بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة الإنسان من بداية خلقه وتكوينه ، وحتى دخولهِ الجنة أو النار . الجزء الثاني 2 المحطة 5 ـ خراب الدنيا وقيـــــــــــام الساعـــة ،
6 ـ النفخ في الصور ـ 7 ـ البعث والنشور 8 ـ الحشـــر . 5 ـ خراب الدنيا وقيـــــــــــام الساعـــة : قال تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) الأعراف 187 .
وقال تعالى : ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ ) محمد 18 .
وقال تعالى : ( بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ) القمر 46.
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) الحج 1 ـ 2 .
* يَقُول تَعَالَى آمِرًا عِبَاده بِتَقْوَاهُ وَمُخْبِرًا لَهُمْ بِمَا يَسْتَقْبِلُونَ مِنْ أَهْوَال يَوْم الْقِيَامَة وَزَلَازِلهَا وَأَحْوَالهَا وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي زَلْزَلَة السَّاعَة ، هَلْ هِيَ بَعْد قِيَام النَّاس مِنْ قُبُورهمْ يَوْم نُشُورهمْ إِلَى عَرَصَات الْقِيَامَة أَوْ ذَلِكَ عِبَارَة عَنْ زَلْزَلَة الْأَرْض قَبْل قِيَام النَّاس مِنْ أَجْدَاثهمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى " إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْض زِلْزَالهَا وَأَخْرَجَتْ الْأَرْض أَثْقَالهَا
" وَقَالَ تَعَالَى " وَحُمِلَتْ الْأَرْض وَالْجِبَال فَدُكَّتَا دَكَّة وَاحِدَة فَيَوْمئِذٍ وَقَعَتْ الْوَاقِعَة " الْآيَة
وَقَالَ تَعَالَى " إِذَا رُجَّتْ الْأَرْض رَجًّا وَبُسَّتْ الْجِبَال بَسًّا " الْآيَة فَقَالَ قَائِلُونَ هَذِهِ الزَّلْزَلَة كَائِنَة فِي آخِر عُمْر الدُّنْيَا وَأَوَّل أَحْوَال السَّاعَة وَقَالَ اِبْن جَرِير والشعبي ، عَنْ عَلْقَمَة
فِي قَوْله " إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم " قَالَ قَبْل قيام السَّاعَة .
* عن حذيفة بن أسيد الغفاري (رضي الله عنه) قال : ( كان النبي (صلى الله عليه وسلم) في غرفة ونحن أسفل منه . فاطلع إلينا فقال " ما تذكرون ؟ " قلنا : الساعة . قال " إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف في جزيرة العرب ، والدخان ، والدجال ، ودابة الأرض ، ويأجوج ومأجوج ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس تنزل معهم إذا نزلوا . وتقيل معهم حيث قالوا " . ، في العاشرة : نزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم . وقال الآخر : وريح تلقي الناس في البحر ) صحيح مسلم .
* عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : ( الشمس والقمر مكوران يوم القيامة ) صحيح البخاري .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى " يَوْم تَرَوْنَهَا " هَذَا مِنْ بَاب ضَمِير الشَّأْن وَلِهَذَا قَالَ مُفَسِّرًا لَهُ " تَذْهَل كُلّ مُرْضِعَة عَمَّا أَرْضَعَتْ " أَيْ فَتَشْتَغِل لِهَوْلِ مَا تَرَى عَنْ أَحَبّ النَّاس إِلَيْهَا وَاَلَّتِي هِيَ أَشْفَق النَّاس عَلَيْهِ تُدْهَش عَنْهُ فِي حَال إِرْضَاعهَا لَهُ وَلِهَذَا قَالَ " كُلّ مُرْضِعَة " وَلَمْ يَقُلْ مُرْضِع وَقَالَ " عَمَّا أَرْضَعَتْ " أَيْ عَنْ رَضِيعهَا فِطَامه وَقَوْله " وَتَضَع كُلّ ذَات حَمْل حَمْلهَا " أَيْ قَبْل تَمَامه لِشِدَّةِ الْهَوْل " وَتَرَى النَّاس سُكَارَى " أَيْ مِنْ شِدَّة الْأَمْر الَّذِي قَدْ صَارُوا فِيهِ قَدْ دَهِشَتْ عُقُولهمْ وَغَابَتْ أَذْهَانهمْ فَمَنْ رَآهُمْ حَسِبَ أَنَّهُمْ سُكَارَى " وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَاب اللَّه شَدِيد " .
وقال تعالى وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا * يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ) طه 105 ـ 108 .
وقال تعالى يوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ) الأنبياء 104
ويَقُول تَعَالَى : (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ) 105طه .
أَيْ هَلْ تَبْقَى يَوْم الْقِيَامَة أَوْ تَزُول ؟ فَقُلْ يَنْسِفهَا رَبِّي نَسْفًا أَيْ يُذْهِبهَا عَنْ أَمَاكِنهَا وَيَمْحَقهَا وَيُسَيِّرهَا تَسْيِيرًا .
( فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا ) 106 طه .أَيْ بِسَاطًا وَاحِدًا وَالْقَاع هُوَ الْمُسْتَوِي مِنْ الْأَرْض وَالصَّفْصَف تَأْكِيد لِمَعْنَى ذَلِكَ وَقِيلَ الَّذِي لَا نَبَات فِيهِ وَالْأَوَّل أَوْلَى وَإِنْ كَانَ الْآخَر مُرَادًا أَيْضًا بِاللَّازِمِ .
( لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا ) 107طه .ـ( إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا ) الواقعة: أَيْ حُرِّكَتْ تَحْرِيكًا فَاهْتَزَّتْ وَاضْطَرَبَتْ بِطُولِهَا وَعَرْضهَا ، أَيْ زُلْزِلَتْ زِلْزَالًا تُرَجّ بِمَا فِيهَا كَرَجِّ الْغِرْبَال بِمَا فِيهِ وَهَذَا
كَقَوْلِهِ تَعَالَى " إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْض زِلْزَالهَا
" وقوله ( يَا أَيّهَا النَّاس اِتَّقُوا رَبّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم ) .
ـ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ) : أَيْ فُتِّتَتْ فَتًّا وصَارَتْ الْجِبَال كالرمل الناعم ( كَثِيبًا مَهِيلًا ) .
ـ( فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ): هَبَاء مُنْبَثًّا كَرَهْجِ الْغُبَار يَسْطَع ثُمَّ يَذْهَب فَلَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْء ، الْهَبَاء الَّذِي يَطِير مِنْ النَّار إِذَا اِضْطَرَمَتْ يَطِير مِنْهُ الشَّرَر فَإِذَا وَقَعَ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا ، الْمُنْبَثّ الَّذِي قَدْ ذَرَتْهُ الرِّيح وَبَثَّتْهُ كَيَبِيسِ الشَّجَر الَّذِي تَذْرُوهُ الرِّيَاح . وَهَذِهِ الْآيَة كَأَخَوَاتِهَا الدَّالَّة عَلَى زَوَال الْجِبَال عَنْ أَمَاكِنهَا يَوْم الْقِيَامَة وَذَهَابهَا وَتَسْيِيرهَا وَنَسْفهَا أَيْ قَلْعهَا وَصَيْرُورَتهَا (كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوش) . ( وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ ) يَعْنِي قَدْ صَارَتْ كَأَنَّهَا الصُّوف الْمَنْفُوش الَّذِي قَدْ شَرَعَ فِي الذَّهَاب وَالتَّمَزُّق " الْعِهْن " الصُّوف .
وقال تعالى : ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) إبراهيم 47 .
(يَوْم تُبَدَّل الْأَرْض غَيْر الْأَرْض وَالسَّمَاوَات) أَيْ وَعْده هَذَا حَاصِل يَوْم تُبَدَّل الْأَرْض وَهِيَ هَذِهِ عَلَى غَيْر الصِّفَة الْمَأْلُوفَة الْمَعْرُوفَة
كَمَاجَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ سَهْل بْن سَعْد قَالَ : ( قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يُحْشَر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة عَلَى أَرْض بَيْضَاء عَفْرَاء كَقُرْصَةِ النَّقِيّ لَيْسَ فِيهَا مَعْلَمٌ لِأَحَدٍ ) .
*وَقَالَ الْإِمَام أَحْمَد عَنْ عَائِشَة أَنَّهَا قَالَتْ : ( أَنَا أَوَّل النَّاس سَأَلَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَة " يَوْم تُبَدَّل الْأَرْض غَيْر الْأَرْض وَالسَّمَاوَات" قَالَتْ : قُلْت أَيْنَ النَّاس يَوْمئِذٍ يَا رَسُول اللَّه ؟ قَالَ" عَلَى الصِّرَاط " ) . رَوَاهُ مُسْلِم .
* وعَنْ عَائِشَة رَضِيَ اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا سَأَلْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْل اللَّه " يَوْمَ تُبَدَّل الْأَرْض غَيْر الْأَرْض وَالسَّمَاوَات "( قَالَ : قَالَتْ يَا رَسُول اللَّه فَأَيْنَ النَّاس يَوْمئِذٍ ؟ قَالَ " لَقَدْ سَأَلْتنِي عَنْ شَيْء مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَد مِنْ أُمَّتِي ذَاكَ أَنَّ النَّاس عَلَى جِسْرِهِمْ " ) رَوَاهُ مُسْلِم .
*عَنْ اِبْن عَبَّاس حَدَّثَتْنِي عَائِشَة : ( أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْله تَعَالَى " وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ " فَأَيْنَ النَّاس يَوْمئِذٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : هُمْ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ ) رواه أحمد .
* ومن خراب الدنيا قبل قيام الساعة ، ما جاء في هذا الحديث :
* عن حذيفة بن أسيد الغفاري (رضي الله عنه) قال : ( كان النبي (صلى الله عليه وسلم) في غرفة ونحن أسفل منه . فاطلع إلينا فقال " ما تذكرون ؟ " قلنا : الساعة . قال " إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف في جزيرة العرب ، والدخان ، والدجال، ودابة الأرض ، ويأجوج ومأجوج ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس تنزل معهم إذا نزلوا . وتقيل معهم حيث قالوا " . ، في العاشرة : نزول عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم .) صحيح مسلم .
قال تعالى : ( إِذَا الشَّمْس كُوِّرَتْ ) ( وَإِذَا السَّمَاء اِنْفَطَرَتْ ) ( وَإِذَا السَّمَاء اِنْشَقَّتْ ) .
وكلها بمعنى واحد ، وهو ذهابها واضمحلالها وانكفائها وذهاب نورها ، ونجومها .
(إِذَا الشَّمْس كُوِّرَتْ ) التكوير1، يَعْنِي أَظْلَمَتْ وذَهَبَتْ واِضْمَحَلَّتْ وَذَهَبَ ضَوْءُهَا ، قَالَ اِبْن جَرِير وَالصَّوَاب مِنْ الْقَوْل عِنْدنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّكْوِير جَمْع الشَّيْء بَعْضه عَلَى بَعْض وَمِنْهُ تَكْوِير الْعِمَامَة وَجَمْع الثِّيَاب بَعْضهَا إِلَى بَعْض فَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى " كُوِّرَتْ " جُمِعَ بَعْضهَا إِلَى بَعْض ثُمَّ لُفَّتْ فَرُمِيَ بِهَا وَإِذَا فُعِلَ بِهَا ذَلِكَ ذَهَبَ ضَوْءُهَا .
( وَإِذَا النُّجُوم اِنْكَدَرَتْ ) 2: أَيْ اِنْتَثَرَتْ كَمَا قَالَ تَعَالَى " وَإِذَا الْكَوَاكِب اِنْتَثَرَتْ " وَأَصْل الِانْكِدَار الِانْصِبَاب .أي في جهنم .
( وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ) 3: أيْ زَالَتْ عَنْ أَمَاكِنهَا وَنُسِفَتْ فَتُرِكَتْ الْأَرْض قَاعًا صَفْصَفًا .
( وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ) 4 : عِشَار الْإِبِل قَالَ مُجَاهِد : عُطِّلَتْ تُرِكَتْ وَسُيِّبَتْ وأَهْمَلَهَا أَهْلهَا ولَمْ تُحْلَب وَلَمْ تُصَرّ تَخَلَّى عَنْهَا أَرْبَابهَا وَقَالَ الضَّحَّاك تُرِكَتْ لَا رَاعِي لَهَا وَالْمَعْنَى فِي هَذَا كُلّه مُتَقَارِب وَالْمَقْصُود أَنَّ الْعِشَار مِنْ الْإِبِل وَهِيَ خِيَارهَا وَالْحَوَامِل مِنْهَا الَّتِي قَدْ وَصَلَتْ فِي حَمْلهَا إِلَى الشَّهْر الْعَاشِر - وَاحِدَتهَا عُشَرَاء وَلَا يَزَال ذَلِكَ اِسْمهَا حَتَّى تَضَع - قَدْ أُشْغِلَ النَّاس عَنْهَا وَعَنْ كَفَالَتهَا وَالِانْتِفَاع بِهَا بَعْدَمَا كَانُوا أَرْغَب شَيْء فِيهَا ، بِمَا دَهَمَهُمْ مِنْ الْأَمْر الْعَظِيم الْمُفْظِع الْهَائِل وَهُوَ أَمْر يَوْم الْقِيَامَة وَانْعِقَاد أَسْبَابهَا وَوُقُوع مُقَدِّمَاتهَا .
( وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ) 5: أَيْ جُمِعَتْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( وَمَا مِنْ دَابَّة فِي الْأَرْض وَلَا طَائِر يَطِير بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَم أَمْثَالكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَاب مِنْ شَيْء ، ثُمَّ إِلَى رَبّهمْ يُحْشَرُونَ ) قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُحْشَر كُلّ شَيْء حَتَّى الذُّبَاب ، وقَالَ حَشْر الْبَهَائِم مَوْتهَا وَحَشْر كُلّ شَيْء الْمَوْت وتحول إلى تراب ،
وذلك مصداق قوله : ( إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ) النبأ 40 .، غَيْر الْجِنّ وَالْإِنْس فَإِنَّهُمَا يُوقَفَانِ يَوْم الْقِيَامَة ، قَالَ اللَّه تَعَالَى " وَالطَّيْر مَحْشُورَة " أَيْ مَجْمُوعَة .وإِنَّ هَذِهِ الْخَلَائِق مُوَافِيَة فَيَقْضِي اللَّه فِيهَا مَا يَشَاء ،
( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ) 6:
قَالَ اِبْن عَبَّاس : يُرْسِل اللَّه عَلَيْهَا الرِّيَاح الدَّبُور فَتُسَعِّرهَا وَتَصِير نَارًا تَأَجَّج .
( وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ) 7: أَيْ جُمِعَ كُلّ شَكْل إِلَى نَظِيره كَقَوْلِهِ تَعَالَى " اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجهمْ" . وكقوله : ( وكنتم أزواجاً ثلاثة ) .
* عن أبي مالك الأشعري (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : ( ليكونن من أمتي أقوام ، يستحلون الحرَ والحريرَ ، والخمرَ والمعازفَ ، ولينزلن أقوام إلى جنب علم ، يروح عليهم بسارحة لهم ، يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولوا : ارجعْ إلينا غداً ، فيُبيْتهُم الله ، ويضعُ العلمَ ، ويمسخُ آخرين قردةً وخنازير إلى يوم القيامة ) صحيح البخاري .
* عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : ( إن بين يدي الساعة الهرج ، قالوا : وما الهرجْ ؟ قال : القتل ، إنه ليس بقتلكم المشركين ، و لكن قتل بعضكم بعضا ، [ حتى يقتل الرجل جاره ، و يقتل أخاه ، و يقتل عمه ، و يقتل ابن عمه ] قالوا : و معنا عقولنا يومئذ ؟ قال : إنه لتنزع عقول أهل ذلك الزمان ، و يخلف له هباء من الناس ، يحسب أكثرهم أنهم على شيء ، و ليسوا على شيء ) رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني في صحيح الجامع .
* وعن عبدالله بن مسعود و أبو موسى الأشعري (رضي الله عنهما): ( إن بين يدي الساعة لأياما ينزل فيها الجهل ، ويرفع فيها العلم ، ويكثر فيها الهرج . والهرج القتل ) . صحيح البخاري .
* عن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : ( إن بين يدي الساعة فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل فيها مؤمنا ، ويمسي كافراً ، ويُمسي مؤمناً ، ويُصبح كافراً ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي ، فكسروا قسيكم ، وقطعوا أوتاركم ، واضربوا سيوفكم بالحجارة ، فإن دخل على أحد منكم بيته فليكن كخير ابني آدم ) أي هابيل ، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع .
* وعن جابر بن سمرة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : ( إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم ). صحيح مسلم . أيّ مُدعين النبوة والألوهية .
6 ـ النفـــــخ في الصــــــور : وهو قرن عظيم ، التقمه إسرافيل ينتظر متى يؤمر بِنفخهِ نَفخةَ الفزع : فيخرب الكون كله ، وبعد أربعين ُينفخ نفخة البعث :
* عن أبي سعيد الخدري قال : ( قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كيف أنعم ، وقد التقم صاحب القرن القرن وحنى جبهته وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فينفخ ، قال المسلمون فكيف نقول يا رسول الله ، قال : قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، توكلنا على الله ربنا وربما قال سفيان على الله توكلنا ) رواه أحمد والترمذي .
قال تعالى : ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللهُ ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ) الزمر 68 .
وقال تعالى : ( فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ * فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ ) المدثر 8 ـ 10 .
وقال تعالى : ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ) المؤمنون 101 .
وقال تعالى : ( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ * وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً * فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ) الحاقة 13 ـ 16 .
الْحَاقَّةُ : الْحَاقَّة مِنْ أَسْمَاء يَوْم الْقِيَامَة لِأَنَّ فِيهَا يَتَحَقَّق الْوَعْد وَالْوَعِيد .
( فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ ) الحاقة 13 .يَقُول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ أَهْوَال يَوْم الْقِيَامَة وَأَوَّل ذَلِكَ نَفْخَة الْفَزَع ثُمَّ يُعْقِبهَا نَفْخَة الصَّعْق حِين يَصْعَق مَنْ فِي السَّمَوَات وَمَنْ فِي الْأَرْض إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه ثُمَّ بَعْدهَا نَفْخَة الْقِيَام لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَالْبَعْث وَالنُّشُور وَهِيَ هَذِهِ النَّفْخَة وَقَدْ أَكَّدَهَا هَهُنَا بِأَنَّهَا وَاحِدَة لِأَنَّ أَمْر اللَّه لَا يُخَالَف وَلَا يُمَانَع وَلَا يَحْتَاج إِلَى تَكْرَار وَلَا تَأْكِيد وَقَالَ الرَّبِيع هِيَ النَّفْخَة الْأَخِيرَة وَالظَّاهِر مَا قُلْنَاهُ.
( وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً ) 14 .وَلِهَذَا قَالَ هَهُنَا " وَحُمِلَتْ الْأَرْض وَالْجِبَال فَدُكَّتَا دَكَّة وَاحِدَة " أَيْ فَمُدَّتْ مَدّ ، وَتَبَدَّلَتْ الْأَرْض غَيْر الْأَرْض .
( فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ ) 15 . أَيْ قَامَتْ الْقِيَامَة .
( وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ) 16 .تَنْشَقّ السَّمَاء مِنْ الْمَجَرَّة رَوَاهُ اِبْن أَبِي حَاتِم وَقَالَ اِبْن جُرَيْج هِيَ كَقَوْلِهِ " وَفُتِحَتْ السَّمَاء فَكَانَتْ أَبْوَابًا " وَقَالَ اِبْن عَبَّاس مُتَخَرِّقَة وَالْعَرْش بِحِذَائِهَا .
( وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ) 17 .الْمَلَك ، أَيْ الْمَلَائِكَة عَلَى أَرْجَاء السَّمَاء قَالَ اِبْن عَبَّاس عَلَى مَا لَمْ يَنْشَقّ مِنْهَا أَيْ حَافَاتهَا ، أَطْرَافهَا ، أَبْوَابهَا ، أَيْ يَوْم الْقِيَامَة يَحْمِل الْعَرْش ثَمَانِيَة مِنْ الْمَلَائِكَة وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهَذَا الْعَرْش الْعَرْش الْعَظِيم أَوْ الْعَرْش الَّذِي يُوضَع فِي الْأَرْض يَوْم الْقِيَامَة لِفَصْلِ الْقَضَاء وَاَللَّه أَعْلَم بِالصَّوَابِ .
*عَنْ جَابِر قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه (صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : ( أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثكُمْ عَنْ مَلَك مِنْ حَمَلَة الْعَرْش بُعْد مَا بَيْن شَحْمَة أُذُنه وَعُنُقه بِخَفْقِ الطَّيْر سَبْعمِائَةِ عَام ) وَهَذَا إِسْنَاد جَيِّد ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
( يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ ) 18 .أَيْ تُعْرَضُونَ عَلَى عَالِم السِّرّ وَالنَّجْوَى الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْء مِنْ أُمُوركُمْ بَلْ هُوَ عَالِم بِالظَّوَاهِرِ وَالسَّرَائِر وَالضَّمَائِر .
قَالَ عُمَر بْن الْخَطَّاب (رَضِيَ اللَّه عَنْهُ) : ( حَاسِبُوا أَنْفُسكُمْ قَبْل أَنْ تُحَاسَبُوا وَزِنُوا أَنْفُسكُمْ قَبْل أَنْ تُوزَنُوا فَإِنَّهُ أَخَفّ عَلَيْكُمْ فِي الْحِسَاب غَدًا أَنْ تُحَاسِبُوا أَنْفُسكُمْ الْيَوْم وَتَزَيَّنُوا لِلْعَرْضِ الْأَكْبَر ) مسند الفاروق ، ابن كثير . مشهور وبه انقطاع .
ـ( إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا ): أَيْ حُرِّكَتْ تَحْرِيكًا فَاهْتَزَّتْ وَاضْطَرَبَتْ بِطُولِهَا وَعَرْضهَا ، أَيْ زُلْزِلَتْ زِلْزَالًا تُرَجّ بِمَا فِيهَا كَرَجِّ الْغِرْبَال بِمَا فِيهِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى " إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْض زِلْزَالهَا "
وقوله : ( يَا أَيّهَا النَّاس اِتَّقُوا رَبّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَة السَّاعَة شَيْء عَظِيم ) .
ـ( وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا ) : أَيْ فُتِّتَتْ فَتًّا وصَارَتْ الْجِبَال كالرمل الناعم ( كَثِيبًا مَهِيلًا ) .
ـ( فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا ): هَبَاء مُنْبَثًّا كَرَهْجِ الْغُبَار يَسْطَع ثُمَّ يَذْهَب فَلَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْء ، الْهَبَاء الَّذِي يَطِير مِنْ النَّار إِذَا اِضْطَرَمَتْ يَطِير مِنْهُ الشَّرَر فَإِذَا وَقَعَ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا ، الْمُنْبَثّ الَّذِي قَدْ ذَرَتْهُ الرِّيح وَبَثَّتْهُ كَيَبِيسِ الشَّجَر الَّذِي تَذْرُوهُ الرِّيَاح . وَهَذِهِ الْآيَة كَأَخَوَاتِهَا الدَّالَّة عَلَى زَوَال الْجِبَال عَنْ أَمَاكِنهَا يَوْم الْقِيَامَة وَذَهَابهَا وَتَسْيِيرهَا وَنَسْفهَا أَيْ قَلْعهَا وَصَيْرُورَتهَا (كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوش) .
7 ـ البعــــــــــــــــــث والنشــــــور : ويردُ الله تعالى على مُنكري البعث والنشور فيقول :قال تعالى : ( وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا * أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا ) مريم 66 ـ 67 .
وقال تعالى : ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ) يس 78 .
وقال تعالى : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) الأحقاف 33 .
وقال تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ) القيامة 3 ـ 4 .
وقال تعالى : ( أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * ألَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ) القيامة 36 ـ 40 .
قال تعالى : ( الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ ) الْقَارِعَة مِنْ أَسْمَاء الْقِيَامَة كَالْحَاقَّةِ وَالطَّامَّة وَالصَّاخَّة وَالْغَاشِيَة وَغَيْر ذَلِكَ .
( وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ ) ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُعَظِّمًا وَمُهَوِّلًا لِشَأْنِهَا وَمَا أَدْرَاك مَا الْقَارِعَة .
( يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ ) أَيْ فِي اِنْتِشَارهمْ وَتَفَرُّقهمْ وَذَهَابهمْ وَمَجِيئِهِمْ مِنْ حِيرَتهمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ كَأَنَّهُمْ فَرَاش مَبْثُوث كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَة الْأُخْرَى ( خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ ) القمر 7 .
فالمُحْرمُ ملبياً ، والشهيد ينزف دماً ، والغافل لاهياً ، لقوله (صلى الله عليه وسلم) :
*عن جابر(رضي الله عنه) قال : ( سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول يُبعث كل عبد ٍ على ما مات عليه ) رواه مسلم في الصحيح ، وغيره .
ثم ُيرسل الله مطراً تنبت من أجساد الموتى ( من عظمة عجب الذنب ) العصص ، فيكونون خلقاً جديداً لايموت ، حفاةً عراةً غير مختونين ، ويرون الملائكة والجن ، ويبعثون على أعمالهم .
* وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال : ( قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما بين النفختين أربعون قال أربعون يوما قال أبيت قال أربعون شهرا قال أبيت قال أربعون سنة قال أبيت قال ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة ) البخاري ومسلم وابن ماجة والنسائي ومالك
8 ـ الحشـــــــــــــــــــر : ثم يَجمع الله الخلائق للحساب ، فزعين كالسكارى في يوم مقدارهُ خمسونَ ألف سنة ، وُمكثهم في الدنيا بالنسبة لهذا اليوم كساعة، أو بعض يوم بالنسبةِ ليوم الحساب ، وتدنو الشمس قدر ميل وفي رواية ميلين ، فيعرق الناس بعرقهم بقدر أعمالهم ، فيه يتخاصم الضعفاء والمتكبرون ، ويخاصم الكافر قرينه وشيطانه وأعضاءه ، ويلعن بعضهم بعضاً ، ويعُضُ الظالمُ على يديهِ
فيقول : ( يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلاً ) الفرقان 28.
وُتجرُ جهنم ولها سبعون ألف زمام ، ويجر كل زمام سبعون ألف ملك ، وفي هذا الموقف يفزعُ الخلقُ إلا المؤمنين المُوحدين ، وذلك مِصداقَ
قوله تعالى : ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ) الأنبياء 103 .
وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) الأحقاف 13 .
وقال تعالى : ( وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ ) فصلت 19 ـ 24 .
قال تعالى : ( يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا ) 108طه .
أَيْ يَوْم يَرَوْنَ هَذِهِ الْأَحْوَال وَالْأَهْوَال يَسْتَجِيبُونَ مُسَارِعِينَ إِلَى الدَّاعِي حَيْثُمَا أُمِرُوا بَادَرُوا إِلَيْهِ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الدُّنْيَا لَكَانَ أَنْفَع لَهُمْ وَلَكِنْ حَيْثُ لَا يَنْفَعهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْم يَأْتُونَنَا ) وَقَالَ ( مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي ) يَحْشُر اللَّه النَّاس يَوْم الْقِيَامَة فِي ظُلْمَة ، وَيَطْوِي السَّمَاء وَتَتَنَاثَر النُّجُوم وَتَذْهَب الشَّمْس وَالْقَمَر وَيُنَادِي مُنَادٍ فَيَتَّبِع النَّاس الصَّوْت يَؤُمُّونَهُ فَذَلِكَ قَوْله ( يَوْمئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِي لَا عِوَج لَهُ ) لَا عِوَج لَهُ لَا يَمِيلُونَ عَنْهُ أو لَا عِوَج عَنْهُ ، وَقَوْله وَخَشَعَتْ الْأَصْوَات لِلرَّحْمَنِ قَالَ اِبْن عَبَّاس : سَكَنَتْ يَعْنِي وَطْء الْأَقْدَام فَلَا تَسْمَع إِلَّا هَمْسًا ، الصَّوْت الْخَفِيّ ، فَلَا تَسْمَع إِلَّا هَمْسًا الْحَدِيث وَسِرّه ، وَوَطْء الْأَقْدَام ، أَمَّا وَطْء الْأَقْدَام فَالْمُرَاد سَعْي النَّاس إِلَى الْمَحْشَر وَهُوَ مَشْيهمْ فِي سُكُون وَخُضُوع وَأَمَّا الْكَلَام الْخَفِيّ فَقَدْ يَكُون فِي حَال دُون حَال فَقَدْ قَالَ تَعَالَى ( يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ) هود 105.
*عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : ( إنَّ العَرقَ يوم القيامة ليذهبُ في الأرض سبعين باعاً ، و إنه ليبلغ إلى أفواهِ الناسِ أو إلى آذانهم ) صحيح رواه مسلم والألباني في صحيح الجامع .
قال تعالى : ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً * فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وأصحابُ المشئمةِ مآ أصحابُ المشئمة * والسابقونَ السابقون ) الواقعة 4 ـ 10 .
ـ( وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً ) : أيْ يَنْقَسِم النَّاس يَوْم الْقِيَامَة إِلَى ثَلَاثَة أَصْنَاف : قَوْم عَنْ يَمِين الْعَرْش وَهُمْ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ شِقّ آدَم الْأَيْمَن وَيُؤْتَوْنَ كُتُبهمْ بِأَيْمَانِهِمْ وَيُؤْخَذ بِهِمْ ذَات الْيَمِين قَالَ السُّدِّيّ: وَهُمْ جُمْهُور أَهْل الْجَنَّة وَآخَرُونَ عَنْ يَسَار الْعَرْش وَهُمْ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ شِقّ آدَم الْأَيْسَر وَيُؤْتَوْنَ كُتُبهمْ بِشِمَالِهِمْ وَيُؤْخَذ بِهِمْ ذَات الشِّمَال وَهُمْ عَامَّة أَهْل النَّار - عِيَاذًا بِاَللَّهِ مِنْ صَنِيعهمْ - وَطَائِفَة سَابِقُونَ بَيْن يَدَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُمْ أَخَصّ وَأَحْظَى وَأَقْرَب مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين ، الَّذِينَ هُمْ سَادَتهمْ فِيهِمْ الرُّسُل وَالْأَنْبِيَاء وَالصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء وَهُمْ أَقَلّ عَدَدًا مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين .
*عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : ( يُحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين راهبين واثنان على بعير وثلاثة على بعير وأربعة على بعير وعشرة على بعير ويُحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا وتمسي معهم حيث أمسوا ) في الصحيحين .
* وعن أبي ذر (رضي الله عنه) أنه ( سأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الصلاة في بيت المقدس أفضل أو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :( صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ، ولنعم المصلى هو أرض المحشر والمنشر ، وليأتين على الناس زمان ولقيد سوط أو قال قوس الرجل حيث يرى منه بيت المقدس خير له أو أحب إليه من الدنيا جميعاً ) أخرجه البيهقي ، الألباني في صحيح الترغيب وفي السلسلة الصحيحة.
* عن أنس بن مالك (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : ( أن رجلا قال : يانبي الله ، كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة ؟ قال : ( أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة ) . قال قتادة : بلى وعزة ربنا ) صحيح البخاري .
وإلى اللقاء مع المحطات القادمة :
9 ـ
الشفاعة ـ 10 ـ الحساب ـ 11 ـ تطاير الصحف ـ 12 ـ الميزان .فأرجو الله تعالى أن تكونوا استمتعتم بهذا العرض ، وهيأتم أنفسكم لهذه الرحلة وحضرتم الزاد لها .* والحمد لله رب العالمين *
هذا والله أعلى وأجل وأعلم .
فإن كان من حقٍ وصوابٍ ، فمن الله وحده ، وإن كان من خطأٍ أو سهوٍ أو نسيان فمني ومن الشيطان .
الشيخ جميل لافي
الثلاثاء 22 / 3/ 2011 م
17/ ربيع الثاني / 1432 هـ
.