[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] من عبق التراث العرس الفلسطيني تميز العرس الفلسطيني بأغانيه الشعبية التي ينظمها ويلحنها شعراء القرية
أو المدينة الفلسطينية، والتي تعكس الحالة النفسية لأهلها والعادات
والتقاليد الاجتماعية، وهي الإرث الذي يتوارثه الأبناء عن الآباء بكلماته
وتشكل الأغاني الشعبية حلقة الوصل بين الماضي والحاضر،
وتعلق المواطن الفلسطيني بأرضه، وحبه الشديد لقريته، وحرصه على حماية
تراثها. وتحفظ هذه الأغاني شخصيته وعواطفه وهمومه باللهجة العامية
المتداولة في كل قرية أو مدينة، وتمدح شباب هذه القرية ونسبها وحسن
نباتها. وإن كانت بعض الأغاني تشترك فيها كافة المدن والقرى الفلسطينية
مثل "الدلعونة يا ظريف الطول"، وكذلك "الهاهات والعتابا"، ولكل واحدة من
هذه الأغاني موضع معين تقال فيه في الأعراس وفق مراحل الزفاف، ويصاحبها
الدبكة الشامية على نغمات الشبانة (الناي)، ويقوم بأدائها مجموعة من
الشبان والصبايا، ويكون على رأس هذه الفرقة اللويح الذي يحمل منديلاً
مجدولاً يقود الفرقة وينظم حركاتها، ثم ينفرد اللويح بعد الانتهاء من مقطع
"على دلعونا" عن المجموعة ويقوم بحركات رشيقة ملوحا بمنديله ومتجولا أمام الحلقة
طلع الزين من الحمام!!!
ولم تترك الاغاني الشعبية موضعًا في العرس الفلسطيني إلا تناولته لتحفظ للعرس نكهته
ونظامه
بدءاً بذهاب العريس إلى الحمام، حيث يستأجر أهل العريس الحمام ليستحم
العريس ومعه الشباب، ثم خروجهم منه في موكب الزفة يرددون:
طلع الزين من الحمام الله واسم الله عليه ورشوا لي العطر عليه
عريسنا زين الشباب زين الشباب عريسنا
ومن الأغاني التي كانت تردد على إيقاع رقصة السحجة:
ع اللام لاموني أصحابي في حبه حكوا عليه
ع الميم ميلي يا نفسي وفراقه يصعب عليه
ع النون نهوني أهلي في حبه وغضبوا عليه
ع الهاء هالت دموعي وفي حبه زادت عليه
ع الواو ودعت أحبابي وتصعب الفرقة عليه
أما عندما تصل العروس إلى بيت عروسها تردد النسوة لحظة وصولهما لعش
الزوجية المرتقب، وهن يوصين عروسها بها خيرًا ويلقنونه دروس الحياة
الزوجية السعيدة ويحذرنه من حماتها:
هذي ضيفتك يا عريس هذي ضيفتك حييها
لا تسمع من كلام أمك هذي جاهلة ربيها
هذي ضيفتك يا عريس هذي ضيفتك كرّمها
وتتجلى العادات والتقاليد الفلسطينية بشكل واضح في الأغاني الشعبية، حيث
الحمية القبلية والعشائرية مسيطرة، وخاصة في القرى والمدن الفلسطينية قبل
تهجيرها، بعض هذه القرى ما زالت متمسكة بهذه العادات حتى اليوم، مثل
كراهية زواج البنت خارج القبيلة أو القرية لاعتبارات ذات صلة بوضع القبيلة
أو العشيرة، فالبنت التي تتزوج خارج القبيلة في حاجة لأن يقوم أهلها
بزيارتها في كل مناسبة وحمايتها من كل ضيم قد يقع عليها؛ لأن التركيبة
الاجتماعية المغلقة تعتبرها مثل المرأة الغريبة وتعتبر أن أمر تأديبها
يعود إلى أهلها وليس على زوجها، وكان الناس يخشون أن يصيب ابنتهم في
الغربة أي سوء، كأن يعتدى عليها، وفي هذه الحالة تعود السمعة السيئة
والفضيحة على مجموع القبيلة وليس على والد البنت وأخيها فحسب، ولذلك عززت
العديد من الأغاني الشعبية زواج البنت داخل القبيلة حتى قيل: "غريبة ما
غربها إلا الدراهم"، فالمعروف أن العريس الذي يتزوج من خارج قبيلته يدفع
مهرًا أكبر؛ ولذلك تغني النساء عند الزواج بالغريبة بالدعوة بالموت على
"العريس":
الغريب يا خدرج يا ريتو في الكفن يدرج
ابن عمي يا شعري!!
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وفي مقابل الذم والشتم الذي يقع على خاطب الغريبة، تكال المدائح والأهازيج
لخاطب ابنة العم، وتؤكد كاملة بصل (70 عامًا) مهجرة من الجورة "عسقلان" أن
النسوة تشدو عندما تتزوج الفتاة بابن عمها بقولهن:
يا ابن العم يا شعري على ظهري
إن جاك الموت لارده على عمري
يا ابن العم يا ثوبي علي
إن جاك الموت لارده بيدي
يا ابن العم يا ثوب الحرير
لحطك بين جناحي وأطير
فابن العم في التراث الفلسطيني هو جزء من ابنة عمه مثلما يكون شعرها التي
تتزين به أو ثوبها الذي يسترها، وكلا الزوجين يحافظان على سمعة العائلة
وشرفها بخلاف الفتاة من خارج العائلة التي تعتبر جسمًا غريبًا، ولا يهتم
أهل القريبة في حالة وقوع خطأ في سلوكها؛ لأنها ليست جزءاً من كيان
العائلة وخطأها مردود على أهلها.
وما زالت العديد من العائلات
الفلسطينية متمسكة بعادات الزواج من نفس العائلة أو من نفس قريتها التي
هجرت منها رغم مرور ما يزيد عن أربعة وخمسين عامًا على الهجرة التي لم
تستطع أن تمحو من أبناء الجيل أسماء وعادات قراهم. وأول أمر يسأل عنه
الشاب عند خطبة الفتاة هو القرية أو المدينة التي هجّر منها، ورغم أن بعض
العائلات الفلسطينية أخذت تتجاوز هذه العادة باعتبار أن الجميع يعيش في
معسكر واحد للاجئين، فإن بعضها لم يسجل إلى الآن أي زواج لفتياتهم من خارج
العائلة وما زالوا يورثون الأبناء العديد من الأمثلة الشعبية التي تؤيد
فلسطين ما زالوا يرفضون تزويج فتياتهم من غير البدو، والمثل يقول: "ابن
العم ينزلها عن الفرس" دليل على أن ابن العم أحق بابن عمته حتى ولو أوشكت
أن تصبح عروسًا وتزف إلى "عريسها" على ظهر الفرس.
وكذلك قولهم: "بدوي نعطيه، وفلاح لو كان نبي ما نعطيه" فإن ابن العائلة لو كان أسوأ الرجال
فهو مقدم على الغريب وإن كان نبيًّا!