الأسرى، وماذا أيضاً؟

الأسرى، وماذا أيضاً؟
بقلم طلال عوكل

بأشكال متكررة، ولكنها مهمة وضرورية يحيي الفلسطينيون يوم الأسير الفلسطيني، حيث يتخذ الأمر ثلاثة أبعاد، البعد الأول ينطوي على شكل من أشكال النضال الشعبي السلمي، الاحتجاجي الجماعي، فكل الفلسطينيين موحدون حول هذه القضية، التي تشكل عنواناً لحراك شعبي مطلوب في مواجهة سياسة الاحتلال.
البعد الثاني، يتصل بدور الإعلام في التعريف بهذه القضية كقضية ينبغي أن تحظى باهتمام الرأي العام العربي والإسلامي والدولي، ليس باعتبارها واحدة من أبشع ممارسات الاحتلال فقط بل لأنها قضية تضرب في عمق القيم الإنسانية، ومنظومات حقوق الإنسان، التي يدعي الغرب الرأسمالي إنتاجه لها، وقد رفعتها الدول الغربية إلى مستوى كونها عنواناً لحروب وصراعات اتخذت اسم الحرب الإنسانية.
البعد الثالث، يتصل بالأسرى الذين يقبعون خلف قضبان السجون في ظروف تخلو من الحد الأدنى المطلوب لحياة الإنسان ككائن اجتماعي، وحتى تبقى جذوة الأمل متقدة في نفوس أولئك الأبطال، بأن يوم حريتهم آت لا محالة.
في أيام سابقة، كانت السجون الإسرائيلية مدرسة للمناضلين ولا تزال، وكانت أيضاً، مراكز لأعداد الكوادر المناضلة، ومراكز لقيادة العقل الوطني المقاوم. في الواقع فان معظم قيادات الحركة الوطنية الفلسطينية، وأصحاب المراكز المتقدمة في السلطة، والمجتمع والفصائل، قد مرت في مرحلة الاعتقال.
وتشير الإحصائيات إلى أن نحو مليون فلسطيني خاضوا تجربة الاعتقال ما يعني أن هذا السلوك الإجرامي يشكل واحداً من المؤشرات التي تفضح طبيعة الاحتلال وبشاعته وعدم التزامه بالحد الأدنى من المعايير التي تضمنتها وثائق الأمم المتحدة.
لم تفهم إسرائيل الدرس حتى الآن ويبدو أنها غير قادرة على فهم، الآثار المترتبة على مواصلة سياسة الاعتقالات، التي تمارسها يومياً، والمترتبة أيضاً على احتفاظها بنحو عشرة آلاف أسير فلسطيني. إسرائيل عملياً تساهم في إنتاج نقيضها، فالسجون لم تمنع القيادات الوطنية من مزاولة دورها الكفاحي، وأدوارها القيادية، بل أن طول فترة السجن، وإصدار الأحكام العالية، من شأنها أن تعمق لدى هؤلاء القادة والمناضلين، إيمانهم بعدالة قضيتهم وإيمانهم بضرورة مواصلة نضالهم بقناعة أشد ثباتاً وأكثر تمسكاً بأهداف شعبهم.
من هم خارج السجون الإسرائيلية، وداخل السجن الكبير الذي تقيمه سياسات وإجراءات المحتل الاسرائيلي، هؤلاء يشعرون دائماً، بأنهم ملزمون أخلاقياً ووطنياً، وسلوكياً، بأن يواصلوا نضالهم انطلاقاً من المعايير التي تشكلها قضية الأسر، ودور الأسرى، في مقارعة الاحتلال حتى وهم داخل المعتقلات.
هكذا يتوارث الفلسطينيون، استعداداً فطرياً، لمتابعة النضال والتضحية اقتداء بآثار من استشهدوا وهم بعشرات الآلاف، ومن أصيبوا بإعاقات جزئية أو دائمة وهم أيضاً بعشرات الآلاف، ومن تم اعتقالهم وهؤلاء بمئات الآلاف.
لا نبالغ أن قلنا أن قضية الاعتقال، هي قضية اجتماعية عامة فضلاً عن أبعادها السياسية والكفاحية والقيمية، إذ لا يخلو بيت واحد من إصابة باستشهاد أو جريح، أو اعتقال، الأمر الذي يجعل قضية تحرير الأسرى، جزءاً لا يتجزأ من قضية الحرية والعودة.
وإذا ما كان احمد سعدات، أمين عام الجبهة الشعبية، ومروان ألبرغوثي القيادي البارز في حركة فتح، وعشرات القياديين الآخرين من الفصائل ما زالوا يقدمون النموذج في الصلابة والالتزام ومقاومة المحتل، فإننا لا ننسى أن قيادات الحركة الأسيرة هي التي أنتجت أهم وثيقة شكلت محل إجماع وطني في العقد الأخير، وهي وثيقة الوفاق الوطني، وما زلنا ننتظر من هذه القيادات أن تواصل دورها في إبداع، المبادرات من اجل إنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق الوحدة الوطنية، بعد أن فقد زملاؤهم القدامى، الذين يتربعون على سدة القرار السياسي في الخارج، بعد أن فقد هؤلاء روح التضامن والوحدة التي تشكل احد ابرز معالم ومنجزات الحركة الأسيرة.
الإخلاص للأسرى وقضيتهم، والالتزام الحقيقي بالنضال من اجل تحريرهم يتطلب من القيادات المنقسمة على نفسها أن تستعيد روح ومآثر تجربة وحدة الأسرى، وان تتجاوز حسابات الكراسي والمناصب، والحسابات الخاصة والفصائلية.
على أن موضوع الأسرى لا ينبغي أن يقف عند حدود الفعل الشعبي الذي يرتفع منسوبه في أيام محددة من العام، فطالما أن الاعتقال يومي، فان الفعل لا بد أن يكون مترافقاً مع سلوك الاحتلال اليومي، ففي الواقع، تمر أخبار اعتقال عشرات المناضلين، في شاشات التلفزة وكأنها أخبار اعتيادية اللهم إلا حين يتم اعتقال قيادي بارز من هذا الفصيل أو ذاك.
يستحق الأمر، أن نتعمق في تناول هذه القضية، لكي تتخذ بعداً قانونياً ولتعزز دور المؤسسات المتخصصة، وتعميق تعاونها مع وسائل الإعلام الدولية، ومع المؤسسات الحقوقية على المستويين الرسمي والشعبي.
الأمر يذهب إلى متابعة وفضح السلوك الاسرائيلي عند الاعتقال والتحقيق وداخل المعتقلات والمحاكم، إذ ترتكب إسرائيل جرائم بحق هؤلاء، تستحق أن تدفع إلى المحاكم الدولية، أن لدى الفلسطينيين من الشهادات والوقائع، ما يوسع دائرة التعريف بالسياسة الإسرائيلية التي ترتكب جرائم بحق القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني بحق الفلسطينيين.
ثمة ضرورة لتعزيز المأسسة ولتعزيز المبادرة، من اجل تفعيل القرارات العربية الخاصة بالأسرى، وفي الأساس ثمة ضرورة قصوى لتوحيد العنوان الفلسطيني، وأدوات الفعل الفلسطيني التي يلحق انقسامها ظلماً شديداً بالأسرى.

» أنصار الأسرى :تصريحات نتياهو بحق الأسرى اعلان حرب جديدة
» وماذا بعد
» الأسرى الفلسطينيون يضربون عن الطعام
» الدوايمة / أحرارنا الأسرى واخبارهم
» حكاية الأسرى المعزولين في مسرحية