كمال جنبلاط: جسر بين ينابيع

المدير العام العمر : 59 *المزاج* :

خليل احمد خليل

I
لا يموت النهر إلا من منبعه، لكنه مع ذلك يجري دائماً إلى الأمام. وُلد كمال جنبلاط في 6/12/1917، على طريق الفقراء بين قصر المختارة ومدن الأثرياء في لبنان والعالم، ودعا اللبنانيين إلى العمل معه، كزعيم اجتماعي، فيما كان زعماء اقطاعيون ورأسماليون، ما بين الحربين، وما بعدهما، يستدعون الناس للعمل عندهم كأزلام. اتخذ من الفقراء والضعفاء رفاقاً، ورغب في أن يكون اللبنانيون شعباً واحداً، متحداً بالوطنية والمواطنية حول دولة، لا حول إقطاعة عسكرية شرقية، او طائفة محلية مغلقة. تعامل مع الآخر كذات، لا كموضوع، وأطلق سهم التقدم الاشتراكي إلى المستقبل. وهكذا، بعد 92 عاماً من ميلاده وبعد مرور 32 عاماً على استشهاده، يظل كمال جنبلاط وساماً على صدر النضال الوطني والعربي، على صدر المقاومة والتصدي لكل مشاريع الأحلاف الاستعمارية ذات الصبغة الصهيونية، رائداً للاتحاد العربي وصوتاً للضمير القومي بكل تجلياته التحررية والإنسانية.
II
على إيقاع أفكار حديثة، خاض كمال جنبلاط معاركه التي لم يقطف ثمارها دائماً، طالما أن التاريخ في هذه المنطقة ما برح قيد التناوش والتناوب بين غالب ومغلوب. لذا، لم يُكتب تاريخ لبنان حتى الآن بمضمونه الوطني والتقدمي والعربي التنويري. وبهذا المعنى ما برحت راهنة الأفكار الحديثة التي وظّفها جنبلاط في خطابه الجامع، وما زال التاريخ يستدعي العمل بفحوى شعاره الذي يعادل مقياساً للتغير والتغيير: «المرحلة مرحلة جمع، لا مرحلة طرح»، أي مرحلة وحدة وطنية، مرحلة رص الصفوف حول الأهداف المشتركة بين شعب لبنان وشعوب العالم العربي. فقد كان كمال جنبلاط زعيماً اجتماعياً، جسراً وطنياً، علمانياً، بين ينابيع، نجح مراراً في جمع اللبنانيين، حول الحرية والديموقراطية والاشتراكية والعروبة، بقدر ما تمكن هو وحزبه وحلفاؤه من اختراق المناطق والطوائف، ومن العمل كرجل علم ودولة لبناء دولة وطنية ديموقراطية، علمانية، حديثة. لكن مشروعه الوطني، الثوري والإصلاحي في بعض محطاته، مُني بنكسات وتعرض لاختلالات محلية واقليمية، جعلت الرهانات الدولية تنقض على الرهانات المحلية والاقليمية، وتطيح بالرهان الوطني اللبناني على تطبيق البرنامج المرحلي للحركة الوطنية، وأيضاً للجبهة العربية المشاركة في الثورة الفلسطينية، اللتين كان جنبلاط على رأسيهما معاً.
III
لم يكسب كمال جنبلاط، على غرار معظم قادة التحرر العربي والعالمثالثي، معركة أفكاره في خضم حياته النضالية القصيرة. ولكن أفكاره وتجاربه، كسواه من زعماء التغيير الاجتماعي ما زالت حاضرة في نصوص ومواقف، وفي أحزاب لم تنجح بعد في الخروج من عزلها أو انعزالها إلى رحابة التفاعل الوطني الديموقراطي، الذي تحدّ من انتشاره الغيلان الطائفية المتمذهبة.
ما بعد كمال جنبلاط يشي بمرحلتين: مرحلة مقاومة العدو الصهيوني ودحره، ومرحلة تفجر المجتمع اللبناني وتفككه إلى إيالات او ولايات جعلت الدولة قاصرة عن توحيد اللبنانيين في مشروع سياسي عابر للطوائف. وقادر على إعادة صياغة دولة المجتمع واستبدالها من فوضى مجتمع اللادولة. هنا، نجد فكر كمال جنبلاط حاضراً في عز الأزمة اللبنانية، قادراً على المساهمة في تطوير الدولة، بدءا من مؤسسات المجتمع السياسية، نعني الأحزاب والنقابات ذات الصلة بالديموقراطية أي العلمانية. هنا ايضا، لا بد لحزب كمال جنبلاط، بقيادته الشابة، ان يعي مسؤوليته في قيادة النضال الوطني والاجتماعي، بعدما جنح وتراجع عن قيادة التناقض الوطني. لبنان بحاجة اليوم وغداً إلى قوة سياسية، إلى كتلة تاريخية حديثة، تجعله متماسكاً في داخله الوطني، لا ممسوكاً من الخارج.
IV
إن الجمع الوطني يستلزم من الآن فصاعداً طرح الكسور الطائفية السياسية، مع احترام الطوائف كمجالات اجتماعية ثابتة ـ بقدر ما هي مكونة لكيان ـ وإعادة بلورة مشروع وطني ديموقراطي لدولة حديثة منفتحة، بلا استتباع. أما وقد تغلب الاستتباع أو الاستلحاق في مرحلة على الاستقلال الوطني، واستشرى الاستغلال الرأسمالي حيث يمكن النضال الاجتماعي لفقراء البلد، فلا مناص من جدولة هذه الديون الخارجية، السياسية والمالية والنظر في جدواها ـ ان كان للاستلحاق جدوى ـ لرفع الضرر الكبير اللاحق بمجتمع لبنان ودولته المؤسسة في البرلمان والحكومة على الطرح الطائفي، هذا السبب الرئيس لفرز على غير معيار وطني، ولتدخل القوى الأجنبية على غير مصالح البلد، هنا، لا بد من التفريق بين التعامل مع الآخرين على أساس المُثل والمصالح المشتركة، وبين العمل عندهم كشركاء ضعفاء، تابعين، كما كان الحال دائماً في تاريخ هذه الإقطاعية العسكرية الشرقية، منذ فخر الدين حتى ميشال سليمان.
V
كان المعلم يكتب كل عام عن مولد الطفل، يسوع المسيح، عقل كل الأمم. كان يرى في الطفل رمزاً لولادة جديدة تقوم بها قابلة التاريخ. فماذا نقول اليوم في ذكرى مولد كمال جنبلاط؟ في ما يتعدى الحرف السياسي، والانحراف عن إعمال العقل في السياسة، نرى ان الابتكار السياسي الجنبلاطي الكمالي يحتاج مجددا إلى إعادة نشر وانتشار، يحتاج إلى إعادة افتكار، لعل مؤسسي الينابيع الفكرية، في لبنان والعالم العربي، يبادرون إلى إقامة جسر بين أفكارهم وأحزابهم، لعل العرب يربحون بالعلم والثقافة والإبداع، بعض ما خسروه في مغامرات عسكرية غير محسوبة، وفي مراهنات مالية في غير موضعها، خصوصاً في خطف السياسة من مجتمعاتهم. لقد صالَحَ كمال جنبلاط السياسة مع المجتمع، وجمع حوله المناضلين من ينابيع الرأي والرؤيا. هل ستسهم «رابطة أصدقاء كمال جنبلاط» في إعادة جمع ما طرحه السياسيون الذين اغتالوا السياسة في المجتمع؟

/// السفير///

» جنبلاط يتحدث اليوم عن اول لقاء بالاسد بعد قطيعة سنوات
» الاخ كمال حمدان الدوايمة مرحبا بك بمنتدانا
» انتقل لرحمته تعالى الطفل يوسف كمال هاشم هديب
» جنبلاط عندما يعتذر... وسورية عندما تتدلل