ايران بعد ليبيا.. وقبل سورية؟
عبد الباري عطوان
2011-11-03
ليس
من قبيل الصدفة ان تبدأ اسرائيل، وبعد فترة صمت مريب استمرت تسعة اشهر،
بقرع طبول الحرب، وبقوة تصمّ الآذان، بمجرد انتهاء مهمة حلف شمال الاطلسي
في اطاحة نظام العقيد الليبي معمر القذافي، وتسهيل عملية اعتقاله وقتله.
فمن الواضح ان هناك خططاً متفقا عليها في هذا الصدد تكون هي رأس الحربة
فيها.
من المؤكد ان خوض حرب ضد ايران قد يكون آخر شيء يريده الرئيس
الامريكي باراك اوباما، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها
بلاده، والعالم الغربي بشكل عام، واقتراب إدارته الديمقراطية من انتخابات
الرئاسة الامريكية بعد 12 شهراً من الآن، ولكن عندما يكون بنيامين نتنياهو
رئيس وزراء اسرائيل هو حاكم امريكا الفعلي، وراسم سياستها الخارجية، خاصة
في منطقة الشرق الاوسط، فإن كل التحفظات توضع جانباً.
في جلسة استماع
للكونغرس الامريكي حول ايران انعقدت الاسبوع الماضي، قال وزير الدفاع ان
لدى وزارته خطط طوارئ، وقعها الرئيس اوباما بنفسه، لشن عمل عسكري ضد ايران،
يتدرج من عمليات محدودة في العمق الايراني الى اعلان حرب شاملة. واذا
وضعنا في اعتبارنا ان هذا الكونغرس بمجلسيه صفق وقوفاً، وبطريقة مقززة
لنتنياهو عندما خاطبه قبل بضعة اشهر، فإننا نعرف من هو صاحب الكلمة
النهائية في امريكا.
في اسرائيل يتحدثون علناً عن تبني نتنياهو ووزير
دفاعه ايهود باراك مخططات عسكرية لضرب ايران، لتدمير برامجها النووية، بعد
وصول تقارير تفيد بأنها خصبت كميات كافية من اليورانيوم تسمح لها بانتاج
قنبلتين نوويتين في غضون اشهر معدودة، ولم يعد الوقت يسمح بتأجيل هذه
الخطوة.
صحيفة 'الغارديان' الليبرالية كشفت يوم امس عن اقدام وزارة
الدفاع البريطانية على اعداد خطط للتدخل عسكرياً لدعم ضربات جوية وصاروخية
امريكية للمنشآت النووية الايرانية، واكدت ان الادارة الامريكية 'تسرّعت'
في مخططاتها في هذا الصدد.
الجنرال ريتشارد دانات رئيـــس هيــــئة
اركان الجيـــش البريطــــاني يزور تل ابيب حالياً، للقاء بنظرائه
الاسرائيليين والتشاور معهم، بينــــما يحـــلّ باراك وزير الدفاع
الاسرائيلي ضيفاً على وزير الخارجية البريطاني للغرض نفسه.
' ' '
هناك
تفسيران لا ثالث لهما لهذه التحركات، الاول ان تكون في اطار حملة نفسية
مكثفة لإرهاب السلطات الايرانية، والمثلث التابع لها (سورية، حزب الله،
حماس)، واعطاء اشارة طمأنة للايرانيين في الداخل، لإشعال ثورتهم ضد نظامهم
مجدداً، اسوة بالثورات في دول الجوار العربي غير الملكية، واصحاب هذه
المدرسة يقولون ان المناقشة العلنية في الصحافة الاسرائيلية لمثل هذه
المواضيع الحساسة تؤيد وجهة نظرهم هذه، لان خطط الهجوم العسكرية تُنفذ ولا
يجري تسريبها للصحف.
اما التفسير الثاني، وهو الارجح، فيقول ان الغرب
جاد في تهديداته في ضرب ايران، لأن المكاسب قد تكـــون اكبر من الخســـائر،
خاصة ان هناك مئات، وربما الآلاف من المليارات العـــربية جاهزة لتسديد
الفـــواتير نقـــداً، تماماً مثلما حدث في الحرب الامريكية لتحرير الكويت
واخراج القوات العراقية منها عام 1991، وتدخل حلف الناتو لاسقاط نظام
القذافي في ليبيا. وهناك من يقدر الارصدة العربية الخليجية حالياً بأكثر من
تريليونين ونصف التريليون دولار.
ومن المفارقة ان الاكثر تحريضاً على
ضرب ايران ،حسب وثائق ويكيليكس، هم الاسرائيليون اولاً، والانظمة الخليجية
ثانياً، حيث وصفها العاهل السعودي برأس الافعى، وطالب بقطعها فوراً لإراحة
المنطقة من سمومها، وقرأنا مقالات تقول 'ايران اولا' واسرائيل ثانيا'، ولن
نستغرب ان نقرأ مقالات في الاسابيع او الاشهر المقبلة، تطالب بالتحالف مع
اسرائيل لضرب ايران.
الحكومة الامريكية بدأت عملية شيطنة ايران بالاعلان
عن كشف مؤامرة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن، وربما تدخل هذه العملية
التصعيد الاكبر عندما يصدر تقرير هيئة الطاقة الذرية التابعة للامم المتحدة
(مقرها فيينا) يوم الخميس القادم، الذي سيتضمن اتهامات لإيران بتخصيب
اليورانيوم في منشآت سرية في عمق جبل قرب قم لأغراض عسكرية، في انتهاك واضح
لمعاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية.
الرأي العام الامريكي الذي
انهكته حروب بلاده الخاسرة في العراق وافغانستان قد يعارض اي حرب ثالثة،
ولكن التحريض الاسرائيلي، والنجاح الكبير الذي حققه حلف الناتو في ليبيا،
قد يجعلان قطاعاً عريضاً منه يغير رأيه اذا ما جرى استخدام الآلة الاعلامية
الجبارة المتخصصة في التضليل وغسل المخ في اقصى قوتها.
ضرب المنشآت
النووية الايرانية أمر ممكن ويسير ومضمون النتائج، بسبب القدرات الامريكية
والاسرائيلية الصاروخية والجوية الجبارة والمتفوقة، ولكن السؤال هو عما
سيحدث في اليوم الثاني والثالث والعاشر والشهر التالي والعالم التالي
وهكذا.
ايران دولة عظمى من حيث المساحة والقدرات العسكرية وعدد السكان،
وعندما يرى قادتها ما حصل للرئيس العراقي صدام حسين وبلده العراق بعد الغزو
الامريكي، وما حصل للعقيد معمر القذافي وأولاده وبلده، بعد تدخل حلف
الناتو، وقبل كل هذا وذاك ما حدث لطالبان وافغانستان، فإنهم قد يتصرفون
بطريقة مختلفة، عنوانها هدم المعبد فوق رؤوسهم ورؤوس الآخرين جميعاً وأولهم
اسرائيل.
' ' '
ربما لن ينتظر النظام الايراني طويلاً قبل اطلاق
عشرات الآلاف من صواريخه باتجاه اسرائيل والقواعد الامريكية في الخليج، ومن
المؤكد ان حزب الله اللبناني سيضرب ليس فقط ما بعد حيفا بالصواريخ بل تل
ابيب نفسها، اما النظام السوري المنهك والمترنح فقد يجد في هذه الحرب
خلاصاً له، على امل الخروج من ازمته الداخلية.
هذه الحرب لو اشتعل
فتيلها، فإنها الوحيدة التي لا يمكن التنبؤ بنتائجها، ولكن ما يمكن التنبؤ
به، وبكل تأكيد، انها ستغير وجه منطقة الشرق الاوسط، بل والعالم بأسره
كلياً، وبصورة اكبر من متغيرات الحرب العالمية الثانية، فإما ان تنكمش
اسرائيل مساحة وقوة ونفوذاً، بل ووجوداً، واما ان يتحول العرب والمسلمون
الى سبايا لها، يركعون تحت اقدامها.
اذا اندلعت الحرب ستكون اسرائيل من
يطلق الصاروخ الاول، وسيتبعها الآخرون، دعماً وتضامناً، ولذلك ستكون صاحبة
النصيب الاكبر من الانتقام، او هكذا نفترض.
لا نريد المبالغة في
توقعاتنا بعد ان انهارت مثيلاتها في العراق في الحربين الامريكيتين الاولى
والثانية، ولن نعوّل كثيراً على الشارع العربي الذي كان رد فعله مخيباً
للآمال، وحتى وان احدثت الثورات العربية تغييراً في مشاعره ومواقفه فإنه
تغيير محدود ولم يكتمل بعد.
ما يؤلمنا اننا كعرب ومسلمين مستهدفون
دائماً بالحروب ونهب الثورات، نخرج من حرب لنقع في اخرى، ولا مجال لالتقاط
الانفاس.. أما لهذه الدائرة المهينة من نهاية قريبة؟