اخر صورة للاسير نائل البرغوثي من سجنه
رام الله –كوبر - من علي سمودي -بين غرفة عميد الاسرى الفلسطينين والعرب نائل البرغوثي في سجن "ريمون" التي استقبل فيها اليوم الاول من العام الجديد في اعتقاله الذي امضى فيه 144540 يوما و2468960 ساعة ، وبين الغرفة التي اعتقل منها في قرية كوبر قضاء رام الله عندما كان طالبا يستعد لامتحانات الثانوية العامه في الرابع من (نيسان) عام 1987 ، استكملت شقيقته حنان اللمسات الاخيرة لوضع النواة الاولى على طريق تحقيق حلمه في بناء متحف للاسرى يحمل اسم الشهيد الاسير عبد القادر ابو الفحم اول شهداء الحركة الاسيرة في معركة الامعاء الخاوية في 7-3-1984 .
وتقول حنان "المتحف تجسيد لحلم رسمه نائل بعد انتقاله من سجن بئر السبع الى عسقلان حيث استشهد ابو الفحم الذي لم يعرفه مسبقا ، ولكن امتلك مكانة خاصة في قلبه بعدما درس سيرته وتجربته النضالية فاعتبره ر مز لارادة الحياة وامل التحرر الذي خط معالمه بدمه ولكي يبقى ذلك الامل حيا ، بدا نائل يتحدث عن المتحف منذ ثلاثة عقود ، وبكل فخر واعتزاز رغم المنا لغياب نائل عن المشهد يشرفني ويسعدني ان يتحقق الحلم الذي يجدد فينا روح الامل والايمان بتحرر نائل وكل اخوانه الاسرى الذين شطبوا من كل صفقات التبادل والافراجات حتى اصبحت اشعر اليوم ان حرية نائل قريبة جدا ".
متحف العهد والوفاء
الشقيقة حنان التي تصغر نائل بعام ولا زال محرومة من زيارته بذريعة المنع الامني ، انهمكت في الاونة الاخيرة في تجهيز محتويات المتحف ليكون في اروع صوره رغم عدم توفر الامكانيات المطلوبة ، وتقول " مع اقتراب ذكرى اعتقال نائل فكرنا باحياء المناسبة بطريقة مغايرة وغير تقليدية لاننا ارهقنا من الخطابات والشعارات الرنانة التي لم تغير من الواقع شيئا ، فاسرائيل لا زالت تفرض معاييرها التي حرمت اخي نائل و307 اسرى اخرين من التحرر طوال العقود الماضية ، ولا نسمع في كل عام سوى الشعارات ، لذلك قررنا تحقيق احد احلام اخي باقامة المتحف الذي اصبح جاهزا وافتتحناه يوم الاثنين امام كل الاهل والاحبه والاصدقاء والمتضامنين مع الاسرى لتكون رسالة عهد ووفاء لنائل وكل الاسرى، باننا معهم ولن نتخلى عنهم "،واضافت " فنحن معتقلين معهم واي ماساة اكبر من استمرار اعتقال اخي على مدار 33 عاما ، وحرماننا من زيارته "، وتضيف" من الغرفة التي اعتقل منها نائل واغتصب السجن زهرة شبابه وصمد وتحدى وصبر ولم يتخلى عن مبادءه واهدافه ورسالته ستكون صرخة الحرية لنردد دعوات القلوب المحبة و لنضيء شموع الحرية والامل الذي لم ولن يموت ابدا ".
نائل الحاضر
نائل الذي غيبه الاحتلال عن عائلته التي فقدت والده ووالدته الشاعرة فرخة البرغوثي ، سيطل على جمهور الزوار في المعرض بصور متعددة تشكل محطات رحلة حياته التي قضاها خلف القضبان ، وتقول شقيقته " هذه الغرفة هي الشاهد على محطات حياة نائل الذي ولد فيها في 23-10-1957 وتربى وعاش فيها في منزلنا المتواضع المكون من غرفتين ، احداها كنا نعيش فيها انا ووالدي ونائل ، والثانية لاخي عمر وزوجته ، وتقاسمنا الحياة بمرها وحلوها ونحن نرى روح الحب للوطن تكبر وتتعمق لديه على مقاعد الدراسة ،كان حنونا وبارا ولكته مثلما احب التعليم وكان طالبا مجتهدا وحالما ، فان عشق الوطن كان اكبر لديه وهو يشاهد صور الماسي التي يرتكبها الاحتلال ، فلم يتقاعس عن تادية واجبه فذلك الحنين والحب دفعه للتضحية والنضال من اجل شعبه ووطنه الذي تباح وتنتهك ويتسلب ارضه لذلك اختار طريق التضحية والنضال من اجل فلسطين "،وتضيف " فجر يوم 4-4-1978 حاصروا منزلنا وانتزعوه من فراشه وبعد اعتقاله حرصت امي على الاحتفاظ بكل اغراضه ومستلزماته وحافظت على غرفته وتزيينها بصوره وما يرسله من هدايا من سجنه لانها كانت تزرع فينا دوما روح الصبر والارادة ، تماما كما كان نائل في كل زيارة ورغم حكمه بالسجن مدى الحياة يرفع معنوياتنا ، ورغم العزل والعقاب والمعاناة على بوابات السجون شكل دوما عنوانا للصمود والتحدي والارادة ، وعندما كانت امي تحزن لفراقه او تبرم الصفقات وتسثني نائل كانت تجلس في غرفته وبين هداياه ويكفي ان تحدق بصورة لتستعيد العزم والقوة والامل ".
متحف الحرية
وتجسيدا لتلك المعاناة ، وحفاظا على عهد الوالدة التي اغمضت عينياها وهي تردد اسم نائل الذي كان يشكل الحياة والعالم بالنسبة لها فزرعته في كل زوايا منزلها ، وتكريسا لحلمه تقول حنان " لان روحه لم تفارقنا لحظة رغم السجن والقضبان والقهر والمعاناة سيطل علينا نائل باجمل الصور التي تروي حكاية الصمود والتحدي وسنوات العذاب والفراق خلف القضبان ، ففي كل زواية من المتحف هناك حكايا وقصة تبدا من لحظة اعتقاله الاولى وحتى اليوم وهي تعبير عن تاريخ الحركة الاسيرة ، حيث حرص نائل على مدار السنوات الماضية على تزويدنا بشكل دائم بكل الاشياء التي تساهم في بناء متحف متكامل ، وكانت تصلنا الاشياء عبر رفاقه المحررين او خلال الزيارات بما كانت تسمح الادارة باخراجه "، وتضيف " ففي الغرفة المتحف تتوفر كل تفاصيل حياة نائل خلف القضبان ، الصحون والكؤوس التي كان يستخدمها ، الزي والملابس التي كان يرتديها مع الاسرى في بداية الاسر البرتقالي والحالي البني ،والبرش الذي نام عليه لسنوات ويتكون من جلده رقيقة لا يتجاوز سمكها سنتمتير واحد وغطاءها الاخضر ، جهاز الراديو البسيط الذي كانت تسمح به الادارة قبل سنوات بعيدة ، وكذلك الاشرطة القديمة التي كان يسمح بتداولها في سجن جنيد وفيها تسجيلات بصوته واخرى لاخوانه الاسرى ، ومكتبة نائل التي تضم الكتب التي كان يقراها ويخرجها لنا لنحتفظ بها ، والاقلام البسيطة التي كان يكتب بها وحتى المكسور منها ، دفاتره واضف لذلك رسائل وكتابات نائل .
وتقول حنان " يضم المتحف ايضا ، صور نائل مع الاسرى في كافة السجون على مساحة الوطن ، وما تلقاه من هدايا وقصائد شعرية وتكريم من الاسرى ، كشهادة التكريم عندما اتقن تجويد احكام القران ، اولفوزه في المسابقات او تعبيرا عن الاعتزاز بصمود وتضحياته ، اضافة للاعمال اليدوية والمنتجات والمطررزات والمجسمات التي انتجها ، وباختصار في المتحف كل ما رافق مسيرة اعتقاله لنقول وبشكل واضح ونحن نضع اللبنة الاولى في بناء متحف الشهيد ابو الفحم ، ان نائل حر رغم القيود ، ومثلما اصبح المتحف حقيقة فان عودته لنا لن تبقى حلما ، فكلما نظرت في ارجاء الغرفة ارى اخي قادما وباذن الله سيعود ".
حلم العودة
وترفض حنان وبشدة ان تعتبر عودة نائل بالحلم ، وتقول " على مدار السنوات الماضية لم نشعر بالياس لحظة واحدة ، حتى بعد شطب اسمه من اتفاقات اوسلو وما تلاها من صفقات ، فقد صبرنا وخاصة والدتي التي كانت السند القوي له ، دوما تقف لجانبه ومعه اخي عمر الذي اعتقل في نفس الفترة ، ودوما كنا ولا زلنا نردد عباراته التي نحفظها عن ظهر قلب " أنني كباقي أخواني الاسرى ، وجدنا هنا في السجون من أجل قضية عادلة تستحق منا أكثر من ذلك وهذا صراع طويل مع الاحتلال وحتى الان لم نحقق أهدافنا وتطلعاتنا وطموحنا ولكننا على هذا الدرب سائرون وماضون قدماً حتى تحقيق النصر المؤزر بإذن الله " ، وتضيف " من يؤمن بهذه الكلمات ويجسدها في حياته رغم كل المعاناة فان الله سيكون معه لينصره ويثبته ويحقق دعوات امي التي رحلت وهي تدعوا الله ان ينصره بالفرج والحرية والعودة لمنزله وعائلته" .
العقاب الاقسى
وبين فرحتها بمتحف نائل تشعر حنان بحزن شديد في ذكرى اعتقاله التي تاتي وسط استمرار العقاب الاقسى بحقه بحرمانه من الزيارات ، وتقول " منذ شهر(اب) 2009 ، لم نتمكن من زيارته ، فوالدتي رحلت واخي عمر اعتقل مجدد علما انهم لم يسمحوا له بزيارة نائل منذ تحرره كونه اسير سابق ، ورغم كوني الوحيدة التي ترتبط به بعلاقة من الدرجة الاولى يستمر عقابنا المشترك بذريعة المنع الامني الذي هو استمرار للعقوبات التي لم تنتهي بحقه ، وكنت اتمنى ان نستقبل ذكرى اعتقاله ونحن معه ، ولكن الاحتلال لنا بالمرصاد ليزيد المنا وحزننا في المناسبة " .
نائل والحاجة فرخة
ولكن في نفس اليوم ، تتفتح جراح اخرى في حياة حنان التي تفتقد والدتها الحاحة فرخة ، التي رحلت في شهر (تشرين الاول) عام 2005 حزينة متالمة على غيابه وفراقه وقبل ان يكتمل حلمها بعناقه حرا دون قيود والفرح بزفافه ، وتقول " في كل عام في ذكرى اعتقال نائل كانت امي تزوره وترفع معنوياته لم تتاخر عنه يوما حتى في الامراض ، تقود المسيرات والاعتصامات وتنظم القصائد والاشعار لتعبر عن حبها واعتزازها والمها، كل حياتها كانت تبدا وتنتهي بنائل ، فقد صمدت واحتملت ما لا يقوى على حمله بشر رغم الحكم القاسي وشطب اسمه من الصفقات والافراجات ، لكن المرحلة الاقسى كانت عندما صدر قرار منع زيارتها الذي استمر ست سنوات مما اثر كثيرا على صحتها واصابتها الامراض حتى اصبحت عاجزة عن الحركة والسير "، وتضيف " استمر الاحتلال في عقابنا برفض السماح لوالدتي بزيارة نائل وعمر حتى وصلت مرحلة الخطر ،حصلنا على موافقة في شهر نيسان 2005 و نقلت على سرير بسيارة الاسعاف لسجن عسقلان لتكون صدمة المشهد المؤلم للوالدة بعد سنوات من الفراق والحرمان .
زيارة الوداع
كانت زيارة الوداع التي منعت حنان فيها من مرافقة والدتها ،لكنها تنقل صورة المشهد الذي ابكى السجانين على لسان نائل الذي قال " عندما شاهدتها شعرت بالم وحزن وكانت المرة الاولى التي اشعر فيها اني معتقل جراء عجزي عن القيام باي شيء لانقاذ حياة الام التي وهبتني حياتها ، تقدمت من اخي عمر محاولا اخفاء المي ودموعي وهمست باذنه انها قادمة لوداعنا، ولا يوجد لدي احساس اننا سنراها مجددا"،انهمك نائل في تقبيل والدته وعناقها منظر تقول عنه حنان " ابكى حتى السجانين الذين لم يشاهدوا مثل تلك المشاهدة في حياتهم ، ولكن المفاجاة المذهلة للجميع ان تلك الحاجة المريضة سرعان ما استعادت قوتها وعافيتها وبدات تعانق ولديها وهي توصيهم بالاهتمام بصحتهم وعدم القلق عليها وتؤكد لهم ضرورة الحفاط على وحدة الصف ".والمفاجاة كانت ان الوالدة عادت من زيارتها قوية وتحسنت صحتها لتعيش شهور اضافية بعدما اعادت رؤية نائل وعمر الروح والحياة اليها ، وعندما اشتد بها المرض وحتى حتى النفس الاخير كانت تنادي على نائل ، اغمضت عينيها وهي تذكره فقد كان كل شيء الهواء الذي تتنفسه وقوة ايمانها و من حبها لنائل كانت تعتبره المثال وقدوة ".
ليمونة نائل لا زالت تثمر
في ذكرى اعتقال نائل ، يحضر ايضا كما تقول شقيقته "بشجرة الليمون التي زرعتها والدتي في ارضنا منذ سنوات من بذور اخرجها من نائل من سجنه وروتها ايضا من ماء كان يبعث بها من خلف القضبان، فهي لا زالت تثمر ويتوزع ثمرها على الاهل والاحباء ، وامس اهديت جزء من ثمارها لمجموعة من الاسيرات المحررات ممن حضرن لمساعدتنا على التحضير لاحياء المناسبة ، لتكون بمثابة بشرى لنا بان يكون مصيرهن كمصيرهن فيتحرر ويوزع ليمونه الذي لم يذق طعمه على احبته" ، وتضيف " في ذكرى اعتقال اخي اشعر بروح امل كبيرة ونحن من المؤمنين بالله تمنحنا العزم لنستعد لاستقبال نائل ، لكن في نفس الوقت نتالم بسبب عدم توفر الجهد المطلوب والمناسب لتحريره وكل قدامى الاسرى الذين يتطلب تحريرهم ليس فقط البيانات والخطابات او تحويل قضيتهم لدكاكين وهم السلعة التي تباع وتسوق كل الاشياء على ظهورهم ، ان الوفاء لهذه الذكرى والتضحيات بحاجة لاهتمام جدي وصادق ونضال جاد ومستمر لكسر المعايير الاسرائيلية وتبييض السجون وهذا ما نتامله في المرحلة القادمة ان تصبح قضيتهم على راس الاولويات وتكرس كثابت حقيقي يحررهم ".