امل فلسطين المسؤولة الاعلامية مراقب عام منبر فلسطين والقدس
الدولة :
| موضوع: حكاية مخطوطة فريدة في عكا الأسيرة الإثنين سبتمبر 28, 2009 6:35 am | |
| حكاية مخطوطة فريدة في عكا الأسيرة شاركت فلسطين العربية المنطقة, في النشاط الثقافي الذي انبعث في القرن التاسع عشر الميلادي, وما قبله. فنشأت ثلاث مكتبات كبرى للمخطوطات في البلاد. أولها المكتبة الأحمدية في جامع أحمد باشا الجزار, في مدينة عكا, عام 1196هـ/1781م, والثانية مكتبة يافا الإسلامية في جامع يافا الكبير, عام 1227هـ/1812م. والثالثة المكتبة الخالدية, في بيت المقدس, عام 1318هـ/1900م.وحين أنشأ أحمد باشا الجزار(1) جامعه, الذي حمل اسمه, في عكا, اهتم في عمارته, اهتماماً بالغًا, وأنشأ فيه مدرسة للتعليم, جمع لها كثيراً من المخطوطات, حمل بعضها تواقيع الجزار نفسه.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] ومن مخطوطات هذه المكتبة مجموع نفيس, لا ندري, على وجه التحديد, متى دخلها إلا أن الخاتم الذي ختمت به إحدى مخطوطات المجموع, جاء فيه العبارة التالية: "وقف مكتبة المدرسة الأحمدية في جامع أحمد باشا الجزار في عكا المجددة". وفي داخل إطار الخاتم, في آخر هذه العبارة, كتبت سنة الوقف, وهي غير واضحة. ويمكن قراءتها, ظنًا, 1323هـ, وهي تقابل عام 1905م.ونعلم, علم اليقين, أن المجموع كان عام 1930م في المكتبة المذكورة. ذلك لأن عبد الله مخلص, العلامة الفلسطيني والمشتغل بالتراث العربي المخطوط(2), اطلع عليه, وهو في المكتبة, وقلّبه بعينيه, ويديه, وكشف عن وجوده في مقالة نشرها في مجلة المجمع العلمي العربي, بدمشق, بعنوان مجموع نادر, في عددها الصادر في ذلك العام(3).واهتمت دار الكتب المصرية, آنذاك, بهذا المجموع, بعد أن لفت عبد الله مخلص الأنظار إليه. وكانت الصلة الثقافية في فلسطين وثيقة وقوية بمصر. كما كانت منفتحة على دمشق من بلاد الشام. فحمل الشيخ محمد عبد الحافظ التيجاني(4) هذا المجموع من مستقره, في عكا إلى القاهرة, عام 1932, متحملاً المشقة, على بعد الشقة, في ذلك الوقت المبكر, فصوّرته الدار(5). ومن ثم أعيد إلى مكانه في المكتبة الأحمدية في عكا.والطريف أن معهد المخطوطات العربية, الذي أنشىء عام 1946م, في ظل جامعة الدول العربية بالقاهرة, حرص على اقتناء صورة من هذا المجموع النادر, فصور لمكتبته صورة من مصورة دار الكتب المصرية.وظل هذا المجموع قابعًا في مكانه الطبيعي من المكتبة الأحمدية, هادئًا هانئًا, لأنه بين أهله, ومع أقرانه من المخطوطات العربية, إلى أن سمحت السلطات الإسرائيلية بزيارة المستعرب الأمريكي جيمز أ. بلمي مدينة عكا, بهدف الإطلاع على مخطوطة من هذا المجموع. وكان الشيخ محمد عبد الحافظ التيجاني, الذي زاره المستعرب في القاهرة, قد نصحه بالسفر إلى عكا, ورؤية المخطوطة الأصلية, دون الاكتفاء بالاطلاع على مصورتها في دار الكتب المصرية(6).وسافر المستعرب المذكور, عام 1963, أو بعده بقليل, وأقام في عكا يومين, مكنه فيهما أحمد إدلبي, أمين اللجنة الإسلامية في المدينة, من تفحص المجموع, وتسجيل ملاحظاته عليه, خاصة مخطوطة مكارم الأخلاق, لابن أبي الدنيا, لأن المستعرب كان مشغولاً بتحقيقها. وبعد زيارته هذه لعكا ببضع سنين, وقبل عام 1970م, وهو تاريخ كتابته مقدمة مكارم الأخلاق, الذي قلنا إنه كان معنيًا بتحقيقه, ونشره, زوّد المستعرب المذكور بصورة كاملة من أصل هذا المجموع, إذ كان قد نقل إلى الجامعة العبرية, على نحو ما سيأتي.لم يترك هذا المجموع في مكانه المعتاد, فقد امتدت إليه يد الجامعة العبرية, فأخذه ـ بالقوة والاستيلاء ـ الأستاذ في الجامعة مثير ي. قسطر. ومكن تلميذه إسحاق حسون, وهو يهودي, أيضًا, بالإطلاع عليه, بل وضعه تحت تصرفه, لتحقيق إحدى مخطوطات هذا المجموع, وهو بإشرافه, من قسم اللغة العربية وآدابها, بمعهد الدراسات الآسيوية والإفريقية بالجامعة.وتقع هذه المخطوطة الرابعة, في ترتيبها من بين هذا المجموع. وجاءت في 25 ورقة, أو 49 صفحة, على وجه الدقة. وقد كتبت في دمشق, في أواخر القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي).وواضح أن هذه المخطوطة, بل المجموع كله, قد نقل من عكا إلى الجامعة العبرية, قبيل اشتغال إسحاق حسون بها, في حدود عام 1967م, أو 1968م, وطبيعي ألا يذكرها المفهرس محمود علي عطا الله من بين مخطوطات المكتبة الأحمدية في عكا, في فهرسه, الذي نشره مجمع اللغة العربية الأردني, في عمان (الأردن), عام 1403هـ/1983م. وكان هذا المفهرس قد وصف فيه ثمانين مخطوطة, ليست منها مخطوطة الواسطي, ولا مخطوطات المجموع كله. وقد أشار المفهرس, في مقدمة فهرسه, إشارة خفية, إلى أن بعضًا من مخطوطات المكتبة قد فقد, لسبب أو لآخر, وأن هذا العدد المحدود من المخطوطات لا يشكل المكتبة الحقيقية, التي عرفت أيام الجزار.أما الواسطي المقدسي, مؤلف كتاب فضائل بيت المقدس, الذي نحن بصدده, فقد كان من خطباء المسجد الأقصى, وكان حيًا, عام 410هـ, لأنه قرأ, في هذه السنة, كتابههذا على تلاميذه, في منزله, ببيت المقدس.وتعود أهمية هذا الكتاب إلى أنه أقدم كتاب مستقل, وصل إلينا, تختص مباحثه, بأكملها, في فضائل هذه المدينة. أما مصادر مادته الرئيسية, فهي القرأن الكريم, والأحاديث النبوية, والأحداث التاريخية في عهود الإسلام.ولا شك أن افتتاح الواسطي كتابه بالحديث النبوي المشهور"شد الرحال", المجمع عليه, واختتامه إليه بالآية الكريمة "الإسراء", أكسباه معنى إسلاميًا كبيرًا, متصلاً بقدسية هذه المدينة. قد وضعت في الكتاب في مكانها الصحيح, بعد قدسية المسجد الحرام, ومسجد الرسول. بالإضافة إلى أنها مدينة الإسراء والمعراج, وهذا حسْب المسلمين.على أن من مصادر الكتاب, أيضًا, ما يسمى, في التراث العربي, بالإسرائيليات, التي أفضت بطبيعتها إلى القصص الشعبي. وهذا هو السر في اهتمام الجامعة العبرية بالاستيلاء على المخطوطة الوحيدة في العالم, وحفظها لديها, ثم نشرها, محققة, مع ملخص باللغة الفرنسية(7), ليطلع عليها من لا يعرف العربية, وفي الظن أن مثل هذه الإسرائيليات, وما أفضت إليه من قصص شعبي, يكسب اليهود حقًا في هذه المدينة العربية.ونعني بالإسرائيليات روايات دخلت الإسلام من مصادر يهودية, من التوراة, والتلمود, والزبور. وأشهر من رواها, وأشاعها, أبو إسحاق كعب الأحبار, المتوفى 32هـ/652م؛ ووهب بن مُنبّه, المتوفى 114هـ/732م, وكانا يهوديين, فأسلما. كان الأول من كبار علماء يهود اليمن, في الجاهلية, وأسلم, في زمن أبي بكر الصديق, وقدم مدينة الرسول, في عهد عمر بن الخطاب, فأخذ عنه الصحابة, وغيرهم, كثيرًا من أخبار الأمم الغابرة. أما وهب بن مُنبّه, فإليه يرجع أكثر الإسرائيليات المنتشرة في المؤلفات العربية. وكانت أخباره ممزوجة بالقصص والأساطير.ولا شك في أن هذين المصدرين الأخيرين: الإسرائيليات والقصص الشعبي, على وجه الخصوص, قد نالا من أصالة كتاب الواسطي, وقيمته. وبهذا أصبح من الضروري تنقية تراثنا, بعامة, من هذه الإسرائيليات, وإبعادها عنه, لا لأنها محشوة بالخرافات والأساطير فحسب, بل لأنها محض أكاذيب, لا تصمد أمام حقائق التاريخ.أما المحقق والدارس, إسحاق حسون, فلم يخل في دراسته من هوى في نفسه, الأمر الذي أبعده, في كثير من الأحايين, عن النهج العلمي, وأقصاه عن الطريق الأكاديمي الذي يسلكه العلماء في بحوثهم الرصينة, إذا ما خلت نفوسهم من أهواء وأغراض.وهكذا, يتضح, لماذا سطا الصهاينة على هذه المخطوطة العربية, فأسروها, كما أسروا, من قبلها, مدينة عكا التي ضمتها بين حناياها, أزمانًا طويلة. | |
|