صـراع الحكمة والحماقة

المدير العام العمر : 59 *المزاج* :

الزلزال الذي ضرب هايتي وأسفر عن أكثر من سبعين ألف قتيل إضافة إلى الدمار الهائل الذي لم يبق على بناية أو مدرسة أو قصر أو مستشفى وحتى الميناء والمطار تضررا بصورة كبيرة استدعت مساعدات وتدخلا خارجيا لتأهيلهما من جديد للعمل، ومازالت رائحة الموت تغطي على إيقاع الحياة المتسارع بين جهود فرق الإنقاذ وأطقم المسعفين ومساعدات المنظمات الطوعية التي تقدم الماء والغذاء لملايين المشردين والهائمين على وجوههم في الشوارع والطرقات الخاوية على عروشها إلا من الحطام والشظايا وأصوات سيارات الإسعاف والنجدة.
زلزال هايتي يكشف عن حقيقتين هامتين يجب أن نتوقف عندهما لنتمعن ونرى، أولاهما تكشف عن ضعف الإنسان وهوانه وعجزه في مواجهة أهوال الزلازل والكوارث الطبيعية، وهو عجز حرى بأن يدفع الإنسان العادي إلى التأمل في الكون والحكمة التي تقف وراءه وتديره، فالعودة إلى الله في ظل هذه الظروف والمحن هي الحكمة المنشودة حتى نواجه الابتلاء بالصبر وحتى نتسلح للمصائب والكوارث بالقدرة الجماعية على مواجهة الصعاب والتغلب عليها.
والحقيقة الثانية تكشف عن وجه إنساني مطلوب ومنشود وهو التضامن في مواجهة المحن، فقد هبت الأسرة الدولية كبيرها وصغيرها لتقديم يد المساعدة لشعب هايتي الذي يعتبر واحداً من أفقر الشعوب في وسط الكرة الأرضية الشمالي، وتداعت الدول والمنظمات الدولية المتخصصة والطوعية لتقديم المساعدات التي عجزت عن استيعابها الموانئ والمطارات.
إن جميع الناس شركاء فوق هذا الكوكب، ومسؤوليتهم عن سلامته وحمايته مسؤولية جماعية سواء في مواجهة التحديات المحدقة به والمتمثلة في الأمن والاستقرار والعدالة وتوفير الغذاء والرعاية الصحية والتعليم الحديث أو الأخطار المفاجئة والكارثية التي عادة ما يتسبب فيها الإنسان أو تتسبب فيها الطبيعة، والمسؤولية المشتركة تفرض على الجميع دولاً وأفرادًا أن يعملوا متكاتفين ومتعاونين على صون هذا الكوكب، الأمر الذي يستوجب الاتفاق بصورة جماعية وملزمة للعمل على تخفيض الاحتباس الحراري وخفض درجة حرارة الأرض حتى لا تحدث كوارث يقف أمامها الإنسان عاجزاً.
إن كان زلزال هايتي قد فعل فينا ما فعل، فما بالنا بالعواصف والأعاصير المدمرة، وذوبان الثلوج وارتفاع مستوى سطح البحر، وحدوث التسونامي في أعماق المحيطات ليغرق المدن ويدمر الشواطئ، إلى جانب الجفاف والتصحر الذي يشرد الملايين ويتسبب في المجاعات والكوارث، وشح المياه الصالحة للشرب مع حدوث السيول والفيضانات التي يتسبب فيها التغير المناخي الذي يلعب الإنسان فيه الدور الأول والمحوري والرئيسي.
إن الحكمة الجماعية يجب أن تتغلب على أي حماقات صغيرة وحتى تكون الكرة الأرضية التي تمثل بيتنا جميعاً في مأمن، علينا أن نوسع مدارك الناس بالمخاطر المنتظرة والمتوقعة والمحتملة حتى نكون قادرين على الصمود في مواجهتها، وكاذب من يظن أنه بمنأى عن هذه المخاطر التي تتهدد الجميع، وعلى المنظمة الدولية التي تشكل رحم العالم أن تفكر بصورة عملية في صور وأساليب متطورة لمواجهة جملة هذه المخاطر حتى لا يأخذنا الطوفان.

بابكر عيسى
الراية القطرية

» قطائف الحكمة
» الحكمة النبوية من تحنيك الأطفال