سقوط الأسطورة

موضوع: سقوط الأسطورة الخميس يونيو 10, 2010 5:03 am

سقوط الأسطورة
الكاتب: فيصل جلول

امتنعت شبكة «يوتوبيا» لصالات السينما الفرنسية عن عرض فيلم إسرائيلي بعنوان «على مسافة 5 ساعات من باريس» كان مبرمجاً في 25 حزيران (يونيو) الجاري وجدولت بدلاً منه فيلم «راشيل» للمخرجة سيمون بيتون وهي فرنسية من أصل إسرائيلي، والفيلم وثائقي يتحدث عن راشيل كوري الناشطة الأمريكية التي سقطت في العام 2003 تحت عجلات جرافة إسرائيلية عندما كانت تحاول منعها من هدم منزل فلسطيني في غزة.
الواضح أن قرار الشبكة المنتشرة في عدد كبير من المدن الفرنسية المهمة تزامن مع المجزرة التي ارتكبها رجال البحرية الإسرائيلية في أسطول الحرية، والواضح أيضاً أن قراراً من هذا النوع ما كان ممكناً اتخاذه قبل عشر سنوات بوصفه مساهمة في الاحتجاج على التعرض للناشطين الأمميين العزل في أسطول الحرية، ذلك أن اختيار فيلم «راشيل» ليس عشوائياً فهو يدين عملاً بربرياً بما يستحق من الإدانة.
يشي موقف الشبكة الفرنسية ومواقف فئات وجهات كثيرة في الغرب من الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية بانهيار أسطورة أخلاقية إسرائيل في أوروبا والولايات المتحدة، حيث كانت الدولة الصهيونية منذ العام 1967 محمية من النقد، ومن ردود الفعل السلبية في أوساط النخب والرأي العام بوصفها جزءاً لا يتجزأ من الغرب في منطقة معادية للغربيين وبكونها «ديمقراطية» في فضاء سياسي «ديكتاتوري»، هذا فضلاً عن ربط وجودها بالمحرقة النازية وما وقع لليهود خلال الحرب العالمية الثانية، علماً أن وعد «بلفور» بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين صدر في سياق الحرب العالمية الأولى وقبل المحرقة.
لقد مضى الوقت الذي كان بوسع إسرائيل أن تروِّج في العالم الغربي أنها دولة ضحية، يراد رمي سكانها في البحر، وأنها تعيش في عالم متوحش، أو هي أشبه ب «فيلا» وسط الأدغال كما يزعم إيهود باراك. وقد مضى الوقت الذي كانت إسرائيل تقدم فيه قيادات من النمط الغربي تتحدث بلغة الغرب وحساسياته، وهي اليوم تقدم لمن يرغب أفيغدور ليبرمان وزيراً للخارجية وهو مولدافي الأصل يبدو أنه بدأ حياته كحارس في أحد «البارات» ويتجنب العديد من الوزراء الغربيين اللقاء به.
لم تعد إسرائيل بريئة، فقد أدينت في تقرير غولدستون بعد أن استمتع وزير حربها بإلقاء قنابل الفوسفور على غزة، وكانت قد أدينت من قبل في محكمة لاهاي على الجدار الفاصل، وأدينت مؤخراً جراء استخدامها لجوازات سفر غربية مزورة في عملية اغتيال القيادي في حركة حماس محمود المبحوح في دولة الإمارات العربية المتحدة.
لم تعد إسرائيل حاجة ماسة للغرب في العالم العربي، فقد انتهت الحرب الباردة والنفط العربي في سبيله إلى النضوب، ناهيك عن أن الغرب نفسه ما عاد غرباً وأوروبا ما عادت أوروبا، والحاجة إلى إسرائيل ما عادت هي نفسها، ناهيك عن أن أعداء إسرائيل تغيروا تماماً فهم يقاتلون وينتصرون أو يصمدون ولا يهربون بعد ساعات من بدء الحرب، وبالتالي ينتزعون احترام الأقوياء، وهم ما عادوا يخطفون الطائرات الأوروبية ويضربون المصالح الغربية وباتوا يتحدثون بلغة حقوقية ويراعون بعض القواعد الأخلاقية التي يحترمها الرأي العام الغربي.
ولم تعد إسرائيل حليفاً إقليمياً مصيرياً لدول وأقاليم مناهضة للعرب، فقد سقط منذ ثلاثة عقود نظام الشاه الإيراني الحليف الموثوق به للدولة الصهيونية، وها هي تركيا حليفة إسرائيل الوحيدة في الشرق الأوسط ترعى «أسطول الحرية» لفك الحصار عن غزة في حين تبدو اتفاقات السلام العربية الإسرائيلية أشبه بوثائق ميتة لا يحترمها إلا موقعوها.
على الرغم من هذه المتغيرات الأساسية تبدو الدولة الصهيونية عاجزة عن التكيف مع الوقائع الطارئة وتتمحور أكثر فأكثر حول ذاتها، فترفض مبادرة السلام العربية، وتتصرف إزاءها كما لو أنها قدمت غداة حرب حزيران (يونيو) عام ،1967 وتفتخر بعملية اغتيال المبحوح وسط استياء إقليمي ودولي، وتطلق النار بطريقة جبانة على ناشطين مدنيين زاعمة أن أسطول الحرية يشكل تهديداً لوجودها وتتحدث عن وقف الاستيطان بوصفه تنازلاً وتتنطح للتصدي لإيران مفترضة أن ذلك يعينها على تجديد الحاجة الغربية الماسة إليها في الشرق الأوسط.
نعم ما عاد هذا الكيان أسطورة تحميه وتوفر التغطية الأخلاقية الضرورية لوجوده. إن الاغتيال العاري لمدنيين أتراك في عرض البحر يفصح عن قتلة ومجرمين وليس عن جماعة يهددها جيرانها بإلقائها في البحر، وفي ذلك فارق جوهري لا يريد أحد في الكيان الإقرار به، وإذ تتلاشى الأسطورة يصعب بقاء الكيان الذي تأسس على الأساطير والأكاذيب والمجازر.

» المسلسل الكرتوني صلاح الدين البطل الأسطورة
» روسيا عازمة على منع سقوط الاسد
» ليلة سقوط اسرائيل
» يووم سقوط الدوايمة
» من ذاكرة النكبة قصة سقوط صفد