دعوة للغناء والرقص رشاد ابو شاور

دعوة للغناء والرقص

رشاد أبو شاور

الموسيقى، الغناء، الشعر الشعبي، الحكاية الشعبيّة، الأمثال، الرقصات الشعبيّة، هي بعض إبداعات شعبنا التي روّحت عن الناس في أعراسهم، ومواسم حصادهم، وأثناء جنيهم لزيتونهم، وحرثهم لأرضهم، وحتى في مآتمهم، ومناسباتهم الحزينة.
دائما وجد الغناء ، والرقص، والموسيقى، والغناء بالصوت البشري الجميل، ينطلق من صدور وحناجر ومشاعر نساء ورجال تمتعوا بمواهب فطرية، لم يبخلوا على الناس والحياة بها، فانطلقت تلك الأصوات عاليا، وهمست من القلب للقلب، وملأت الفضاء بالعتابا والميجنا، والليالي، وبالآهات منغمة، بحسب المناسبة، والطقس، فليالي القمر المضيئة المبهجة تختلف عن ليالي الشتاء البطيئة المعتمة التي تفرض على الناس الاعتكاف في البيوت.
منذ طفولتي عشقت آلة ( الأرغول)، ولما كبرت مجدتها بثلاث قصص قصيرة، وبثثت محبتي وتعلقي بها في بعض رواياتي، وتوقفت عندها في بعض الندوات.
مرّة دعيت إلى مخيّم ( خان الشيح) غير البعيد عن دمشق، للتحدث عن الروائي والكاتب الكبير الشهيد غسان كنفاني.
تحلّق الجمهور في ساحة المخيّم: نسوة يحتضن أطفالهن، ورجال متقدمون في العمر، وشباب، وفتيات.
وإذ تأملت المشهد وجدت أنني لن أتواصل مع أهلي هؤلاء بلغة مليئة بالمصطلحات والتعابير الكبيرة المبهرة..وبلغة المثقفين التي لن تشدهم، ولن تنشئ بيني وبينهم جسرا للتواصل.
طلبت من أحد الشباب المشرفين على الندوة أن يحضر وبسرعة عازف الأرغول ( أبوحسن) ، وهو من سكّان المخيّم، وأنا أعرفه، كما يعرفه ألوف الفلسطينيين في مخيماتهم المنتشرة في سورية، وحتى في لبنان. حضر (أبوحسن) ، بجاكتته الواسعة، وكوفيته البيضاء، ووجه الأسمر الضامر، وكالعادة كان ثمّة شيء ينتفخ في الجهة اليسرى من صدره ..ولم يكن قلبه، فقلبه سليم جدا، قوي، وشباب، ولكنه الأرغول وقد فككه ووضعه لصق قلبه.
في تلك الليلة، وكما اتفقت مع( أبوحسن)، تناوبنا الكلام والعزف، أتحدث جملتين ثلاث عن غسان وفلسطين، فينشغ.. كيف أفسّر هذه المفردة العاميّة؟! ربما اقترب منها عندما أقول بأنه يطلق عزفا ممتدا أخاذا على نفس واحد، وكأنه يرحل بعيدا، في حين يكون بهذا العزف قد أثار حنينا، وذكريات، وما لست أدري..أو..كأنه ينادي على ما ضاع!
امتدت السهرة حتى الفجر، فقد تخللها غناء مرتجل، شاركت فيه النسوة، والرجال، وقد انتشوا بعزف أبوحسن، وكنت في تلك الليلة قد بلغت ذروة الفرح عندما صرت أنا الجمهور، وهم أهل المخيّم أصحاب العرض المسرحي، عرض السامر المبهر المرتجل.
في تلك الليلة كانت فلسطين تضيء، وتحتضن، وتستعاد، وكانت القرى البعيدة تقترب، سواء التي حول صفد، أو عكاء، أو طبرية...
الغناء والموسيقى والرقص تنعش الذاكرة، وتعمّق الانتماء، وتقوّي الثقة بالنفس، وتنشئ بين الفرد والجماعة حبال وّد، فتتدفق دماء الانتساب، وتنتعش الحياة التي لها معنى وهدف وعافية.
كلما أصغيت لصوت جميل يغني لفلسطين، لأرغول أنغامه عملية خلق بالنفس والأصابع الرشيقة وقصبات البوص وخبرة العازف وتجلياته..تعيدنا لفلسطين، وتعيدها إلينا، تنتعش روحي ، وأزداد يقينا أن فلسطين حيّة، باقية، وأنه ما دام شعبها يغنّي لها، وصباياه وفتيانه يرقصون لها، وعازفوه يتوارثون الأرغول فإنها مزروعة في أعماق الروح، في جنبات صدر أي فلسطيني حيثما كان يعيش، تحت الاحتلال، أو في الشتات، وفي المنافي البعيدة..وأنها عائدة لا محالة عربيّة كاملة غير منقوصة ولا حبة تراب واحدة.
الانتماء للوطن ليس شعارا، ولا هو فكرة مجرّدة، إنه موسيقى، وغناء، وشعور، وحكايات، وأمثال، وطعام، وعادات، وتقاليد، وملابس ملونة بألوان حقولنا، وتدرجات ألوان تربة فلسطين، وأيامنا، بكل ما فيها من فرح وكدح وعناء وشقاء ووعود وأعراس.
الحنونة بفتياتها وشبابها، بغنائها ورقصها هي امتداد وعهد ووعد، وهي تأبي شعب على الذوبان والنسيان، هي الأمهات والجدّات، والمغنين والمنشدين الشعبيين، والشعراء الحداة، وهي الجيل الذي لا ينسى، ولا يضّل الطريق إلى فلسطين.
وإذ أرى الأجساد وهي تتطاير في الفضاء ..رشيقةً، فإن نفسي تنشرح، وأستعيد مشاهد نسوة فلسطينيات كنّ يرقصن في ليالي الأعراس، وهن ينتظرن موسم الخصب، أو يختتمن برقصهن وغنائهن تلك المواسم سعيدات مغتبطات بأعراسهن، وببشارات خصبهن مع عرسانهن.
حتى تعود الحياة طبيعيّة عادلة جميلة لا بدّ من الرقص والغناء والإنشاد ..لا بدّ من أن يملأ الأرغول بأنغامه الشجية أيامنا، فبهذه الأنغام نستعيد فلسطين بموارسها وكرومها وتضاريسها، وتاريخها، وكامل جغرافيتها...
إن شعبا يرقص ويغني، شعبا يحافظ على تراثه، سينتصر على الظلم، وقسوة الأعداء، لا محالة، لأنه متسلّح بما لا يمكن أن ينهزم: بالثقافة التي تغني العقول والأرواح، وتمتد حبلاً سريّا يجدد ارتباط الأجيال جيلاً إثر جيل بفلسطين.
تحية (للحنونة) في موسمها الفنّي الجديد الذي تجمع فيه شعراء شعبيين من فلسطين والأردن ولبنان وسورية، وتحيي فيه ليالي الفرح والبهجة، على اسم فلسطين، والانتماء للعروبة الفسيحة الرحبة..

عضو ذهبي *المزاج* : حسب الظروف

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والصلاة والسلام على رسولنا الكريم المبعوث رحمةً للعالمين

الانتماء للوطن ليس شعارا، ولا هو فكرة مجرّدة، إنه موسيقى، وغناء، وشعور، وحكايات، وأمثال، وطعام، وعادات، وتقاليد، وملابس ملونة بألوان حقولنا، وتدرجات ألوان تربة فلسطين، وأيامنا، بكل ما فيها من فرح وكدح وعناء وشقاء ووعود وأعراس

رائع رشاد أبو شاور في وصف الوطن ببساطة!!
لفتت انتباهي هذه الجملة
ورائعة أنت ياهيفاء في اختيارك للموضوع
وذكرتيني بالرغول لطالما أحببت صوته
يبعث حنيناً لامتناهياً في الأوصال
يسرقك بل استئذان ليحلق فيك في سماء
الذكريات

شكراً هيفاء
ودمتي للمنتدى بتميزك

بسمة زرارة

» من هو رشاد أبو شاور
» الأديب رشاد أبو شاور
» الإفلاس! ..رشاد أبو شاور
» منظرو الهزيمة ... رشاد أبو شاور
» تاريخ من المذابح../ رشاد أبو شاور