عودة الشباب الى التاريخ

عودة الشباب الى التاريخ

عدلي صادق

لم يخطئ المحللون الذين أكدوا أن إسرائيل استفاقت، بفعل الحدث المصري، على حقيقة مزعجة وهي أن هناك ملايين من الشباب العرب، الذين يحيطون بها، لم تكن حاضرة ، علماً بأنها ملايين من البشر الاحياء، لكنها عاشت طوال العقود الأخيرة خارج التاريخ. قد أحس المحتلون العنصريون أن ثمة المزيد من الجموع الغاضبة، التي ما زالت تكظم غيظها، أو تحجب هذا الغيظ أوتوقراطيات وأنظمة مستبدة، تمنعها من التعبير عن نفسها في الهواء الطلق. بالتالي فإن الأوهام التي راودت إسرائيل، وأنتجت متطرفيها، وجعلتهم شبه متأكدين أن العرب أمة من النعاج المستسلمين الخائفين؛ بدت سخيفة وغير منطقية. ولم يتردد الذين اختلقوا الأعذار لنهج حكومة نتنياهو حيال التسوية، بعد أن استحسنوا التطرف العنصري؛ في التحول سريعاً الى وجهة أخرى، قوامها نُصح الإسرائيليين بالذهاب فوراً الى العملية السلمية المتوازنة، لأن سياسات تل أبيب في السنوات الاخيرة، جعلتها تخسر كل «أصدقائها» من العرب، وزادت بأن جعلتهم مشكلة في نظر شعوبهم، إذ كلما ازدادت سياسة تل أبيب احتقاراً لأمة العرب ومجافاة للحقوق الفلسطينية، وتنكراً لأبسط قيم العلاقات بين البشر؛ كان الحاكمون يرفعون من وتيرة التشدد الأمني مضطرين، لأن مخزون البشر يغلي، ولأن السلام العادل المنشود الذي يجلب الحراك الاجتماعي والاقتصادي لن يأتي، ولأن الأزمات تتفاقم والكثير من المقدرات القليلة يذهب الى الأمن، فتحتقن المجتمعات، وتتحول الى ما يشبه القدور الكاتمة، التي لا يعرف سوى الطباخين، قوة الغليان فيها. فالغائبون عن التاريخ بدأوا يعودون الآن!
* * *
أولى النصائح التي أسداها كُتّاب ومحللون موالون لإسرائيل، الى الأوساط الحاكمة في تل أبيب؛ تتعلق بالقراءة الخطأ للحدث المصري التاريخي. قالوا لنتنياهو ومن معه، لا تجعلوا من ثورة المصريين سبباً في المحاججة المضادة التي تقول إن ما وقع في مصر يثبت أن لا مستقبل للسلام ولا للعلاقة مع العرب. فالقراءة الصحيحة، تكون في الاتجاه المعاكس تماماً. قالوا لهم، إن خطأكم سيكون تزكية مشاعر جنون الارتياب في النوايا العربية لدى الناشئة من الإسرائيليين. وكان الناصحون حريصين على تنبيه تل أبيب، الى أن هامش التعاون الرسمي العربي معها، على الصعيدين الأمني والسياسي، سيكون منذ الآن، أضيق بكثير. فالزعامات الكبيرة تترنح، وقوى المجتمع التي تنشد الديموقراطية تنشط. ولن ينال الإسرائيليون من الآن فصاعداً، سياسات عربية، تكون أولويتها منع أية ردود أفعال على منطق إسرائيلي بذي غير ذي صلة لا بالسياق التاريخي للعلاقة بين البشر، ولا بالعدالة ولا بوقائع المنطقة ومصائر شعوبها!
وبحكم أن من يحكمون في تل أبيب الآن، هم من الأوساط الظلامية المتخلفة، التي يصعب عليها أن تتغير؛ فلن يكون أمام الإسرائيليين إلا إسقاطهم أو تأييد جنونهم فيما هم لا يرون خلاصهم إلا بالفوضى العربية، التي تتيح لهم الإنقضاض على الجوار، بوسائل شتى، توخياً لإخضاع شعوب لن تخضع.
إن أقصى ما يتوخاه الفلسطينيون من مصر بوضعها الحالي، بعد أكثر من ثلاثة عقود من الصلح المنفرد بينها وبين إسرائيل، هو أن تنجح ثورة الشباب ففي التأسيس الى مرحلة جديدة للحكم، ديموقراطية وقومية وتنمي اقتدار المجتمع المدني، وذات مؤسسات محترمة، عسكرية ومدنية، متحفزة لاستعادة ما افتقدت والتحصل على ما تحتاج. ومن خلال هذه الوضعية الجديدة، تتعزز السياسة وتنفتح آفاق جديدة للعمل العربي، وتنشأ عناصر الضغط، من خلال المكانة الدولية كما من خلال تنزيه الحكم عن نزعات الفساد والتخلف والاستبداد!
نحن الآن في ضائقة نفسية بسبب الخوف على مصر. سيأتي دور الحديث عن استبداد نظام لا مثيل له عالمياً، من حيث الغلاظة الطائفية وسلب الحريات والبطش بالناس. إن هذا النظام الذي يحبط ملايين الشباب ويزج بهم في طاحونة الضنك والفاقة وانسداد أفق الأحلام؛ يتهلل فرحاً لثورة المصريين، ويرتعد خوفاً من الثورة عليه. إن المجتمع المدني السوري يتنامى، وحجب شبكة العنكبوت صعب وفضيحة، والمدونات تتكاثر، والحكايات كلها وبكل التفصيلات تتفشى في الأرجاء، وستشهد سورية العزيزة ثورة كاسحة، سنكون ضد فوضاها، وضد انحراف مسارها، وضد بيع الكلام الذي يذهب بسورية الى المخاطر.
المهم الآن، أن تعبر مصر المرحلة بسلام. وسيعلم الذين يتابعون ما يجري حالياً في مصر، أن تطلبات «الإخوان» وممانعاتهم، تنطلق من حسابات ضيقة، وأن الأميركيين يريدون هؤلاء، وأن سلامة أوطاننا لن تكون إلا بالديموقراطية التي يرعاها ديموقراطيون لا مستبدين. سلامة الأوطان، تتحقق بالشباب رمز عنفوان الأمة وكرامتها. فهؤلاء يتوخون الحرية لا العودة الى تضييق فهم الدين، ولا إلى تحزيب الإيمان ودق الاسافين في المجتمع!

» عودة ...الزمن!!
» امل فلسطين عودة ميمونة
» حق العودة.. لا عودة صحف عبرية
» الاخت أمل فلسطين عودة ميمونة
» عودة محمد رافت الحمد لله على السلامة!!!