أسرى وأمعاء خاوية

أسرى وأمعاء خاوية
بقلم أمجد عرار

ذات يوم من أيام شباط (فبراير) عام 1986 أعادت مصلحة سجون الاحتلال الإسرائيلي سجن بيت ليد داخل المناطق المحتلة عام 48 لكنهم يسمونه سجن «كفار يونا» ككثير من الأسماء التي فرضوها لدفن الأسماء الحقيقية. السجن القديم الجديد كان حتى عام 1976 مخصصاً للأسرى ذوي الأحكام العالية، ثم حوّلوه للسجناء الجنائيين اليهود، قبل أن يعيدوا افتتاحه للأسرى الفلسطينيين والعرب بعد بضعة أشهر من عملية التبادل الشهيرة للأسرى التي عرفت ب»صفقة أحمد جبريل».
وعندما اكتظ السجن بالأسرى من سجون مختلفة، حاولت الإدارة فرض الإجراءات ذاتها المعمول بها مع الجنائيين، فالمطبخ بيد الجنائيين، والعد أربع مرات في اليوم، والأسرى مطالبون كل صباح بترتيب فراشهم على طريقة الجيش لكي يمر عليهم ضابط الأمن المسؤول بعد صرخة الحارس بالعبرية «فيكور» أي «زيارة»، فيقفوا «احتراماً» له وقفة عسكرية، وكل ذلك مضاف إليه تكديس الأسرى في زنازين صغيرة تسمى «إكسات» ثنائية يتسع الواحد منها لأسيرين أو أربعة. كانت لكل زنزانة منها نافذة بعرض خمسين سنتيمتراً وارتفاع ثلاثين، لكنها مغلقة بثلاث طبقات من الشبك ضيق الفتحات تنتهي بصفيحة بسمك أكثر من سنتمتر واحد وفيها بضعة ثقوب، لا الشمس تدخل ولا الهواء إلا بنسبة ضئيلة جداً.
محاولات عديدة جرت لتغيير ذلك الواقع المر، وكانت الإدارة تماطل وترد بأسلوب متعجرف. ولم يكن هناك بد من خيار الإضراب الذي أخطرت به الإدارة وجرى التمهيد له برسائل إلى المؤسسات الفلسطينية والعربية والدولية وأعضاء عرب في «الكنيست»، وبابا الفاتيكان، ومنظمة الصليب الأحمر وسواها من المؤسسات المعنية.
في خضم التحضيرات للإضراب، جاء ضابط من الإدارة وعرض على الأسرى تناول طعام الفطور في الساحة الخارجية، فوجئ الأسرى لأن ذلك كان طلباً مرفوضاً قبل ذلك. وعندما خرجوا وجدوا بانتظارهم طعاماً مختلفاً يوحي للأسرى بأنهم في أحد المطاعم. لم يطل الفيلم طويلاً لأن دخول وفد من «الصليب الأحمر» أظهر الغاية من ذلك «الكرم» المفاجئ. كانت تلك المرّة الوحيدة وعادت الأمور كما كانت. فلم يكن بد من خوض الإضراب عن الطعام لتغيير ذلك الواقع. وقد يتساءل القارئ العربي البعيد عن جدوى الإضراب وقدرته على فرض المطالب على الاحتلال. وجدير بالتوضيح أن الإضرابات وفي مقدمها معركة الجوع، الأسلوب الوحيد الذي أدى إلى تحسين ظروف الاعتقال، فإسرائيل التي تحاول أن تروج نفسها عالمياً كواحة للديمقراطية، لا تستطيع تبرير استشهاد أسير في سجونها، فهو غير مسلح ولا مزنّر بحزام نأسف ولا تستطيع اختراع أي سبب لوفاته.
لكن بقدر ما يأخذ الإضراب صدى في الشارع الخارجي، بقدر ما تقصر مدة معاناة الأسرى وتقل احتمالات سقوط شهداء في صفوفهم.
هذه الأيام يخوض الأسرى معركتي الأمعاء الخاوية والامتناع عن زيارة الأهالي، ويستصرخون الضمير العربي والإسلامي والعالمي إنقاذهم من شتى أنواع الإذلال التي يكفي واحد منها لإنهاض نخوة المعتصم العربي تحت التراب. فهل يحصل ثمانية آلاف أسير فلسطيني وعربي على بعض من الانشغال الدولي بكاتب سوري ممنوع من السفر؟.

» الدوايمة / أمعائهم خاوية فلنجعل قلوبنا معهم غير خاوية اخبار أحرارنا الأسرى
» الدوايمة / ادارة سجن خداريم تعزل سبعة أسرى واستمرار العقوبات على أسرى جلبوع
» رسالة شجب واحتجاج من أسرى سجن النقب
» مؤتمر دولي بجنيف عن أسرى فلسطين
» يوم الاسير \ اعتداء مصور على أسرى فلسطينيين