جواسيس إسرائيل.. حرب صامتة في بلاد العرب
عدنان أبو عامر / كاتب فلسطيني
ما كشف عنه النقاب خلال الأيام الأخيرة في لبنان، حول خلية التجسس
الإسرائيلية، يعيد إلى الأذهان الحديث الذي يتبادر بين الحين والآخر حول
شبكات التجسس الإسرائيلية المتعددة في أنحاء مختلفة من العالم، بدأت
بالعواصم العربية، مرورا ببعض الدول الأوروبية، وانتهاء بالولايات
المتحدة.
لكن لعل ما يميز شبكة التجسس اللبنانية أن من قادها عميد متقاعد في الجيش
اللبناني، استطاع أن "يهرب" أرشيفا استخباريا "ثقيل العيار" لأجهزة الأمن
اللبنانية إلى إسرائيل، وما زالت التحقيقات مستمرة، وقد تكشف عن مفاجآت
جديدة، لها علاقة بالتأكيد باستهداف المقاومة والدولة اللبنانية على حد
سواء.
يتزامن ذلك، مع ما سربته بعض المصادر الصحفية مؤخرا حول إنشاء إسرائيل منذ
عام تقريبا، وبتخطيط من الموساد، معسكرات داخل فلسطين لتدريب عناصر من
بلدان عربية تدريبا عسكريا وجاسوسيا، للتحضير للقيام بعمليات محتملة ضد
المصالح الأجنبية داخل البلدان العربية، التي ترى فيها الدولة العبرية
خطرا على مصالحها الإستراتيجية، وأن تلك المعسكرات تضم مجندين من الجزائر
والمغرب واليمن، دخلوا فلسطين بجوازات سفر مزورة عبر طائرات "إل عال"
القادمة من أوروبا.
شبكات تبدأ ولا تنتهي
اجتهدت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، لاسيما الموساد في تفعيل خلايا
التجسس، من خلال تجنيد العملاء والجواسيس لها في مختلف البلدان، ويمكن في
هذه العجالة سرد أهم شبكات التجسس التي كشف النقاب عنها:
1- شكلت مصر الهدف المفضل للمخابرات الإسرائيلية للعمل في صفوف مواطنيها،
بالرغم من اتفاقية السلام بين البلدين التي مرت عليها مؤخرا ثلاثون عاما،
ووصل العدد التقريبي لجواسيس الموساد الذين كشف عنهم النقاب في مصر نحو 70
جاسوسا، 75% مصريون، و25% إسرائيليون، وزخرت ملفات محاكم أمن الدولة
المصرية بعشرات من قضايا التجسس، ومن أهمها:
- شبكة التجسس الشهيرة التي ضبطت عام 1985، مكونة من 9 أفراد، وجندت ضمن الأفواج السياحية.
- شبكة تجسس كشفت عام 1986، ضمت عددا من العاملين بالمركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة.
- أواخر عام 1986 تم ضبط أربعة جواسيس في منطقة شرم الشيخ الساحلية.
- عام 1987 تم الكشف عن شبكة تجسس من السياح الإسرائيليين أثناء زيارتهم لشرم الشيخ.
- عام 1990 إلقاء القبض على جاسوس مصري لاشتراكه مع ضابط مخابرات إسرائيلي
في تحريض فتاة مصرية على التخابر، لكنها رفضت، وأبلغت أجهزة الأمن.
- عام 1991 تم القبض على جاسوسين في عمليتين منفصلتين.
- عام 1992 سقوط شبكة عائلة "مصراتي"، المكونة من 4 جواسيس.
- أواخر عام 1996 إلقاء القبض على الجاسوس عزام عزام وشريكه المصري، ونجحت
تل أبيب في الإفراج عنه بعد ضغوط سياسية مورست على القاهرة.
- منتصف عام 1997، الكشف عن جاسوس خلال ارتدائه زي الغوص، وكانت مهمته التنقل عائما بين مصر وإسرائيل.
- عام 2000، كشف عن جاسوس مصري جند لصالح الموساد في ألمانيا.
2- في الأردن تم الكشف خلال عام 1997 عن عملاء الموساد الذين حاولوا
اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، حيث أطلق سراحهم مقابل
إطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة.
3- في لبنان كشف النقاب خلال السنوات الأخيرة عن مجموعة من شبكات التجسس
التي عملت لصالح الموساد، وأنيط بها بعض المهمات الأمنية والاستخبارية،
وكان آخرها الشبكة التي تحدثنا عنها بداية المقال.
4- الجاسوس الشهير "إيلي كوهين" الذي أعدمته الدولة السورية، وما زالت إسرائيل تطالب بجثته حتى اليوم.
5- العراق "الزاخر" بشبكات التجسس الإسرائيلية، وعلى المكشوف، بعد الاحتلال الأمريكي.
6- كشف النقاب مؤخرا في إيران عن مجموعة من يهودها المرتبطين بالموساد.
تخريب المجتمعات وضرب اقتصادها!
ما كشف النقاب عنه من شبكات للتجسس، كشف معه سلسلة من الأهداف الخفية
والمعلنة، وإن كانت بعضها تبدو "مشروعة" استخباريا، لكن أهدافا أخرى يبدو
غريبا وضعها على أجندة الموساد، ومنها:
1- جمع المعلومات الأمنية والاستخبارية عن دول بعينها، لاسيما المواقع
العسكرية والمحطات الأمنية، التي تعتقد إسرائيل أنها تشكل خطرا عليها
مستقبلا في أي مواجهة عسكرية، حيث تم ضبط عدد من الجواسيس خلال قيامهم
بأعمال التصوير ورسم الخرائط لأماكن ممنوعة، وضبطت بحوزتهم كمية من
الأفلام والصور ومحطة إرسال واستقبال ومعامل تحميض، وتبين أن هذه الصور تم
التقاطها لوحدات من الجيوش العربية أثناء الليل باستخدام أشعة الليزر.
2- تدريب الجواسيس على أحدث الأجهزة الإلكترونية، وتحديدهم للأماكن
والمخابئ السرية والشقق البديلة التي يستخدمها زعماء المقاومة، لاسيما في
لبنان، حيث كشفت حرب تموز 2006، أن العملاء وضعوا علامات إلكترومغناطيسية
وفسفورية على الأماكن التي يجب أن يستهدفها القصف، وزرعوا أجهزة التنصت في
أماكن متعددة من الضاحية الجنوبية، وأمدوا إسرائيل بالمعلومات حول الأنفاق
والمواقع التابعة للمقاومة.
3- النيل من رموز المقاومة والممانعة في الدول العربية، لاسيما لبنان
وسوريا والعراق، وقد نفذت شبكات العملاء سلسلة من هذه الاغتيالات، بدأت
بخليل الوزير، وعباس الموسوي، وفتحي الشقاقي، وعز الدين الشيخ خليل، وجملة
من الرموز العراقية المناوئة للاحتلال الأمريكي.
4- إمداد أجهزة الأمن الإسرائيلية بالمعلومات الاقتصادية وأهم المشروعات
الاستثمارية، منها السياحي والزراعي، وحركة البورصة وتداول الأوراق
المالية، والحصول على معلومات تخص بعض رجال الأعمال.
كما أفادت تقارير الأمن المصرية بأن 86% من جرائم التهريب وتزوير العملات
ارتكبها إسرائيليون، ونشرت تقارير اقتصادية عن اكتشاف معلبات اللحوم
الحمراء الإسرائيلية، تم ضخها بكميات كبيرة في الأسواق العراقية وبأسعار
منخفضة، وهي إما تحمل فيروسات "جنون البقر"، أو منتهية الصلاحية، أو تحتوي
على مواد سامة، يؤدي تناولها للإصابة بأمراض العقم, والكوليرا,
والتيفوئيد, والتسمم المعوي.
كما تم قبل عدة أعوام إحباط محاولات إسرائيلية لتسريب أدوات تجميل وصبغات
شعر تحتوي على مواد مسرطنة للأسواق العربية، عبر دول أوروبية.
5- القيام بعمليات تخريب اجتماعي وأخلاقي، بهدف التخريب، لاسيما على صعيد
نشر كميات هائلة من المخدرات بمختلف أنواعها، ورعاية شبكات الدعارة
الدولية، وتجارة الرقيق الأبيض، حيث تشير التقارير إلى أن أعداد قضايا
المخدرات المتهم فيها إسرائيليون خلال 10 سنوات بلغت 4457 قضية فقط في مصر
لوحدها، وهو ما أكده مصدر إسرائيلي بأن مصر يدخلها 500 طن مخدرات سنويا عن
طريق الحدود! وفي السياق نفسه نشرت صحيفة "معاريف" أن أكثر من 5000 طفل
يعيشون في إسرائيل، تم خطفهم أو سرقتهم من الدول المجاورة لها، ثمَّ تم
تهويدهم.
تأثير التجسس في الحروب القادمة
وهكذا، شكل التجسس لإسرائيل، ومازال وسيبقى، سياسة ثابتة تجاه جيرانها،
لأن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تعتقد أن التجسس سيبقى عنوانا أساسيا
لسياستها الخارجية، انطلاقا من محددات عدة لا يمكن أن تختفي بين يوم وآخر،
وهي:
1- على الصعيد العسكري، وفي ضوء تزايد احتمالات الصراع المسلح بين إسرائيل
والأطراف العربية المجاورة لها، دول كلبنان وسوريا وإيران، وقوى مقاومة
كحزب الله وحماس، وتلويحها بين الحين والآخر بشن حرب إقليمية.
2- الفتور الذي أصاب علاقة إسرائيل بالدولتين المجاورتين لها، مصر
والأردن، لاسيما تخوف مصر وتحفظها الشديد من التهديدات العسكرية، وتلويح
بعض قيادات الدولة العبرية بتوجيه تهديدات مباشرة باستهدافهما عسكريا،
لاسيما مصر، خاصة في ضوء صعود اليمين المتطرف إلى الحكم، وتهديد وزير
الخارجية الحالي "ليبرمان" بقصف السد العالي.
3- النظرة الإستراتيجية الإسرائيلية المستقبلية للعراق، ورغبتها في أن
تكون لها "حصة" في كعكة تقسيم العراق بين الطوائف والعرقيات والأديان،
ولعل الاختراق الإسرائيلي الأمني والسياسي والاقتصادي لبلاد الرافدين، بدا
واضحا منذ دخول أول جندي احتلالي أمريكي إليها، مما يشكل لها إطلالة
مفصلية وكبيرة على جيران العراق، سوريا والخليج وإيران.
وتبين لاحقا أنه من بين 870 وثيقة للمخابرات الأمريكية حول أسلحة الدمار
الشامل العراقية المزعومة وأماكن وجودها، كانت هناك 810 وثيقة وصلت من
إسرائيل ورجال الموساد!
4- رغبة إسرائيل في أن تكون على متابعة مكثفة وحثيثة دائمة لما يدور
حولها، لأنها تدرك جيدا أن المحيط العربي معاد لها، وأن أنظمة الحكم التي
تبدو محايدة لها –في أسوأ الأحوال- وحامية لحدودها –في أحسنها- قد لا تدوم
طويلا.
وبالتالي فإن الكابوس القادم بدلا منها يتمثل في قوى "الإسلام السياسي"
كما تسميها، أو في نماذج لا تتصورها إسرائيل تفرض سيطرتها على حدودها
شمالا وجنوبا وشرقا، على غرار ما حدث حين تسلمت حركة حماس زمام السلطة في
الأراضي الفلسطينية.
لهذا كله، يبدو الشرق الأوسط عبارة عن خلية من الجواسيس تشغلهم أجهزة
الأمن الإسرائيلية ونظيراتها الغربية، يعملون في حرب خفية يظهر من خلالها
طرف صغير فوق سطح الأرض، وهي الشبكات التي كشفت.
بكلمات أخرى.. حرب الجواسيس الإسرائيليين مستمرة على الرغم من أنه لم تطلق
خلالها رصاصة واحدة حتى الآن، ولم تشغل فيها قنبلة، حرب ذكاء ومراوغة تنجح
فيها إسرائيل حينا بفضل نجاحها في جمع معلومات عن الطرف الآخر، وتفشل
أحيانا حين تتنبه لها القوى الحية، الأمر الذي يحتم عدم التقليل من أهمية
الاستخبارات في تصميم تاريخ هذه المنطقة، وما قد تشهده قادم الأيام من
تطورات قد تبدو "دراماتيكية"!
ابو جهاد / منتدى الدوايمة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]