ذكريات حزيرانية كانت هناك قصة، يرويها الاستاذ ابراهيم خليل هديب

المدير العام العمر : 59 *المزاج* :

ذكريات حزيرانية كانت هناك قصة، عايشتها منذ الصغر زيتــــــونة وكرمة، في حضنها أحلى الثمر في ليلة جاء الغراب صائحا ، هيا اخرجوا ، أين المفر، والناس في لجاجةٍ ، هذا القدر ، هذا القدر ........ عشت فترة الحرب ، فترة الخزي والعار ، فترة الرحيل والاغتراب ، كنت... قد أنهيت العقد الأول من عمري ، وأذكر طفولتي في ( مخيم عين السلطان ) ، درجت فق جبالها وتلالها ، وتسلقنا جيل ( قرنطل ) وشربنا من ماء عين السلطان ، وأكلنا من برتقالها ، وتنفسنا هواءها ، ......... أذكر يا أخي نضال عندما بدأت الحرب ‘ كنت أحمل الطعام بين يدي الذي كانت تعده أمي للجيش الذي تمركز في مقبرة المخيم ، وهي نقطة مرتفعة ، بإمكانك أن ترى مدينة أريحا منها ، وترى البحر الميت أيضا ، كنت أذهب بالطعام إلى الجنود كل يوم ، وفي يوم الاثنين اشتد القتال ، كنت أسمع هدير الطائرات في السماء ليلاً ، وكنت أسمع دوي الرصاص ،في لحظة أذكرها بعد الظهر ، وبعد أن تناول افراد الجيش الطعام الذي ذهبت به إليهم ،كانت طائرات الهيلوكبتر تحوم في السماء ، وأخذت تطلق الرصاص علينا ، كنت نشيطا قفزت إلى حفرة واختبأت فيها إلى أن هدأ صوت الرصاص ، أين أنت يا( أحمد ) الجندي الذي كان يخابر الجيش بجهاز اللاسلكي ، كان هذا المنظر ليس بعيدا عن قبر المرحوم الشيخ خليل مسلم ‘ كنت أرنو إلى القبر وما أدراك بحديث النفس ، قال لي أحمد الذي كان يقول لي اسقطنا طائرة يهودية هناك بجانب البحر الميت ، وكنت أمسك ( الدربيل ) وأحاول أن أرى ، ولكن هيهات ، لم أر شيئا ، ما رأيته هو أن مضادات الطائرات التي كانت تتصدى لطائرات العدو عندما تطلق نيرانها ، أقول في نفسي لقد أصابوها ، كانت تترك بقعة سوداء في السماء كأنها سحابة ، كنت أقول لقد سقطت خلف جبل قرنطل ، لكن الحقيقة كانت شيئا آخر ...... شاهدت بعيني ، وما زالت الذكرى ماثلة أمامي، عندما صوبت نظري نحو مخيم ( نويعمة ) لاأشاهد إلا أمواجا من الناس ، لقد مرّت طائرة اليهود من فوقي وعلى ارتفاع بسيط وأنا ملتصق بجدار البيت كي لا يراني رصاصها ، نعم لقد اتجهت نحو الناس وما رأيت إلا أشياء كانت تسقطها على الناس ، عرفت فيما بعد أنها قنابل النابالم المحرقة . ومع وقت العصر كانت أفواج الناس قد وصلت المخيم من رام الله ويقولون ، أين الطريق ، أين الطريق ، نعم هي طريق النجاة ، لا شيء غير الرحيل ، وهنا لا أريد أن أطيل عليك يا أخي نضال ، تجمع الأقرباء ،ولو ذكرت لك أسماءهم لا شك أنك تعرفهم جميعا ، أحياء وأمواتا ، تجمعوا في ساحة فسيحة بين البيوت ، وقالوا ستأتي شاحنة لنركبها ، وانتظرت مع المنتظرين ، جاءت الشاحنة وركب فيها من ركب وبقي الكثير مثلي لا يدري أين طريق النجاة . أين والدي في هذه اللحظة ، غير موجود ، كان في المفرق ، وهيهات أن يصل إلينا ، لقد أقام الجيش بين المفرق والزرقاء نقاطا كانوا ينزلون الناس المتوجهين إلى عمان من الحافلات ويعطونهم أغطية ( حرامات للنوم ) نعم أخذوها ورموها ثم تسللوا وخرجوا مشيا على الأقدام متوجهين إلى عمان . أخي نضال في هذه الساعة التي أكتب فيها في مثل ذلك اليوم كان قد وصل إلينا العم أبو منصور قواه الله وأمد في عمره ‘ وعلى استعجال قال : هيا بنا ...... لقد احتل اليهود القدس ، سرت معه أنا وأمي التي كانت حاملة في الشهر الثامن ، وأختي ، وكانت زوجة عمي وأولاده منصور ويوسف ومحمد الذي كان مولودا جديدا حملنا ما حملناه ، أتدري ما حملت يا أخي نضال سلة مصنوعة من القصيب وفيها ( مرتبان ، مطربان ) وعاء زجاجي مملوءا بالسمن ، وإبريق شاي ، وعلبة حلاوة كنت أضع فيها الأوراق الهامة من شهادات المدرسة وشهادة الميلاد وعقد زواج والدي وأوراق أخرى لا أذكرها ، انطلقنا حتى وصلنا عين السلطان ، ملأت إبريق الشاي بالماء لأتزود به ، فالطريق طويل ، شاهدت سيارات الجيش والناقلات المحترقة والجنود فيها محترقون ......... سرنا مع موج البحر ، مشيا على الأقدام حتى قذفنا الموج خلف النهر الحديث طويل وطويل وما شاهدته في الطريق كثير

المدير العام العمر : 59 *المزاج* :

تختلف بلدان اللجوء
و تتشابه المخيمات فذات الواح الزينكو ، و ذات الزقاق الضيق، و ذات الحزن المتشرنق على الجدران
و ذات برد الشتاء الذي يتخلل البيوت العشوائية ، و ذات العجائز اللاتي يجلسن في اول الطريق
و ذات المدارس التي نرتادها ، و ذات القهر في كل مكان
و هو ذاته الوطن الذي نرسمه على الجدران المتشققة باقلام الرصاص
و نكتب تحته ......عائدون....
اخي ابراهيم
لن تجف الاقلام ولن ينفذ الحبر من المحابر
ولن تتبخر ذاكرتنا وسنبقى تورث الذكريات
من الكبار للصغار ولن ينسون
دمت بود بنتظار البقية
اخوكم
لاجىء على اعتاب العودة

نضال هديب

عضو نشيط *المزاج* : عصبي

شكرا جزيلا اخ نضال على الموضوع

وادعو الله العظيم رب العرش العظيم ان يمد الله في عمرك يا والدي الغالي وان يعطيك الصحة دائما وابدا

وان شاء الله عائدون الى فلسطين أرض الانبياء

أم عبدالله

عضوجديد

فسلام مليء بعبق الرياحين
الى كل فلسطيني يملأ قلبه
الايمان الطاهر والحب الصادق
لوطن حمله بين جنباته
والى الاستاذ ابراهيم هديب
الف تحية لهذا السرد الرائع

عضو مميز

الاستاذ ابراهيم هديب
مشكور عرفتنا كيف هاجر ابائنا وما شاهدوا من معاناة

» قصيدة القدس في خطر..ابراهيم خليل هديب
» توثيق شفوي لمذبحة الدوايمة الحاج خليل هديب
» الاخ ابراهيم هديب شرفت منتديات الدوايمه
» أبراهيم خليل هديب شرفت منتدى الدوايمة
» محمد خليل هديب شرفت منتدى الدوايمة