قرية كفر قدوم" قصة صمود فلسطينية في وجه رياح سرطان الاستيطان العاتية"
لم يتوقع أحد من مواطني بلدة كفر قدوم الفلسطينية غربي نابلس على الطريق إلى قلقيلية أن تتحكم مستوطنة قدوميم الجسد الغريب المزروع في خاصرتهم ذات يوم بحركة العبور من وإلى القرية عدا عن التهام آلاف الدونمات من الأراضي المشجرة بالزيتون الضارب في أعماق الأرض والتاريخ.
في يوم غير عادي من أيام السواد التي لحقت بالأرض الفلسطينية و أهلها اثر احتلال حزيران عام 1967 استفاق أهالي كفر قدوم المتميزة بهدوئها على نبأ سيطرة الجيش الصهيوني على إحدى المواقع التي كان يشغلها الجيش الأردني قبل الحرب بساعات وظنوا يومها أن الحدث عابرا ولم يكن العبء بها كبيراً .
ولم تمضي أيام قلائل على الحادثة حتى زرعت في المكان بضع بيوت متنقلة تسمى كرفانات غريبة كغرابة الاحتلال توسعت مع الأيام البطيئة وبعبارة ضخمة في المكان تسمى قدوميم لكن البيوت التي بدأ العمل بها كمنازل ثابتة كانت مؤشراً وقع كالصاعقة على رؤوس الأهالي الذين يملؤهم التوثب للعمل الوطني ومواجهة الاحتلال.
وتواصلت مع الأيام والشهور عمليات البناء والابتلاع الاستيطاني بموازاة المواجهة الشعبية للمستوطنات ونشاطها وتركزت النشاطات على التوسع الدائري في المنطقة للسيطرة على أكبر مساحة من الأراضي قبل الانتشار في إقامة الكتل الاستيطانية الخرسانية باتجاهات عدة لتكون نقطة الانطلاق نحو اعتمادها البؤرة المركزية بمنتصف الطريق بين محافظات نابلس و طولكرم و قلقيلية وهو مخطط استيطاني معتمد لتسمية المكان وتأصيله (المدينة الاستيطانية الصناعية الأولى ) بشمال الضفة.
ونشط المستوطنون في إقامة ورشات صناعية صغيرة ما لبثت أن توسعت إلى مصانع كبيرة ومنطقة للإنتاج الزراعي فوق الصخور بدعم كبير من الوزارات "الإسرائيلية" التي شجعت البناء والصناعة وقدمت التسهيلات للقروض والضرائب واستقدام المستثمرين اليهود بإغراءات عديدة.
وتحولت المستوطنة بؤرة للمتطرفين اليهود الذين ما فتئوا يرددون مقولة (أرض الميعاد) قولاً وفعلاً في المنطقة التي زرعت في أحد أطرافها كلية دينية للمتطرفين تخرج أفواجاً يؤمنون بالفكر الصهيوني والمتطرف حتى النخاع .
و انتشرت عملية المصادرة والبناء بشكل سرطاني واسع النطاق زاد معه السعار العدواني اليومي ضد المواطنين وممتلكاتهم.
وكانت الحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة خصصت ملايين الدولارات لمصادرة الأراضي وبناء الوحدات السكنية وشق الطرق الالتفافية والفرعية التي قطعت أوصال أراضي كفر قدوم بشكل شرس.
وتعمد المستوطنون السيطرة على جبل محمد غربي القرية و أقاموا أحياء سكنية عليه غير عابئين بقرارات تمكن أصحابها من استصدارها من محكمة العدل
"الإسرائيلية" العليا عدا عن العدوان الوحشي الشرس الذي تمثل باقتلاع أشجار الزيتون والتين و اللوز من المنطقة.
ويعمد المستوطنون لاستخدام الطائرات الشراعية تحت مزاعم التدريب محدثين بمساعدة الجيش والهبوط بمناطق قريبة من منازل المواطنين بأوضاع استفزازية وتحرش مستمر.
ويمارس المستوطنين عمليات المطاردة بحق المزارعين لتنمية هوايتهم في الاعتداءات التي تهدف لهجرة الأرض تمهيداً للسيطرة عليها.
ويؤكد مواطنون من البلدة أن المستوطنون لا يتوقفون عن رش المواد السامة والكيماوية على أشجارهم ومزروعاتهم و يكبدونهم خسائر فادحة إلا أنهم (أي المواطنون ) صامدين في بلدتهم و أراضيهم مهما كلفهم ذلك من تضحيات و ألوان من العذاب يصبها المستوطنون عليهم لتنفيذ أهدافهم الخبيثة.
وشهدت البلدة طوال السنوات الماضية مسيرات ومواجهات عديدة بين المواطنين من جهة والمستوطنين وجنود الاحتلال من جهة أخرى بمشاركة مجموعات "إسرائيلية" مناهضة للاستيطان وترفض اعتباره شرعيا.
ويقول الأهالي إن المستوطنون يهددونهم باستمرار ويبلغونهم أن المستقبل في المنطقة للاستيطان والمستوطنين فيما يهزأ المواطنين منهم ويؤكدون لهم أن الأرض الفلسطينية كانت على مر العصور مقبرة للغزاة الظالمين.
وحاول المتطرفين من المستوطنة مرات عدة اقتحام البلدة إلا أن تصدي الأهالي وصمودهم كان كفيلاً بكبح جماح المستوطنين وردهم على أعقابهم .
وقطع المستوطنون الطريق الرئيس المؤدي للبلدة والذي حاصره النشاط الاستيطاني وفرض سياسة الأمر الواقع وصبغ المنطقة بالمظاهر الاستيطانية التي يعتبر لون القرميد الأحمر أحد أبرز معالمه لخنق الحق الفلسطيني الأخضر ، ولا يتوقف النشاط الاستيطاني في الأراضي المحيطة والتي تواصلت بشكل جنوني لا يخفى على أحد أو مراقب في ظل عدم تمكن المزارعين من الوصول لأراضيهم في المنطقة ناهيك عن حرمانهم من قطف ما تبقى من أشجار الزيتون في كل موسم بهدف ثنيهم وابتلاع الأرض الباقية.
وتدور في المنطقة معركة من نوع آخر بين طرفي المعركة تتمثل برفع الأعلام في كل المناسبات حيث يصاب المستوطنون بالسعار والغضب عند مشاهدة علم فلسطيني ويعتبرونه مسماراً في جسم مخططاتهم الهادفة لجعل المنطقة يهودية الصبغة والمعالم على الرغم من الشواهد والدلائل التاريخية التي تراها العين المجردة كدليل على عروبة وفلسطينية الأرض .
ومع اندلاع شرارة انتفاضة الأقصى المباركة كان للمعاناة والعدوان لون آخر ذاقته كفر قدوم شأنها شأن بقية الأراضي الفلسطينية .
واليوم لا يتمكن الأهالي من العبور إلى نابلس أو قلقيلية أو حتى القرى المجاورة إلا عبر سلوك طرق جبلية وعرة ويملؤها الوحل والمخاطر من القوات الخاصة والمستوطنين والجنود القتلة الذين يملئون المنطقة وفي كل اتجاه تحت مسميات وعناوين واهية أبرزها الأمن وحماية المستوطنين في المنطقة.
وتم اعتماد مركز " قدوميم" كمقر لما يسمى بالإدارة المدنية وصار مركزاً اعتقاليا ومكان للتحقيق الميداني ومقراً لمخابرات منطقة قلقيلية يتلقى فيها المعتقلون أنماطاً غير عادية .
المصدر: موقع المركز الفلسطيني للإعلام