روبرت فيسك يكتب عما تعنيه زيارة الاسد لبيروت

روبرت فيسك يكتب عما تعنيه زيارة الاسد لبيروت
ويحلل بوادر الازمة اللبنانية والتهديدات الاسرائيلية
السبت يوليو 31 2010

جانب من القمة الثلاثية

لندن، بيروت – – كتب محلل شؤون الشرق الاوسط في صحيفة "ذي اندبندنت" البريطانية الكاتب الصحافي روبرت فيسك تحليلاً مسهباً عن زيارة كل من الرئيس السوري بشار الاسد والعاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز الى لبنان امس وذلك تحت عنوان "زعيما سوريا والسعودية في مهمة لتجنب الحرب". ورأى فيسك ان هذا التجلي غير المسبوق للتعاون العربي يعكس المخاوف من اندلاع صراع جديد في لبنان. وكتب يقول:

"لقد عادت سوريا. وصل الرئيس بشار الاسد الى بيروت امس – الى جانب العاهل السعودي المسن الملك عبد الله – ليتحدث الى الرئيس اللبناني، والى الوزراء والنواب اللبنانيين خلال مأدبة غداء ضخمة.

استمرت (الزيارة) بضع ساعات فقط، لكن لم يشك احد في اهميتها. فوضى لبنان تحتاج مرة اخرى الى يد سوريا الشقيقة لترشدها. ليس لجيش سوريا – ليس بعد – ولكن حتى والد الاسد، حافظ، لم يقم الا برحلة رئاسية الى الحدود اللبنانية. هذه هي المرة الاولى منذ اكثر من 40 عاماً التي يدخل فيها خليفة دمشق – بصفته رئيس دولة – قدس اقداس بيروت.

نظرياً، جاء الحاكمان الى لبنان لـ"تهدئة التوترات" بين حزب الله والحكومة اللبنانية – انها ازمة ولدها الى حد كبير حزب الله، الذي هو حليف ايضاً لسوريا ولبنان. ولكنها في الواقع – وهنا قد يكون اللبنانيون متشككين في جذور احدث ازماتهم – تعني عودة بروز سوريا في لبنان. كان في الانتظار في مطار بيروت رئيس الوزراء سعد الحريري، الذي صافح الرئيس الاسد، الرجل الذي اعتقد في وقت من الاوقات ان بلاده امرت بقتل والده رفيق في 2005. وكان اللحظة، بناءً على ذلك، لحظةً تاريخية حالكة سيذكرها الرجلان كلاهما لاسباب مختلفة جداً. لقد عاد السلام على الطريقة السورية الى لبنان – وابدى اللبنانيون امتنانهم حسب ما يمليه الواجب.

كيف حصل هذا كله؟ اربعة جواسيس، وادعاء من زعيم حزب الله بان محكمة الامم المتحدة الخاصة (بالتحقيق) في اغتيال رئيس الوزراء السابق الحريري هي جزء من مؤامرة اسرائيلية وتهديد من اسرائيل بمهاجمة اهداف مدنية في كل انحاء لبنان.

الجواسيس الاربعة هم الجزء السهل من القصة. لقد اعتقلتهم الاستخبارات العسكرية اللبنانية على مدى ستة اشهر ، وادعت انهم يعملون لحساب اسرائيل و – الاخطر من ذلك – انهم كانوا من كبار موظفي "الفا"، شبكة الهواتف الجوالة اللبنانية. والاربعة جميعهم في السجن، وقد دعا الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الى اعدامهم، مع ان الاربعة لم يحاكموا بعد. وادعى نصر الله انهم كانوا يعطون معلومات عن اهداف الى الاسرائيليين خلال الحرب بين حزب الله واسرائيل في 2006 والتي قتل فيها اكثر من 1300 لبناني معظمهم من المدنيين، كما قتل فيها اكثر من مائة اسرائيلي، معظمهم من الجنود.

حوالي الوقت ذاته، لمحت مجلة الاخبار الالمانية "در شبيغل" الى ان حزب الله كان مسؤولاً عن قتل الحريري، وهي تهمة نفاها نصر الله دائماً ويقول حزب الله ان اسرائيل هي التي روجتها. وقد لام معظم اللبنانيين اجهزة أمن حزب البعث السوري ونفراً من ازلام سوريا في الاستخبارات اللبنانية. وكان يعتقد ان حزب الله، بالرغم من كونه حليفاً لسوريا، لا يمكن ان يلطخ يديه بحادث قتل محلي من هذا النوع. وقد تمحور تحقيق محكمة الامم المتحدة التي تحقق في اغتيال الحريري حول شاهد تبين انه يكذب، وحول عدد كبير من المكالمات عبر هواتف جوالة اجريت في اليوم الذي قتل فيه الحريري.

ثم جرى نسف اهم خبراء الاتصالات في الجيش اللبناني، وسام الحاج، في سيارته، وهكذا حرم محققو الامم المتحدة من اهم مصادر معلوماتهم. ولكن نصر الله ذهب قبل اسبوعين الى ابعد من ذلك. اذ قال ان نظام الهاتف تشغله اسرائيل، وانه يتوقع تماماً ان اعضاءً في حزب الله سيتهمون باغتيال الحريري عندما تصدر محكمة الامم المتحدة قرارها الظني. وبعبارة اخرى، "تلاعبت" اسرائيل بالادلة المتعلقة بالمكالمات الهاتفية.

ولهذا السبب فان حزب الله لا يمكنه الاقرار بمشروعية التحقيقات الدولية ولا ان يتعاون مع الامم المتحدة التي لديها، بصدفةٍ فظيعة، اكثر من 12 ألف جندي يخدمون في قوة حفظ السلام في الجنوب اللبناني – وهو ساحة المعركة المقبلة لحزب الله ضد اسرائيل. كما ان مضاعفات خطاب نصر الله كانت قوية حقا. ذلك انه بالنسبة الى الحكومة الائتلافية الحاكمة برئاسة سعد الدين الحريري، الذي يؤيد المحكمة، واذا كان نصر الله يعني ما يقول من ان المحكمة "مشروع اسرائيلي"، فانه عندها يقول ضمنا ان معظم اعضاء الحكومة يعملون في خدمة اسرائيل. وبأسلوب السخرية اللبناني الذي يتعذر فهمه، فان الجناح السياسي لحزب الله يمثل الاعضاء الثانويين في الائتلاف ذاته.

غير أن كثيرا من اللبنانيين يخشون ان يكون التفاهم الذي ادى الى انضمام حزب لله الى الحكومة قد تهاوى، وان خطاب نصر الله كان اعلان جنازته. فهل سيسعى حزب الله اذن للقيام بحملة يستولي فيها مرة اخرى على بيروت الغربية مثلما فعل قبل عامين، ويلحق الهزيمة بميليشيا سعد الحريري الهزيل؟ ام انهم سيركزون على عدوهم عبر الحدود الاسرائيلية؟ انهما سؤالان من الاسئلة التي جاء الاسد وعبد الله الى بيروت امس للرد عليها.

ومن العوائق، بالنسبة الى نصر الله على الاقل، ان الحريري قام قبل فترة وجيزة بزيارة دمشق للمرة الرابعة منذ تبوأ منصب رئيس الحكومة اللبنانية. وهكذا ظهر من السماء امس الاسد وعبد الله ومعهما رسائل صداقة خالدة.

من الناحية السياسية لم يكن امام الحريري الكثير من الخيارات. فالى جانب الابتسامة الحارة من واشنطن تجاه سوريا، تراجع الدعم الاميركي القديم للبنان ليقف عند تعبير "ندعم سيادة لبنان"، وهو القول الذي كانت واشنطن تستخدمه اثناء وجود قوات سورية في لبنان. وتحول الدعم الاميركي لمحكمة الحريري الى مرتبة تصل تقريبا الى حد عدم الاكتراث.

ولكن نصر الله ليس وحده الذي يستمتع بالخيال. فالاسرائيليون لا يتوقفون عن تبجحاتهم المعتادة. وحذرت الحكومة الاسرائيلية بان لبنان سيعتبر مسؤولا عن أي هجوم تتعرض له اسرائيل لان حزب الله جزء من الحكومة اللبنانية. وفي هذه المرة، وعلى خلاف ما جرى في العام 2006، ستهاجم اسرائيل القرى والبلدات والبنية التحتية.

ويثير هذا الحيرة لدى اللبنانيين نظرا لان اسرائيل دمرت قرى باكملها وهاجمت البنية التحتية للبلاد في العام 2006. ونظرا لان الاسرائيليين يعيدون كتابة تاريخ مزور لاحداث العام 2006، فانهم اقنعوا انفسهم أن هذه ستكون "الحرب اللبنانية الثانية" وقد تناسوا الغزو عام 1978 وحربي 1993 و1996، وتحدثوا عن امكان قيام "حرب لبنانية ثالثة". الا ان جولة اخرى من الصراع ستكون في الواقع حرب اسرائيل السادسة ضد لبنان، وقد خسرت الحروب الخمس السابقة. وهذا لا يعني ان لبنان (أو حزب الله) حقق النصر في اي منها، وان كان انسحاب اسرائيل المذل في العام 2000 من الحدود في عهد رئيس الوزراء انذاك ايهود باراك – وهو من اكثر المتبجحين – يكاد يكون نصرا تقريبا على المدى الطويل لصالح حزب الله. ويبدو ان الجانبين يرغبان الان في تكرار التجربة.

فقد اعلن باراك هذا الاسبوع مرة اخرى انه "اذا اطلق حزب الله صاروخا على تل ابيب فاننا لن نستهدف كل ارهابي او قاذف من حزب الله. لكننا نعتبر انه امر مشروع ان نقصف اي هدف للدولة اللبنانية". وبعد ذلك قال رئيس الاركان الاسرائيلي الجنرال غابي اشكينازي ان قواته لن تتردد في قصف البلدات والقرى اللبنانية. وقال: "اذا احتاج الامر فاننا سندخل الى تلك المناطق". وقد رد احد كبار الضباط اللبنانيين بدبلوماسية مناسبة قائلا "يعمد الاسرائيليون دوما الى مهاجمة البلدات والقرى اللبنانية وارتكاب جرائم حرب مثل مذبحة قانا. غير ان هذه هي المرة الاولى التي تعلن فيها دولة جرائمها في الحرب قبل ان ترتكبها".

ولا يعني هذا ان حزب الله أفلت من جرائم الحرب التي ارتكبها العام 2006، مثلما فعل القاضي يتشارد غولدستون الذي تخلص منه الاسرائيليون بعد تقرير مرهق بشأن العدوان على غزة 2008-2009، والذي اتهم "حماس" الى جانب الاسرائيليين هذا العام بارتكاب جرائم حرب. فاطلاق الصواريخ على مدنيين يعتبر جريمة حتى وان كان لدى الاسرائيليين اسلحة اميركية اكثر تقدما بلا حدود لاستخدامها ضد المدنيين، وفي بعض الاحيان ضد المسلحين، عندما يدخلون في حرب.

وقد بدأ السفير الاميركي في اسرائيل سابقا دانييل كيرتزر ترويج اسطورة "ستكون هناك حرب لبنانية ثالثة". وسيكون ما صدر من حكمة عن كيرتزر اخيرا مضحكاً جداً لولا ان واشنطن نظرت اليه نظرة جادة. اذ اشتلمت حكمته على توصية بانه لا بد من "رفع مستوى تبادل الاستخبارات" بين الولايات المتحدة واسرائيل، وان على الولايات المتحدة "دراسة احتمال استغلال الاعمال العدائية في لبنان لاطلاق مبادرة دبلوماسية في مسيرة سلام اكثر اتساعا". وفكرة أن احتمالات سلام الشرق الاوسط ستتحسن في حال قتل مزيد من اللبنانيين لا تقل فداحة عن قول الفاحشة.

وهذا لا يدعو حزب الله لان يكون لديه اي سبب للابتسام. فهم كانوا أتباع طهران منذ ان بدأ السلاح يصل اليهم من طهران. اما الان وقد أصلح الرئيس الاسد الذي تمر الاسلحة الى لبنان عبر اراضي بلاده العلاقات مع الحريري وقام بزيارة بيروت، فان سوريا ستنخرط ايضا في قرارت حزب الله العسكرية المهمة.

وهناك عنصر اخر يحمل في طياته تعقيدات للوضع. اذ يبدو ان لدى الاسرائيليين نفطا في مناطقهم البحرية. وكذلك هو الحال بالنسبة الى البنانيين. ويتهم اللبنانيون الاسرائيليين بانهم يخططون للاستيلاء على نفطهم ايضا. انه مأزق لا محالة. وهو وضع معقد في حقيقته لدرجة ان الجانبين قد يؤجلان الحرب حتى العام المقبل، ليدرك كل جانب السبب الذي يقاتل من اجله.

وعندما غادر الرئيس الاسد قصر بعبدا امس، ارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة ورفع اصبعه قائلا ان المحادثات كانت "ممتازة". ولا بد لاميركا وحزب الله وايران – وحتى لبنان- ان تعرف انه اذا كانت هناك مشاكل في لبنان، فان الامر يستدعي المرور على دمشق في الطريق الى لبنان. اذ ان سوريا عادت.

» فيسك في ذكرى 11 ايلول: بعد 9 سنوات وحربين ومئات آلاف القتلى لم نتعلم شيئاً
» قصة الاسد والانسان
» الدوايمة / أصغر إمام نجل المبعد فهمي كنعان يؤم بمساجد عزة
» روسيا عازمة على منع سقوط الاسد
» محشش يكتب قصة لمسلسل