«التحرير اللاعنفي المعكوس».. العودة إلى فلسطين(2)

«التحرير اللاعنفي المعكوس».. العودة إلى فلسطين(2)

الكاتب : وليد صليبي

مفهوم التحرير المعكوس وميزات نجاحه يحصل «التحرير اللاعنفي المعكوس» حين يقوم شعب دولة، معتدية على شعب آخر، بتحرير الشعب المُعتدى عليه.
ولا يمكن لهذا أن يحصل إلا في حال كان النضال لا عنفيًا، وإلا في حال تكوّنت المجموعات العابرة للحقد.
الفكرة الإستراتيجية الرئيسة هنا، هي إمكانية التحرير المعكوس لفلسطين. إذ إن المجموعات الإسرائيلية اللاعنفية العابرة للحقد سوف تسهم بشكل مباشر في إعادة اللاجئين إلى فلسطين لتشارك بالتالي في تحرير فلسطين.
لا بدّ من شرح ميزات هذا المفهوم الاستراتيجي وشروط نجاحه:
أـ الإعلان اللاعنفي
هو الشرط الأول الضروري الذي لا يمكن أن يتحقق النجاح من دونه. إذ في حال استخدَم الناشطون العنف، ولو بأيّ قدر نوعًا وكمًا، سوف تنعدم فرص تشكّل المجموعات العابرة للحقد، لا بل بالعكس، فإن الإسرائيليين سوف يتكتلون حول القيادات السياسية الإسرائيلية المتطرفة أو أنهم سيختارون الصمت والحياد.
إضافة إلى ذلك، هناك بالطبع جميع الميزات المعروفة للعمل اللاعنفي ونكتفي هنا بعرض بعض عناوينها:
عودة القضية الفلسطينية إلى الواجهة، بروز الوجه القمعي للسياسة الإسرائيلية لكن من دون إمكان استخدام حجة الدفاع عن النفس، بروز الوجه الإنساني الأخلاقي للقضية الفلسطينية وللناشطين الفلسطينيين، إمكان المشاركة في التحرك من قبل جميع شرائح المجتمع، عودة القرار إلى الشعب مباشرةً، توحيد الصف الداخلي في فلسطين، تكتيل الحلفاء وعزل إسرائيل، فتح نافذة على المجتمع الإسرائيلي وعلى المجتمع العالمي الذي كان مترددًا أو حتى معاديًا للقضية الفلسطينية، الانقسام داخل قيادات العدو، تحييد التفوّق العسكري للعدو، الانتصار الإعلامي وفي أوساط الرأي العام العالمي، إمكانية المقاضاة القانونية التي كان يعطلها الإسرائيليون باستخدام حجّة الدفاع عن النفس جراء الأعمال العنفية...
بـ مجتمع الدولة العدوة ليس مجتمعًا عدوًا
مبدأ لاعنفي أساسي لا يمكن للتحرير اللاعنفي أن يتجاوزه: عدم تعميم الشرّ والعداوة على كل مكونات الدولة العدو. مجتمع الدولة العدو مكوّن من نظام حاكم «عامة ما تكون له المصلحة الأكبر في العنف والتوسّع أو الإلغاء»، ومن أحزاب ومن هيئات مجتمع مدني وإعلام ومثقفين ومجموعات دينية وقوى عسكرية وشعب بأسره..
في حال استخدمنا العنف، سوف تتكتّل حتمًا جميع هذه القوى مع نظامها ونحقّق بأنفسنا هدفًا إستراتيجيًا لهذا النظام ألا وهو تشكيل نرجسية وطنية مدمرة موحدة مع نظامها.
في حال استخدمنا اللاعنف، قد ينفصل قسم من هذه القوى عن نظامه ليتضامن مع القضية العادلة وقسم آخر قد يأخذ موقف الحياد. إنهم ما يُسمّى في الأدبيات اللاعنفية «الضمير الجماعي للخصم».
جـ الفرز اللاعنفي لأطراف الصراع، للحلفاء والأخصام
ما نشهده في الصراعات العسكرية السائدة في العالم، هو اقتتال بين قوى موت وقوى موت أخرى. قوى الموت هي تلك التي تسعى عن طريق العنف، إلى الهيمنة السياسية والاقتصادية.. إلى فرض أيديولوجية أو عقيدة دينية.. فرض نظام سياسي في بلد محدّد أو ديكتاتورية عسكرية أو السعي إلى السلطة من خلال انقلاب عنفي.. هي في جوهرها، جميعها إلغائية، والوسيلة المنطقية والملازمة لها هي حتمًا العنف. ما كتبه كلوزويتز في هذه المسألة مُعبّر للغاية: «الحرب ليست سوى استمرار للسياسة بوسائل أخرى»... وبالطبع، تطلق دعوات القتل حتى باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان والدين والأمة والله والتحرير والعدالة...
أما قوى الحياة، في المقابل، فهي التي تعمل، دومًا باللاعنف، من أجل السلام وضدّ الحروب.. والتي تعارض السباق على التسلّح... وتواجه الظلم والفقر.. والاستبداد وقمع الحريات.. وتلك العابرة للحقد التي تتضامن مع شعب آخر مظلوم رغم أن نظامها هو الذي يظلمه...
في الصراع اللاعنفي، يتشكّل توزّع للقوى مختلف تمامًا عن تشكّله في الصراع العنفي. مثلاً، داخل إسرائيل بالذات، ستكون هناك أحزاب ومجموعات متضامنة مع القضية الفلسطينية؛ وداخل الأنظمة الغربية المتحالفة مع إسرائيل ستكون هناك أحزاب ومجموعات مدنية منتقدة لسياسة أنظمتها الداعمة لإسرائيل؛ حتى داخل إيران، سيكون هناك من يقول إن الشعب الإسرائيلي ليس بأسره شرًا مطلقًا...
ميزة الصراع اللاعنفي أنه يولّد حلفاء داخل معظم أنظمة الموت وفي الوقت نفسه خارج سياساتها. يُخرج الصراع اللاعنفي القضية الفلسطينية من تحارب قوى الموت في ما بينها ويضعها في صلب الصراع الحقيقي الصائب، أي الصراع من أجل العدالة والحياة. هذه البيئة المختلفة للصراع ولتوزّع القوى، هي شرط ضروري لنجاح «التحرير اللاعنفي المعكوس». تحرير الخصم من عنفه اللاعنف لاءان: لا لعنف الذات ولا لعنف الآخرين. والمواجهة اللاعنفية هي اختبار عملي للتحرر من عنف الذات، ولتحرير الخصم من عنفه. على المناضلين في «التحرير المعكوس» التركيز على واحد من العوامل الرئيسة التي تولّد العنف لدى الخصم، عامل الخوف.
يعرف قادة الحروب تمامًا أن لا حرب من دون خوف وتخويف. لذلك يُخصصون ميزانيات ضخمة لتمويل سياسات الخوف، في الإعلام، في التربية، في الاستراتيجيات العسكرية، وفي افتعال الأحداث...
من الضروري أن يركز المناضلون اللاعنفيون على سياسة «طمأنة» للمجتمع التابع لنظام الخصم. نعم، طمأنة، كوننا نحن من نحتاجها ونحتاج لنتائجها الأفعل لصالحنا في التحرك المنشود. الطمأنة، هي خيار استراتيجي واثق وقوي بدافع إعمال العقـل والإنسانية معًا كي ينتصر تحركنا. التحرير «المباشر» نستخدم مصطلح «مباشر» لنقول إن الذين يقومون بعملية التحرير هم الأهالي والشعب الفلسطيني مباشرة، من دون المرور بقنوات غير مباشرة كالسلطة الفلسطينية أو حماس أو دول خارجية كالولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي أو إيران أو الدول العربية أو تركيا أو الأمم المتحدة...
وحده العمل اللاعنفي المباشر يمكنه أن يضمن استقلالية القرار وسيادة الشعب الفلسطيني على نفسه. مخيمات العودة «التحرير المعكوس» يتطلب خلق نقاط إستراتيجية قوية ومهيأة، ينطلق منها «الحدث المِفلات». خلق مخيمات العودة. حين ذكرتُ فكرة هذه المخيمات أول مرة منذ سنوات، جاءني الرّد بأن الفلسطينيين «شبعوا» مخيمات. ومعهم حق في ذلك. لكنها هنا ساحة نضال... إنها مخيمات التدريب اللاعنفي وتجمّعات الانطلاق لعودة اللاجئين إلى فلسطين. وتكون موزّعة بشكل منظّم على طول الحدود مع فلسطين. المهمة الرئيسة لها هي التحضير والاستعداد ليوم العودة اللاعنفية الشاملة. ومن الضروري جدًا إنجاز عَمَلين جوهريين خلال مرحلة التحضير: خلق التواصل مع جنود العدو، وإعداد المتحركين للعمل اللاعنفي.
التواصل مع جنود العدو. ابتكار «أسلحة السلام»
نعلم أن أنظمة العنف تعتمد سياسة الحواجز، بين قواها العسكرية والأمنية وبين المناضلين اللاعنفيين. من هذا المنطلق تكون مهمّة مخيمات العودة فتح صلة مع جنود العدو وبالتحديد مع ضمائرهم، وصولاً إلى تهيئة يوم العودة اللاعنفية الشاملة. ويمكن أن يتم ذلك بطرق إبداعية متنوعة.
في هذا الإطار تتخذ «أسلحة السلام» أهمية خاصة، وهي أسلحة يمكنها أن توصل إلى مسافة بعيدة رسائل تحثّ على السلام والحوار وتُبرز أحقيّة القضية الفلسطينية وعدالتها. هي «أسلحة» حقيقية، ولكن سلمية، يمكن ويجب ابتكارها. الإعداد على اللاعنف الحفاظ على لاعنفية المتحركين هو شرط إلزامي لنجاح التحرّك. إذ في اللحظة التي يستخدم فيها المتحركون العنف، يسقط التحرّك. الصورة التي يجب أن يظهر فيها المتحركون، هي صورة الشخص المؤمن بقضيته والمصمّم على إحقاق أهدافه من دون أن يستخدم العنف، خاصة في حال لجأ الجنود الإسرائيليون إلى العنف. من هذا المنطلق، تبرز أهمية إعداد المتحركين وتدريبهم على: الاستراتيجيات وعشرات التقنيات اللاعنفية، وسائل المواجهة المباشرة مع الجنود، فلسفة وطرق التواصل مع جنود العدو...
الإعداد، عامل حاسم لنجاح التحرك.
العودة اللاعنفية الشاملة. «دوزنة» تدريجية للعدد.
يوم العودة اللاعنفية الشاملة هو اليوم الذي ينطلق فيه المتحركون للعودة إلى فلسطين، من مخيمات العودة، وفي الوقت نفسه. إن تحديد عدد المخيمات المشاركة ومواقعها، كما عدد الناشطين المتحركين، يعود للهيئة المنظمة للتحرك العام وللتحليل الاستراتيجي والجغرافي العام كما لدراسة خصوصية كل موقع. وحين ستنجح مجموعات أولى بالدخول إلى فلسطين، سوف يشكّل ذلك «الحدث المِفلات» الذي سيغيّر في موازين القوى ويُطلق دينامية جديدة لصالح القضية الفلسطينية.
إن حجم التحرك، وبالتالي عدد المتحركين من أجل العودة، يشكـّل مسألة حساسة جدًا. ففي حال كان العدد محدودًا، أمكن استيعابه من قبل السلطات الإسرائيلية ما يعطي صورة ضعيفة عن التحرك. وفي حال كان العدد كبيرًا أو كبيرًا جدًا، يمكن أن يولّد حالة من الذعر لدى السلطات الإسرائيلية ما يدفعها نحو استخدام العنف. كذلك، مسألة العدد قد تشكل هاجسًا بالنسبة للمجموعات الإسرائيلية المتضامنة والعابرة للحقد، ما يستلزم الاتفاق الشفاف معها عليها. لذا، يجب «دوزنة» العدد وتوزيعه بشكل تدريجي وعلى مراحل عدة.
لقد جرى الحديث مرّات عدة عن اجتياح شعبيّ سلميّ كبير من قبل الجماهير العربية لفلسطين، إلا أن ذلك لم يحصل، فالمناخ العنفي المحيط شكـّل عقبة أمام فكرة كهذه. ميزة «التحرير اللاعنفي المعكوس» أنه يحضّر لمناخ لاعنفي عام ومعلن، ما يعزّز إمكانية نجاح هذه الفكرة الثورية السلمية الموعودة.

» «التحرير اللاعنفي المعكوس».. العودة إلى فلسطين(2)
» 15 ايار :مسيرة العودة .. الشعب يريد العودة الى فلسطين
» حق العودة ومنظمة التحرير... بعد نيل الاعتراف بالدولة
» مسيرة العودة الفلسطينية تبدأ الأحد من فلسطين ودول الطوق
» دفاعاً عن حق العودة..فلسطيني يجسّم قريته المدمرة داخل علم فلسطين