حول الاعتراف بيهودية إسرائيل

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

حول الاعتراف بيهودية إسرائيل
الكاتب : عيسى الشعيبي
2010-10-19

يحسب الناظر ذو الذاكرة الضعيفة، وهو يتابع المرافعات الفلسطينية البليغة ضد شرط الاعتراف بيهودية الدولة العبرية، أن القوم الذين سبق لهم، قبل سبعة عشر عاماً، أن ابتلعوا سمكة قرش الاعتراف بإسرائيل بجرة قلم واحدة، قد غصت حلوقهم اليوم بلقمة الاعتراف بماهية هذه الدولة التي لم تبدل قسمات وجهها ولم تغير قبعتها، بل ولم تقلم أظافرها منذ ذلك اليوم البعيد.
لكأن هؤلاء الذين ابتلعوا السمكة الكبيرة، بكل ما فيها من زعانف وحراشف وسلسلة ظهر شوكية صلدة، باعتبارها صحن مقبلات اضطرارية، تفتح الشهية لوجبة عامرة بالموضوعات التفاوضية النيئة، قد تذكروا بعد فوات الأوان، أن السمكة كانت ذات رائحة كريهة منتنة، حتى لا نقول إنها لم تكن صالحة للاستهلاك البشري، أو قل التناول التفاوضي بأطباقه العسيرة الهضم.
ولكأني بهؤلاء المتبارزين فيما بينهم حول ضرورة رفض الاعتراف، تحت كل الظروف، بإسرائيل كدولة يهودية، أنهم قابلون ضمناً، ومن دون تمحيص، مبدأ الاعتراف بها كدولة صهيونية، بكل ما تنطوي عليه هذه الصفة من خصائص وتعريفات ومزاعم وادعاءات لا حصر لها.
وبحسب هذا المنطق التفاضلي بين صفتين كريهتين، أو قل بين شرين لا بد لواحد من بينهما، يبدو الاعتراف بيهودية إسرائيل العنصرية، أشد وطأة على النفس، وأخطر على الرواية الفلسطينية، من الاعتراف بإسرائيل الصهيونية العدوانية التوسعية، أو قل كأن الوجه اليهودي المقيت لهذه الدولة أبشع من وجهها الصهيوني القبيح، أو لكأن الموت بسم أفعى الكوبرا أهون منه بسم الحية الرقطاء.
فهل غاب عن أذهان هؤلاء وأولئك أن اليهودية والصهيونية هما وجهان لعملة إسرائيلية واحدة، وأن إسرائيل هي إسرائيل، تماماً كما أن البحر هو البحر، والنار هي النار، وفوق ذلك أن التسليم للعدو بحق العيش سالماً في حدود آمنة ومعترف بها، وفق القرار الأثير لمجلس الأمن الدولي رقم 242، هو بلا زيادة ولا نقصان، ومن غير حبة سكر على الحقيقة المريرة.
فنحن نعلم علم اليقين أن إسرائيل منذ أن قامت قيامتها هي دولة يهودية وصهيونية في آن واحد، وأنها لم تنشغل في أي يوم مضى بأي تعريفات أخرى لذاتها، ولم تتلعثم مرة في توضيح مكونات صورتها، ولم تقدم نفسها للعالم إلا بكونها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، لم تقر لنفسها دستوراً ولم ترسم لها حدوداً، كما أنها لم تشعر أن لديها إشكالية هوية، أو تعش لحظة تمزق بين ثنائية يهوديتها وصهيونيتها مرة واحدة.
وعليه، كيف جرى استدراج الفلسطينيين والعرب إلى شرك مثل هذه التعريفات التي افتعلها غلاة اليمين المتطرف في لحظة تفاوضية حرجة، كان الهدف منها إقفال باب الحوار، أو تضييقه إلى الحد الذي لا يمكن الولوج عبره إلى القاعة المغلقة، طالما أن ثمن تعليق الاستيطان لشهرين فقط يقتضي دفع كل هذه الكلفة الباهظة، سلفه مقدمة على حساب مفتوح لا نهاية له.
خلاصة القول إنه إذا كانت إسرائيل، التي أعادت إنتاج نفسها خلال العقدين الأخيرين على نحو مختلف عما عهدناه من قبل، على نحو أكثر فظاظة وأشد غطرسة من ذي قبل، قد رفعت سعر قبولها بتعليق مؤقت للاستيطان كل هذا الرفع، فما هو الثمن الذي ستطالب به مقابل تفكيك مستوطنة أو بؤرة استيطانية، حتى لا نقول ما هو ثمن الانسحاب من القدس مثلاً.
تبقى ضرورة القول إن مثل هذه المطالعة السريعة، لا تنطوي أبداً على دعوة للقبول باشتراطات إسرائيل التعجيزية، ولا إلى التهوين من مفاعيل الإقرار بصفة لها تغلق نافذة حق العودة، وقد تقوض وضعية عرب
الـ 48. فجل ما في الأمر، أن هذه دعوة إلى عدم الانشغال بمثل هذه الترهات السياسية السخيفة، وتجنب الوقوع في فخ المهاترات الداخلية المقيتة، فيما المراوغ الإسرائيلي الأشهر يربط الجمل والقط بحبل واحد، ويدلل عليهما معا: الجمل بدينارين والقط بمائتين.

» إيجابيات الاعتراف بالدولة الفلسطينية
» كيف تفهم الاعتراف بالدولة الفلسطينية
» إسرائيل تحرق غزة
» حق العودة ومنظمة التحرير... بعد نيل الاعتراف بالدولة
» خبر عاجل مصر تطلب من واشنطن الاعتراف بدولة فلسطين