نيسان في السجل الفلسطيني
الكاتب : نواف الزرو
كما هو وارد موثق في عدد لا حصر له من الكتب والدراسات والوثائق، فقد أقدمت التنظيمات الإرهابية الصهيونية من أجل تحقيق هدف الاستيلاء على أرض فلسطين واقتلاع وترحيل أهلها عنها، على ارتكاب سلسلة مجازر جماعية بشعة شملت النساء والأطفال والشيوخ والرجال، وذلك عبر قتل أكبر عدد من الفلسطينيين الصامدين، وإرهاب وترويع الآخرين وإجبارهم على الرحيل والهروب أو اللجوء بغية تفريغ الأرض، فكانت أخطر وأكبر المذابح التي نفذتها تلك التنظيمات خلال حرب 1948، والتي ما تزال تفاعلاتها وتداعياتها الإنسانية مستمرة حتى يومنا هذا.
ولكنـ ليس فقط لم يتوقف نهج المذابح والمجازر التي ارتقت إلى مستوى «المحرقة» على مدار العقود الماضية التي أعقبت النكبة، بل باتت هذه السياسة العمود الفقري للإستراتيجية الإسرائيلية ضد الشعب العربي الفلسطيني، الذي أصبح يواجه في كل يوم المزيد والمزيد من النكبات والمحارق التي لا حصر لها.
ولكن ـ نجح الشعب الفلسطيني بالمقابل في تسطير ملاحم نضالية بطولية في مواجهة محارق ومجازر الصهيونية.
وفي هذا السياق، لعل شهر نيسان الفلسطيني يتميز عن شهور السنة الأخرى بموقعات عديدة نوعية أثرت على مجريات التاريخ الفلسطيني في الصراع مع المشروع الصهيوني.
فمن التفجيرات الإرهابية الدموية على مدى سنوات الثلاثنيات والأربعينيات..إلى الاغتيالات الممتدة على نحو سبعة عقود من الزمن.. إلى المجازر الجماعية التي لا حصر لها.. إلى التدمير والتهديم الشامل للبلدات والقرى الفلسطينية.. وغير ذلك من العناوين.
كلها نقرأها في نيسان من المشهد الفلسطيني منذ ما قبل عام النكبة..!.
ففي الأول من (نيسان) 1948 «وصلت ـ كما توثق المصادر الفلسطينية/ محمد جلال عناية ـ الخليج ـ طائرة نقل من طراز داكوتا محملة بالأسلحة التشيكية إلى مطار عسكري بريطاني مهجور في جنوب فلسطين، وقد تم توزيع الأسلحة على المستعمرات اليهودية في المناطق الجنوبية على الفور».
وبعد يومين من ذلك، «وصلت باخرة سراً إلى خليج صغير على الساحل الفلسطيني تحمل شحنة أخرى من الأسلحة التشيكية». وقد جاءت الأسلحة استجابة إلى برقية بعث بها بن غوريون إلى أيهود أفريل ممثل الهاغاناه في براغ يأمره فيها بإرسال شحنات سريعة من الأسلحة.
وكان لهذه الأسلحة تأثيرها في نتائج المعارك الدائرة بين العرب واليهود على أرض فلسطين.
ففي 3/4/1948 تمكن اليهود من احتلال القسطل التي كانت تتحكم بالطريق الموصل بين تل أبيب والقدس. ولكن العرب استعادوا القسطل في الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم 8/4/1948، وقد استشهد في ذلك اليوم عبدالقادر الحسيني قائد جيش الجهاد المقدس، ثم سقطت القسطل في صباح اليوم التالي 9/4/1948 وتزامنت هذه الخسارة مع الهجوم الوحشي والمذبحة التي اقترفتها عصابتها الأراغون وشتيرن الصهيونيتان ضد قرية دير ياسين في 9/4/1948 ما كانت له آثاره السلبية على الروح المعنوية للفلسطينيين.
أما في حيفا فقد تميزت القوات الصهيونية، إلى جانب التفوّق في التدريب والتسليح، بمواقعها على مرتفعات جبل الكرمل، بينما كانت الأغلبية العربية من أهل المدينة تقيم في المناطق المنخفضة حول الميناء.
وبعد يومين من تبادل متقطع لإطلاق النار بين الطرفين، زحف الصهاينة من المرتفعات في منتصف نهار 21/4/،1948 واستولوا على مفاصل الطرق والبنايات المرتفعة، وسقطت المدينة في يد القوات الصهيونية في 22/4/1948 قبل انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين.
وشهد نيسان الفلسطيني أخطر المجازر المقترفة على يد التنظيمات الإرهابية الصهيونية، كما جاء في تقارير الصحف والوثائق الفلسطينية:
في 9/4/1948 نفذ الصهاينة مذبحة دير ياسين التي خصص لها 1500 من أفراد عصابات والهاغاناه، ففي الساعة الثانية من فجر ذلك اليوم أعطى الأمر بالهجوم على القرية فتحركت وحدات الأرغون بالإضافة إلى إرهابيين من عصابات الهاغاناه والبالماخ لاكتساح القرية من الشرق والجنوب وتبعتهم جماعة شتيرن بسيارتين مصفحتين وضع عليهما مكبر للصوت.
استهدف الصهاينة من وراء المجزرة إفراغ القرية من سكانها العرب والقضاء عليهم أو في أحسن الاحتمالات إجبارهم تحت وابل النيران على المغادرة، وضحى هؤلاء بعنصر المباغتة عندما أرسلوا في مقدمتهم سيارة عسكرية مصفحة ومسلحة، حيث دخلت القرية وطلبت من أهلها عبر مكبر الصوت إخلاء قريتهم، ولكن المواطنين تصدوا للسيارة وأمطروها بوابل من النيران جعلها تنحرف لتقع في خندق عند مدخل القرية مؤذنة بنشوب المعركة.
وفي 10/4/1948 هاجمت عصابات الهاغاناه قرية ناصر الدين ( قضاء طبرية ) وأحرقتها وقتلت معظم سكانها وأخرجت الباقين تمهيداً للهجوم على طبرية، ففي ليلة 14 نسيان حضرت قوة من اليهود يرتدون الألبسة العربية إلى القرية فاعتقد أهل القرية أنهم أفراد النجدة العربية المنتظرة القادمة إلى طبريا فاستقبلوهم بالترحاب، فلما دخل اليهود القرية فتحوا نيران أسلحتهم على مستقبليهم ولم ينج من المذبحة إلا أربعين عربياً استطاعوا الفرار إلى قرية مجاورة وقد دمر الصهاينة بعد المذبحة جميع مساكن القرية، وكان عدد سكان القرية عام 1945 قرابة 90 فلسطينياً.
وفي 10/4/1948 هاجمت الهاغاناه قرية قالونيا ( بين القسطل والقدس ) وأحرقتها.
وفي 13/4/1948 هاجمت الهاغاناه قرية اللجون ( قضاء جنين ) وقتلت 13 عربياً
وفي 16/4/1948 هاجمت الهاغاناه قرية ساريس ( طريق القدس ) وهدمت معظم بيوتها وطردت سكانها.
وبتاريخ 10/4/1973، نفذت مجموعة من القوات الخاصة الإسرائيلية بقيادة «ايهود باراك» رئيس وزراء إسرائيل سابقاً ورئيس حزب العمل الحالي، بالعاصمة اللبنانية، عملية تصفية قادة منظمة التحرير الفلسطينية الثلاث، الشهيد محمد يوسف النجار وزوجته والشهيد كمال عدوان وكلاهما من قادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، والشهيد كمال ناصر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وبتاريخ 17/4/1988، نفذت القوات الخاصة الإسرائيلية بالعاصمة التونسية، عملية تصفية الشهيد خليل الوزير «أبو جهاد» نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية ومسؤول العمل العسكري في الأراضي عملية الفلسطينية المحتلة.
يضاف إلى ذلك سلسلة طويلة من الاغتيالات والحروب الصغيرة التي شنتها دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني في نيسان.
ويقفز إلى الذاكرة في هذا الشهر ملحمة جنينغراد التي تحل ذكراها التاسعة، تلك المعركة التي ارتقت في الوعي الجمعي الفلسطيني والعربي إلى مستوى الأسطورة.