قبل ان تشرق شمس العيد!!

بسم الله الرحمن الرحيم

أخيتي نور

أيقظت حُزناً مرَّ بي قبل أيام ، تفطر قلبي لما رأى ، بل ما زال يراودني المنظر الذي شاهدته لهذه الساعة ،
قبل أيام كنت راجعاً من مكان عملي بالمنطقة لحرة الزرقاء ، وفي طريق العودة حصل أمامي بالجهه المقابلة لأوتسراد عمان الزرقاء حادث مرير ، اصدمت أمامي خمسة سيارات بمحاذاتنا ، وكان إبني يقود السيارة ، فنظرت خلفي للجهه الثانية ، فشاهدت شيء في وسط الطريق يُشبه قدم إنسان ، فدققت النظر فإذا بها طفلة بعمر 4 سنوات ممددة بوسط الشارع ، فقلت لإبني توقف توقف هناك طفلة بوسط الشارع ، وأخشى أن تدوسها السيارات المسرعة ، فتوقف وهرولت مسرعاً وحملتها ووضعتها بجانب الشارع ، وهي بالكاد تتنفس ، وإذا بشباب أخرين يُخرجون بنات أخريات وولد صغير وكلهم بأعمار م 3 ـ 12 سنة ، وإمرأتين في مقدمة السيارة ، صدقني المنظر لا يُفارق خيالي وذاكرتي أنا وإبني .....

منظر أربعة بنات ممددات على جانب الشارع وطفل بعمر 3 سنوات آية في الجمال سبحان الخلاق ، يتلوى من الألم ، والدماء تنزف ولا تشاهد إلا النفس فقط ، أصبح الطفل يبكي ويتلوى من الألم ولكن كانت حالته أفضل من الجميع ، وأصبحت أداعب وجهه وشعره لأطمأنه وأصبره ، وأخرجوا إحدى الأمهات والتي كانت تقود السيارة ، فجلست ممدة رجليها مستندة على يدها اليمنى ، وهي تشاهد ما يدرو حولها ، ولكنها لا تعي ما يجري من شدة الصدمة .
صدقوني ما تكشف من هاتين الإمرأتين أي شيء ولا حتى شعرة ، فالذي يحفظ الله في حياته يحفظه الله في حياته ومماته ، وعند الكرب وعند هذا الحادث الذي حصل ، وبقيت إمرأة بم نستطيع إخراجها ، لكون مقدمة السيارة انطبقت على قدميها ورجليها ، وفشلت كل المحاولات لإخراجها ، فقمنا بتحميل البنات والولد الخمسة والمرأة التي تسوق السيارة في باص صغير وذلك لتأخر حضور الدفاع المدني ، وعندما حملنا أول بنت صرخت المرأة الجالسة على الأرض صرخة وقف لها شعر كل من كان حاضر ، فقالت : ( أولاددددددي ) ، فطمنتها قائلاً : يا أختي سنأخذهم للمشفى لإسعافهم ، وبقي نظرها يتبع بناتها وابنها ، ولم تتكلم بكلمة واحدة بعدها ، وحملوها الإخوان الحاضرون بنفس الباص وذهبوا بهم إلى المشفى ، ولغاية هذه اللحظة لم نستطيع إخراج المرأة الثانية ، وعندها حضر الدفاع المدني وبدأوا بإخراجها فلم يستطيعوا ، واستروا بالمحاولة ، حينها قاربت الشمس على الغروب ، فذهبنا إلى البيت وتركناهم يحاولون إخراج المرأة الثانية ، حينها أقسمت أن أزور هاتين العائلتين بالمشفى في الغد لأطمئن عليهم .
كانت زوجتي قد أعدت الطعام وتنتظرنا ، فتركنا الطعام على المائدة ولم نستطيع تناوله لما ألم بنا من مشاهد عظيمة ، ولم أنم ليلتها إلى اليسير ، ومنظر البنات والولد والمرأة ممددين على جانب الطريق ينزفون ويتلوون من الألم ، والدماء تسيل .....
وما توقفت عن الدعاء لهم في صلاتي وفي سجودي وطوال الليل .

وفي الغد ذهبت إلى المشفى الأقرب للحادث لأتفقد هاتين العائلتين ، سألت إحدى الممرضات في قسم الطوارئ عن أناس حضروا في حادث بالأمس عند الغروب ، فقالت لي : هل تقرب لهم .. ؟؟ قلت : لا ، ولكن أنا من ساعد بإسعافهم ، وأريد أن أطمئن عليهم .
حينها قالت : الإمراتين هما سلفات ، وقد توفين بالأمس ، وإحداهما كانت حامل ، وبنتين توفيتا بالأمس أيضاً ، وبنت حالتها خطيرة جداً ، ولا يُرجا منها شيء ، والطفل وبنت حالتهما متوسطة .

طبعاً السيارات الأخرى تضررت ، ولكن الضرر أقل ، وحتى أنني لم ألتفت إليهم ، فما شدني هو الأطفال ، فأنا يتوقف قلبي عندهم ، وأتألم لألمهم ، وسبحان الله ، بلحظة أصبحت البنت التي نجت يتيمة الأم والأخوات ، والطفل يتيم الأم والأخوات ......

بوركت يا نور .