الفلسطينيون و«مسيحيو لبنان»

الفلسطينيون و«مسيحيو لبنان»
الكاتب : عريب الرنتاوي
تاريخ المقال : 2010-06-17

خيّمت انقسامات الحرب الأهلية على مجلس النواب اللبناني أمس الأول، عندما بدأ بمناقشة أربعة اقتراحات قوانين تقدم بها النواب وليد جنبلاط وآخرون، حملت صفة «مُعجّل مكرّر»، وتدعو إلى «استفادة الفلسطيني من تعويض نهاية الخدمة والعناية الطبية عن الأضرار الناتجة عن حوادث وطوارئ العمل فقط»، وتؤكد على «حق الفلسطيني المولود على الأراضي اللبنانية تملك شقة سكنية واحدة، بحيث لا يعتبر ذلك تعارضاً مع مبدأ رفض التوطين. كما يطبق هذا النص على التملك بطريق الإرث».
على الفور تداعت انقسامات وتقسيمات ما بعد اغتيال الحريري، وبلمحة بصر تلاشى ائتلافا 14 آذار و8 آذار، فالمسيحيون اصطفوا في معسكر رفض مشاريع القوانين، مسيحيو 14 آذار (الكتائب والقوات اللبنانية) التقوا مع مسيحيي الثامن منه (التيار الوطني الحر ـ العونيين) فضلاً عن مسيحيي تيّار المستقبل، في المقابل اصطف مسلمو 14 آذار (تيار المستقبل وكتلة لبنان أولاً) مع مسلمي الثامن منه (حزب الله وحركة أمل) ومن يؤيدهما، في أول وأخطر فرز من نوعه منذ الحرب الأهلية، وبصورة استدعت شبح الانقسام الطائفي التقليدي في لبنان.
فزّاعة التوطين فعلت فعلها، ولأسباب داخلية محضة، لا علاقة للتوطين فيها. فمجموعة التعديلات القانونية المقترحة تتحدث عن حقوق يتمتع بها كل من هو غير لبناني في لبنان إلا الفلسطيني، وهي تشكل الحد الأدنى من الحقوق المدنية والإنسانية، لكن ذلك لم يشفع للفلسطينيين، حيث ثبت أن فريقاً من اللبنانيين ما زال ينظر لهم كخطر وتهديد، بل وكعدو أول، حتى وإن غلف مشاعره ومواقفه هذه، بعبارات فضفاضة عن الأخوة القومية والإنسانية، وهي مشاعر لم تصمد طويلاً عند أول اختبار و«حك رُكب» كما يقال بالعامية اللبنانية.
جنبلاط، وهو الأب الروحي لهذه الحزمة المتواضعة من التعديلات التشريعية، حمل بشدة على «اليمين اللبناني» مستعيراً بدوره مفردات الحرب الأهلية وتوصيفاتها وتصنيفاتها، بل ووصفه بـ«أغبى يمين في العالم»، يمين لم يتعلم من دروس السنوات الستين الماضية، أما الحريري الذي يسجل له أنه تبنى بنشاط طروحات جنبلاط، فقد بعث بكل ما في يده وما في وسعه من رسائل الطمأنة والاطمئنان لحلفائه المسيحيين من دون جدوى، وقطع أغلظ الأيمان بأنه ضد التوطين، متحدياً أن يكشف أي «فحص دم» له عن نتائج بخلاف ذلك، ولفت إلى أن زمناً قد يأتي تغيّر فيه قوافل أسطول الحرية وجهتها، وتبدأ بتنظيم الرحلات للتضامن مع الفلسطينيين في مخيمات لبنان بدلا الذهاب إلى غزة للتضامن مع منكوبي القطاع ومحاصَريه، ووصف رفض منح الفلسطينيين بعضا من حقوقهم المدنية والإنسانية بأنه أكبر استثمار في أكبر مشروع إرهابي، مذكراً بنهر البارد، تماماً مثلما فعل وليد جنبلاط.
حتى النائب الشيعي الذي فاز بأصوات السنة والمسيحيين في زحلة، عقاب صقر، لم يدخر من جهده جهد، ولكن من دون جدوى، فقد حاول الرجل والحق يقال، استنفار ما تبقى من «عروبة وإنسانية» في عروق حلفائه من المسيحيين حين أشار إلى دراسة أجرتها يديعوت أحرونوت الإسرائيلية وظهر بنتيجتها أن الفلسطينيين في إسرائيل يحظون بمكانة وحقوق ومعاملة أفضل من الفلسطينيين في لبنان، لكن كلمات سقطت على آذان صمّاء، ومسامع اعتادت السماع للرطانة العبرية منذ زمن التعاون الحميم بين ميناحيم بيغن واسحق شامير من جهة و«الرئيس ـ الشيخ الراحل وخليفته الزعيم القواتي الباقي والملطخة يداه بكل فئات الدم اللبناني بما فيها الفصيلة النادرة» من جهة ثانية.
والغريب حقا أن الذين تصدوا ببسالة لمقترحات جنبلاط وعملوا ما بوسعهم لإحباطها، كانوا الأكثر تشدقاً بإنسانية لبنان وحضارته وتحضره، حتى أن بعضهم لم يمانع في منح حقوق إنسانية للفلسطينيين ومنع حقوقهم المدنية، ولا ندري عن أية إنسانية وأية حضارة يتحدث هؤلاء، وبعضهم ينهض شاهداً حياً على الكيفية التي تحيل بها الحروب الأهلية البشر إلى ذئاب متعطشة للدماء على حواجز القتل على الهوية وفي مواسم اصطياد «الآخر» وسلخ فروات الرؤوس البشرية.
سقطت متاريس الاصطفافات الجديدة وخطوطها وخرائطها، وفجأة ظهرت على السطح «ترويكا مسيحية» تتصرف كهئية أركان أو غرفة عمليات مشتركة، لتنسيق المواقف والجهود ضد تمكين الفلسطينيين من حقوقهم المدنية والإنسانية، قوامها: أنطوان زهرا، النائب عن القوات ورمز حاجز البربارة سيء الذكر في الحرب الأهلية، والشيخ ابن الشيخ حفيد الشيخ سامي الجميل عن الكتائب، وإبراهيم كنعان عن التيار الوطني (العوني) الحر، الذي كانت فجيعتنا به كبيرة للغاية.
سقطت المتاريس وسقطت غالبية مسيحيي لبنان في أول اختبار لها في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية، فظهر أنها ما زالت مسكونة بهواجس الحرب الأهلية وفزاعاتها، وثبت أن خطابها «المتحضر والإنساني» ليس في واقع الحال سوى قشرة يسهل كسرها و«كشطها»، وتبين أن «العروبة الديمقراطية« التي طالما ردد هؤلاء «اسطوانتها المشروخة» خلال السنوات الخمس الفائتة في مواجهة سوريا ودورها في لبنان، لا تحتمل أن ترى الفلسطيني يتمتع بتعويض نهاية الخدمة أو بدل إصابة عمل (؟،) فبئس العروبة وبئس الديمقراطية وبئس الحضارة والتحضر.

» دراسة حول الفلسطينيون وقانون العمل في لبنان
» اللاجئون الفلسطينيون في لبنان الاحتياجات والحلول
» اللاجئون الفلسطينيون في سورية
» الفلسطينيون وموعد آخر.. غير مقدس؟!
» الفلسطينيون بين الأمس واليوم