عمان ـ
'القدس العربي': الإنعطافة الأردنية المفاجئة خلال الساعات القليلة الماضية بإتجاه
روسيا ليست وليدة لحظتها ولها ما يبررها في تقدير صناع القرار المحلي وإن كانت تعبر
عن لحظة إنقلاب تكتيكي سريع وبراغماتي في تفكير المؤسسة الأردنية عندما يتعلق الأمر
تحديدا بالملف السوري.
وقد لا تتعلق ساعات التقارب المباغتة بين عمان وموسكو
حصريا بالملف السوري لكن إستنادا إليه يمكن أن يتأسس برنامج مرحلي جديد في العلاقات
الثنائية تمتد جذوره إلى ما هو أعمق من مسألة دمشق لتصل إلى مستويات غير مسبوقة من
التنسيق في ثلاثة مسارات هي الإستخبارات ومكافحة الإرهاب والوضع الإقتصادي والأهم
ملف عملية السلام في الشرق الاوسط.
هنا حصريا يحلو لغرفة القرار الأردنية
الإشارة إلى أن روسيا يمكنها أن تتفق مع الأردن على مساحات مشتركة من التضامن
والتحالف ليس على الطريقة السورية فتلك كلفة لا تستطيعها عمان الآن.
ولكن الحديث
يتواتر عن تحالف محتمل بالقطعة مع موسكو لا يقف عند حدود فتح ملاذات جديدة لعمان بل
يصل إلى مستوى تحالف 'تفاوضي' عنوانه الأبرز إشراك موسكو أكثر في العملية السياسية
لان رئيس الوزراء الأردني عبدلله النسور يبدو واثقا كما فهمت 'القدس العربي' بأن
المنطقة برمتها ستتجه إلى الملف الفلسطيني بعد إنجاز التسوية التي فوض بها المجتمع
الدولي ضمنيا روسيا.
بدا أن ذلك هدف تكتيكي مثير للجدل رسمه الأردنيون بوعي
وإحتراف في الملعب الروسي عندما أبلغ الملك عبد الله الثاني الرئيس بوتين بانه
يتطلع لمساعدة روسية في تعزيز المصالح الأردنية عندما تنتقل المنطقة لتسوية عملية
السلام.
عمان سياسيا لا تخفي أنها تبحث عن 'مقايضة' يمكن تلمس ملامحها الأساسية
والأولى وعنوانها توفير خدمة أردنية سريعة للسيناريو الروسي في الموضوع السوري
مقابل 'خدمات مؤجلة' لموسكو يمكن أن تحتاجها عمان عندما تبدأ إستحقاقات وتداعيات
عملية التسوية السياسية في الموضوع الفلسطيني.
العلاقة بين عمان والسلطة
الفلسطينية برئاسة محمود عباس لا تبدو مستقرة تماما على مقاس التحالف الإستراتيجي..
مؤخرا حصل بعض التباعد لان عباس يصر على إستباق المجتمع الدولي بإجبار الأردن على
التفكير معه بالتجهيز لمشروع الكونفدرالية.
إلحاحات عباس بالسياق ينظر لها
الأردنيون بإرتياب لانها يمكن أن تشكل حلقة ضغط عنيفة عليهم إذا ما دعمتها حكومة
نتنياهو الجديدة بعدما أصبحت ليفني مسؤولة عن الملف القانوني في الحكومة
الإسرائيلية في إشارة تمهد على الأرجح للغرق في جدالات وتجاذبات سياسية وقانونية
كانت دوما تؤثر على المصالح الأردنية.
إضافة لعباس لا يقدم النادي الخليجي
العربي حلا من أي نوع للمشكل المالي الأردني الذي يقترب من إفلاس الخزينة كما صرح
النسور أما سفراء الولايات المتحدة والغرب في عمان فقد أصبحوا مبشرين بالخراب
الإقتصادي فقط ويغذون الهواجس حتى أن
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] التخطيط جعفر حسان وصفهم بأحد الإجتماعات بالبومة الناعقة بالخراب.
لذلك يتنامى
شعور الأردنيين بوجود أجندة مريبة ضاغطة على إقتصادهم ويخشون التعرض لضغوط تطالبهم
بتنازلات مؤلمة سواء على صعيد الملف السوري أو الفلسطيني أو إخضاعهم لسيناريوهات هم
ليسوا جاهزين لها أو لم يشاركوا في صياغتها.
إزاء هذا الواقع بقي أمام عمان مهرب
واحد فقط هو روسيا بعد الرفض المتتالي لعروض إيران المغرية في مساعدة الأردن وطرق
أبوابه، الأمر الذي يدفع بإتجاه مقايضة سياسية بإمتياز عنوانها الأبرز تعزيز مكانة
روسيا في المنطقة عبر تخصيص مساحات متقدمة لإتجاهاتها في بوصلة بلد مهم لفلسطين
ولسورية مقابل مساحة 'صداقة' متميزة تخدم الأولويات والمصالح الأردنية في عملية
السلام وترتيباتها على أساس الدوران قليلا في فلك روسيا عبر إشراكها في عملية
السلام وتمكينها من الذراع الأردنية فيما يخص الملف السوري.
ذلك على الأرجح ما
تطلب قمة أردنية ـ روسية مثيرة للجدل تكرس الصداقة الجديدة التي قد يكون من
تأثيراتها مغادرة الدوران في الفلك الأمريكي ولو قليلا في سياق تفاعلات سياسية
براغماتية تستغل التفويض الأمريكي العلني لموسكو حتى تدير أو تحاول إدارة ملف
التسوية السوري .
حتى اللحظة لا يبدو أن واشنطن منزعجة من البوصلة الأردنية
المتجهة بهمة ونشاط نحو بوتين لكن لا توجد ضمانات بأن تبقى غير منزعجة بعدما حملت
عمان معها ملفات كانت حكرا على حليفها الأمريكي أبرزها العمل مع روسيا تحت لافتة
مكافحة الإرهاب على أمل أن تمارس هذه العلاقة الجديدة في ساحة دمشق وتحديدا في
مواجهة تنظيم النصرة وهو بكل الأحوال خيار لا يمكن لواشنطن الإعتراض عليه ويتناسب
تماما مع الخبرات الأردنية.
عليه ستقدم روسيا علماء نوويين وإستثمارات وإسنادا
خلفيا عند التفاوض على التسوية النهائية في القضية الفلسطينية مع سياح وتجارة بينية
وتنشيط لإستثمارات الطاقة والتعدين.
بالمقابل ستقدم عمان ما تملكه من أوراق
رابحة ويمكن تسويقها مثل خبرات مكافحة الإرهاب والسهر على إنجاز السيناريو الروسي
في سورية وتوفير موطىء قدم متقدم في بوصلة بلد كان تاريخيا من أهم حلفاء واشنطن في
المنطقة مع شواطىء حارة على البحر الميت يسترخي فيها بويتن ورفاقه ومواطنوه بعد
إنضاج مقايضة على أساس المخاوف.
يمكن ببساطة ملاحظة أن هذه الترتيبات تسارعت قبل
أسابيع قليلة من وقوف الرئيس باراك أوباما المفترض على المحطة الأردنية في زيارة
'مهمة' لا تخفي أوساط عمان قلقها من نتائجها وتداعياتها خصوصا إذا كان الرجل جادا
فعلا في قصة 'سأتحدث لشعوب المنطقة وأدعم تطلعاتها نحو الحرية'، الأمر الذي لا يبدى
بوتين بالعادة إهتماما يذكر به.