إفلاس إسرائيلي في التعامل مع قضية الأسرى!!

إفلاس إسرائيلي في التعامل مع قضية الأسرى!!

ريموندا حوا طويل*******

من الواضح أن السلطات الإسرائيلية تستخدم سجونها من أجل تسجيل نقاط تفوق سياسية وتفاوضية، ضاربة بعرض الحائط أية أعراف أخلاقية أو حقوقية أو قانونية، ذلك أن التقارير الواردة من السجون والمعتقلان الإسرائيلية، وهي تقارير موثقة، بالإضافة إلى شهادات المعتقلين أنفسهم، تفيد بأن إدارات السجون على اختلافها تعمل على سحب انجازات المعتقلين، وهي انجازات تم الحصول عليها بعد نضالات كثيرة وهائلة، قدمت خلالها الأنفس والدماء والعرق والجوع والعذاب.

وتشير التقارير الى أن ادارات السجون تمارس التضييق وتحويل حياة المعتقل الى جحيم حقيقي من خلال حشر المعتقلين في أماكن اعتقال ضيقة بدون الاهتمام بالتهوية وشروط السلامة والنظافة، بالاضافة الى عدم الاهتمام الطبي الدوري او المنتظم، وكذلك عدم الاهتمام بالوضع الصحي للمعتقلين مهما كانت الاصابة أو المرض. وهناك حالات موثقة حول ذلك، بالاضافة الى هذا، هناك عمليات التفتيش الوحشية وجرد الموجودات بحثا عن ما يسمى بالممنوعات، وكذلك انقاص كميات الطعام وعدم مطابقتها للشروط الصحية في طعام متوازن، هذا فضلا عن عمليات نقل المعتقلين وعقابهم في زنازين منفردة واستغلال زيارة الاهالي كوسيلة عقاب للمعتقلين، ولا تتوقف التقارير ولا شهادات المعتقلين عن سرد أنواع هذه الممارسات اللا انسانية واللا قانونية التي تستخدمها السلطات الاسرائيلية من أجل تسجيل نقاط سياسية أو تفاوضية، إذ أن ادارات السجون – بتوجيه من المستوى السياسي وتحت ضغوط جماهيرية – تتفنن في اختراع أساليب جديدة لتحويل حياة المعتقلين الى جحيم حقيقي.

اسرائيل – ورغم تغير قادتها وحكوماتها – لم تستطع حتى الان ان تدخل عملية تفاوض حقيقي من أجل تبادل الاسرى، ويجب القول هنا، وبكثير من الدقة أيضا، ان عملية تبادل الاسرى، التي يتم اثارتها بين حين وآخر، انما تستخدم كغطاء سياسي لعمليات أكبر وأكثر، وهذا يعني ببساطة ان اسرائيل غير معنية بصفقة تبادل للاسرى الا اذا كانت تخدمها من ناحية سياسية ليس الا، وفي هذا قمة الانانية وخداع جمهورها، وقد انكشف هذا الخداع من خلال الحملة الجماهيرية التي نظمها الاسرائيليون قبل عدة أسابيع وشارك فيها مسؤولون حكوميون، ليكون ذلك قمة الخداع السياسي والاعلامي وحتى الحكومي.

إن هذا الفشل الاسرائيلي في اطلاق سراح الجندي الاسير جلعاد شاليط من جهة وعدم الرغبة في اجراء صفقة تبادل تقوم على الندّية والمساواة، تدفع ادارات السجون المختلفة الى أن تكمل الصورة وترضي الجمهور الاسرائيلي وخاصة تلك القطاعات المتطرفة دينيا وقوميا، وذلك من خلال عمليات اذلال المعتقلين الفلسطينيين واذلال ذويهم ومنعهم من الزيارات أو ارسال الهدايا أو النقود أو حتى منع المحامين من رؤية موكليهم.

يجب أن لا ننسى بهذا الصدد تلك الدعوات التي اطلقها نواب كنيست متطرفون وكذلك مسؤولون حكوميون من مستويات دنيا ودعوا فيها الى معاملة المعتقلين الفلسطينيين بطريقة قاسية ما لم يتم اطلاق شاليط. وليس من قبيل الصدفة أن تسوء معاملة المعتقلين الى هذه الدرجة منذ اختطاف ذلك الجندي الاسرائيلي، الأمر الذي يشير بما لا يدع مجالا للشك أن اسرائيل تعامل – وما زالت – المعتقلين الفلسطينيين كورقة سياسية رابحة، رغم انها تحاول أيضا ان تضفي على هذه القضية مسحة أخلاقية مدعاة بالتفريق بين دم ودم وروح وروح.

وبهذا الصدد، فإن على اسرائيل أن تدرك ان الناس خلقوا سواسية، ومنحهم الله حقوقا متساوية، فليس هناك عرق أعلى من عرق ولا ثقافة أفضل من ثقافة ولا تاريخ أرفع من تاريخ. ان رؤية اسرائيل للمعتقلين الفلسطينيين تتلخص في أنهم مخربون ومشاغبون ومثيري مشاكل وان على أيديهم دماء يهودية وأن دخولهم السجن تم لاي سبب الا ضغط الضمير وطلب الحرية لشعبهم وأوطانهم، اسرائيل لا تريد أن تعترف ان هؤلاء في المعتقل بسبب الاحتلال وبسبب الصراع الذي يدخل عامه الثاني والستين. اسرائيل تريد ان ترى فيهم أفرادا مجرمين لا جزءا من شعب يطالب بحريته. اسرائيل لا تريد أن تعترف بحقوق هؤلاء الجماعية والسياسية والطبيعية والتاريخية ،فالمعتقل الفلسطيني شخص من نوع مختلف وله حقوق اخرى وحاجات اخرى، وقد نقبل المفهوم الاسرائيلي على اعتبار ان بيننا صراع طويل ومرير، ولكن ان يقبل العالم الرؤية الاسرائيلية، وان يتحول الجميع الى مطالبين بتحرير شاليط دون الكلام عن سبعة الاف معتقل في سجون اسرائيل فهذا هو العمى والنفاق والسخرية بعينها.

ان مفهوم اسرائيل الاخلاقي والسياسي لقضية المعتقلين الفلسطينيين تحدد تماما كيفية التعامل معهم واستخدامهم واستغلالهم، وهي على الرغم من توقيع سلام سابق واعلانها عن النية في الدخول في مفاوضات مباشرة، فان الكلام عن المعتقلين يكتسب اهمية كبرى، فمن الخطأ الجسيم الان، ان لا تتم إثارة هذه القضية وان توضع على رأس جدول أعمال اية مفاوضات قادمة، وقد لا تكتسب هذه المفاوضات أهمية أو جدوى دون ان تأخذ بعين الاعتبار قضية المعتقلين، فأهمية هذه القضية تساوي كل القضايا التي أجلت ذات مرة، وها هي الان تنفجر في وجوهنا أجمعين.

ان اسرائيل التي تعذب أو تضيق أو تهمل المعتقل الفلسطيني، انما هي فعليا تقوم بما من شأنه ابعاد امكانية السلام بينها وبين الشعب الذي تجاوره وتعيش معه وتخطط من أجل الاقامة الطويلة في هذه المنطقة.

اسرائيل التي ادخلت مئات الالوف من المواطنين الفلسطينيين الى سجونها خلقت مئات الوف الاسباب لابقاء الصراع مشتعلاً ومستعراً. السجون تخلق التطرف والكراهية والعنف. سجون اسرائيل أثبتت انها الاكثر فشلا في "تربية" الشعب الفلسطيني أو تطويعه وتدجينه أو ترويعه او قمعه. سجون اسرائيل أثبتت أنها كانت معاقل للاستمرار والصمود، ورغم كل ما يقال عن تغير في السلوك اليومي للمعتقلين الفلسطينيين داخل السجون، على خلفية الانقسامات والشللية والاستزلام.. الخ، الا ان السجون الاسرائيلية – ورغم كل السياسات التي تتبعها ادارات السجون من سرية وعلنية – الا ان هذه السجون، ببقائها على حالتها ووضعها وممارسات اداراتها، لتشكل أكبر دليل على أن اسرائيل فاشلة في حل الصراع، وفاشلة في أن تكون جزءاً من المنطقة، وفاشلة في حل ازماتها الداخلية السياسية والعقائدية والفكرية. وأكثر من ذلك، فان اسرائيل تعطي الدليل الدائم على عدم رغبتها في السلام، وعلى عدم رغبتها حتى في اعطاء "حسن نية" الى الاطراف المشاركة معها في أية تسوية قادمة، وهي تعطي الدليل أيضا ان الوسائل العنيفة هي الوسائل الناجعة في تحرير الاسرى، وان العنف هو الاسلوب الوحيد الذي تفهمه اسرائيل ليس إلا.

ما أريد أن أقوله هنا، أن بقاء سبعة آلاف أسير في سجون اسرائيل ومعاملتهم بهذه الطريقة اللا انسانية انما هو افلاس سياسي وأخلاقي وعقائدي ووجودي اسرائيلي. فهو فشل في الآداء وفشل في العقلية وفشل في التوجه وفشل في الرؤية. وهو أيضا تعزيز لعوامل ومنابع العنف والكراهية واستمرار الصراع، وهو ايضا دليل على أن اسرائيل لا تصنع السلام مع أحد وانما تُرغم عليه.

وبهذا الصدد أيضا، لا بد حقا من الاشارة الى دور المؤسسات ذات العلاقة في أن تساعد في تخفيف الاوضاع داخل المعتقلات والسجون الاسرائيلية، وعلى رأس هذه المؤسسات هناك وزارة الاسرى وامكانياتها – رغم محدوديتها – الا انها تستطيع ان تفعل الكثير من أجل ايصال المبالغ وتأمين المحامين والتشبيك مع مختلف الدوائر والجهات القانونية والحقوقية العالمية، وهنا لا بد من السؤال حول تلك الدعوة الى تحويل قضية المعتقلين الفلسطينيين الى قضية دولية من خلال رفعها الى الجهات الحقوقية الدولية، فإلى اين وصلت هذه الدعوة ولماذا لم نعد نسمع شيئا عنها؟! ان العمل في المجال الدولي – رغم صعوبته – الا أنه سيعمل بشكل جيد على الدق على جدران الضمير الانساني وتحويل المعتقل الفلسطيني من ارهابي الى معتقل ضمير.

وحتى يكون كلامنا دقيقا ايضا، فان قضية المعتقلين التي تجعل منها اسرائيل قضية مساومة، يجب أيضا ان تتحول الى سياق تفاوضي دائم ومستمر، أي ان لا تتحول الى مجرد "لفتات" أو "حسن نوايا" أو "تنازلات" أو "عيدية". معتقلونا البواسل ليسوا لصوصا ولا قتلة ولا مجرمين، هؤلاء طلاب حرية ورواد كرامة، ويجب ان يعاملوا كذلك. واذا كانت اسرائيل تخطىء طيلة الوقت تجاههم، فيجب أن لا نشاركهم ذلك الخطأ.

» ليكن الأسرى قضية وطنية
» قضية الأسرى.. والانبعاث الفلسطيني هشام منور
» أنصار الأسرى :تصريحات نتياهو بحق الأسرى اعلان حرب جديدة
» فن التعامل مع الناس ؟
» الفسفور الأبيض وكيفية التعامل معه