ليس ثمة من أحد يجيد اللعب بالكلمات وإطلاق المبادرات وفرض المصطلحات كما هو حال الصهاينة بما يملكون من أدوات إعلامية، أما العرب فيقومون بدور المستهلك في غالب الأحيان، ولا شك أن قصة الدولة الفلسطينية كانت من اختراعهم. حدث ذلك قبل عقود عندما أخرج العرب أنفسهم من دائرة الصراع، وصارت منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، الأمر الذي مكنها من الاعتراف بقرار 242 وتبني مقولة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
" منذ تبني مقولة الدولة الفلسطينية على الأراضي المحتلة عام 67 وقصة الدولة الفلسطينية -وأحيانا بمسمى الاستقلال وليس التحرير- هي البوصلة والعنوان، مع أن الأصل هو أن يحدث التحرير قبل قيام الدولة وليس العكس " | منذ ذلك الحين وقصة الدولة الفلسطينية، وأحيانا بمسمى الاستقلال (لاحظ المصطلح) وليس التحرير هي البوصلة والعنوان، مع أن الأصل هو أن يحدث التحرير قبل قيام الدولة وليس العكس، ما يعني وضع العربة أمام الحصان وإضاعة البوصلة.أوسلو كان التدشين الأبرز للمسار المذكور، حيث صنع ما يشبه الدولة قبل أن يحدث التحرير، وأقنع القوم أنفسهم بأنهم سيحولونها إلى دولة حقيقية بحسب قرارات الشرعية الدولية، فكان أن اصطدموا بالجدار المسدود، ليس فقط لأن ما عرض عليهم كان أقرب إلى الحكم الذاتي منه إلى الدولة ذات السيادة، بل أيضا لأن المساحة والتفاصيل لم تكن مرضية بحال، لاسيما ما يتعلق بملف القدس والمقدسات. نتذكر ذلك كله بين يدي المصطلح الجديد الذي صار الأكثر تداولا في السوق السياسية خلال العام الماضي والحالي، والذي كرسه الصهاينة مصطلحا دوليا عندما جعلوه جوهر الخلاف بين حزب كاديما الذي خرج من عباءة الليكود بقيادة شارون، وبين الليكود بطبعته القديمة بقيادة نتنياهو. لم يسأل أحد عن السبب في عدم التوصل إلى حل سياسي بين الفلسطينيين والإسرائيليين قبل نتنياهو ما دامت قيادة كاديما مقتنعة بحل الدولتين. ولماذا لم تسفر مئات الساعات التفاوضية بين أولمرت وتسيبي ليفني من جهة ومحمود عباس وأحمد قريع من جهة أخرى عن صفقة نهائية؟ واقع الحال هو أن الحل كان قاب قوسين أو أدنى، وليس صحيحا ما قيل ويقال عن أن تفاهمات لم تنجز، لكن العقدة التي أفشلت مفاوضات كامب ديفد صيف العام 2000 هي ذاتها التي أفشلت المفاوضات هنا، مع العلم أن القيادة الفلسطينية الجديدة تبدو أكثر مرونة من القيادة السابقة، والعقدة هي المتعلقة بالقدس الشرقية، إذ طالب محمود عباس بموطئ قدم فيها يسميه عاصمة للدولة، وبالطبع لكي يكون بالإمكان تسويقها على الشعب الفلسطيني في الداخل. ما قاله أولمرت مرارا خلال الأسابيع الأخيرة من وجوده في السلطة أكد ندمه على ما جرى، وهو حذّر من ضياع الوقت ومن أن ما ترفضه الدولة العبرية الآن ستندم عليه في المستقبل، ويبدو أن هذه القناعة قد سادت، ليس في الوسط السياسي والأمني والعسكري في الدولة، بل أيضا في أوساط اللوبي الصهيوني الأميركي صاحب التأثير في القرار الإسرائيلي. ضمن هذه الرؤية جاهد الأميركان والكثيرون في الدولة العبرية من أجل فوز كاديما بزعامة ليفني بالانتخابات، ودائما على قاعدة استغلال فرصة وجود محمود عباس في السلطة، ومن ورائه قيادة عربية بائسة تملك قابلية استثنائية للتراجع، وبالطبع من أجل تمرير الاتفاق، ويبدو أن موضوع القدس صار أكثر قابلية للمرونة، مع إمكانية استغلاله في أخذ مزيد من التنازلات من عباس، لعل أبرزها الاعتراف بالدولة العبرية كدولة لليهود، وبالطبع عبر تبادل للأراضي والسكان يسمح بتحويل العبء السكاني الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 48 إلى الدولة الفلسطينية العتيدة. وقعت المفاجأة وفاز نتنياهو، فكان لا بد من أن يشرع اللوبي الصهيوني بتدجينه كي يقبل بحل الدولتين الذي صار معزوفة على كل لسان، من دون التردد في استغلاله من أجل دفع الفلسطينيين والعرب نحو مزيد من التنازلات، وهي اللعبة التي تمارس بعناية هذه الأيام. ثمة بالطبع ما يشير إلى أن نتنياهو لن يرفض الحل المذكور، ومن ذلك تصريحاته ذاتها، فضلا عن سلوكه خلال وجوده في السلطة بين عامي 96 و99، وفي التصريحات التي أطلقها خلال حفل تنصيبه ومن ثم في كلمته المتلفزة أمام منظمة "الإيباك" الصهيونية تأكيد على ذلك، لكن الوضع الفلسطيني والعربي ببؤسه المعروف هو الذي يمنحه القابلية لمزيد من الابتزاز، حتى لو أدى ذلك إلى تأجيل الحل، لاسيما أن ضغطا على أعصاب الاحتلال لا يتوفر هذه الأيام، وبالطبع في ظل تهدئة غزة وقيام السلطة بمهمة قمع المقاومة في الضفة وهدوء جبهة لبنان، فضلا عن الحاجة إلى التركيز على الملف النووي الإيراني، وإن احتاج ذلك بعض المرونة في الملف الفلسطيني من أجل تجييش الأنظمة العربية في المعركة.[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
" عندما وقعت المفاجأة وفاز نتنياهو، كان لا بد من أن يشرع اللوبي الصهيوني بتدجينه كي يقبل بحل الدولتين الذي صار معزوفة على كل لسان، من أجل دفع الفلسطينيين والعرب نحو مزيد من التنازلات، وهي اللعبة التي تمارس بعناية هذه الأيام " | في أكثر من تصريح تحدث نتنياهو عن مسار أمني واقتصادي وسياسي. وفي حين يمضي المسار الأمني بشكل غير مسبوق منذ توقيع اتفاق أوسلو قبل 15 سنة كما ذهبت صحيفة هآرتس (5/5/2009) نقلا عن مصادر أمنية، فإن المسار الاقتصادي يتقدم هو الآخر، وعندما يعمل أبناء الرئيس في البزنس ويقول أحدهم إن أرباح مجموعة شركاته السنوية تساوي 35 مليون دولار، كما جاء في حوار مع موقع أسواق نت قبل أن يجري تعديل نصه، فإن ذلك يؤكد أن ملف المسار الاقتصادي فاعل كذلك. يبقى المسار السياسي، وهنا أعلن نتنياهو أنه مستعد لاستئنافه دون شروط، الأمر الذي يشير إلى إدراكه لخطورة إدارة الظهر للعبة المفاوضات، من دون أن يكفّ كما فعل أسلافه "المعتدلون" عن تصعيد الاستيطان الذي يصاب بالسعار كلما كانت اللعبة المذكورة فاعلة على الأرض |