عندما قامت الدولة الإسرائيلية على أرض الواقع. وقال وزير التربية الإسرائيلي الأول Benzion Dinur الصديق الحميم لبن غوريون :
> في بلادنا يوجد متسع لليهود فقط. وسنقول للعرب : اخرجوا من طريقنا، وإذا رفضوا سوف نطردهم بالقوة <.
التعاون بين النازيين والصهيونية
كان هناك تكامل في الأدوار بين الصهيونية والنازية أدى في النهاية إلى إقامة دولة جديدة وقوية.
لقد تعاون زعماء الصهيونية مع زعماء النازية، وتمثل أوج هذا التعاون في الاتفاقيات التي عقدت بين رودلف كشتنر نائب رئيس المؤسسة الصهيونية، وبين إيخمان الزعيم الألماني النازي الذي سمح لبضعة آلاف من اليهود بالتوجه إلى فلسطين بصورة قانونية.
وقد ساعد الصهاينة إدارة هتلر لمنع أي هجرة لليهود لأي مكان سوى فلسطين. وهذا ما سهل تنفيذ مذابح هتلر في ألمانيا. وفي سنة 1939م أصدرت حكومة السويد قانوناً سمح لعشرات الألوف من اليهود من ألمانيا بدخول السويد، ولكن حاخام السويد الصهيوني Dr. Ehrenpresz طلب من حكومة السويد ألا تنفذ هذا القانون. وقد شهد بذلك الحاخام Schonfeld، وقال حتى لو جابه اليهود الموت لا يجوز لأحد أن يجد لهم ملجأ سوى أرض إسرائيل.
وفيما يلي نورد بعض الأحداث التي توضح هذا القانون الفاشي الصهيوني، والتعاون النازي الصهيوني :
أ) أصدر موسوليني رسالة إلى الحاخام الأكبر دافيد براثو عام 1935م قال فيها :
> كي تنجح الصهيونية، يلزمكم دولة عبرية، وعلم يهودي، ولغة عبرية. وهذا ما يفهمه رجلكم الفاشي جابوتنسكي <.
وكانت هناك علاقة وثيقة متطورة بين موسوليني ومعظم قادة الصهاينة. ودافع جابوتنسكي عن موسوليني في عدة مقالات نشرت في الولايات المتحدة الأمريكية.
ب) حاخام روما (ساسردوتي) قال في مقابلة صحفية أن عدداً من المبادئ الأساسية للفاشية ليست إلا مبادئ يهودية.
ج) المنظر اليهودي (الفونسو باسيفيسي) قال : إن الشروط الجديدة مجتمعة في إيطاليا هي فرصة لانبعاث اليهودية. وأدان الفاشية في دول غير إيطاليا لأنها تحمل الكراهية لليهود.
د) (أبا هاهيمير) أصدر كتاباً بعنوان "أصحاب الخنجر" مدح الإرهاب وأسس تنظيماً إرهابياً سرياً اسمه "بريث هابيريونيم"، وعبر عن إعجابه بالفاشية في كتاب بعنوان "دفتر فاشي"، وهاجم الأنظمة الديمقراطية ودعا إلى نظام فاشي لأن مسيح إسرائيل لن يأتي على ظهر أتان وإنما على ظهر دبابة.
هـ) بعد اللقاء الثاني بين وايزمن وموسوليني عام 1926م تم تعيين يهودي إيطالي على رأس اللجنة المكلفة بالاستيطان في فلسطين.
و) البارون (فون مندلستاين) كان عضواً في الحزب النازي وضابطاً كبيراً في الجستابو أصبح صهيونياً متحمساً، وكان يعتبر واحداً من الخبراء النادرين في اليهودية داخل المخابرات النازية. وكتب عدة مقالات في مجلة "دير انغريف" التي كان يرأسها غوبلز أشار فيها إلى أن تحقيق فكرة وطن قومي لليهود في فلسطين يشفي جرحاً دام قروناً. وقد عينه هتلر رئيساً لقسم الشؤون اليهودية في جهاز الأمن النازي، وبعدها كتب برونر أن هذا الجهاز أصبح الأكثر صهيونية داخل الحزب النازي. ومندلستاين هو الذي عين (ايخمن) في قسم الشؤون اليهودية.
ز) أمر هتلر بإصدار ميدالية تحمل على أحد وجهيها الصليب المعكوف وعلى الآخر نجمة داود.
ح) (هافارا) كلمة عبرية تعني ترانسفير، أطلقت على الاتفاقية الموقعة عام 1933م بين الحكومة الألمانية والوكالة اليهودية، أنشئت بموجبها شركتا هافارا في تل أبيب وبليترو في ألمانيا لتأمين الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
ط) قامت ألمانيا بإعداد معسكرات ومراكز تدريب زراعية وصناعية للمهاجرين قبل سفرهم. ونقل بموجب الهافارا 60 ألف مهاجر بين عامي 1939-1933م.
ي) كان المهاجرون اليهود من ألمانيا إلى فلسطين يتلقون تعويضاتهم من الرايخ الثالث.
ل) في عام 1938م تم توقيع صفقات أخرى لتأمين الهجرة غير المشروعة بين الموساد والأجهزة السرية الألمانية.
م) معاهدة سرية بين عصابة شتيرن والرايخ الثالث سنة 1941م بتوقيع إسحاق شامير الذي كان اسمه الأصلي أبراهام شتيرن، وأسس منظمة ليهي بعد حل عصابة شتيرن، وهو المسؤول عن اغتيال الكونت برنادوت، وله دور في الموساد كخبير في تنظيم العمل الإرهابي.
ن) الهاغانا فاوضت النازيين بسرية مطلقة وكان مندوبها (فيفل بولكس)، واجتمع مع الجستابو وكان مندوب الجستابو في الاجتماع (ايخمن)، الذي اجتمع مع تيدي كوليك في منزل روتشيلد في فيينا. وبعدها أصبح تيدي كوليك رئيساً لبلدية القدس الإسرائيلية.
س) كانت الشرطة الألمانية تتغاضى عن إرسال أسلحة إلى الهاغانا.
ع) كاهانا قال : > ليس هناك عربي واحد برئ والتوراة لا تمنعنا من القتل <.
وبعد، فإن الغطرسة والعنجهية التي وصلت إليها الحركة الصهيونية العالمية قد كشفت عن العدوان على العدل والحق، والممارسات الهمجية التي كانت تتستر بالسلام، وبالشعب المنكوب، وبالهولوكوست، وبالأمن. وظهرت الحركة الصهيونية ودولتها على حقيقتها ؛ قوة عنصرية تتحالف مع كل شر في هذا العالم للوصول إلى أهدافها.
اختراع مملكة إسرائيل القديمة
إن اختراع مملكة إسرائيل القديمة فيه تغطية للتاريخ الفلسطيني الطويل، والباحثون اليهود أو الصهاينة ركزوا اهتمامهم على إسرائيل القديمة بشكل حال دون دراسة تاريخ فلسطين القديم.
وإذا فتش أي باحث في مكتبة جامعة أوروبية أو أمريكية، في جناح قسم الدراسات التوراتية، فإنه سيجد كماً هائلاً من المطبوعات التي تبحث في النصوص التوراتية التي تستخدم كمرجع لإعادة بناء التاريخ، وتسخير علم الآثار حتى يصبح قريباً من النصوص التوراتية.
لقد تم تشكيل تاريخ إسرائيل القديمة لأهداف معاصرة سياسية وجغرافية، وساعد في ذلك باحثون غربيون حاولوا أن يجعلوا دراساتهم موضوعية، ولكنها جاءت مكشوفة لما فيها من تناقضات وافتراضات خاطئة، وتوصل هؤلاء الباحثون إلى صورة لإسرائيل القديمة تنعكس على مرآة حاضرهم، خاصة ما يتعلق برغبتهم في وجود دولة يهودية أوروبية القومية، أي إسرائيل جديدة مخترعة كإسرائيل القديمة المزيفة.
ومنذ عام 1948م، ومع زيادة الأبحاث الإسرائيلية التوراتية والأثرية، تم تركيز الانتباه على عصر داود وسليمان، الذي قامت فيه دولة قديمة مركزها في جزء من القدس ولمدة (40) عاماً فقط، وتأثرت هذه الأبحاث بالأحداث السياسية المعاصرة والاتجاهات الدينية التي تورط فيها الباحثون.
هناك نظريات مختلفة بشأن أصل إسرائيل، أهمها نظرية الباحث الأمريكي وليم فوكسويل أولبرايت، الذي كان رئيساً للمدرسة الأمريكية للأبحاث الشرقية وقام بحفريات في فلسطين. حاول أولبرايت أن يربط المكتشفات الأثرية الجديدة لتدمير المدن الفلسطينية مع نهاية القرن الثالث عشر قبل الميلاد، مع قيام مستوطنات صغيرة وفقيرة في منتصف البلاد الكثيرة التلال والسفوح، بالغزو الإسرائيلي القديم، استناداً إلى الصورة التوراتية. ومن الطبيعي أنه كان شائعاً أن هدم المناطق المدنية جاء على أيدي سكان المستوطنات الجديدة في المرتفعات، لأنهم ظهروا مالكين لسمات ثقافية مادية جديدة، مع وجود أشكال فخارية تشير إلى انقطاع جذري مع الثقافات السابقة. وقد اعتقد أولبرايت أن هذه شواهد على وصول الإسرائيليين من الخارج.
ولكن الباحث الألماني أولبريخت آلت، قدم صورة عكسية. فمع استخدام التراث التوراتي والمعلومات الأثرية الموسعة، ومواد الأرشيف المصري، وصور الإسرائيليين كبدو رحل، وصلوا من الخارج، واستوطنوا في البداية في المناطق الجبلية غير المأهولة قبل أن يمتدوا باتجاه الشواطئ، ويتنامى صراعهم مع المدن الكنعانية. ورغم اختلاف النظريتين فإن العامل المشترك بينهما أن الإسرائيليين جاؤوا من خارج فلسطين واستوطنوا في القرى الصغيرة المرتفعة، ثم خربوا المدن الكنعانية التي يقطنها السكان الأصليون ولم يستطيعوا توحيد جهودهم ضد الغزو.
وقال أولبرايت إن الأواني الخزفية المكتشفة في الحفريات لا تملك أية سمات تميزها، بل هي امتداد لما أنتجه العصر البرونزي المتأخر، وهذا القول يدل على أنها ليست شاهداً على أن هناك جماعات جاءت من الخارج، بل من المؤكد أن هذه القرى على التلال المرتفعة هي جزء من التطور لدى السكان الكنعانيين الأصليين. وبالتالي فإن الاستنتاج يضعف نظريات أولبرايت وأولبريخت ويوضح كيف تأثرا بالصراع حول فلسطين خلال فترة عملهما في الحفريات الأثرية.
إن السياسات الصهيونية تصبغ الماضي. وفي بداية القرن العشرين كانت تخترع وطناً قومياً في فلسطين عبر الهجرة من الخارج إلى فلسطين، وكانت تنكر وجود أي حس بالوعي القومي لدى الفلسطينيين العرب بالرغم من وجود شواهد على نقيضه. وطرحت الصهيونية فكرة إسرائيل القديمة وكأنها وصلت القمة في التطور السياسي وأسست مملكة داود في العصر الحديدي المبكر بعد أن حلت مكان ثقافة محلية أدنى.
إن فكرة وجود دولة كبيرة تتركز حول القدس في القرن العاشر قبل الميلاد قد تنامت وأخذ خبراء الدراسات التوراتية وعلماء الآثار يحاولون إيجاد تبريرات لها. وأمام هذا الاختراع المزيف نجد الصمت المطبق للسجلات الأثرية تجاه تعريف هذه اللحظة في تاريخ المنطقة. إن إمبراطورية داودية مزعومة قوية ومتميزة كما يدعون، كان يجب أن تترك أثراً في المكتشفات المادية الملموسة في المنطقة. ولكن لم يكتشف أي شاهد أو معلم من هذا النوع من قبل علماء الآثار حتى الآن. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الفترة السليمانية التي هي موضع تساؤل.
إن تاريخ فلسطين القديم أصبح تاريخاً مستثنى. والدراسات التوراتية والأثرية تركزت على محاولة إيجاد إسرائيل القديمة، وتم تجاهل باقي التاريخ الفلسطيني، ولم يخصص له أي حيز في الدراسات الأكاديمية الغربية.
هذه الحالة أخذت تتغير في السنوات القليلة الأخيرة من القرن العشرين، وعلى الأخص في الأعوام 1998م، 1999م، بعد تزايد كمية المعلومات الأثرية في القدس بخاصة وفي فلسطين بعامة. وقد قاد الأمر إلى وضع أصبح من الممكن معه التحدث عن دراسة تاريخ فلسطين القديمة وليس إسرائيل القديمة.
إن المعلومات الأثرية التي تغطي العصر البرونزي ـ الحديدي المتأخر، والعصر الحديدي المبكر، توفر معلومات ثمينة حول السكان والمستوطنات والاقتصاد والتنظيم الاجتماعي في فلسطين، وهي تسمح للمؤرخين باكتشاف عملية الانتقال التي جاءت بعد تخريب المواقع المدنية على الساحل، وساعدت على تنمية المناطق الريفية والمستوطنات التي أقيمت فوق التلال. ويجب أن يفهم المؤرخون أن هذا الأمر جزء من عملية النزوح وإعادة التجمع في المجتمع الفلسطيني. وهذه عملية حدثت في نهاية العصر البرونزي واستمرت آثارها حتى العصر الحديدي.
وعلى المؤرخين إجراء تحقيق علمي حول العصر الحديدي، وبخاصة الفترة المرتبطة بمملكة داود، حتى يمكن الكشف عن كيفية اعتبار مستوطنات العصر الحديدي جزءاً من عملية النزوح الفلسطينية.
إن العالم الإسرائيلي (إسرائيل فينكلشتاين) في السنوات القليلة الماضية طالب، في مقالة نشرها، بمراجعة تامة لتحديد زمن العصر الحديدي، وهو اقتراح يجعل الآثار المكتشفة في مجدو وغيرها تنسب إلى ما بعد فترة سليمان. ورأيه هذا يتفق مع آراء عدد متزايد من الباحثين وعلماء الآثار الإسرائيليين الذين فندوا مؤخراً معتقدات تلمودية هامة، ومنهم جدعون أفني، وروني رايخ، ويائير زاكوبتش الذين قالوا إن داود لم يبن مدينة بل وجد مدينة قائمة، وقالوا إن الآثار المكتشفة في سلوان وأهمها القناة الصخرية المائية الطويلة تعبر عن حضارة يبوسية عظيمة.
وهناك العالم الإسرائيلي (ساجيف) الذي كان صديقاً لشمعون بيريس الذي طلب منه وضع دراسة علمية يثبت فيها أن المسجد الأقصى والحرم الإبراهيمي في الخليل هما في الأصل أثران يهوديان. وعكف ساجيف على هذه الدراسة ستة أشهر في مكتبه في تل أبيب وفي القدس وفي الخليل واستعمل الأشعة تحت الحمراء، وفي النهاية خرج بتقرير جاء فيه أن هذين المعلمين إسلاميان وليس لهما علاقة بالتاريخ اليهودي.
الحفريات الأثرية وسيلة لدعم المزاعم التوراتية الزائفة
إن طبيعة اليهود الفاسدة لم تمكنهم من العيش بسلام مع أي من شعوب الأرض، فسباهم البابليون وكرههم الرومان واختلف معهم البيزنطيون، وحذر منهم الأوروبيون والأمريكيون على لسان بنجامين فرانكلين الذي خطب في مناسبة وضع الدستور الأمريكي وطالب أن يشتمل على مادة تمنع دخول اليهود إلى أمريكا. وعاش اليهود نتيجة تصرفاتهم العدوانية في الشتات سنين طويلة. ثم فكر زعماؤهم في إنشاء الحركة الصهيونية لتجميع اليهود في مكان واحد. وعقد أول مؤتمر صهيوني في اسكتلندا سنة 1717م ثم تطور الفكر الصهيوني في زمن هيرتزل مخطط الصهيونية وترأس مؤتمره المعروف في بال في سويسرا 1897م، وصدرت عنه القرارات الصهيونية العدوانية، وتولى التنفيذ وايزمن وبن غوريون ونجحا في إنشاء الدولة الإسرائيلية سنة 1948م.
وبعد دراسة عميقة من قبل زعماء الصهيونية وجدوا أن خير أسلوب لإقناع يهود العالم بالتجمع في مكان واحد هو تبني فكرة الدولة اليهودية تحت عنوان ديني هو إسرائيل (أي يعقوب)، ووجدوا أن أنسب مكان لتنفيذ ذلك هو ما يسمونه أرض الميعاد وتجميع شعب الله المختار عليها، وجعل القدس عاصمة لها وإنشاء الهيكل الثالث المزعوم فيها مكان المسجد الأقصى المبارك.
ووجدوا أن هذا الأمر يحتاج إلى دعم علمي مساند للدعم الديني، وهذا يأتي من علم الآثار الذي ربطوا بينه وبين كتبهم الدينية المتناقضة. ووجهوا حملات صهيونية تحت ستار الحفريات الأثرية إلى فلسطين وركزوا على القدس منذ منتصف القرن التاسع عشر، واستمروا في ذلك إلى تاريخ إقامة الدولة 1948م حيث كثفوا هذه الحفريات في الجانب الغربي من القدس، وبعد احتلال 1967م لكامل القدس كثفوا الحفريات في الجانب الشرقي من القدس، حتى زادت حفرياتهم منذ عام 1967م وإلى عام 2000م على جميع الحفريات التي تمت خلال أكثر من مائة عام سابقة للاحتلال.
ولم يتمكن علماء الآثار المكلفين من قبل الصهيونية العالمية خلال المائة عام التي سبقت احتلال 1967م من تكثيف الحفريات في منطقة المسجد الأقصى المبارك بسبب عدم منحهم هذه الفرصة من قبل الإدارة الإسلامية للمسجد الأقصى المبارك. ولكن بعد عام 1967م تمكنت السلطات الإسرائيلية من تخطي هذه العقبة في ضوء سيطرة الجيش الإسرائيلي على القدس وعلى منطقة المسجد الأقصى المبارك.
ولم يتمكن علماء الآثار الإسرائيليون أو من سبقهم من الحملات الأوروبية المأجورة من اكتشاف أي أثر ملموس مقنع بأن الهيكل كان منشأ على هذه البقعة من الأرض. وكل التفسيرات والاستنتاجات كانت مبنية على المفاهيم الدينية اليهودية ونصوص كتبهم المتضاربة وعلى افتراضات خاطئة من البداية، وعلى النصوص التاريخية التي تعبر عن آمال اليهود. لذلك فإن جميع الكتب التي ألفها علماء الآثار الإسرائيليون كانت استكمالاً لكتبهم الدينية السابقة، ولم تضف إليها شيئاً جديداً، كما أكدت ذلك كاثلين كنيون في كتابها الذي نشرته سنة 1930م. وجاءت تقارير بعض علمائهم الذين أبوا أن ينضموا إلى القافلة السابقة ونقضوا كل ما قاله العلماء السابقون، وأكدوا على الحق العربي التاريخي في القدس والذي يرجع إلى اليبوسيين الكنعانيين سنة 3000 قبل الميلاد، وأن داود لم يبن مدينة بل وجد مدينة حية قائمة.
الممارسات التعسفية الإسرائيلية في مدينة القدس
احتلت إسرائيل الجانب الغربي من مدينة القدس في عام 1948م وهذا الجزء يشكل 84 % من مساحة المدينة في ذلك الوقت. وفي عام 1967م احتلت الجانب الشرقي من المدينة، وبدأت بممارساتها التعسفية التي شملت الأرض والإنسان الفلسطيني والمقدسات والمعالم التاريخية الإسلامية. وأخطر هذه الممارسات ما يلي:
1. هدم حارة المغاربة الملاصقة للزاوية الجنوبية الغربية من المسجد الأقصى المبارك وطرد سكانها، وإنشاء ساحة كبيرة أمام حائط البراق ليتجمع اليهود فيها للصلاة أمام الحائط، الذي يدعون أنه جزء من الهيكل. وهذا الحائط طوله 47 متراً وارتفاعه فوق الأرض 17 متراً. ولم يثبت أبداً بأي صورة من الصور بأنه جزء من الهيكل، بل لم يثبت أن الهيكل أصلاً كان في هذا الموقع. وعلى العكس من ذلك فإنه من النواحي الدينية والتاريخية والأثرية والقانونية يعتبر جزءاً لا يتجزأ من المسجد الأقصى المبارك. ولكن الإسرائيليين يتمسكون بمزاعم باطلة تلمودية ويرفضون الحقائق الدامغة الواقعية. وحتى إن الموسوعة اليهودية في طبعة سنة 1971م تحت باب القدس تقول : إن اليهود لم يبدأوا في الصلاة أمام هذا الحائط إلا بعد عام 1520م عندما طردوا من إسبانيا وجاء بعضهم إلى القدس وطلبوا من الحاكمن العثماني أن يسمح لهم بالصلاة في هذا المكان فسمح لهم. وقبل ذلك كانوا يصلون على جبل الزيتون. ولم يرد في التراث اليهودي والقصص اليهودية القديمة أن هذا الحائط مقدس عند اليهود. وعندما يذكر الحائط الغربي للهيكل فذلك يعني حائط الهيكل المهدوم وغير معروف موقعه، وليس حائط المسجد الأقصى. كما أن جميع الحفريات الأثرية التي تمت في القدس وحول المسجد الأقصى منذ عام 1863م وإلى الآن، وعددها حوالي ستين حفرية لم تجد شيئاً يمت بصلة إلى الهيكل. ورغم ذلك فإن المخطط الإسرائيلي يسير قدماً من أجل بناء الهيكل في موقع المسجد الأقصى المبارك، ووضع الإسرائيليون لذلك عدة سيناريوهات كلها توصل إلى نفس الهدف.
2. تجريف حارة الشرف العربية داخل البلدة القديمة، وبناء مستوطنة مكانها يطلقون عليها اسم (حارة اليهود) نسبة إلى السكان وليس نسبة إلى المالكين.
3. مصادرة حوالي مائة عقار إسلامي في البلدة القديمة منها معالم تاريخية إسلامية مثل المدرسة التنكزية، التي أصبحت مقر حرس الحدود الإسرائيلي، وتشرف نوافذها على ساحات المسجد الأقصى. وقد حولت بعض هذه المعالم إلى مدارس دينية يهودية مثل عطرات كوهانيم، وتورات حاييم، وعطرات ليوشنه، وشوفوبانيم، وأمناء جبل الهيكل، ومكتبة بن عزرا.
4. إحراق المسجد الأقصى المبارك بتاريخ 21/8/1969م.
5. الاعتداء المسلح على قبة الصخرة المشرفة سنة 1982م وقتل وجرح حوالي 40 من المصلين.
6. الحفريات تحت وحول الأقصى المبارك وفي جميع أنحاء البلدة القديمة في القدس. ومنها النفق الغربي بطول يزيد على نصف كيلومتر، الذي جعلوه كنيساً يهودياً تقام الصلاة داخله. وتبين أن جميع الآثار داخل هذا النفق هي آثار أموية.
7. إنشاء المستوطنات حول القدس وبلغ عددها لغاية الآن 32 مستوطنة يسكن فيها حوالي 190 ألف يهودي، علماً بأن عدد السكان العرب في القدس سنة 2000م هو 210 آلاف نسمة.
8. عدم إصدار رخص بناء للعرب في القدس إلا بشق الأنفس، وفي هذه الحالة تكلف الرسوم لشقة واحدة حوالي عشرين ألف دولاراً.
9. محاولات اقتحام ساحات الأقصى المبارك من قبل الفئات الدينية اليهودية المتعصبة مثل أمناء جبل البيت، للصلاة عنوة في الداخل، ويتصدى لهم عند ذلك حرس الأقصى المسلمون والمصلون.
10. مجزرة الأقصى التي قام بها الجنود الإسرائيليون بتاريخ 8/10/1990م وقتلوا وجرحوا حوالي تسعين من المصلين.
11. فرض الحزام الأمني حول القدس، والذي هو في الحقيقة حزام اقتصادي ضد المواطنين العرب في القدس.
12. سحب هويات المقدسيين الذين لا يسكنون في القدس هم وعائلاتهم.
13. إغراء المقدسيين العرب بالحصول على الجنسية الإسرائيلية، ويقدر عدد الذين حصلوا على هذه الجنسية إلى الآن بحوالي خمسة آلاف.
14. وضع الصعوبات المفتعلة أمام أعمال الترميم والصيانة للمقدسات الإسلامية في البلدة القديمة وفي المسجد الأقصى المبارك.
15. نشر المخدرات بين الشباب المقدسيين عن طريق مروجين يهود، يستغلون العاطلين عن العمل لبيعها في وضح النهار، لأنهم مدعومون من السلطة الإسرائيلية.
16. توسيع التنظيم الهيكلي للمدينة حتى أصبحت مساحتها 22 % من مساحة الصفة الغربية على حساب المدن والقرى العربية وذلك لسلخها من السيادة الفلسطينية.
ورغم هذه الممارسات بقي أهل القدس الشرفاء صامدون رغم كل هذه الممارسات والصعوبات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
الموقف الإسرائيلي من القدس
إن موافقة إسرائيل على قيام الحكم الذاتي الفلسطيني كان سببه اعتبارات ديمغرافية عربية قبل كل شيء، وليس سعياً وراء السلام الحقيقي. فهي تخاف من انخراط الفلسطينيين العرب ضمن الدولة اليهودية لأنهم سيشكلون أكثرية في المستقبل تهدد الكيان اليهودي. وقد شاهد العالم التباطؤ الشديد في المفاوضات مع الفلسطينيين وعدم رغبة إسرائيل في تطبيق جميع بنود اتفاقية أوسلو، وعدم رغبتها في الانسحاب الكامل من الضفة الغربية، وتأجيل المفاوضات بشأن القدس إلى أبعد وقت ممكن، حتى يتسنى لإسرائيل إيجاد وضع ديمغرافي واقتصادي ومؤسسي عربي مقدسي مهلهل تستفيد منه. ويتميز الموقف الإسرائيلي الثابت بالأمور الآتية :
1. الإصرار على اعتبار القدس عاصمة موحدة أبدية لإسرائيل، متجاهلة أن القدس هي محور السلام، وأنه إذا وجد السلام في القدس وجد السلام في جميع المنطقة، وإذا فقد السلام في القدس فقد السلام في جميع المنطقة.
2. الإصرار على عدم عودة اللاجئين إلى أراضيهم وممتلكاتهم، بحيث أصبحت هذه القضية تشكل قضية الظلم الكبرى التي ارتكبتها الدول المتحضرة في القرن العشرين. وما زالت إسرائيل تعتبرها قضية إنسانية تحل من خلال مشاريع توطين ومساعدات دولية، وطمس عمقها السياسي والوطني.
3. تصر إسرائيل على الاستمرار بإنشاء المستوطنات وتوسيع القائم منها بحيث تصبح شبكة تشرح الأرض الفلسطينية، وتجعلها جيتوهات صغيرة، وتحيط بالقدس إحاطة السوار بالمعصم. وهي بذلك تعتقد أنها تبني على أرض إسرائيل ولا يحق لأحد أن يمنعها من ذلك.
4. تخطط إسرائيل مع الأحزاب الدينية المتطرفة لإنشاء الهيكل اليهودي في موقع المسجد الأقصى المبارك، رغم أنه ثابت من النواحي التاريخية والدينية والأثرية والعمراني والقانون الدولي أنه لا يوجد أي أثر لهذا الهيكل في موقع المسجد الأقصى المبارك.
وقد أكد هذه الحقيقة علماء آثار إسرائيليون خلال عامي 1998م، 1999م ومنهم جدعون أفني، وروني رايخ، ويائير زاكوبتش، وزئيف هيرتسوغ، وتوبيا ساجيف. وقالوا إن داود لم يبن مدينة بل وجد قائمة يبوسية تنعم بالحضارة.
5. تستمر إسرائيل في الاستيلاء على المياه العربية المحيطة بها. وقد صادرت 75 % من مياه الضفة الغربية والمياه التي كانت تغذي القدس في عام 1967م، وربطتها بالشبكة الإسرائيلية. والفرد الإسرائيلي يستهلك أربعة أضعاف ما يستهلكه الفرد العربي من المياه، ولذلك ستكون هذه المسألة من أخطر الأمور المستقبلية مع إسرائيل.
إن هذه الأمور الخمسة تشكل أهم الخلافات مع إسرائيل. ورغم هذه الحقيقة الناصعة، فإن جميع الاتفاقيات التي وقعتها إسرائيل مع العرب ابتداء من كامب ديفيد استثنت هذه الأمور وأجلتها إلى المرحلة النهائية من المفاوضات. وهذا بطبيعة الحال أزم هذه الأمور التي استفحلت وأصبحت تحتاج إلى مساهمات كل محبي السلام، وكل العقول النيرة، وكل الخبرات السياسية، وكل قوانين العدالة.
السيناريوهات الإسرائيلية لهدم الأقصى كما نشرت في بعض الكتب الإسرائيلية
الأول : بناء عشرة أعمدة على الساحة الموجودة أمام الحائط الغربي من الخارج إلى أن تصل إلى مستوى ساحة المسجد الأقصى، ثم يبنى الهيكل عليها.
الثاني : نفس الاقتراح الأول ولكن تكون أرضية الهيكل أعلى من منسوب ساحة المسجد الأقصى ويرتبط الهيكل بساحة الأقصى من الداخل.
الثالث : حفر خندق حول مبنى قبة الصخرة المشرفة ونقل المبنى إلى مكان آخر، وبناء الهيكل فوق صخرة المعراج الموجودة داخل مبنى قبة الصخرة المشرفة.
الرابع : هدم مبنى الأقصى وبناء الهيكل مكانه بحيث يكون مدخله من الجهة الغربية حيث يوجد قوس روبنسون.
الخامس : بناء الهيكل شمالي مبنى قبة الصخرة المشرفة بحيث يكون موقع قدس الأقداس في مكان قبة الأرواح الصغيرة الموجودة حالياً. ويكون مدخل الهيكل من الباب الذهبي الموجود في وسط السور الشرقي للحرم القدسي الشريف.
السادس : هدم مبنى الأقصى ومبنى قبة الصخرة المشرفة، وكل الأبنية الأخرى داخل أسوار المسجد الأقصى المبارك، وبناء الهيكل في وسط الساحة. وقد نشرت صور لهذا الاقتراح في مجلات عالمية.
السابع : إنشاء الهيكل بين مبنى المسجد الأقصى ومبنى قبة الصخرة المشرفة على أساس الادعاء الجديد المزعوم الذي طرحه عالم الآثار اليهودي طوبيا ساجيف بأن الهيكل كان موجوداً في هذه البقعة وتحت الأرض. وكان قدس الأقداس في موقع الكأس (مكان الوضوء الحالي).
الإعمار والترميم للمقدسات والمعالم التاريخية خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي
يقوم بإعمار وترميم المقدسات الإسلامية التاريخية في المسجد الأقصى والبلدة القديمة في القدس (لجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة)، المشكلة بموجب قانون أردني صدر سنة 1954م. وهي تعمل بشكل متواصل منذ تأسيسها وإلى اليوم دون الرجوع إلى السلطات الإسرائيلية. وقد قامت بإعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة خلال الفترة (1967-1956م). ثم قامت بالإعمار مرة ثانية خلال الفترة (2000-1970م) بعد إحراق المسجد الأقصى من قبل مايكل دنيس روهان، اليهودي الأسترالي. وتم في هذا الإعمار إزالة آثار الحريق وإعادة بناء ثلث مساحة مبنى المسجد الأقصى الذي هدمته النيران، وإعادة زخرفة القبة الخشبية وتركيب قبة خارجية وسقف خارجي من الرصاص، وإعادة زخرفة الجدران والسقوف الداخلية والفسيفساء والرخام. وبالنسبة لقبة الصخرة المشرفة فقد تم تركيب صفائح نحاسية مذهبة للقبة الخارجية سنة 1994م، وألواح رصاصية لسقف الأروقة الثمانية الخارجي. أما قبة السلسلة فقد تم تغيير قبتها الخارجية والسقف الخارجي بألواح رصاصية جديدة، وتمت صيانة البلاط القاشاني على رقبة القبة الخارجية. وهناك أعمال كثيرة أنجزت في ساحات المسجد الأقصى، منها ترميم المدرسة الأشرفية الواقعة على الروق الغربي، وسبيل قايتباي والمصاطب وبلاط الساحات والمآذن.
أما في البلدة القديمة فقد تم ترميم مدارس الجوهرية والكيلانية والأسعردية والمنجكية واللؤلؤية والمزهرية ورباط وخان السلطان وسوق العطارين.
وتعمل لجنة الإعمار حالياً على إعادة صنع منبر صلاح الدين الأيوبي الذي حضرت له حوالي ألف مخطط زخرفي وهندسي، وعمل بنية تحتية حديثة لجميع المسجد الأقصى المبارك شاملة شبكات المياه والري والإطفاء والمجاري وشبكات الكهرباء الداخلية والخارجية والهواتف والصوتيات.
وهناك جهات أخرى مثل مؤسسة التعاون تعمل على صيانة المساكن العربية في داخل البلدة القديمة، وجمعيات من عرب فلسطين المحتلة سنة 1948م التي قامت بترميم وصيانة المسجد المرواني الموجود تحت ساحات المسجد الأقصى بإشراف دائرة الأوقاف في القدس.
إن المسجد الأقصى والقدس تحتاج إلى عمل كثير ودؤوب للحفاظ على معالمها الدينية وتراثها التاريخي المعماري، في ظل الاحتلال الإسرائيلي الذي يضع العراقيل أمام هذا العمل، لأن السلطات الإسرائيلية تخطط لتقويض أركان هذه المعالم وهدمها بشتى الطرق، رغم قرارات منظمة اليونسكو العديدة التي طالبت إسرائيل بعدم تغيير معالم المدينة المقدسة، إلا أن البلدية الإسرائيلية لم تستجب إلى هذه القرارات وظلت تعمل بعكسها، بهدف تهويد مدينة القدس أرضاً وسكاناً وعمراناً. ولكن رغم كل هذه الممارسات الإسرائيلية التعسفية فإن وجه القدس ما زال عربياً بحمد الله رغم مرور 35 عاماً على محاولات تهويد الجانب الشرقي من المدينة.
التسوية النهائية وانعكاساتها على قضية القدس
إن المفاوض الإسرائيلي مستعد دائماً لتأجيل البحث في قضية القدس والمماطلة إلى مرحلة مستقبلية غير محددة الزمن، وذلك لكسب الوقت من أجل استكمال تهويد المدينة. ويضع المفاوض الإسرائيلي العصا في دولاب المفاوضات للحصول على مزيد من التنازلات الفلسطينية. وهذا الأسلوب الإسرائيلي جعل المفاوضات حول القدس أحجية صعبة الحل.
وفي مفاوضات كامب ديفيد رأينا ابتزازاً إسرائيلياً جديداً من نوعه، وهو المطالبة بتقسيم المسجد الأقصى (أي تقسيم الحرم القدسي الشريف الذي تبلغ مساحته 144 دونماً). وإذا كان هذا التقسيم صعباً، فهم يطالبون بتمليكهم أسفل الأقصى. وهنا تكمن المؤامرة الكبيرة، لأن من يملك السطح لا يملك الأرض، ولكن من يملك الأرض يملك كل شيء فوقها. وفي نفس الوقت أعلن عالم الآثار الإسرائيلي طوبيا ساجيف فرضية جديدة وهي وجود الهيكل اليهودي بين مبنى الأقصى ومبنى قبة الصخرة المشرفة تحت الأرض وعلى عمق عشرة أمتار من سطح ساحة البراق. والهدف من هذا الإعلان هو الحفر داخل ساحات الأقصى الأمر الذي لم يحصل لغاية الآن.
وفي نفس المفاوضات حاول الإسرائيليون الحصول على موافقة فلسطينية لتقسيم البلدة القديمة وتقسيم الجانب الشرقي من مدينة القدس خارج أسوار البلدة القديمة، بحيث تضم إسرائيل حائط البراق والساحة أمامه التي كانت حي المغاربة المهدوم، والنفق الغربي الذي يستعمل كنيساً للصلاة، وحارة اليهود، التي كانت حارة الشرف العربية، وحارة الأرمن لغاية باب الخليل، كل ذلك يضم إلى الجانب الغربي من مدينة القدس، ويتركوا ما تبقى من البلدة القديمة إلى إدارة السلطة الفلسطينية.
أما بالنسبة لخارج أسوار البلدة القديمة، فطالب المفاوض الإسرائيلي ضم مستوطنة معالي أدوميم، وجبل الزيتون، والجامعة العربية، ووادي الجوز، وحي الشيخ جراح، إلى الجانب الغربي من مدينة القدس. [/