اسهامات الاسرى في الحفاظ على التراث الفلسطيني

المدير العام العمر : 59 *المزاج* :

اسهامات الاسرى في الحفاظ على التراث الفلسطيني

إن معرفة فلسطين لا تكون بالاقتصار على معرفة جهادها ونضالها في هذا العصر ، ولا تتم الصورة إلا بالاطلاع على جذور حضارة هذا البلد الطيب منذ القدم ،فالحاضر نتيجة الماضي والمستقبل وليد الحاضر ، والتاريخ حلقات مترابطة .
ولا شك في أن إحياء التراث الشعبي والحفاظ على خصائصه الفنية وإظهار أصالته شرط أساسي من شروط تخليد آثار الحضارة العريقة ، فالفن القومي لأمة من الأمم مظهر لثقافة الشعب عبر الزمان والمكان .
نحن نعتز بالتراث الفلسطيني العريق ، الذى صمد رغم محاولات سرقته وتزييفه من قبل الصهاينة على مدى سنوات الاحتلال وما صمود هذا التراث إلا لأنه تراث أصيل زاخر بطبائع الفلسطينيين .
و ظن الصهاينة انهم بسجن الفلسطيني يخفون هذا التراث لكن الأسرى الفلسطينيين جعلوا من القيود فناً متميزاً يحمل رسالة الحرية والصبر على ظلم السجان وتعنته وجبروته.
حيث جسد الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي نضالهم وصبرهم على ظروف الاعتقال والأسر من خلال إبداعات فنية من الأشغال اليدوية، ونافذة أخرى لمحاكاة جدران السجن، ويظهر ذلك جلياً بالدقة المتناهية في تلك الأعمال.

الوسائل التي يتملكها الاسير للحفاظ على التراث:

الإرادة القوية والإصرار على متابعة تفاصيل الحياة مازال نابضاً في قلوبهم متأصلاً في النفوس محاولاً التغلب على ظلم السجان وقيود الأسر وقرارات إدارة السجن؛ والوسيلة بعض من ملابس بالية للأسرى تحمل لون نقاء الثلج، وحبات من نوى بذور الزيتون وقليل من حجارة وأعواد كبريت وبعض من أنابيب فارغة لمعجون الأسنان وورق الكارتون وكذلك ورق السجائر اللامع يستخدمونها لإبداع لوحات فنية من وحي معاناتهم وألمهم وشوقهم تعبر عما يجيش في صدورهم تحمل معاني الأمل و تؤكد على مدى عمق والتصاق السجين العاطفي بثوابته التي اعتقل لأجلها، وتكون حلقة من حلقات الترابط العاطفي والاجتماعي بين الأسرى وذويهم خارج السجون.
أعمال الأسرى اليدوية شكل جديد من أشكال المقاومة ابتدعه الأسرى الفلسطينيون من أجل التأكيد على هوية الثوابت التي يؤمنون بها، ويبثون من خلالها لواعج قلوب طالما عذبها الحنين لمن أحبت ولكنها أيضا تثبيت لمن حولهم ، فالمواد الخاصة بهذه الأشغال لم تدخل كرماً من المحتل بل جاءت بعد نضال خاضوه وإضرابات ليبدع الأسير الفلسطيني في داخل سجنه كما هو خارجه، وليؤكد من خلال الأعمال اليدوية على رأيه في قضايا دفع من أجلها عمره ، ولذلك يحث المجتمع على التمسك بها .

أعمال الأسرى :

يجاهد الأسرى الفلسطينيون بما لديهم من إمكانيات والتمسك بحقهم العادل في القدس والمسجد الأقصى ولأنهم ممنوعون من التعبير بالكلمات عن تمسكهم بثوابتهم الوطنية و محافظتهم على تراثهم يلجؤون إلى التعبير عنها بلوحات فنية إبداعية من مقومات بسيطة يهدونها لأهلهم وذويهم مع وصية خالدة بأن مسيرة التحرير لا بد أن تتواصل من أجل نصرة الأقصى والمقدسات الإسلامية.
فعلى طاولة لونت ببياض الثلج كان يستقر في منتصفها مجسم للمسجد الأقصى ألوانه بدت جذابة وإتقانه أكثر دقةً وإبداعاً ودلالاته عزاً ووفاءً وتأكيداً على المزيد من التضحيات لأجل حريته، أما مواده فكانت مزيجاً من عبوات معاجين الأسان الفارغة وعلب البسكويت التي يأتي بها الأهالي أثناء الزيارة بالإضافة إلى أوراق الحلويات وعلب السجائر اللامعة، يقوم الأسرى بجمع عبوات معاجين الأسنان الفارغة بالتناوب حيث يحتاج المجسم الواحد إلى خمسين عبوة، ومن ثّم يعمدون إلى فتحها طولياً وتقطيعها بأشكال هندسية مناسبة التشكيل قبة الصخرة، بينما يعمدون إلى قطع الكرتون الدائرية لإنتاج أرضية المسجد، ويستخدمون أوراق الحلوى الملونة اللامعة في صنع نوافذ المجسم.

أعمال الأسرى تزين منازلهم :

ولا يكاد بيت أسير فلسطيني يخلو من الأعمال اليدوية التي يقوم على عملها الأسرى من خلف القضبان ، هذه الأعمال لم تخلو عن الإطار الذي يعيشه الأسرى فهي تمثل نموذجاً مقاوماً بكل ما للكلمة من معنى ، قبة الصخرة والمسجد الأقصى والأشواق والحنين للأهل والأم وقد يكون لرفقاء درب مضوا عناوين تتصدر أبرز ما تخطه يد الأسير الفلسطيني من عمل متقن تصبغه روح التحدي والصمود .
فها هي زوجة الأسير نافذ حرز " أم أحمد" الذي أمضى 24 عاماً في سجون الاحتلال، تنفض غبار الزمن الذي آلم مشغولات زوجها الإبداعية والتي استخدم فيها أبسط الإمكانيات من "الحجارة والقش والخرز" معتبرة أن تلك المشغولات بمثابة الذكرى الجميلة لزوجها في بيته بعدما غاب عنه لما يقارب نصف قرن من الزمان، فبيت الأسير حرز يحتضن صوره إلى جوار معلقات للمسجد الأقصى من الخرز، وسفن العودة التي زينت أجنحة البيت زواياه.
"أم إياد" لازالت تحتفظ ببعض مشغولات شقيقها "خالد" التي صنعها أثناء اعتقاله ومنحها إياها في زيارتها الأولى له في سجنه ، فقد قدم لها "محرمة من القماش" مطرزة بأجمل الرسوم التي تعبر عن الحب الأخوي والاشتياق للحرية، هدية زفافها.
وتضيف: أخي خالد إنسان موهوب في الرسم وكم كانت سعادته غامرة عندما علم بزيارتي فقد سهر الليالي يخط ويطرز أجمل الرسومات على تلك "المحرمة" فما أن سلمت عليه من خلف القضبان حتى فاجئني بتلك الهدية الجميلة التي احتفظ بها حتى اللحظة مثبتة بدبابيس في خزانتي حتى أراها ليل نهار.
وتتابع: رغم الإفراج عن شقيقي وهو الآن ينعم بالحرية إلا أن لتلك المشغولات ذكريات جميلة لا تنسى، كما يتزين بيته بالكثير من أعماله الإبداعية.

التحديات التي تواجه الأسرى للحفاظ على التراث:

وعلى الرغم من اجتهاد الأسرى ومحاولتهم الحثيثة لتطويع كافة النفايات الخاصة بهم في الأسر لصنع المشغولات اليدوية و الحفاظ على تراثهم وأهمها مجسم القدس الذي يؤكدون فيه على تمسكهم بثوابتهم الوطنية إلا أن قوات الاحتلال تعمد دوماً إلى إحباطهم عبر ممارساته حيث قامت مؤخراً بمنع خروج أعمال الأسرى الفنية خارج السجن، خاصة التي تتعلق بالمسجد الأقصى المبارك، ووفقاً لمدير مؤسسة يوسف الصديق الناشطة بالأراضي المحتلة عام 48 المحامي إياد بيادسة فإن سلطات الاحتلال في مصلحة السجون تنتهج إجراءات تضييق بحق الأسرى وتمنعهم من إخراج مشغولاتهم اليدوية خاصة المتعلقة بالمسجد الأقصى خارج السجن، كما أنها تمنع إدخال بعض المواد الخاصة باستكمال المجسمات كالإبرة والأسلاك الصغيرة لثنيهم عن التعبير عن مشاعرهم واستكمالاً لمسلسل التغييب والعزل عن العالم الخارجي الذي تنتهجه ضدهم، لافتاً إلى أن مؤسسته تسعى سنوياً إلى إقامة معرض للأشغال اليدوية التي ينجزها الأسرى داخل السجن ضمن فعاليات يوم الأسير الفلسطيني في إطار واجبها نحو قضية الأسرى ونصرتهم.

تراث الاسرى يتحدى سياسة التغييب:

المشغولات تشكل دليلاً جلياً على فشل الاحتلال بكافة ممارساته في تعكير صفو انتماء الأسرى لقضاياهم وهموم شعبهم، والاعمال اليدوية التي أنتجها الأسرى تشكل رسالة تحدي لإرادة الاحتلال في عزل الأسرى عن عالمهم الخارجي وتغييبهم عن أهلهم ووطنهم وإدراجهم في ملفات النسيان في مقابر جماعية من صنعهم فوق سطح الأرض "، معلقة :" كانت معبرة عن مدى عمق التصاق السجين بثوابته وحرصه على تدعيم أواصر الترابط الاجتماعي بينه وبين أهله وأصدقائه ومحيطه خارج السجن.
من جهته ألمح رأفت حمدونة مدير موقع الأسرى للدراسات والأبحاث أن المشغولات التي يحرص الأسرى على إبداعها ومن ثّم إهدائها للأهل والأقارب والأصحاب خارج السجن هي لديه بمثابة حلقة من حلقات الترابط الاجتماعي بينهم يشاركهم من خلالها أفراحهم وأتراحهم يبث في معالمها مشاعر شوقه وحنينه للقاء محيا وجوههم مستخدماً إمكانيات بسيطة ونادرة يستخرجها من حاجياته الخاصة التي تضفي لوناً جمالياً إبداعياً على اللوحات الإبداعية مهما كان موضوعها ومضمونها مسابح أو مجسم لقبة الصخرة أو بروازاً يضمن فيه صورة ابن لم يره منذ ولادته أو أم رحلت عن دنياه دون أن يقبلها مودعاً راجياً رضا قلبها.

توثيق أعمال الأسرى:

ضمن فعاليات يوم الأسير الفلسطيني الذي يحل في 17 أبريل من كل عام تتهافت المؤسسات المعنية بالأسرى ومؤسسات المجتمع المدني، على إحياء ذلك اليوم بفعاليات ونشاطات تتراوح بين التظاهرات السلمية المطالبة بحقوقهم المنددة بالانتهاكات الموجهة ضدهم لاسيما إبراز معالم صمودهم وصبرهم خلال سني أسرهم عبر تنظيم المعارض التراثية لمشغولاتهم اليدوية والتحدث عن إبداعاتهم العلمية والفنية والثقافية لأن الارث النضالي للأسرى ليس بالحفاظ عليه في غرف مغلقة وإنما يحتاج الى إخراجه كي يرى العالم النتاج الفكري واليدوي والفني الذي ينفي صفة الارهاب عن الفلسطينيين.
و الحركة النسوية في عدد من الجمعيات الإسلامية الفلسطينية بمدينة غزة كانت أولى المنظمات التي تقوم بعرض المشغولات اليدوية للأسرى داخل سجون الاحتلال، فما أن تطأ قدماك ساحة المجلس التشريعي بمدينة غزة مقر انعقاد المعرض المؤقت لمنتوجات الأسرى حتى تأسرك مجسمات الأقصى والقبة المشرفة وتبهرك المسابح المصنوعة من نوى الزيتون وأزرار الملابس الملونة والحجارة المنحوتة، وتبحر بك السفن البحرية المصنوعة من الورق اللامع والكرتون وأعواد الكبريت وعبوات معجون الأسنان الفارغة إلى عالم آخر يجيش بمشاعر إنسانية فاضت حزناً وأملاً بلقاء قريب بوجه وقلب أمٍ خارج أسوار الأسر وشبك الزيارة.
وطالب الباحث في شؤون الأسرى فؤاد الخفش توثيق تلك الإبداعات وحفظها تراثا وضرورة عرضها وإبرازهذا الإبداع الذي وصل إليه الأسرى الفلسطينيون وتضمين المناهج جانباً لتجسيد معنى الحرية والتحدي الذي قام به الأسرى رغم المعاناة والصعوبة التي يعيشونها.
ودعا أيضا الجهات ذات العلاقة والمهتمة بشؤون الأسرى سواء على الصعيد العربي أوالدولي إلى تبني تلك الأعمال وإقامة المعارض الفنية والمبادرة بعمل متحف يهتم بأشغال المعتقلين وإنتاجهم الثقافي والفني.
كما يناشد الخفش الجهات الحقوقية إلى توفير المواد الخام لرفع معنوياتهم وإكمال إبداعاتهم، والعمل على تسويق منتجاتهم الفنية ودعوة المؤسسات النقدية والمهتمة لعقد ورش عمل تتعلق بتلك الأعمال والبحث عن ماهيتها ومحتواها.

المصدر : مؤسسة القدس للثقافة و التراث

» التراث الفلسطيني
» التراث الفلسطيني
» الطهور في التراث الفلسطيني
» الدوايمة \ من التراث الفلسطيني
» تحديات التراث الفلسطيني