نقاد وباحثون يناقشون صورة 'القدس' في الفنون السبعة فرادة المدينة تكمن في عمارته

المدير العام العمر : 59 *المزاج* :

نقاد وباحثون يناقشون صورة 'القدس' في الفنون السبعة فرادة المدينة تكمن في عمارتها وفنونها التزيينية حتى وصفها الدارسون بأنها 'آية في الفن' وعدوا قبة الصخرة 'معجزة معمارية'
05/12/2009

عمان ـ 'القدس العربي' تأتي أهمية ندوة ' القدس في الإبداع العربي' من كونها خلصت إلى ضرورة أرشفة الأعمال الفنية المتصلة بالمدينة المقدسة من خلال رابطة الكتاب الأردنيين وإصدار البوم القدس، وكانت جمعية النقاد الأردنيين بالتعاون مع وزارة الثقافة ورابطة الكتاب الأردنيين قد نظمت مؤخرا الندوة، في مقر رابطة الكتاب الأردنيين، بمشاركة عدد من النقاد الأردنيين والعرب، وناقشت في ست جلسات وعلى مدار يومين القدس في الشعر، وفي الأغنية، والرواية، والقصة، والتشكيل، وفي السينما، وأدب الرحلات.

القدس في الشعر الأردني

في جلسة محور ' القدس في الشعر' التي ترأسها الناقد فخري صالح يذهب الشاعر والناقد عبد الله رضوان في دراسته السوسيوتاريخية إلى أن الباحث يفاجأ عند محاولة التعرّف على تمثّلات الشعر العربي لمدينة القدس بالغياب الحقيقي والفاعل لهذه المدينة إنسانا وأمكنة وتاريخا حقيقيا لها عن الخارطة الشعرية العربية التقليدية، - وهذه مسألة تحتاج إلى بحث خاص للتعرّف على مبررات هذا الغياب - لكنه يشير إلى وجود مبرر شكلي أوّلي يتمثل في أن القدس لم تكن يوما عاصمة سياسية في مجمل التاريخ العربي، مع تفاوت في الأهمية بين دولة إسلامية وأخرى، وقد وصل الاهتمام إلى ذروته أيام الدولة الأيوبية وبخاصة زمن صلاح الدين الأيوبي، ثم تراجع حضور المدينة سياسيا بعد ذلك حتى منتصف القرن العشرين، ولكن، وحتى في عزّ المدينة السياسي الأيوبي فإن حضورها في الشعر ظلّ شكليا لا يتجاوز المكان كجغرافية انطلاق، أو لقاء للقائد، أو للمعارك، أو للمديح، أو للقوة والقدرة العسكرية. أما فيما يخصّ القدس الإنسان، التاريخ، البيئة، الحياة، أحلام الناس وآلامهم، فقد ظل كل ذلك مغيّبا عن التمثّل الشعري للمدينة.
وتمكن رضوان من رصد أشكال توظيف مدينة القدس في التجربة الشعرية العربية الحديثة وفق صيغ عديدة وهي: التوظيف التاريخي والأسطوري والديني، التماهي والتناغم بين الذات والمكان، عرض الوقائع اليومية، مع استمرار التعلّق الروحاني النبيل، القدس باعتبارها خصوصية فلسطينية نادرة وحالة نضالية، إدانة الحاضر العربي والتوجع من الواقع اليومي، التباهي والافتخار بالمكان، المدينة متكأ لقول هموم الشاعر وتقديم رؤيته ووعيه للقدس بخاصة وللقضية الفلسطينية بعامة. وبين رضوان أن النظرة للقدس إنسانية حزينة، فيما القدس موقف ديني أيديولوجي واضح، ومحدد الدلالة والمعنى.
وتوقف رضوان عند التوظيف الديني الممتزج بالتاريخي عند قصيدة الشاعر محمود درويش الموسومة بعنوان ' في القدس' حين يقول: ' في القدس/ أعني داخل السور القديم/ ....... فإن الأنبياء هناك يقتسمون...... يصعدون إلى السماء/ ويرجعون
أقلّ إحباطا وحزنا...... تنبت الكلمات كالأعشاب من فم أشعيا النبوي/.... إن لم تؤمنوا لن تأمنوا'.
والإشارة واضحة هنا في إحالتها إلى حادثة الإسراء والمعراج في حياة النبي محمد صلّى الله عليه وسلّم، ثم الربط بين الأمان والإيمان كما وردت على لسان النبي اليهودي أشعيا وهي المقولة التي دفنتها العقلية التلمودية الإسرائيلية الراهنة، وقامت بنقيضها تماما.
وتناولت د.ريم مقطش قصيدة ' زهرة المدائن' للأخوين الرحباني، أما د.عباس عبد
الحليم عباس فحلل قصيدة لمحمود درويش في القدس مصورا الأنا والآخر في
القدس عبر الخطاب الشعري.

رثاء القدس في الشعر العربي

وعرض الباحث د.محمد القواسمة موقف الشعر العربي مما جرى ويجري للقدس، ويبين مواكبة هذا الشعر لنكبتها الأولى 1948 منذ بدأت تلوح في الأفق نذرها، فأظهر خوفه ممّا يحاك لها، ونبه إلى ضرورة المحافظة عليها مذكّراً بأهميتها الدينية والتاريخية والحضارية، وحذّر من الأخطار المحدقة بها من قبل الحركة الصهيونية والاحتلال البريطاني، ثم عندما وقعت النكبة الثانية 1967 وضاعت القدس امتلأ الشعر حزناً على ضياعها وسيطرة المحتل على مقدساتها، فصوّر ما يعانيه أهلها من ظلم وذل، وبعد أوسلو 1993 بدأ يرسم طرق الخلاص، وكان أبرزها تبني الصمود والحث على الجهاد، لإعادة أمجاد عمر بن الخطاب وصلاح الدين الأيوبي.
كما بين البحث في النهاية أنّ رثاء القدس لا يعني انتهاءها كما تنتهي حياة الإنسان، وإنما يعني إبراز المأساة التي تُعايشها من أجل بعث الهمم لتحريرها من أيدي الطغاة الإسرائيليين.

القدس في القصة القصيرة

واختار الناقد د. خليل إبراهيم نماذج من القصص القصيرة التي تتخذ من القدس، المكان، والإنسان، محورًا لها، وبعض هذه القصص قديمة، تشير لوقائع جرت في القدس عام 1948، ومنها قصة أمين فارس ملحس( درب الآلام) وبعضها تروي حدثا جرى بُعيْد ذلك بزمن قصير، ومنها قصة (بوابة مندلبوم) لإميل حبيبي، وبعضها تقفُ بنا إزاء صدمة الاحتلال لدى المواطن المقدسيّ العادي، ومنها قصة (البلدة القديمة) لمحمود شقير من مجموعته ( خبز الآخرين) الصادرة عام 1975. ومنها قصة ( أول يوم) لخليل السواحري من مجموعته ( مقهى الباشورة) (1975)، وغيرها من القصص تؤكـّدُ الرجوع إلى الذكريات في بعض النماذج، مع التأكيد على ارتباط المقدسيِّين بمدينتهم، حتى وإنْ ُكتبَ على بعضهم، لظروف قاهرةٍ، أن يُقيموا في غيرها إلى حين.
وبعض القصص يتخطى حاجز الذكريات، وما فيها من الشعور الرومانتيكي، ليُعبِر عن صدمة الاحتلال، وما شهده البطل المقدسي من تحول تدريجي بادئاً بالمقاطعة متدرّجا بها إلى الإضراب، والتظاهر، والاستشهاد، وهو في ذلك كله رافضٌ لما يجثم على القدس من تهويد، وطمس للهوية، وتكثيفٍ للاستيطان، وترحيلٍ للسكـّان بتضييق الخناق عليهم لدفعهم للهجرة، فيفقدون - مثلما يظنُّ الاحتلال- علاقتهم بالماضي، وارتباطهم بالمكان.

القدس في المسرح

ويرى د. نضال الشمالي أستاذ الأدب الحديث ونقده أنه ' لا مناص من الإقرار بأن التاريخ بات مادة حكائية متداولة أدبياً، ومنفتحة على مشهدين في آن واحد، وإن غلب الارتكاز على التاريخ بوصفه دالاّ ً، ولكن الغاية تبقى الواقع المعيش مدلولاً. ومثل هذا التجاذب بين الدال والمدلول يضع الأديب أمام مسؤولية حقيقية في تعامله مع خطابين مستقلين في الوقت نفسه، إذ لا بد من أن يقع أحدهما في أسر الآخر.
ويعتقد الشمالي أن إخضاع التاريخ مادة للتداول يسمح لكل أديب بطريقة أو نهج في التعامل معه إن كان من أجل تصحيحه أو شرحه أو استكماله أو إسقاطه على الواقع لكتابة نصّ مستوحىً من نصّ سابق عليه، تحت سقف عالٍ من الحرية والتصرف حددتها فضاءات الأدب الواسعة هروبا من معيار الصدق التاريخي إلى معيار الصدق الفني، مما يتوجب على الأديب الموازنة في إبداعه بين التاريخي من جهة والأدبي من جهة أخرى، فيفلح في مخاطبة وعي جمهوره: مرة بإعادة بعث مقطوعة تاريخية لها ما لها، ومرة بتقديم نصّه الأدبي محمّلا بمعطيات الفن الذي يوقظ إحساسنا بالحياة والتاريخ.
ويستشهد بأحد النماذج الأدبية التي انشغلت بهذه الثنائية مسرحية ' الطريق إلى بيت المقدس' (2003) للدكتور إبراهيم السعافين، حيث يعيد فيها نسج مقطع تاريخي من نضال صلاح الدين في تحرير بيت المقدس، وضمن الرؤية السابقة يمكننا تناول هذا العمل من زوايا عدة، أبرزها: مبررات اختيار القدس محورا للأحداث، ومسوغات اللجوء إلى الماضي لتحقيق هذه الفكرة، كيفية الموازنة بين التاريخي والمسرحي، طريقة التعامل مع الشخصيات التاريخية في المسرحية.

القدس في أدب الرحلات

وتبين د.هند غسان أبو الشعر أستاذة التاريخ في جامعة آل البيت أن الرحلات المدونة في الشرق والغرب تختصر تاريخ المعرفة، والحاجة إلى معرفة الآخر، وهي في الواقع محاولة لمعرفة الذات أولاً، ومع أن دوافع الرحلات تبدأ من الرغبة بالمعرفة مدفوعة بالدين أو العلم، بحيث يمكن وصفها بأنها مدونات علماء أو تجار أو رحالة من الجغرافيين أو حجاج، فإنها مدونات وثائقية للبلدانيات والجغرافيا والاجتماع ونمط الحياة والمسالك والدروب وخطط المدن والأسواق والقصور والجوامع والكنائس والحمامات والمرافق الأخرى من مصابن ومدابغ ومطاحن ودور موقوفة وترب ومدافن ومدارس، إنها باختصار وثائقيات تحمل طابع السرد.
وتشير أبو الشعر إلى أن وعينا بالأهمية الاستثنائية للرحلات التي دونها رحالة عرب أو غربيون عند زيارتهم لبيت المقدس في عصور متعددة، دفعنا لاختيار هذا المحور، وقد اطلعنا على العديد من الرحلات الغربية منذ العصور الوسطى إلى بيت المقدس، بعضها معرّب والآخر منشور بلغات أصحابها.
كما رصدت أبو الشعر ما تنبه له بعض الأكاديميين إلى محور الرحلات في دراسة بيت المقدس، وأفرد الدكتور كامل العسلي مؤلفاً نشره عام 1992م، تناول فيه القدس بكتب الرحلات عند العرب والمسلمين، ويقع الكتاب في 143 صفحة، اجتهد فيه العسلي وقسم الرحالة والجغرافيين العرب والمسلمين حسب تواريخ رحلاتهم، بدءاً من القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي وانتهاء بالرحلات المعاصرة في القرن الرابع عشر الهجري/ العشرين الميلادي، فدرس أربعين رحالة عاد إلى كتبهم، واستل منها نصوصهم التي تصف بيت المقدس في رحلاتهم، ونظراً لأهمية هذا المدخل، موردة أسماء الرحالة الذين زاروا المدينة المقدسة ضمن الإطار الزمني لكل رحلة ومنهم: ابن بطوطة، ابن خلدون، الحموي، جرجي زيدان، وغيرهم.
وأتخذت أبو الشعر رحلة الشيخ عبد الغني النابلسي نموذجا كونها تكتسب أهمية خاصة لوصفه الدقيق لمراحل طريق الحج الشامي، بدءاً بخروجه من دمشق نهار الاثنين 17 من شهر جمادى الثانية عام 1101هـ / 1689م، وما ورد في رحلة النابلسي لبيت المقدس لأن المدينة المقدسة آنذاك كانت عربية اللسان بأهاليها، إسلامية الطابع، مع احترام كبير لأصحاب الديانات السماوية، وقد لفت انتباهنا احترام النابلسي لكل المواقع الدينية المسيحية، إذ انه زارها واحتفى بها وتحدث عنها باحترام وتقدير، وهي حالة تؤشر على طبيعة العلاقات بين الأهالي في بلاد الشام باختلاف طوائفهم، وتعتبر الرحلة وثيقة حية لوصف المكان في بيت المقدس والمؤسسات التعليمية والدينية ولقراءة طابع الحياة في المدينة المقدسة اجتماعياً.
كما أشار د.عبد الجليل عبد المهدي إلى أدب الرحلات في المؤلفات القديمة عند الرحالة العرب القدماء أمثال ابن بطوطة وابن جبير حول بيت المقدس، فيما تناول محمد سلام جميعان الرحالة الأوروبيين إلى بيت المقدس وذكر عددا منهم وصفوا بيت المقدس من منظور غربي.

القدس في الفن التشكيلي

ويذهب الفنان والناقد حسين دعسة إلى أنه منذ وعي الإنسان بالمؤثرات الحسية، ودور العوامل النفسية في العملية الإبداعية، كان العمل الفني على صلة مع ما يحدث دوماً. مشيرا إلى أن القدس في وسط الحدث الثقافي والفني والسياسي، مثلما كانت درة المدن وعروسة من عرائس الخيال عند كل فنان إنسان،.. وأيضا، عند كل فنان آخر، ربما لم يكن يوما ما في عداد الإنسانية أو تراث البشرية الحضاري. وكان للفنان العربي المسلم لمساته، قبل عشرات العقود، في جعل صورة القدس ضمن ذاكرتنا ووعينا.
ويبين دعسة أن آلافاً، بل عشرات الآلاف، رسموا وصوّروا ونحتوا وكتبوا واختلقوا الإشارات والرؤى الإبداعية حول القدس، المعمار، الحياة، الناس، السياسة، الحرب والسلم.. إلا أن صورتها في العين التشكيلية، كانت ضمن منظومات الصراع الإنساني والسياسي والاجتماعي والثقافي في المنطقة.
ويذهب دعسة للقول 'مئات الأسماء تاجرت باسم القدس وصورها وباعت حتى نسمات الروح التي تكتنفها.. ومئات الأسماء العالمية صنعت للقدس هالة، استثمرتها الصهيونية وجعلت منها صورة تشكيلية حضارية كعاصمة لإسرائيل والفنان العربي.. بعيد.. في سفر دائم نحو التجريب.. وموات للخيال والعملية الإبداعية وتباك استشراقي مؤلم جعل القدس تدخل سيرته التشكيلية والثقافية والإبداعية، ضمن برنامج حياته اليومي، فهي لوحة مثل أي وجبة سريعة، هامبروغر تشيكي... أضاع الهوية والإبداع والابتكار وأضاع القدس..أيضا.
ويعتبر دعسة قبة الصخرة أعظم المباني الإسلامية في القدس وأجمل ما صنعت يد الفنان المسلم وأبدعت في الكون كله، هي أعجوبة كونية في كل ما تحمله من زخرفة وإبداع.
فيما يذهب الفنان التشكيلي محمد أبو زريق إلى أن الثقافة هي المعقل الأخير من معاقل المقاومة للاحتلال بعد أن تم التفريط بمقدرات الأمة السياسية والاقتصادية والعسكرية ولم يتبق لنا إلا الجبهة الثقافية والتي يحاول العدو اختراقها باستمرار من خلال مؤتمرات مشبوهة تعقد تحت مسميات مختلفة باسم السلام والاقتصاد وحوار الأديان وغيرها من أشكال التطبيع، معتبرا الفن التشكيلي أحد أهم المفاصل الثقافية الفلسطينية التي تقوم بهذا الدور، إذ بعد ما يقارب الستين عامًا من تحولات المشهد التشكيلي الفلسطيني في كل من الشكل والمضمون فإن هذه التحولات واكبت وانسجمت مع وظيفة الخطاب الثقافي الفلسطيني.
ويستعيد أبو زريق البدايات في خمسينيات القرن الماضي متمثلة بأعمال اسماعيل شموط وتمام الأكحل فإن هذا التوثيق يأخذ أبعادا وتحولات جديدة في الستينيات مع وجود عدد جديد من الفنانين الفلسطينيين وبروز الثورة الفلسطينية وكفاحها المسلح ضد الاحتلال أمثال كمال بلاطة ومصطفى الحلاج وأحمد نعواش، وسامية حلبي، وكامل المغني، وبرهان كركوتلي، وإبراهيم غنام، وميشيل نجار، وإبراهيم هزيمة، وغيرهم، وهي ركائز ساهمت بشكل فعلي في تحديد هويته الثقافية الملتزمة سواء في اللوحة أو البوستر السياسي والنضالي والذي استجاب لتلك المرحلة الهامة في صياغة الهوية وتثبيتها عربيا ودوليا، ذلك أن للملصق السياسي في تاريخ مسيرة القضية الفلسطينية دوره البارز والهام، ولقد شارك عدد كبير من الفنانين الفلسطينيين في إعداد مثل هذه الملصقات لمناسبات وطنية وثقافية متعددة.
وقدم الفنان حسين نشوان في ورقته تمهيدا تاريخيا لمكانة القدس في التاريخ والأديان ومناخها وطبيعتها وعمارتها، حيث تشكل المدينة في تاريخها ومكانتها المقدسة والأحداث التي مرت عليها ونمط عمرانها وهندستها، مصدر إلهام للمبدعين والفنانين، وخصوصا الفنان التشكيلي الذي أفاد من ألوانها وعماراتها وفنونها كمفردات وموضوعات للوحاته، مبينا أن فرادة المدينة تكمن في عمارتها وفنونها التزيينية من تزجيج وخط عربي وحفر وأعمال فسيفسائية ورخام وتذهيب وهي أمور قلما توفرت لمدن أخرى، حتى وصفها الدارسون بأنها ' من أجمل مدن الدنيا' و' آية في الفن' وعدّوا قبة الصخرة ' معجزة معمارية'.
كما تناولت ورقة نشوان أبرز التجارب الاستشراقية التي عملت على القدس للمستشرق دافيد روبرتس، العام 1830 الذي قام برحلة إلى مصر وبلاد الشام رسم خلالها المواقع المقدسة لغرض تزيين الكتاب المقدس. متوقفا عند نكبة العام 1967التي حملت الكثير من التساؤلات أمام الفنان التشكيلي، مشيرا إلى تعدد الرؤى وتنوعات الأسلوبيات والتقنيات، مشيرا إلى ابرز الأسماء التي تناولت القدس كموضوع فني، ومنها: إسماعيل شموط، كمال بلاطة، سامية الزرو، جمانة الحسيني، محمود طه، رفيق اللحام، مصطفى الحلاج، سليمان منصور، عبد الرحمن المزين، سلام كنعان، محمد العامري، غازي انعيم، جهاد العامري، هائلة الوعري، محمد الجالوس، نصر عبد العزيز، وسواهم من الفنانين.
وختم نشوان قائلا ً أن الفنون والجماليات والبعد التاريخي والوجداني للمدينة المقدسة شكلت هواجس ومرجعيات لم تقتصر على إثراء الموضوع عند الفنان، وإنما تجلت في معالجة الشكل واللون، للذهاب أبعد من ذلك في البحث عن أسلوبيات تسعى لتشكيل لوحة ذات ملامح عربية، تستند إلى مفردات المدينة الجمالية والتاريخية والنفسية والوجدانية.

القدس في ذاكرة الأغنية

ويسلط الفنان غـازي انعيم رئيس رابطة الفنانين التشكيليين الأردنيين الضوء على صورة القدس في الأغنية العربية التي خاطبت الوجدان، وأرّخت للأحداث والمتغيرات التي شهدتها فترة الستينات من القرن الماضي وبشكل خاص بعد احتلال القدس بالكامل عام 1967، حيث دفعت المبدعين العرب لمواكبة تلك الأحداث بالأغنية السياسية والوطنية، بهدف تعزيز الهوية الثقافية العربية لمدينة لقدس والتأكيد على مكانتها ودعماً للوجود الفلسطيني وصموده فيها، وتصدياً لإجراءات الاحتلال وتعزيزاً للشعور بالانتماء الوطني تجاه هوية ثقافية عربية موحدة.. من هنا حظيت القدس ـ موضوعاً ولحناً ـ باهتمام مميز في سجل الأغنية العربية باعتبارها قبلة إبداعية ودينية وثقافية..
كما تناول في بحثه الأغاني التي ارتبطت بالقدس وبالذاكرة التي غناها عبد الحليم حافظ، وهاني شاكر، وفهد بلان، وشادية ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم.. ولو أردنا أن نبحث عن أغنية ارتبطت بالقدس، وبالتالي ارتبطت بذاكرتنا.. لن نجد سوى ما غنته السيدة فيروز وبشكل خاص ' زهرة المدائن' و' القدس العتيقة'، ولم تتجاوزهما، منذ فقدنا القدس، أي أغنية..
ويخلص انعيم إلى أن مشكلتنا مع الأغاني التي ارتبطت بالقدس، أنها لم ترتبط بالذاكرة، وكانت تنتهي مع انتهاء الحدث والمناسبة.. وتهجع راكدة في الذاكرة العربية بانتظار مأساة جديدة.. فما إن تقلب صفحة جديدة حتى تختفي أغنيات المرحلة.. لأن وسائل الإعلام العربي الرسمي كانت تمارس سياسة التغييب على هذا النوع من الأغاني..

القدس في السينما العربية

كما ناقش سينمائيون القدس في السينما في الجلسة التي ترأسها عواد علي. من جهته كشف الناقد السينمائي عدنان مدانات أنه على الرغم من الأهمية الراسخة في الوجدان العربي لمدينة القدس تاريخا وحاضرا، إلا أن السينما العربية لم تول القدس أيما اهتمام بحيث اعمد إلى جعل أزمة المدينة المقدسة موضوعا لأفلام متنوعة. وباستثناء فيلم يوسف شاهين المعنون ' الناصر صلاح الدين' فلم يعرف تاريخ السينما العربية حقا أفلاما، خاصة أفلاما تسجيلية، لها علاقة بالقدس. لم تدخل القدس فعليا في السينما العربية إلا بمجهود سينمائيين فلسطينيين تزامنت مع نكسة حزيران وتاليا قيام حركة المقاومة الفلسطينية، حيث ظهرت عبر السنوات مجموعة من الأفلام التسجيلية المخصصة للقدس إضافة إلى فيلمين روائيين طويلين.
ونشير إلى دراسة الباحث في تاريخ السينما الفلسطينية بشار إبراهيم حيث نعثر على سجل موثق للأفلام التسجيلية التي دارت حول القدس، حيث يشير الباحث إلى أن أول فيلم عن القدس هو فيلم ' القدس' الذي حققه الفنان التشيكلي فلاديمير تماري، عام 1968م، مرورا بفيلم ' القدس تحت الحصار' للمخرج جورج خليفي، عام 1990، الذي يقدم صورة عن واقع مدينة القدس، ويتابع فيلم 'بيان عن مآذن القدس' للمخرج جمال ياسين، عام 1993م، دق أجراس الخطر الذي يهدد مصير القدس، أما فيلم ' القدس، أبواب المدينة'، للمخرج فرانسوا أبوسالم، عام 1995م، فيعبر عن مدينة القدس عبر ثلاث شخصيات مقدسية، كما يقدم فيلم ' أنت، أنا، القدس' للمخرج جورج خليفي بالاشتراك مع ميشا بيليد، عام 1996م، إضافة للأفلام الفلسطينية عن القدس منذ مطلع الألفية الثالثة حيث قدم المخرج رشيد مشهراوي فيلمه ' خلف الأسوار'، عام 2000، ومدته 34 دقيقة، ويعتبر وثيقة تفضح المحاولات الصهيونية للاستيلاء على مدينة القدس، وغيرها من الأفلام التي تذكر القدس في السينما الروائية العربية بعد فيلم ' الناصر صلاح الدين' كان عبر عنوان فيلم روائي طويل أنتج في الأردن في العام 1969 بعنوان' الطريق إلى القدس' من إخراج عبد الوهاب الهندي. عدا ذلك لا نعثر على القدس موضوعا رئيسيا إلا من خلال فيلمين طويلين هما 'القدس في يوم آخر' للمخرج هاني أبو أسعد، و' تذكرة إلى القدس' للمخرج رشيد مشهراوي، ويمكن أن نضيف إلى ذلك ما ورد من إشارات إلى القدس في فيلم ' يد إلهية' للمخرج إيليا سليمان، حيث يتحدث الفيلم عن الحواجز التي تمنع حبيبين من الالتقاء في القدس.
وركزت ورقة الناقد احمد طملية على فيلم تسجيلي طويل للمخرج رشيد مشهراوي المعنون ( بث حي مباشر) حول علاقة الشاشة الصغيرة والسينما في فضح ممارسات الاحتلال الإسرائيلي لمدينة القدس.
كما عمد الناقد ناجح حسن للمقارنة بين المعالجة السينمائية لمدينة القدس في أفلام عربية وأجنبية لافتا إلى أن السينما العالمية منذ بداياتها المبكرة اتجهت إلى تصوير أفلام عن القدس بحكم قيمتها الدينية والتاريخية والحضارية، لكن تلك الأفلام التي تعد من الوثائق النادرة جرى توظيفها من قبل طرفي الصراع، مبينا أن السينما الهوليوودية قدمت حديثا مجموعة من الأفلام الروائية التي تحاكي الحروب الصليبية بغية استلهام التاريخ على ارض الواقع مثلما حدث في فيلم ( مملكة الجنة) للمخرج رادلي سكوت الذي صور مدينة القدس ودخول صلاح الدين لها قريبا من وجهة النظر العربية.
وقرأ د. خليل نماذج من القصص القصيرة التي تتخذ من القدس، المكان، والإنسان، محورا لها، وبعض هذه القصص قديمة، تشير لوقائع جرت في القدس عام 1948، ومنها قصة أمين فارس ملحس( درب الآلام) وبعضها تروي حدثا جرى بُعَيـْدَ ذلك بزمن قصير، ومنها قصة ( بوابة مندلبوم) لإميل حبيبي، وبعضها تقف بنا إزاء صدمة الاحتلال لدى المواطن المقدسي العادي، ومنها قصة ( البلدة القديمة) لمحمود شقير من مجموعته ( خبز الآخرين) الصادرة عام 1975، ومنها قصة ( أول يوم) لخليل السواحري من مجموعته ( مقهى الباشورة) (1975). وتتبع المحاضر في البحث نماذج في قصص أخرى للكاتب، وهي ( نفس تمباك)، و( مقهى الباشورة) و( المتفرجون) وغيرها من قصص... تؤكـد الرجوع إلى الذكريات في بعض النماذج، مع التأكيد على ارتباط المقدسيين بمدينتهم، حتى وإن كتب على بعضهم، لظروف قاهرة، أن يقيموا في غيرها لحين.
وتناول د.حسن عليان رواية فرح انطون وحللها فنيا واقفا على المضامين بالتركيز على المكان في القدس والأحداث ومجرياتها هناك وفي حواريها.

» أمسية تراثية\ ابوب القدس السبعة
» شعلة مهرجان القدس 2010 تضيء سماء المدينة المقدسة
» باب العمود' في القدس..علامة بارزة على عروبة المدينة تقهر الاحتلال
» قادة اسرائيل: القدس الموحدة عاصمتنا الابدية ولن تقسم ولا تجميد للاستيطان في المدينة وسنستأنف هدم المنازل
» مخطط اسرائيلي لتغيير معالم القدس القديمة يشمل ابواب المدينة والسور والاسواق والاضاءة واحياء مهرجانات