يافا عروس للبحر بلا أشرعة.. وبساتينها من دون برتقال

يافا عروس للبحر بلا أشرعة.. وبساتينها من دون برتقال
المصدر حسن مواسي ـ صحيفة المستقبل

جدران عازلة وهدم منازل وملاحقات بوليسية وتمييز صارخ على أساس قومي بين العربي واليهودي، ومساعٍ للسيطرة ومحو معالم المدينة العربية ومعالمها الفلسطينية العتيقة ومبانيها التاريخية، تعمل السلطات الإسرائيلية على تقطيع أوصالها وتشويه جمالها وكأنها سلعة تشترى وتباع.
يافا «عروس فلسطين« ودرة الشرق العنيدة على حد وصف ابنها الراحل شفيق الحوت، تحولت اليوم إلى مجرد مخيم لاجئين في وسط تل أبيب، التي تحاصرها من كل الجهات. أصبحت الأحياء العربية فيها: النزهة والجبلية والعجمي والمنشية وأرشيد وهرميش وغيرها من معالم، مجرد سلعة في بنك الاستثمار الإسرائيلي الهادف إلى بيع عقاراتها وجني الأرباح. وفقدت عروس البحر أشرعتها وزنود بحارتها السمر، وبساتينها الغناء المشهورة باتت بلا برتقال فلسطيني.
الأسبوع الماضي نظمت قيادة لجنة المتابعة العليا لشؤون فلسطينيي 48 جولة، للاطلاع على الممارسات الإسرائيلية عامة وفي بلدية تل أبيب ـ يافا خصوصاً، التي تعمل بحجة الشرعية والقانون على تحويل المدينة إلى مخيم لاجئين، مستهدفة كل شيء فلسطيني وعربي جميل يذكّر بتاريخ الأرض والوطن.
تعرضت يافا، عروس البحر ومدينة البرتقال وأقدم موانئ العالم، إلى هجمة إسرائيلية أدت إلى تهجير أكثر من 90 في المئة من سكانها، فمن أصل 120 ألفاً في يافا وضواحيها العام 1948 لم يبق سوى 3900 يافوي، يسكنون في غالبيتهم في حي العجمي، بعد أن هجر معظم السكان العرب الفلسطينيين المدينة عن طريق البحر خارجين من ميناء يافا.
وفرضت السلطات الإسرائيلية الجديدة الحكم العسكري على يافا وحظرت الدخول إليها أو الخروج منها إلا بتصاريح خاصة، وبعد نهاية الحرب في بداية 1949 انتهى الحكم العسكري وبدأ إسكان مهاجرين يهود في المدينة. وفي 1958 زاد عدد الفلسطينيين في يافا وبلغ 6500 نسمة مقابل 50 ألفا من اليهود، وبحسب إحصائيات بلدية تل أبيب ـ يافا فإن نسبة العرب في يافا لا تتعدى 5 في المائة من مجمل سكان تل أبيب ـ يافا.
تسببت السياسات الحكومية الموجهة ضد سكان يافا العرب إلى تراجع مكانة المدينة وعزلها عن واقعها بصورة كبيرة، حيث يواجه السكان العرب اليوم مشاكل اجتماعية واقتصادية وفي شتى المجالات الحياتية.
ووفق المعطيات المتوفرة، فإن 60 في المئة من سكان يافا يعيشون تحت خط الفقر، بينما 39 في المئة يعتبرون من الطبقة المتوسطة، أما الطبقة التي يسمونها أغنياء يافا فهي لا تزيد عن 1 في المئة.
هذا بالإضافة إلى قضية تلاحق اليافويين، ألا وهي قضية المسكن، حيث تتفاقم أزمة السكن في يافا. وقد أثيرت هذه المسألة في السنوات الأخيرة، بعد توجيه إشعارات لأهالي يافا بأن بيوتهم آيلة للسقوط وإنها غير صالحة للسكن، ما حول البيوت العربية إلى منازل مستهدفة بصورة دائمة من قبل البلدية.
يقول اليافوي أبو السعيد: «حتى العام 1948، كانت يافا قلب فلسطين النابض من الناحية الاقتصادية، منحيث زراعة الحمضيات بشكل عام، والبرتقال بشكل خاص. وتحول برتقال المدينة إلى ماركة عالمية، ويحتل مكانة مرموقة في السوق العالمي الاقتصادي. هذا إلى جانب تطور الميناء في المدينة الذي حصل سريعا، ووصل الأمر في الثلاثينيات من القرن الماضي إلى تصدير عشرات الملايين من صناديق الحمضيات سنوياً، ما كان يوفر آلاف فرص العمل والاستثمار الجديدة، وأدى إلى ربط سكان يافا بأهم المراكز الاقتصادية على مستوى البحر الأبيض المتوسط وأوروبا، ما حولها إلى عاصمة اقتصادية لفلسطين».
ويتابع أبو السعيد: «يافا كانت في طليعة المدن الفلسطينية في كل شيء، ولكن المؤامرة التي حيكت ضدها وخصوصا من قبل الاحتلال البريطاني الذي جند كل الإمكانيات للحركة الصهيونية للاستيلاء عليها.. ويافا كانت عاصمة فلسطين الثقافية إذ احتوت على أهمّ الصحف الفلسطينية اليوميّة: صحيفة «فلسطين» وصحيفة «الدفاع» وعشرات الصحف والمجلات ودور الطبع والنشر، إلى جانب احتوائها على أهم وأجمل دور السينما والمسارح في فلسطين. كما كانت تنتشر عشرات النوادي الرياضية والثقافية. وللأسف تحوّلت من مركز مدني حديث، بين ليلة وضحاها، إلى حي صغير وهامشيّ، يعاني التمييز والجريمة والتدمير منذ العام 1948 وحتى يومنا هذا».
ويقول الباحث والناشط السياسي سامي أبو شحادة: «يافا تواجه اليوم قضية ملحة، ألا وهي قضية الأرض والمسكن وسياسة الملاحقة والطرد الإسرائيلية، حيث تحول كل بيت في يافا إلى هدف ثمين من قبل البلدية التي تمثل بالطبع السياسة العامة لدولة إسرائيل، ويبلغ عدد المنازل المهددة اليوم نحو 500 منزل. وطبعاً الحجة الإسرائيلية دائماً موجودة وتتمثل بمبررين رئيسيين للهدم والإخلاء: الأول في عدم الحصول على التراخيص اللازمة للبناء ومخالفة القانون، أو ـ اقتحام أملاك الدولة ـ التي صادرتها من الفلسطينيين بعد نكبة 1948».
ويتابع أبو شحادة: «الصراع سياسي ووجودي، حيث بتنا نلمس هجرة سلبية للعرب من يافا. ووفق الإحصائيات يقطن المدينة 13 ألف عربي 75% منهم في منازل مستأجرة ومحمية من قبل شركات حكومية، التي وضعت اليد على أملاك اللاجئين وتقوم بتأجيرها. واليوم عرب يافا مهددون بالزوال، إذ يوجد هناك مئات العائلات العربية التي تم تشريدها أو تنوي البلدية تهجيرها، حيث صدرت أوامر بإخلاء وهدم منازلها».
ويقول عضو بلدية تل أبيب ـ يافا عمر سكسك: «إن سكان يافا العرب يتعرضون اليوم لحملة إسرائيلية مكثفة تستهدف الوجود العربي، وقد بتنا نرى مدى تأثير ذلك من خلال الممارسات اليومية، بالإضافة إلى المخططات التي تضعها البلدية لمحو الواقع العربي في يافا، بدءا من مخطط الفندق السياحي مكان المسجد الكبير مرورا بكل ما تقوم بها البلدية من توزيع أوامر إخلاء للمنازل العربية وغيرها من سياسات».

» الدوايمة وثيقة فلسطينية شركة برتقال يافا شارع سكندر رقم 8
» قرى قضاء يافا المهدمة
» لماذا يلجا المهمووووم للبحر...والعاشق للسماء
» صور قرى محيط يافا المدمرة
» عروس الوطن ... دلال المغربي