نابلس – ميساء بشارات - مع إطلالة شمس كل صباح يتجدد الأمل لدى الطفلين الشقيقين هبة الله (10) أعوام، وخالد (9) أعوام، من قرية عقابا، برؤية والدهما الاسير ناصر الشاويش حرا طليقا يملأ عليهم البيت بحنانه وعطفه.
فقد حرمت الطفلة هبة من والدها المحكوم أربعة مؤبدات قضى منها حتى الان 9 سنوات، وهي في السنة الثانية من عمرها، بينما كان شقيقها خالد في الشهر الرابع من عمره.
ويضع الطفلان صورة والدهما في قلبهما قبل أن يعلقانها على الحائط. و تقول هبة: "في كل ليلة أضع صورة والدي في حضني، وأتحدث إليها وكأنه أمامي، أحدثه عما يجري معي وعن زميلاتي وعائلاتهن، ودراستي وأحلامي، كما اشكي إليه أي مشكلة تحدث معي، وأشعر بأن والدي يسمعني عبرها".
وتضيف هبة ببراءة الطفولة: "إني اشتاق إليه كثيرا، وأحسد زميلاتي اللواتي لديهن أب يعيش معهن في البيت، ويستطعن اللجوء إليه متى أردن ذلك".
ويقاطعها خالد قائلا: "أشعر في بعض الأحيان وخاصة لدى حدوث المشاكل أنه لا يوجد لي سند يحميني، فكل الأولاد من جيلي يتباهون بآبائهم الذين يقفون إلى جانبهم في أي أمر، ويتابعون أمورهم".
وتشعر والدة الطفلين، وزوجة الأسير (منى حسين)، والتي حرمت منه وهما في السنوات الأولى من زواجهما بضيق شديد لبعده عن العائلة.
وتقول الام: "مهما حاولت تامين احتياجات اطفالنا، وتعويضهم حنان الأب الإ أنهم يبقون بحاجته دوما ولا شيء بإمكانه أن يسد مكانه".
وتضيف الطفلة هبة: "كم أشتاق للمناداة باسم أبي بأعلى صوتي في الصباح والمساء، وفي كل وقت".
وتتابع: "كنت في كل يوم أرسل له سلاماتي وقبلاتي عبر القمر، فوالدتي كانت تقول لي أن القمر سوف يوصل هذه السلامات والقبلات لأنه لا يعرف الحواجز. وتضيف :"في الليالي التي لا أرى فيها القمر أقول أنهم قد حبسوه مع والدي".
ويقول خالد: "كم اشتاق لحضور والدي إلى المدرسة والسؤال عني كباقي الطلاب، وإيصالي إلى المدرسة وإعطائي المصروف".
وأكثر الايام التي يفقتقد فيه الطفلان والدهما الأسير هي أيام العيد والمناسبات، حيث في العادة تجتمع العائلات وتذهب لصلة الأرحام. يقول خالد: "في الأاعياد جميع أصدقائي يرافقون أباءهم ويذهبون معهم إلى الصلاة ومن ثم زيارة الأقارب والأهل، الإ أنا فوالدي لم أشاهده منذ مجيئي إلى الحياة الإ خلف قضبان السجون!".
وتقاطعه شقيقته قائلة بنبرة حزينة: "لا طعم لمناسباتنا، فدائما أشعر بالنقص والشوق لوجود والدي بيننا".
والعيد لدى هو يوم زيارتهما لهوالدهما في سجنه، حيث يشترون في كل زيارة ملابس جديدة، ليراهم والدهم بأجمل وأبهى حلة.
وتضع هبة قول والدها: "هبة الله يا أحلى الهبات أملأي بالبسمة الوسنى حياتي، وتعالي في ضلوعي واهتفي بابا سيأتي.. وسوف آتي"، دائما نصب عينيها وتفتخر به وتحدث زميلاتها عنه.
ورغم مشاق الطريق ومعاناة الطفلين في كل زيارة لوالدهما، الا ان هذا التعب والضيق يتبدد عند رؤيتهما له، ويشعران بفرح كبير، وان الدنيا لا تحملهما من شدة فرحهما، لكن هذه الفرحة سرعان ما تتلاشى عند تركه وحيدا خلف القضبان وعودتهم الى البيت.
ويمتلك الأسير الشاويش قلما مبدعا فهو يكتب الشعر والقصائد والكتابات الأدبية، كما يجيد الرسم بجدارة، وقد فاز بجائزة القدس عاصمة الثقافة لعام 2009م، خلال مشاركته بإحدى قصائده.
كما أهدى الطفلان والدهما في الذكرى التاسعة لاعتقاله مدونة الكترونية بعنوان "الأسير ناصر الشاويش"، ووضعا فيها كل ما يخطه قلمه السجين، وما يكتنف بعقله وقلبه من كتابات أدبية وشعرية، وما ترسمه أنامله من لوحات فنية، وذلك تقديرا له وفخرا به.
وتعبر زوجة الأسير عن أملها في خروج زوجها ضمن صفقة تبادل الأسرى الفلسطينيين مع الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليط.
وتقول في كل زيارة يمارس ناصر دور الأب الحنون على أولاده ويخرج لهم الشوكولاتة من خلف الشبك، ويسألهم عن حالهم وأحوالهم.
وتستذكر الزوجة ا الأيام الخوالي التي قضتها مع زوجها قبل اعتقاله رغم قصرها. تقول: "أينما يتجه نظري أتذكره، عندما يضحك ويمزح وعندما كان يداعب طفلته هبة وبدورها، تمسك بقدميه لتمنعه من الخروج".
وتعيش أسرة الشاويش على أمل الإفراج عنه، ليعود بينهم ويحتضهن تحت جناحيه، وبحضنه الدافيء الذي حرموا منه طيلة السنوات الماضية، وليمدهم برعايته وحنانه.
وبعد اعتقال رب الأسرة والمعيل أصبحت زوجة الأسير تمثل لطفليهما الأب والأم معا، وتقع على عاتقها مسؤولية التربية والنفقة والحنان.
وتشير زوجة الأسير إلى أن كل تفاصيل حياتهم معاناة في ظل غياب زوجها ناصر، فالأبناء ينظرون إلى باقي الأطفال ويقارنون بينهم خاصة في الأعياد والمناسبات، وفي أيام استلام الشهادات المدرسية وغيرها.
وتؤكد أن معاناتها هي تكون مضاعفة بسبب غيابها الإجباري لفترات عن المنزل بسبب وظيفتها حيث تعمل مدرسة جغرافيا في مدينة نابلس لتأمين احتياجات أبنائها والإنفاق عليهم. تقول:" رغم عملي وضيق الوقت إلا أنني أعمل كل ما بوسعي لكي أقضي أكبر وقت مع طفلي، وأعوضهم عن غياب والدهم".
وما زال حلم الطفلين برؤية والدهم حرا طليقا يعيش معهم في نفس البيت ليكونوا أسرة واحدة لا تفرقها أقوى وأقسى الظروف يتجدد ويكبر كل يوم.