الدولة الفلسطينية أين؟! أم إنها ذهبت مع الريح؟

الدولة الفلسطينية أين؟! أم إنها ذهبت مع الريح؟

الكاتب : عبد الحميد الشطلي

أوباما يحذر، بل يهدد، وربما وبخ الرئيس أبو مازن من اللجوء إلى مجلس الأمن للحصول على قرار بإدانة إسرائيل على استمرار الاستيطان
في القدس والضفة الفلسطينية، مشهراًَ في وجهه وقف الدعم المادي والسياسي للسلطة من الولايات المتحدة الأميركية.
ومن المفارقات، أن أميركا لم تمهل أبو مازن كثيراً للبدء في أولى خطواتها، لاسيما بعدما رفض أبو مازن الاستجابة للطلب الأميركي قائلاً «لا نقايض الوطن بالمال»، حسب مصادر فلسطينية... فكان قرار الفيتو الأميركي في اجتماع مجلس الأمن الأخير، والذي جاء في مواجهة شبه إجماع في المجلس بإدانة إسرائيل وسياستها الاستيطانية والتي تسببت بوقف المفاوضات المباشرة مع السلطة.
وعلى أثر ذلك علت أصوات العديد من قيادات السلطة ومن قيادات فتح بالتلويح بإمكانية حل السلطة إن لم تطرأ تطورات إيجابية حتى شهر أيلول، وبأن حل السلطة أمر قيد التداول والدرس.
فإذا كانت تصريحات (صائب عريقات) الذي استقال مؤخراً من رئاسة ملف المفاوضات بعد انفضاح الأخيرة في الوثائق التي نشرتها الجزيرة، وخاصة أنه سبق أن كتب كتاباً سماه (الحياة مفاوضات) وتصريحات نبيل شعث الذي عمل مطولاً أيضاً رئيساً لطاقم المفاوضات... تؤشر بوضوح إلى حجم الكارثة التي وصلت إليها الأوضاع السياسية الفلسطينية بعد ثمانية عشر عاماً من توقيع اتفاقيات أوسلو.
فإن ما وصلت إليه الأوضاع السياسية بين السلطة وإسرائيل، لم يكن مفاجئاً، أو نبتاً شيطانياً، بل كان أمرا متوقعاً، ألم يقل الرئيس الراحل حافظ الأسد، عن اتفاق أوسلو «إن كل نقطة في الاتفاق بحاجة إلى اتفاق»، وألم يقل الرئيس أبو مازن نفسه عن اتفاق أوسلو «إنه قد يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، أو قد يؤدي إلى كارثة».
فما يوجد الآن؟.. أليس الكارثة؟!.
إن أي مطلع محايد على اتفاق أوسلو سيصل مبكرا لهذه النتيجة دون انتظار ثمانية عشر عاماً للحكم عليه.
اتفاق أوسلو جاء ليخدم المصالح الحيوية للأمن الإسرائيلي، ويستجيب في الوقت ذاته للمصالح الحيوية والإستراتيجية لأميركا خصوصاً وللغرب على وجه العموم.
والآن قد وصل أوسلو إلى طريق مسدود بعدما استنفد أغلبية أغراضه وأهدافه الأمنية والسياسية والمصالح الحيوية الإستراتيجية، ولاسيما بعدما أصبح الإقليم يعصف بالمتغيرات والتطورات، الدراماتيكية التي تنذر بسحب عاصفة قد تجتاح الإقليم كله.
ورغم أهمية الصحوات الكلامية لرجالات السلطة أو فتح وما أطلق منهم من تصريحات بعد الموقف الأميركي الأخير، لكن أليس الرئيس أبو مازن من قال «إنه يخدع الناس إذا قال لهم، إنه يمسك بزمام سلطة حقيقية، مادام انتقاله من رام اللـه إلى القدس، أو غيرها من المدن الفلسطينية مرهونا بموافقة إسرائيلية»، أو ليس هو القائل «عن الاحتلال الإسرائيلي بأنه أرخص احتلال في التاريخ» وأن «السلطة الفلسطينية، سلطة تحت بسطار الاحتلال».
هذا وسبق، أن خرج علينا سلام فياض بمصطلحه «دولة ميكي ماوس» في سياق اعتراضه على إمكانية إعلان قيام دولة فلسطينية دون موافقة أميركية ـ إسرائيلية.
وألم يتساءل الرئيس أبو مازن في إحدى مقابلاته المتلفزة الأخيرة، لماذا لم تنجح أي عمليات ضد «إسرائيل» خلال ثلاث السنوات الأخيرة، وقد أجاب بانبهار وإعجاب، إن السلطة هي التي حالت دون حدوث ذلك.!
إن ما تقدم مجرد غيض من فيض حول السلطة رغم ذلك لم يشفع لها إسرائيلياً ولا حتى أميركيا وهي التي تمر الآن في ظروف في غاية من الصعوبة والتعقيد وخاصة أن:
1ـ السلطة عرضة للانهيار بسبب ارتهانها ماليا لمعونات الدول المانحة التي في مقدمتها دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة «التي ستوقف دعمها حسب تهديد أوباما» والاتحاد الأوروبي لن يستمر بالدفع للسلطة إلى (ما شاء الله)، ولاسيما إن استمرت السلطة بموقفها من المفاوضات مع إسرائيل بل سيضغط لعودتها إليها إن تكن مباشرة أو غير مباشرة بعد تهذيب الشروط الإسرائيلية منها قليلاً.
2ـ اتضاح عجز الرباعية من دون أدنى التباس عن إلزام «إسرائيل» بوقف جزئي، أو تعليق للاستيطان لمدة شهرين فقط وذلك لاستئناف التفاوض مع السلطة، فكيف يكون الأمر لجهة تنفيذها خطة خارطة الطريق لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، كما جاء في تلك الخطة.
3ـ السلطة الفلسطينية، نفذت كامل التزاماتها الأمنية من خطة خارطة الطريق وبشهادة المنسق الأمني الأميركي الجنرال دايتون ـ ما أسفر عن تصفية كل المقاومين في الضفة الغربية ومن جميع الفصائل بمن فيها كتائب الأقصى... أما إسرائيل فالأمر بالنسبة لها سيان، فلم تسهل حياة الفلسطينيين (حتى حسب نظرية نتنياهو حول السلام الاقتصادي) فلم تفكك عملياً أي حاجز من الحواجز الأمنية المنتشرة في الضفة الغربية والتي يربو عددها على سبعمئة حاجز، وإن حصل أحياناً في نطاق سياسة علاقات عامة مع أميركا، أو الاتحاد الأوروبي، أو طوني بلير منسق الرباعية، فسرعان ما تتم إعادتها في ظل أي مسوغ أمني إسرائيلي، فمنطق الاحتلال على هذا الصعيد، (سياسة الباب الدور) إن يكن في المجال الأمني أو في مجال المفاوضات أو في غيرها من المجالات.
4ـ لقد تبين بالدليل القاطع غير القابل للدحض، بأن أوسلو فخ سياسي إسرائيلي، استولد في مراكز الدراسات الإستراتيجية الإسرائيلية ليكون كميناً استراتيجياً يوقع الفلسطينيين في حبائله السياسية ومخططاته على طريق تصفية الانتفاضة الفلسطينية الأولى حينذاك وصولا إلى تصفية القضية الفلسطينية وإسرائيل أخذت من أوسلو، ما لم تره في الأحلام: (الاعتراف الفلسطيني بوجودها، إلى جانب شرعية الوجود في الإقليم والمنطقة على طريق اعتراف العالم العربي والإسلامي فيها لاحقاً، إلغاء الميثاق الوطني الفلسطيني بمباركة الرئيس الأميركي بيل كلينتون، التلاعب بحق العودة ليصبح قضية قابلة للنقاش والتفاوض وبتوافق الأطراف عليه، وضياع فرص إقامة دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس والتلهي في مفاوضات عبثية تحت مسمى (قضايا الحل النهائي) وتقسيم الشعب الفلسطيني وتجزئته إلى داخل وخارج وخط أخضر.. إلخ.
وعلى ماذا حصل الفلسطينيون:
أ‌ـ سلطة تحت الاحتلال (مع كل التوصيفات التي أوردناها على لسان الرئيس أبو مازن ورئيس وزرائه سلام فياض).
ب‌ـ عودة عشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.
ت‌ـ الإفراج عن بضع مئات من الأسرى.
ث‌ـ إعالة نحو مليون وثلاثمائة ألف فلسطيني من شرطة، وموظفين في مؤسسات ووزارات السلطة الأمنية والمدنية بأموال الدول المانحة.
فهل يستوي الأمر بميزان الربح والخسارة للشعب الفلسطيني؟ الجواب بكل حياد وموضوعية وعلمية أنه يسجل ربحا صافيا للاحتلال وخسارة شبه كلية للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة والتي هي من أعدل قضايا الشعوب في التاريخ.
إن ما وصلت إليه الحالة الفلسطينية من أوضاع كارثية دليل لا يقبل النقاش حول نتائج أوسلو وإفرازاته المختلفة على القضية الفلسطينية.
5ـ إن ما تقدم يؤكد قطعياً، أن اتفاقات أوسلو كانت خطوة إلى الوراء لجهة الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، هذه الخطوة التي أخذتهم باتجاه يخدم الاحتلال وسياساته الأمنية عبر ما يسمى التنسيق الأمني فإن محصلة وجود السلطة، كانت تسهيل أمور الاحتلال والمد في عمره إلى أجل غير مسمى، وهذا ما نعاني منه اليوم، وإلا كيف يصبح الاحتلال الإسرائيلي، أرخص احتلال في التاريخ؟
6ـ الدماء الزكية التي تراق يوميا على أرض فلسطين (رغم وجود اتفاق أوسلو) وآلاف الشهداء، وآلاف الأسرى القابعين خلف القضبان، وتهويد ما تبقى من القدس، والاستيلاء على 60% من أراضي الضفة الغربية، وبناء جدار الفصل العنصري المشؤوم، وفرض الحصار الجائر على قطاع غزة قضايا تؤكد بمجملها، أن أوهام التسوية السياسية (ما يسمى سلاماً) قد تبخرت في سماء المنطقة، وإن حكومة نتنياهوـ ليبرمان ـ باراك، لن تحدث أي تقدم يرجى في التسوية (والتشدد بمسألة يهودية الدولة دليل كاف على ذلك) وكذلك وعود أوباما حول إقامة دولة فلسطينية، قد ذهبت أدراج الرياح، وأصبحت في خبر كان، ولاسيما بعد الاستخذاء المتكرر لأوباما أمام الضغوط الإسرائيلية.
ما تقدم يضعنا أمام حزمة من الأسئلة الإشكالية وحالة الأزمة في الحالة الفلسطينية ويقف في طليعتها سؤال ما العمل؟ وهل نملك إرادة تغيير؟ أم نحن خارج الزمان والمكان؟ وكل شيء هادئ في ممر شيبكا؟
المنطقة تعصف بالتغير، وهي حبلى بمتغيرات مهمة بالحالة الإقليمية والدولية إن يكن في المنطقة أو الإقليم، ونقف الآن أمام اختلالات نوعية في معادلة الحرب والسلام الإقليمي والدولي، والاتفاقات عموماً (بما فيها اتفاق أوسلو أو كامب ديفيد أو وادي عربة) هي محصلة توازنات قوى، ومحصلة توافق مصالح، فهل السلطة الفلسطينية ومن خلفها منظمة التحرير الفلسطينية في وارد المراجعة السياسية وقادرة على القراءة العميقة التي تحقق الاستجابة للمتغيرات الداهمة، وتوظيفها لمصلحة القضية الفلسطينية، بما يوفر فرصاً، وظروفا أفضل لإحقاق الحقوق الوطنية الفلسطينية.
أنظار الجماهير العربية الثائرة في ميادين وساحات وشوارع المدن العربية شاخصة للشعب الفلسطيني للبدء في مسيرة التغيير الفلسطيني والتي تتطلب:
أولاً): مراجعة سياسية عميقة وشاملة لاتفاق أوسلو ومساراته وإفرازاته ونتائجه بما يلحظ التطورات ويدفع بالقضية الفلسطينية إلى الأمام لتعود كقضية العرب الأولى والمركزية.
ثانياً): لملمة أوضاع الحالة الفلسطينية المنقسمة، فالوحدة خيار من أهم الخيارات للشعب الفلسطيني لاستحصال حقوقه الوطنية فلا دولة ولا عودة ولا حقوق وطنية من دون وحدة وطنية.
ثالثاً): بناء م.ت.ف على أساس وطني ديمقراطي وبمشاركة الجميع، بما فيها الفصائل والأطراف خارج إطارات م.ت.ف راهناً مستندين إلى اتفاق آذار 2005، واتفاق الأسرى (وثيقة الأسرى) وكل الاتفاقيات الأخرى.
رابعاً): اعتبار المقاومة بكل أشكالها هي السبيل الرئيسي للشعب الفلسطيني لإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس.. وهي لن ترى النور إلا إذا تحولت إلى واقع عربي، وواقع فلسطيني وإقليمي ودولي، مفروضاً فرضاً بقوة المتغيرات في موازين القوى على كل من إسرائيل والولايات المتحدة.
إن التاريخ لا ينتظر، ولا يمضي بناء على الأماني والرغبات، فإن لم تبادر السلطة وم.ت.ف إلى المراجعة والتغيير، فلن يلعنها الشعب الفلسطيني فحسب، بل سيلعنها التاريخ والجغرافيا والعالم أجمع، وسيكون حال سلطتنا إن تمسكت بأوسلو حال من زرع الريح فحصد العاصفة.
هاجمت القوات اليابانية قوات البحرية الروسية سنة 1905 فأصدرت الأركان الروسية بياناً قالت فيه: إن كل شيء هادئ في ممر شيبكا صفحة 5.

» تحديات حراك الدولة الفلسطينية
» كشف خطة نتنياهو لمواجهة إعلان الدولة الفلسطينية
» إعلان الدولة الفلسطينية- الشهيد ياسر عرفات "أبو عمار
» غزة الحقيقة الغائبة في المفاوضات المباشرة رغم ان القطاع جزء من الدولة الفلسطينية المنشودة
» هناك في فج الريح: رواية الغربة والفراق والسخرية