سؤال يبحث عن جواب صريح: علام نتفاوض؟!
الكاتب : عبد العال الباقوريلا يزال إيهود باراك وبنيامين نتنياهو وتسيفي ليفني وإيهود أولمرت وغيرهم يتحدثون بألسنة أسلافهم ضمن مقولة الإبادة الجماعية التي تؤدي إلى «أرض أوسع وعرب أقل».
*جوناثان كووك: طالما بقيت إسرائيل دولة صهيونية لن يسمح قادتها لا بدولة واحدة ولا بدولتين حقيقيتين ولن يكون ثمة أمل في حل إلى أن نعالج سؤال كيفية هزيمة الصهيونية.
هل لا يزال العرب عامة، والمفاوضون منهم خاصة، يأملون (ولم أقل: يحلمون) في الخروج من المفاوضات الجارية، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، بدولة فلسطينية مستقلة استقلالاً حقيقياًص، في حدود الأرض التي احتلت في حزيران (يونيو) 1967؟ سؤال أصبح من الواجب أن يطرح دون تردد، وأن يرتفع دون تلعثم، وأن يجري الجواب عنه دون خداع للنفس؟ السؤال في الواقع ليس ابن اليوم، إنه مطروح على بساط البحث منذ بدأت عملية التسوية في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وازداد إلحاحا بعد اتفاقات أوسلو في 1993 ثم بعد فشل كامب ديفيد الثاني في تموز (يوليو) 2000. كانت أوسلو وكان الكامب الثاني محطتين رئيسيتين لطرح هذا السؤال والبحث عن جواب جاد وموضوعي له.. واليوم، في الشهر السابع من نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أصبح السؤال والجواب مهمة وطنية فلسطينية ومهمة قومية عربية تستحق أن تكون أولوية على جدول العمل الوطني الفلسطيني وعلى جدول العمل القومي العربي، الذي لا يزال موجودا ولو في أدنى درجاته وأضعف أضعف حالاته.
فلسطين التي تختفيوالسؤال يستحق أن يوضع في صيغة أكثر صراحة: علام نتفاوض عربا وفلسطينيين؟ ما مساحة الأرض الفلسطينية التي يجري التفاوض عليها وما نسبتها إلى فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر؟. إن «فلسطين تختفي» حسب تعبير كاتب وصحفي بريطاني هو «جوناثان كووك» الذي جعله عنواناً لكتابه الصادر في 2008 والذي صدرت ترجمته العربية في القاهرة في صيف 2009، وقامت بترجمته مترجمة قديرة هي الدكتورة فاطمة نصر التي أثرت المكتبة الفلسطينية بترجمة عدد من الكتب المهمة، والعنوان الكامل للترجمة هو «اختفاء فلسطين: الفلسطينيون فئران تجارب تجريها إسرائيل لتطوير تكنولوجيا حرب المدن واليأس». وهذا هو الكتاب الثالث للصحفي البريطاني الذي يقيم منذ سنوات في مدينة الناصرة، ويعمل «صحفياً حراً» أو متجولاً، بمعنى أنه ينشر كتاباته وأعماله في أكثر من صحيفة مثل «الغارديان البريطانية، ولوموند ديبلوماتيك الفرنسية، والانترناشيونال هيرالدتريبيون الأميركية، والأهرام ويكلي المصرية، وذا ناشيونال الإماراتية» وغيرها، كما ينشر مقالاته على موقعه في شبكة «الانترنت» وفي ثلاثة مواقع أخرى يسارية مهمة، هي: الانتفاضة الالكترونية، زد نيت، وانتى وور (أي ضد الحرب). أما كتاباه الآخران فهما: «الدم والدين: نزع القناع عن الدولة اليهودية والديمقراطية» وصدر في 2006، و«إسرائيل وصدام الحضارات: العراق وإيران وخطة إعادة تشكيل الشرق الأوسط» وقد صدر في 2008 عام صدور كتابه الثالث المهم «اختفاء فلسطين».
لقد قرأت هذا الكتاب ثلاث مرات، الأولى كي أكتب مقدمة للترجمة العربية، وكان عنوانها هو: «أكثر مراحل الصراع خطورة وصعوبة»، والثانية لكي أعرض الكتاب نفسه في برنامج بقناة «الرافدين»: العراقية يقدمه الصحفي السوري الأستاذ أحمد هوّاس بعنوان «كتاب الأسبوع»، أما القراءة الثالثة فقد ارتبطت بكتابة دراسة لم تنشر بعد بعنوان: «الساداتية الفلسطينية: أبو مازن نموذجا». وكلما قرأت هذا الكتاب ازددت حماسا له وتقديرا لكاتبه الذي قدم كتابا موجزا تضمن عرضا متكاملا للفكرة الصهيونية، ولجذور الصراع العربي ـ الصهيوني منذ بدايته إلى العام 2008، واحتوى رؤية عميقة لمسار الصراع ومصيره لخصها المؤلف باقتدار في كلمات قليلة موجعة:
«إحدى المفارقات البشعة لهذا الصراع الذي ظل ممتدا لمائة عام هي أنه فيما أصبح الفلسطينيون، أخيرا، يعترف بهم كشعب، فقد وصلت فرصتهم في السماح لهم بدولة حقيقية إلى أدنى المستويات التي وصلت إليها أبدا.. قد يكون الفلسطينيون قد ظهروا من الظلال، لكن فلسطين نفسها قد اختفت». وهذه هي فكرة الكتاب المحورية، التي تكاد تتنفس في كل صفحة من صفحاته، من خلال أقوال وأفعال وكتابات الصهاينة السياسيين والعسكريين والمفكرين، فقد كان منطلقهم جميعا ـ مع خلافات هامشية وشكلية وخداعية ـ هو أن الأرض التي بلا شعب هي للشعب الذي بلا أرض!. وقد عرض جوناثان كووك في الفصول الأربعة الأولى من كتابه التطورات الرئيسية في تاريخ الصهيونية الطويل من التعدي على الشعب الفلسطيني وأرضه: «دونما بعد دونم ومعزة بعد معزة». وكان رفض الاعتراف بالفلسطينيين كأمة هو التطور المحتم لإيديولوجيا أنكرت وجود أي حضور غير يهودي ذي أهمية بفلسطين. ألم تصل البجاحة الوقحة بـ غولدا مائير رئيسة الوزراء الإسرائيلية السابقة إلى قول «لم يكن ثمة شيء يسمى الفلسطينيين.. لم يكن الأمر وكأنه كان هناك شعب فلسطيني في فلسطين يعتبر نفسه أمة فلسطينية ثم أتينا نحن وألقينا بهم خارجها وأخذنا بلدهم منهم، لم يكن لهم وجود».
من فمهم..ودون الخوض في تفصيلات واستشهادات واقتباسات كثيرة يوردها جوناثان كووك من مصادرها الصهيونية الأصلية فإن هذا الفصل من الصراع لم يعد تاريخا، إنه لا يزال سياسة قائمة تتحرك وتسعى ويجرى تطبيقها في أرض الواقع، ولا يزال إيهود باراك وبنيامين نتنياهو وتسيبي ليفني وإيهود أولمرت وغيرهم من السياسيين والعسكريين الإسرائيليين يتحدثون اليوم بألسنة أسلافهم أمس من تيودور هيرتزل وإسرائيل زانجويل وديفيد بن غوريون. وهذه السياسة تتلخص في كلمة واحدة: الإبادة الجماعية التي تؤدي إلى «أرض أوسع وعرب أقل». أقل ما يمكن.. وقد تفنن الصهاينة في اختراع الوسائل والأساليب التي تحقق لهم ذلك وتضمن لهم الخلاص من الشعب الفلسطيني أو الجزء الأكبر منه، في فلسطين كلها سواء في ذلك أراضي 1948 أو أراضي 1967. وهنا يقدم جوناثان كووك مقارنات وأرقاما ووقائع وخططا صهيونية تثير التساؤل حول مدى إلمام المفاوض العربي والفلسطيني بها قبل أن يجلس إلى مائدة التفاوض وساعات جلوسه إليها. هل أدرك هؤلاء المفاوضون من قبل وهل يدركون اليوم أن «هدف إسرائيل النهائي كما يحذر (عالم الاجتماع الإسرائيلي الراحل) كيمرلينج هو ذاته هدف الإبادة الجماعية: اختفاء الأمة الفلسطينية إلى الأبد». وما قدمه «كيمرلينج» بهذا الشأن من سياسات إسرائيلية لا يعني تجريد الفلسطينيين من حقوقهم بل من آدميتهم.
متى يدرك مفاوضونا هذا؟ متى يعرفون نيات وأهداف أيهود باراك وبنيامين نتنياهو؟ إذا كانوا لا يعرفون ما عليهم سوى أن يأخذوا كتاب كووك على أنه دليل المفاوض الذكي لمعرفة عدوه الذي أصبحنا ندللـه بلفظ «الآخر»! وأي آخر؟ أليس هو الذي يتحدث باسمه إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق في خطاب له أمام الكونغرس الأميركي في 24 أيار (مايو) 2006، بقوله: «ظللنا نحن اليهود لآلاف السنوات، يغذينا ويبقى علينا توق إلى أرضنا التاريخية، ومثل آخرين كثيرين نشأت بقناعة عميقة، أن اليوم الذي يكون علينا فيه التخلي عن بعض أجزاء أرض أسلافنا لن يأتي أبدا. آمنت وما زلت أؤمن حتى يومنا هذا بحق شعبنا الأبدي والتاريخي في تلك الأرض جميعها».
أليس «أولمرت» هذا هو الذي يكاد يصوره السيد محمود عباس (أبو مازن) رئيس السلطة الفلسطينية وكأن ما عرضه من «تنازلات» في جلسات التفاوض معه هو «منتهى الأمل» وغاية المنى؟ وهو يقول هذا دون أن يقدم دليلا عمليا موثقا على صحة وصدق ما يقول، لدرجة أن ايهود باراك رد عليه منذ أيام بأن محادثاته مع أولمرت لم تكن لها محاضر ولا جداول أعمال؟!.
إذن من نصدق؟. نصدق جوناثان كووك فيما عرضه من وثيقة نشرتها صحيفة «هآرتس» في كانون الأول (ديسمبر) 2007، وهي عبارة عن ورقة من 26 صفحة بعنوان «وضع العملية الدبلوماسية مع الفلسطينيين». وقد تم إعداد هذه الورقة بعد فشل مؤتمر كامب ديفيد الثاني في تموز (يوليو)2000، والذي ترأس الوفد الإسرائيلي فيه ايهود باراك رئيس الوزراء عندئذ.
المطالب الإسرائيلية الثلاثةوكان الهدف من الورقة هو تقديم موجز بما حدث في المؤتمر لمن يفوز في الانتخابات العامة الإسرائيلية في شباط (فبراير) 2001. ركزت الوثيقة على الحد الأقصى لما كان الوفد الإسرائيلي مستعدا لتقديمه دبلوماسيا في كامب ديفيد وعادت الوثيقة للظهور مرة أخرى كي تكون أمام ايهود أولمرت قبل سفره إلى مؤتمر أنابوليس الذي دعا إليه الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش. وتكشف الوثيقة كما أوردها كووك نقلا عن «هآرتس» أن رئيس الوزراء الإسرائيلي أصر على ثلاثة مطالب أساسية كي يوافق على «إنهاء الاحتلال» و«إقامة دولة فلسطينية».
إن هذه المطالب الإسرائيلية الثلاثة التي تمسك بها ايهود وباراك جديرة بأن تقرأ اليوم تفصيلا كما أوردها صاحب «اختفاء فلسطين»، لأنها وثيقة الصلة بما يجري اليوم استئنافا للمفاوضات المباشرة، التي من المؤكد أنها قادمة بناء على طلب الرئيس الأميركي، كما أنها وثيقة الصلة بسؤال علام نتفاوض؟ أو ما الذي بقي لنتفاوض عليه أو ما هي «العظمة» التي سيقدمها لنا الإسرائيليون كي نفرح ونسميها «دولة»؟ والمطالب الثلاثة هي:
«أولا: الإبقاء، على «الكتل الاستيطانية» غير القانونية مع الإبقاء أيضا على 8% من الأراضي التي ضمت إلى إسرائيل بالضفة الغربية. وفقا للوثيقة، فقد اقترح أن تضم إسرائيل 8% من مساحة الأراضي المحتلة، وفي مقابل هذا، سيتم تعويض الفلسطينيين بشقفة صغيرة من أراضي إسرائيل، ربما في صحراء النقب وأقل جودة بكثير. اقتضت هذه الترتيبات ترك 400000 يهودي يعيشون داخل الضفة الغربية والقدس في مناطق محصنة تربط بينها طرق للمستوطنين، موجدة بذلك متاهة من الممرات الأرضية الإسرائيلية تصل بين مجموعة من الغيتوهات الفلسطينية، بدلاً من الدولة التي يفترض أن باراك كان قد وعد بها.
«ثانيا: يحتفظ بطوق أمن عريض يشرف عليه الجيش بطول وادي الأردن بالضفة الغربية، يمتد من البحر الميت وحتى مستوطنة مهولان اليهودية الشمالية وبما أن هذه المنطقة الأمنية موجودة بالفعل فلا حاجة لنا أن نتكهن بما أُفترض أن تكون عليه. منذ عقود، عمل بضعة آلاف من المستوطنين على التأكد من أن تلك المساحة حوالي خمس الضفة الغربية قد ضمت إلى إسرائيل تقريبا. ويحظر على غالبية الفلسطينيين، باستثناء القليلين منهم الذين سمح لهم بالعيش في الوادي ذاته، دخولها. ووادي الأردن هو إحدى المناطق الأكثر خصوبة في الضفة الغربية، وفي الوقت الراهن تستغل إسرائيل إمكانياته الزراعية الهائلة. وفقا لعرض باراك، يتم حرمان الفلسطينيين من السيطرة المناطقية والاقتصادية على الوادي ومن مزاياه التي من المفترض أن تصبح من حق أية دولة فلسطينية مستقبلية.
«وثالثا، طالبت إسرائيل بتنازلات مناطقية هائلة في القدس الشرقية، في اتساق مع ضمها غير المشروع للمدينة التي احتلتها عام 1967. أراد باراك الإبقاء على الاتصال المناطقي للمستوطنات غير الشرعية بالمدينة، مع إجبار الفلسطينيين نتيجة لهذا على العيش داخل ما أسمته صحيفة هآرتس سلسلة من «الفقاعات».
«طلب باراك الاحتفاظ بالحدود البلدية الموسعة للقدس، بحيث تفصل المدينة، التي من المفترض أن تكون المحور الاقتصادي والسياحي لأية دولة فلسطينية مستقبلية، عن باقي الضفة الغربية. ووفقا لهذه الترتيبات كانت مستعمرتا معالي أدوميم وهار حوما، اللتان تتحكمان في المنطقة الممتدة من القدس الشرقية وحتى وادي الأردن ستظلان تحت السيادة الإسرائيلية، وبهذا تقسم الضفة الغربية نصفين.
.. وشروط بالجملة«كانت ثمة شروط إسرائيلية أخرى مهمة. أرادت إسرائيل ضم الأحياء اليهودية والأرمنية إليها وكذلك أجزاء مما يسمى «الحوض المقدس» خارج أسوار المدينة القديمة. أما منطقة المسجد الأقصى وقبة الصخرة تلك المنطقة التي يطلق عليها اليهود «جبل المعبد»، فتوضع تحت سيادة «ملتبسة» لتستغل، بلا ريب، فيما بعد، بواسطة الطرف الأقوى، أي إسرائيل. كانت تلك المطالب الإسرائيلية للقدس الشرقية، بالإضافة إلى مطالب أخرى لا بد وأن تعمل على تقطيع المناطق الفلسطينية لتصبح سلسلة من الجيتوهات، صورة طبق الأصل من سياسات إسرائيل في الضفة الغربية، أصرت إسرائيل أيضاً على الاحتفاظ بالتحكم المطلق في الممر الأرضي الذي يربط الجزأين الرئيسيين من الدولة الفلسطينية في المستقبل، الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يتيح لها قطع الاتصال بينهما حينما تريد ذلك.
«رفض باراك الموافقة على اللازمات المعتادة لأية دولة، مثل تكوين جيش، الأمر الذي كان يريده عرفات، كما توقعت إسرائيل اعتراف الفلسطينيين بما قامت به من ضم غير شرعي عام 1967 لمساحة من الضفة بالقرب من القدس تعرف باللطرون، ويطلق عليها الآن منتزه كندا، وتطهيرها عرقياً من الفلسطينيين.
ويعلق جوناثان كووك على هذه الوثيقة بقوله: «يبدو أنه أثناء تلك المفاوضات، تناسى باراك وكلينتون أنه في نهاية الثمانينات أي قبل ذلك بما يربو على عقد من الزمان، أتى الفلسطينيون بتنازلات كبرى لا يُعترف بها غالباً، لإسرائيل، كان عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية قد تخلوا رسمياً عن أي أمل في استرداد ما اغتصب من وطنهم عام 1948، وبدلاً من ذلك حددوا مطالبهم باسترداد غزة والضفة الغربية اللتين اغتصبتا عام 1967. بإيجاز كان الفلسطينيون قد كيفوا أنفسهم، رغماً عنهم، على القبول بإقامة دولة على 22% فقط من فلسطين التاريخية. وإذا كان هذا العرض مفرط السخاء الذي قدمه الفلسطينيون لإسرائيل، فماذا كان اقتراح باراك للفلسطينيين مقارنة به؟ تكشف الوثيقة أن باراك عرض على الفلسطينيين مساحة تقل كثيراً كثيراً عن الحد الأدنى الذي كان الفلسطينيون قد ارتضوا به لأنفسهم، طلب من عرفات التخلي عن أجزاء كبيرة من الدولة المفترض أن تقام بالضفة والقطاع، أي الحدود البلدية الموسعة بالقدس، ومنطقة اللطرون، و8% من الضفة الغربية لاستيعاب المستوطنات، و20% أخرى للطوق الأمني بوادي الأردن بتعبير أخر، كان يطلب من الفلسطينيين التوقيع على اتفاقية تعطيهم سيادة ملتبسة ومنقوصة جداً على ما لا يزيد عن 14% من وطنهم التاريخي، كانت هذه حدود عرض باراك وفقاً للوثيقة الإسرائيلية الرسمية.
«ورغم مزاعم باراك عن سخائه، فإننا نعرف، واستنادا إلى تسريبات صحيفة «هآرتس»، أن باراك، قبل كامب ديفيد، كانت تساوره شكوك قوية في إمكانية إقناع الفلسطينيين بقبول شروطه. تكشف الوثيقة أنه، وبالتوازي مع إعداده للمحادثات، كان باراك يعمل على خطة «فصل» أحادية مفروضة في حالة فشل المفاوضات، واكتملت تلك الخطة قبل شهر من المحادثات، أي في حزيران (يونيو) 2000، وصادق عليها مجلس الوزراء بالتنفيذ في تشرين الأول (أكتوبر) 2000، عقب اندلاع الانتفاضة مباشرة ووفقاً لما جاء في «هآرتس»، فقد شمل اقتراح الفصل جميع مناحي الحياة الفلسطينية وكان من المفترض أن يستغرق تفعيل الخطة كاملة سنوات عديدة، ورغم عدم ذكر هذا في الوثيقة الرسمية، فقد كان أفرايم سنيه، نائب وزير الدفاع في حكومة باراك، قد قام برسم ما سمى «خريطة الفصل» كأساس تقدمه إسرائيل للفلسطينيين. علق شلومو بن عامي، كبير فريق التفاوض بكامب ديفيد، فيما بعد، على استعدادات باراك للمحادثات. قائلا: «كان يشعر بالزهو لأن خريطته ستترك لإسرائيل ثلث مساحة الضفة الغربية». ووفقاً لبن عامي، فإن رئيس الوزراء قد قال عن الغيتوهات التي ينوي احتجاز الفلسطينيين داخلها وهو يشير إلى الخريطة: «انظروا، هذه هي الدولة، تبدو كدولة تفي بالأهداف التي أقيمت من أجلها».
«من هذه الكشوفات المتنوعة، يمكننا استخلاص أن هدف كامب ديفيد كان هو العمل على تحقيق أمل باراك في مصادقة عرفات على الفصل وفقا لخريطته المجحفة بامتياز. وفي حالة فشله المتوقع، فقد كان مستعداً لفرضها بالقوة».
تساؤل مشروعومن الواضح أن أرقام المستوطنين الواردة في الوثيقة ترجع إلى عام 2000، فمن المعروف أن عددهم اليوم يصل إلى حوالي نصف مليون في الضفة والقدس. على أي، هذا ما حمله ايهود باراك، وما عرضه وهو 14% فقط من فلسطين التاريخية، وهي المساحة التي ستدور حولها أية مفاوضات مثيلة مباشرة أو غير مباشرة. ومن الواضح أيضا أن «وثيقة باراك» هذه ستكون مدار المرحلة الجديدة من المفاوضات فهو إلى جانب منصب وزير الدفاع يكاد يكون وزير الخارجية الإسرائيلي والفعلي، الذي تتعدد زياراته بشكل غير عادي إلى واشنطن، وهي زيارات ليست للتنزه، وليست من أجل الإعداد للعدوان على إيران فقط ويتجلى هذا بشكل خاص فيما نشرته صحيفة «معاريف» في الثلاثين من تموز (يوليو) الماضي عن محاضرة ألقاها باراك في اجتماع لما يسمى «مبادرة جنيف»، وهو اجتماع مشترك فلسطيني ـ إسرائيلي، وتحدث فيه وزير الدفاع الإسرائيلي عن آفاق التسوية. وفي هذه المحاضرة عاد باراك إلى الحديث عن موقفه من كامب ديفيد وكيف انتقده سياسيون آخرون قال عنهم إنهم يتمنون اليوم تطبيق كامب ديفيد!!
بعد كل هذا أليس من حقنا أن نتساءل: علام نتفاوض؟ أقصد علام يتفاوضون؟!. «إنني أعتقد أنه لا يمكن أن يكون ثمة سلام أو صلح بين اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين حتى يسمح لفلسطين وشعبها بالعودة والظهور». هذا ما يقرره كاتب بريطاني يدعى جوناثان كووك، فهل نتعلم ونستفيد منه؟... كلما كان هذا أسرع كان أفضل على الرغم من طاقات كبيرة أهدرت، وقت ثمين ضاع.. ولكن فلسطين قادرة دوما على أن تنفض ما مضى من أخطاء وخطايا، وتتجاوز ما تم من تنازلات وخسائر، وتبدأ من جديد بشرط أن نعي جميعا الشرط الذي صاغه ذلك البريطاني المقيم في الناصرة، وهو:
«طالما بقيت إسرائيل دولة صهيونية، لن يسمح قادتها لا بدولة واحدة ولا بدولتين حقيقتين، لن يكون ثمة أمل في حل إلى أن نعالج سؤال كيفية هزيمة الصهيونية». ودون ذلك سنظل نلد للموت ونبني للخراب... ثم نعود للوقوف على قدمينا ونبدأ من جديد كما بدأنا بعد 1948 وبعد 1967، في حين كان العدو يظن أن هذه أو تلك آخر الحروب... ولكنها أطول الحروب، كتبت علينا، شاء من شاء وأبى من أبى، ولا نملك إلا أن نخوضها بشجاعة الشجعان الذين يموتون مرة واحدة، في حين يموت الجبان في اليوم مائة مرة. [/center]