في حقوق الفلسطينيين.. بين التهجير واستقدام المهاجرين

في حقوق الفلسطينيين.. بين التهجير واستقدام المهاجرين

الكاتب : مصطفى علي الجوزو
2010-07-01

لا حاجة إلى البرهان على أن الطائفيين اللبنانيين عنصريون، ولا حاجة إلى البرهان أيضاً على أن الفلسطينيين ساعدوا العنصريين في الحملة عليهم بسبب بعض التصرفات الإسكانية المريبة إبان الحرب اللبنانية. وحسبنا العبارة المنسوبة إلى الشهيد ياسر عرفات: «لقد حكمتُ لبنان، أفلست قادراً على حكم الضفة الغربية وغزة؟» أو نحو ذلك.
إن الحق في العمل والتملك والعلم والرعاية الصحية والاجتماعية حق للمقيم الدائم في أي بلد من البلاد المتقدمة، فكيف إذا كان هذا المقيم مولوداً في البلد نفسه، ولا يعرف غيره وطناً، وربما مات فيه؟ إنه يتساوى مع المواطن إلا في الحقوق السياسية والعسكرية. هذا ما نعرفه. ولذلك فإن السفسطة العنصرية في هذا الأمر لا يمكن أن تقنع حتى أصحابها، لأن معظمهم يعرف كيف يعامَل المقيمون الدائمون في دول العالم، وكيف يُمنحون الجنسية بعد مدة من إقامتهم، بصرف النظر عن أصولهم ومعتقداتهم السياسية والإتنية، شرط ألا تجافي قوانين البلاد؛ ويعلمون أن الأجانب يمتلكون نحو خُمس المساحات السكنية في لبنان، وأن معظمهم غير مقيم فيه، خلافاً للفلسطينيين. ومن الواضح أن الفلسطينيين في لبنان مشروع تهجير عند أولئك العنصريين، وما داموا كذلك فيجب العمل على كل ما يساعد في تهجيرهم، وقد بوشر بذلك في التسعينيات حين فرضت الدولة اللبنانية على المسافرين الفلسطينيين سمات خروج بلا عودة. والعنصريون اللبنانيون لا يختلفون في ذلك عن العنصريين الصهاينة، إلا في كونهم من أهل البلد، والفلسطينيون ضيوف، على حين أن الصهاينة مغتصبون، ويريدون تهجير أصحاب الأرض. لكن مشروع التهجير واحد، وقد استُخدمت له، أحياناً، وسائل عسكرية متشابهة؛ ودماء النهر البارد لم تبرد بعد.
والمدهش حقاً أن بإزاء هذه الميول التهجيرية العنصرية، ميولاً استيطانية طائفية واضحة، إذا صحّ التعبير. ونحن نقدر في رئيس الجمهورية اتزانه وذكاءه وحنكته، لكن ليسمح لنا بأن نعارض موقفه من المهاجرين إلى البرازيل. إن معظم أولئك الناس الذين خطبهم هناك، ودعاهم إلى العودة إلى لبنان، واستذكر هجرة جدودهم منذ مئة سنة، وأكد أنهم وأولادهم أحق من غيرهم بالجنسية اللبنانية، ليسوا لبنانيين. إنهم أعاجم لا يفهمون العربية ولا يتحدثون بها، ولا يكادون يعرفون شيئاً عن لبنان وقضاياه الوطنية والقومية، والبرازيل، وليس لبنان، هو وطنهم الذي ولدوا وعاشوا فيه وشاركوا في نشاطاته المختلفة، وتبوّأ بعضهم مراكز سياسية عليا في مؤسساته، وقلما زاروا لبنان أو تواصلوا مع أهله، وقد تخلَّوا عن جنسيتهم اللبنانية، وهجروا اللغة العربية، هذا إذا كانوا من أصل لبناني حقاً. ومثل هؤلاء لا يستحقون الجنسية اللبنانية بأي معيار من المعايير الحقوقية الدولية، بَلْهَ أن تعرض الجنسية عليهم! وأيّ منطق يجيز القول إن لبنان لا يحتمل مجنّسين جدداً، والعمل في الوقت نفسه على استقدام مليون مهاجر أو أكثر، تنتمي غالبيتهم العظمى إلى طائفة معينة؟ ولا جديّة في توكيد أحد رجال الدين للرئيس أن لبنانيي البرازيل أكثر من ثمانية ملايين، وفق إحصاءات الدولة البرازيلية، ولا في قول سفير البرازيل في لبنان إن عدد اللبنانيين وذوي أصول اللبنانية في بلده ستة ملايين (لاحظوا الخلاف)، فالمهاجرون اللبنانيون في العالم أجمع لا يتجاوزون ربع المقيمين، وفق أي دراسة علمية رصينة، ولا يمكن أن نتصور أن تشغل البرازيل نفسها بإحصاء ذوي الأصول اللبنانية وجمع المستندات الموثوقة التي تثبت أصولهم، ولا سيما أن البرازيليين لا يكادون يفرّقون بين اللبنانيين وبين سائر العرب، ولا بينهم وبين الأتراك، فكلهم عندهم «توركو». أما لبنان فلم يكن منذ مئة عام دولة ولا شعباً، بل كان جبلاً من جبال الشام، وجزءاً من سوريا، ويتبع، حتى في عهد المتصرفية، للدولة العثمانية.
وكما خالفْنا رئيس الجمهورية الرأي فإننا ننكر على الوزير بارود زعمه، في شأن المهاجرين الذين فقدوا جنسيتهم، أن: «قانون استعادة الجنسية لا ينشئ حقاً جديداً، ولكنه استعادة لحقّ قائم»، فتلك مغالطة لا تليق بعالم في القانون مثله ـ هذا مع تنويهنا باستحقاقه جائزة الأمم المتحدة ـ. إن الجنسية منحة من الدولة، وهي منوطة بالإقامة والثقافة واللغة والالتزام القومي وتأدية الضرائب، وليس بالعِرق أو النسل أو الدين، إذا كان ثمة عروق صافية، وأنسال متصلة. ومن هذه الناحية فإن الفلسطينيين أحق برعاية الدولة من المزعومين مهاجرين لبنانيين. بل ليس من التجرؤ القول إن الفلسطينيين المولودين والمقيمين في لبنان، هم الذين يستحقون الجنسية اللبنانية لا المهاجرون المزعومون، وهم مع ذلك لا يطلبونها، إلا إذا كانوا من أمهات لبنانيات. وكثير من دول العالم تمنحهم جنسيتها إذا استوفوا شروط الإقامة والثقافة، فلماذا يمتنع لبنان حتى من منحهم الحقوق الطبيعية؟
يتذرعون بوصفهم باللاجئين لينفوا عنهم صفة الإقامة، وتلك سفسطة، لأن الفلسطينيين لاجئون من حيث انتقالهم أو انتقال بعض آبائهم إلى لبنان، وهم مقيمون من حيث حضورهم الدائم فيه. ثم إنه لا يجوز الاستناد إلى المصطلحات لنفي الحقوق الطبيعية، ولا سيما إذا كان المعنيّ أخاً عربياً. والأسوأ من ذلك أنهم يلقون بمسؤولية اللجوء على العدو الصهيوني والدول الغربية، ويطلبون أن يحل هؤلاء، أو المجتمع الدولي، مشكلة الفلسطينيين، لا اللبنانيون! أي يطلبون المستحيل أو شبهه ليتهربوا من مسؤولياتهم القومية والإنسانية. ويتذرعون بحق العودة، وهم يعلمون أن كثيراً من الفلسطينيين ماتوا، وأن كثيراً منهم قد يموتون، قبل أن يعودوا إلى فلسطين. والعودة على كل حال حق للفلسطينيين وليس للدولة اللبنانية، وهم أصحاب الامتياز الحصري في اختيار السلوك الذي يحمي ذلك الحق؛ وهو حق لا يلغي الحقوق الطبيعية الأخرى، كما أن نيل الحقوق الأخرى لا يلغيه، وهو لا يسوّغ تحويل المخيمات إلى معازل تستولد الجريمة. والحرص على حق العودة ومنع التوطين لا يسوغ تجنيس 22 بالمئة من الفلسطينيين اللاجئين إلى لبنان بُعيد النكبة لأنهم ينتمون إلى طائفة بعينها.
لكنهم يعترفون، أخيراً، بأن معارضتهم للتوطين تنبع من كونه يخل بالتوازن الديمغرافي، يعنون الطائفي. إلا أنّ الحرص على التوازن الديمغرافي لا يبيح تجنيس عشرات الألوف من اللاجئين الأرمن سنة 1932 وهم لا يعرفون العربية ولا يفهمونها، وصلتهم القومية والثقافية والحضارية بلبنان معدومة؛ ثم أن يسمح بعد ذلك بتجنيس كل أرمني وافد إلى لبنان، بل تجنيس كل منتمٍ إلى طائفة معينة بناء على إفادات بسيطة من الشرطة أو الدرك أو المختارين، أو من الرؤساء الدينيين في الوطن أو المهجر، حتى حاز الجنسيةَ اللبنانية جمهور واسع من الغرباء الذين لم يسمعوا باسم البلدات التي نُسبوا إليها زوراً. إننا لا ننكر على الأرمن حقوقهم الوطنية، وإن كانت لنا ملاحظات جدية على توجهاتهم الثقافية والإيديولوجية، وخاصة عندما توافقوا والصهيونية العالمية على إدانة تركيا وهي في أوْج دفاعها عن القضية الفلسطينية. كما لا نريد سحب الجنسية ممن حصلوا عليها بغير حق لدواع طائفية محضة، ولا إخراج مئات الألوف من اللاجئين العراقيين الذين توافرت لهم رعاية المؤسسات الدينية والدولة لانتمائهم إلى طائفة معينة، لكننا نرفض أن يُحرم الفلسطينيون حقوقهم لأسباب طائفية.
ثم يشترطون حقوقاً للدولة اللبنانية مقابل الحقوق التي يفترض أن يحصل عليها الفلسطينيون، وهو أمر لا ينبغي أن يعترض عليه أحد، من حيث المبدأ، لكن يمكن أن يعترض عليه من حيث التطبيق. إنه ما دام في لبنان أعداء صريحون وألدّاء للفلسطينيين، وهم يحملون السلاح بمباركة دينية، وبينهم حلفاء للصهيونية، ويتحدثون عن الفلسطينيين بوصفهم غرباء، ويفاخر بعضهم بالحرب عليهم؛ وما دامت مجازر صبرا وشاتيلا ماثلة، فإنه لا يمكن إطلاق يد الدولة اللبنانية في المخيمات، ولا نزع السلاح الفلسطيني. أما الذين يسكنون خارج المخيمات فيخضعون كلية للدولة اللبنانية. وقد قام في السابق تنسيق بين الحكومة اللبنانية والقوى الفلسطينية في المخيمات، والحل الوحيد هو في العودة إلى قريب من ذلك التنسيق، وإلا صحّ المثل المشهور «كيف آمَنُ لك وهذا أثر فأسك في رأسي؟».
قد لا يَحسُن وصف اليمين اللبناني بالغباء الكلي، فاليمين ينفذ خطة مرسومة منذ أكثر من تسعين سنة، لكن لا يحسُن أيضاً زعم بعضهم أن ذلك ذكاء مسيحي، لأن التمييز الطائفي غير مستحب، ولأن ذلك الذكاء المزعوم جلب الخراب على الوطن منذ سنة 1958، على الأقل، وجعل لبنان موطئاً لمحتلين متعددي الجنسية، والإصرار على السير في الخطة نفسها، لا يسمح بادّعاء الذكاء. كما لا يسمح بادعائه الزعمُ بأن الدعوة إلى إعطاء الفلسطينيين حقهم في هذا الظرف مؤامرة صهيونية، وحملة مدفوعة الأجر، فذلك كلام عبثيّ، ويوحي أن الدولة اللبنانية في محيض دائم لا تستطيع الحمل بأي مشروع إصلاحي: لا إلغاء الطائفية السياسية، ولا إعطاء الفلسطينيين حقوقهم، ولا حتى التنقيب عن النفط والغاز. إن العنصرية الطائفية مصدر تدمير للبنان وثروته ودولته، وإذا لم ينته اليمين عنها، فإنه قد يمضي بلبنان نحو المجهول.

» مظاهرة بلبنان تؤيد حقوق الفلسطينيين
» نواب «14 آذار» يتفقون حول «حقوق» اللاجئين الفلسطينيين
» معاً لإحباط مؤامرة التهجير الجديد!
» «حقوق الفلسطينيين» تقسم «الحلفاء»: فرز خطير بين المؤيدين... و«الخائفين»!
» "صرخات من وراء القضبان...انتهاكات حقوق الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال"