الدوايمة / خويجان مزارع فلسطيني يقف في وجه دولة كاملة

المزارع خويجان...رجل يقف بوجه دولة كاملة التاريخ :

وفا- عوض أبو صوي
عشرات الصور الفوتوغرافية، خرائط، مراسلات رسمية، فواتير، وكتب من المحامي، كل هذه الأوراق كانت في الملف الأزرق الذي يحمله المزارع أنطون خويجان من بيت جالا معه أينما ذهب، يعرضه أمام مختلف المؤسسات على أمل أن ينقذ أرضه وبيته الذي هدمته قوات الاحتلال من السرقة العلنية.
في شهر حزيران الفائت 2010، هدمت قوات الاحتلال بيت خويجان، بعد عامين من الذهاب والإياب بين المحاكم الإسرائيلية وتوكيل محاميان دفع لهما مدخرات عمره.
بدأ خويجان الحديث وهو يعد القهوة على غاز كان بجانب لوح من الخشب، واحتل الحزن وجه الرجل وملامحه حتى بدا أكبر من عمره رغم أنه لم يتجاوز 45 عاما، وقال:' يطلق أهالي منطقة بيت جالا على بيتي 'القصر' وهو مبني منذ الثلاثينات، وجراء العوامل الجوية تهدم السقف، ولم أقم بترميمه، إلا أنني عندما بدأت عملية الاستصلاح لأرضي عام 2008، عندها انتقلت أنا وعائلتي للعيش فيه، ووضعت عليه بعض ألواح الخشب لحمايتي وأسرتي حر الصيف وبرودة الشتاء، و باب لحماية الأولاد من الأفاعي وغيرها من الزواحف'.
لم يكن ابن بيت جالا يعلم أن استصلاح أرضه سيفتح عليه أبواب الجحيم وعيون الاحتلال، وقال:' في التاسع من نيسان 2008 سلمتني داخلية الاحتلال قرارا بهدم المنزل، وقمت على الفور بتوكيل محاميين أحدهما إسرائيلي لمتابعة القضية قانونيا، إلا أن أحدهما انسحب من القضية وبقيت بيد المحامي الإسرائيلي يتابعها في المحاكم حتى أيار 2010، عندما سلمني المحامي قرار المحكمة والذي ينص على إزالة السقف والباب والأرضية خلال شهر من تاريخه'.
' دفعت أتعاب المحامي التي بلغت 16 ألف شيقل، وقبل انتهاء مهلة الشهر قامت قوات الاحتلال بهدم منزلي بالكامل والمغارة التي كنت أربي فيها الدجاج'، أضاف خويجان بحسرة.
وخويجان كغيره من أصحاب الأراضي في منطقة واد أحمد في بيت جالا والبالغة مساحتها الإجمالية 2800 دونما تقريبا، يعاني منذ سنوات من اعتداءات الاحتلال وقراراته التعسفية، بل أن معاناته مركبة حيث سحبت حكومة الاحتلال هويته المقدسية عام 2008.
بدأت اعتداءات الاحتلال وأطماعه في سرقة أراضي 'واد أحمد' التابعة لبلدة بيت جالا تتضح عام 2007، عندما أقدمت على إغلاق الشارع المؤدي إلى أراضي المزارعين بالكامل في منطقة النفق، ما اضطر المزارعين وأصحاب الأراضي لسلوك طريق جبل كريمزان للوصول إلى أراضيهم.
وبين خويجان وجاره الياس فتولة أكثر من علاقة جوار ناهزت عدة عقود، بل يجمعهما أيضا مصير مشترك وسارق واحد للأرض.
على ذات الأرض التي تسمى 'واد أحمد' يوجد بيت لفتولة مبني منذ عشرينات القرن الماضي، أي قبل ولادة دولة الاحتلال بعقود، ومع ذلك تم هدم البيت تمهيدا لسرقة الأرض.
فتولة يبلغ من العمر (80 عاما) لكنه ما زال قادرا على تسلق جبل كريزمان والنزول بين الصخور الوعرة والأشواك والأشجار الحرجية مسافة 2 كيلو متر ليصل إلى أرضه وركام بيته المهدم.
بجهد وتأن يثبت فتولة قدميه في الأرض خوفا من الانزلاق وطوال الطريق لم يكف عن الولولة والنحيب على بيته المهدوم وأرضه التي ستسرق أمام عينه، دون أن يستطيع فعل أي شيء سوى الدعاء والبكاء!.
بعد طريق شاقة ووعرة، نصل أرض خويجان (4 دونما) وفتولة (15 دونما) حيث التناقضات مدهشة، فالطريق صعبة ووعرة، لكن سرعان ما تكتشف أراض مستصلحة ومزروعة بمختلف أنواع الأشجار المثمرة والخضراوات، الدواجن والأرانب والحمام تنتشر في المكان بين الأرض الخضراء وآبار المياه العذبة للشرب وللري، وهناك البوابات والجدران الاستنادية والأسيجة المحيطة بالأرض، لكن منظر البيت المهدوم والأثاث المتبعثر على الأرض وبيوت الحمام المدمرة تذكرك أن كارثة مرت من هنا.
خلال فترة المحكمة التي امتدت عامين، لم يترك خويجان باب مؤسسة حكومية أو أهلية إلا وطرقه، باحثا عن بريق أمل يساعده كي لا تضيع الأرض لكن دون جدوى.
وأضاف: 'بعد الهدم بدأت رحلة جديدة من العذاب وقمت بالاتصال بالعديد من الوزارات والمؤسسات المدنية والدولية ذات الاختصاص، طارحا مشكلتي الجديدة القديمة عليهم لمساعدتي في رفع قضية جديدة ضد عملية الهدم غير القانونية، وللأسف لم يكن هناك أي مجيب'.
المحاولة الأخيرة التي علق عليها المزارع أمله سرعان ما تبددت، وشرح قائلا:' توجهت إلى المسؤولين عن ملف الاستيطان في بيت جالا، وطلبوا مني مراجعة المحامي المختص، فاستبشرت خيرا'.
لكن اللقاء الأول مع المحامي كان الأخير، بعد أن سمع خويجان منه المبالغ الكبيرة التي يجب أن يدفعها.
اليوم لا يملك خويجان سوى سيارته وقد عرضها للبيع على أمل أن يساهم ثمنها في تكاليف رفع قضية أمام محاكم الاحتلال ضد هدم بيته، والأهم أنه يملك تصميما كبيرا للبقاء في أرضه وبناء بيت جديد، رغم أنه رجل واحد أمام دولة محتلة سلّطت عليه جيشها ومحاكمها لهدم بيته وسرقة أرضه.
ـ