الفلسطينيون في الإقتصاد اللبناني: هل يحرمون من العمل لأنهم لاجئون؟

الفلسطينيون في الإقتصاد اللبناني: هل يحرمون من العمل لأنهم لاجئون؟

٢٢ تشرين الاول ٢٠٠٩ .: تقرير غسان عبدالقادر :.

تشير ارقام وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين، الاونروا، أن لبنان يستضيف ما يزيد عن 430 ألف لاجئ فلسطيني يعيش معظمهم في 12 مخيم وفي حوالي 20 تجمع عشوائي في ظروف غير إنسانية وحرمان من ممارسة وظائف عادية. من هنا فمسألة اللاجئين الفلسطينيين في مجال حقوق الإنسان تحتاج إلى مناقشة صريحة بين مسؤولين من المجتمع المحلي اللبناني، والمشاركة الكاملة لأصحاب القرار من الوسط الفلسطيني. وينبغي أن يقترن هذا بتحسين ملموس في الأوضاع المعيشية للفلسطينيين حيث ان الفلسطينين مستثنون من قانون العمل.

وقد أفادت إحصاءات الأونروا أنّ 60 % من اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعيشون تحت عتبة الفقر، وأن 36% منهم لا يتمكنون من الحصول على أي مورد رزق. ويكفي أن نعطي مثالا واحدا يبين حجم المشكلة التي يعانيها الفلسطينيون في سوق العمل، فمنذ عام 1992 وحتى عام 2000 لم يزد عدد التراخيص الممنوحة لهم عن 500 ترخيص من أصل 50 ألف ترخيص ممنوح للأجانب في نفس الفترة.

في هذا الإطار، وبمبادرة من مؤسسات المجتمع المدني التي تهتم بالاجئين الفلسطينيين، تم إطلاق حملة "حق العمل للاجئين الفلسطينيين" النابعة من إحتياجات المجتمع المدني والمبنية على ادلة علمية موضوعية.
الحملة المذكورة أعلاه تشمل حملات التوعية، وإنتاج المواد الإعلامية (ملصق ومنشور) وورشات العمل.

ان التعاون بين جميع المبادرات التي تم تحقيقها نتيجة لنقاش والعمل في الميدان، يرتكز بشكل خاص على إجراء وتنظيم زيارات الى المسؤولين اللبنانين،أصحاب القرار، وواضعي السياسات. وقد توجت تلك الحملة بدراسة ميدانية إقتصادية غطت 1500 أسرة في أكبر 8 مخيمات فلسطينية في لبنان: البارد، البداوي، شاتيلا، برج البراجنة، عين الحلوة، البص، البرج الشمالي، والرشيدية في سبيل معرفة مساهمة الفلسطينيين في الإقتصاد اللبناني وضرورة منحهم حق العمل اسوة بالعمال الأجانب. وقد أجرت هذه الدراسة د. عزيزة الخالدي وهي أستاذة محاضرة في الجامعة الأمريكية في بيروت، وراجع الدراسة د. رياض طبارة وذلك بإشراف جمعية النجدة التي تعمل في أوساط اللاجئين الفلسطينين وفي محيطهم في مجال التعليم والتنمية. ولكن قبل التطرق للدراسة لا بدّ من إستعراض لواقع اللاجىء الفلسطيني في ضوء قوانين العمل اللبنانية والإتفاقات الدولية.

اللاجىء الفلسطيني في قانون العمل اللبناني والإتفاقيات الدولية

منذ العام 1962، عندما صدر قانون عمل الأجانب في لبنان، تمّ اعتبار اللاجئين الفلسطينيين أجانباً ينطبق عليهم القانون رقم 17561، الذي تضمن بنوداً مجحفة بحقهم، فقد اشترط المرسوم أن يحصل الأجنبي على إجازة عمل كي يتمكن من ممارسة عمله في لبنان، ولم يضع أي تمييز خاص للفلسطيني بسبب وضعه الناجم عن الاحتلال الإسرائيلي لأرضه وعدم قدرته على ممارسة حق العودة مما أدى عملياً الى عدم حصول الفلسطيني على إجازة عمل إلا نادراً.
من هنا وعملياً، يعامل القانون اللبناني اللاجئين الفلسطينيين على أنهم أجانب لا حقوق لهم، بل أحياناً يحرمون من بعض الحقوق التي تعطى للأجانب فعندما تسمح دولة ما للبنانيين بالعمل فيها يمكن للبنان السماح لمواطنيها بالعمل في لبنان وهذا لا ينطبق على الفلسطينيين. وكذلك فإن الفلسطينيين لا يتمتعون بحرية التنقل والانتقال، والعامل الفلسطيني ملزم بالحصول على ترخيص عمل (إجازة عمل) يصدر عن وزارة العمل. أما الحصول على الترخيص فهو عملية معقدة تستهلك الوقت والأعصاب، وكانت اتفاقية القاهرة الموقعة عام 1969 بين منظمة التحرير الفلسطينية والدولة اللبنانية قد أعطت حق العمل والإقامة والتنقل للفلسطينيين المقيمين في لبنان، لكن هذه الاتفاقية ألغيت رسمياً عام 1987، كما صدرت سلسلة قرارات من وزارة العمل تحصر العديد من الأعمال باللبنانيين دون إعطاء الحق لسواهم مع استثناءات قليلة وبشروط صعبة ومنها: أن يكون مقيماً منذ الولادة في لبنان، مولوداً من أم لبنانية أو من أصل لبناني، و متأهلاً من لبنانية منذ أكثر من سنة.

أما في حال المهن الحرة كالطب والمحاماة والصيدلة وغيرها، فإن التشريعات اللبنانية تحصر ممارستها ضمن نقابات، لا يستطيع الفلسطيني الانتماء إليها لاشتراطها في أنظمتها الداخلية أن يكون العضو لبنانياً منذ أكثر من عشرة أعوام، أو التزام دولة طالب الانتساب بمبدأ المعاملة بالمثل. واعتادت وزارة العمل أن تعاقب الذي يستخدم أجنبياً بعقد عمل أو إجازة صناعية بدون موافقة مسبقة أو إجازة ، بغرامة مالية مرهقة عمل (قد تصل إلى 960 ألف ليرة لبنانية سنوياً)، الأمر الذي دفع أصحاب العمل اللبنانيين إلى العزوف عن استخدام الفلسطينيين لديهم. إضافة لذلك، فإن الفلسطيني لا يستفيد من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الذي يشتمل على ضمان المرض والأمومة، ضمان طوارىء العمل والأمراض المهنية، نظام التعويضات العائلية ونظام تعويض نهاية الخدمة, بحيث ورد في الفقرة 4 من المادة 9 من قانون الضمان الاجتماعي "لا يستفيد الأجراء الأجانب الذين يعملون على أراضي الجمهورية اللبنانية من أحكام هذا القانون في بعض أو جميع فروع الضمان الاجتماعي إلا بشرط أن تكون الدولة التي ينتسبون إليها تقر مبدأ المساواة في المعاملة مع رعاياها فيما يتعلق بالضمان الاجتماعي" وهكذا يلزم الفلسطيني حكماً بالقانون بدفع رسوم الضمان دون التمكن من الاستفادة من تقديماته وخدماته.
في عام 1995، أدخلت على القانون اللبناني المنظم لعمل الأجانب، تعديلات وأحكام تضمنت تضييقات إزاء الأجانب بهدف حماية مصالح السكان اللبنانيين. هذه الأحكام شملت أكثر من 70 مهنة لا يحق لغير المواطنين اللبنانيين ممارستها، كما تعين على الأجانب الحصول على رخصة عمل من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لممارسة أي مهنة. لم تستثن هذه الأحكام الوضع الخاص للاجئين الفلسطينيين الذين ليس لهم في واقع الأمر دولة يمكن في إطارها تطبيق مبدأ المعاملة بالمثل معها، وعلى ذلك فقد وجد اللاجئون الفلسطينيون أنفسهم بعد أكثر من 60 عاما من الاغتراب مضطرين للتنافس في سوق العمل المكدس بالعديد من المغتربين الذين لا يحتاجون إلى ترخيص مسبق.

وبالتالي، فقد أرسى القانون المتعلق بتنظيم عمل الأجانب في لبنان وقانون الضمان الاجتماعي قاعدتين للأجانب (ومنهم الفلسطينيون) الراغبين في العمل في لبنان هما: قاعدة المعاملة بالمثل، وقاعدة الحصول المسبق على إجازة عمل. وأضيف لهما شروطاً تحديدية، تتعلق بحصر بعض المهن باللبنانيين دون سواهم، وتتقرر دورياً من قبل وزير العمل الذي يحددها بقرار إداري يصدره. وقد اعتاد الوزراء السابقون للعمل أن يضمّنوا اللائحة نحو سبعين مهنة محظورة. ولم يتبق عملياً سوى المهن التي لا تحتاج لإجازة عمل كالعمال الزراعيين وعمال البناء.

وعلى نقيض هذا التشريع اللبناني، فالدولة اللبنانية قد وضعت على نفسها التزامات محددة بموجب مواثيق ومعاهدات، نذكر منها: بروتوكول الدار البيضاء وقرارات وإتفاقات صادرة عن الأمم المتحدة.
فبروتوكول قمة الدار البيضاء لعام 1964 الذي عقدته الدول العربية، والذي صادق عليه لبنان، ورد في مادته الأولى التي تنص صراحة على ضرورة ان "يعامل الفلسطينيون في الدول العربية التي يقيمون فيها معاملة رعايا الدول العربية في سفرهم وإقامتهم وتيسير فرص العمل لهم مع احتفاظهم بالجنسية الفلسطينية". وقد أكد هذه القرارات مؤتمر وزراء الداخلية العرب عام 1982.
أما قرارات الأمم المتحدة فتبدأ من القرار الصادر عام 1949، القاضي بإنشاء وكالة غوث وتشغييل اللاجئين الفلسطينيين، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966، وقد كرّس حقوقاً اصيلة للإنسان، غير جائز التنازل عنها من بينها الحق في الحرية والإعتراف بشخصيته القانونية. كما أنّ العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية الصادر بذات تاريخ العهد المدني، والمبرم بدوره معه، قد كرّس الحق بالعمل وتوفير مستوى عيش كافٍ بالإضافة للحقوق: الصحة، التعليم، التملك، تشكيل النقابات العمالية والمؤسسات الثقافية. أضف إلى ذلك، فإن اتفاقية جنيف المتعلقة بحقوق اللاجئين وفي الفقرة 24 منها، نصت على حق اللاجئين من الإستفادة من الأمتيازات التي يستفيد منها المواطنون (كالضمان الأجتماعي والأجور والتعويضات العائلية ومدة ساعات العمل).

وتعتبر هذه الإتفاقيات ملزمة للبنان لجملة أسباب ابرزها مقدمة الدستور اللبناني المعدل عام 1991 الذي ورد فيه "أن لبنان هو عضو عامل ومؤسس في جامعة الدول العربية وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها إضافة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتجسد الدولة هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء". كما أنّ المادة الثانية من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني الصادر عام 1985، كرس قاعدة تقدم التشريعات الدولية على التشريعات الداخلية، حيث ورد النص "عند تعارض أحكام المعاهدات الدولية مع أحكام القانون العادي تتقدم في مجال التطبيق الأولى على الثانية".

مساهمات اللاجئين الفلسطينيين في الإقتصاد اللبناني

حددت د.عزيزة الخالدي، التي قامت بإعداد الدراسة المعنونة بـ"مساهمة اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في المخيمات والتجمعات في الإقتصاد اللبناني"، مصادر المساهمات الفلسطينية في الاقتصاد الوطني، من مداخيل العمل والأموال المرصودة للاونروا والجمعيات الأهلية والعوائد من الأقارب في الخارج، وقدرتها بـ62 مليون دولار سنوياً بين 2007 و2008. كما عددت التحديات التي تواجه اللاجئين الفلسطينيين في مجال العمل، ومنها القيود القانونية على العمل، ونكبة نهر البارد وما نتج عنها من فقر وأجور متدنية وفقدان إجراءات السلامة في العمل، والحاجة الى الخدمات الصحية وعدم وجود شبكة أمان اجتماعي"، لافتة الى إن "الأغلبية 60% غير راضية عن الأجور والثلث غير راض عن السلامة المهنية". وتبين الدراسة إن "المهنيين ذوي التدريب العالي مثل الطب والهندسة يعملون في مهن غير مهنتهم حسب سوق العمل المتوفر، وان نسبة الأمية بين الذكور والاناث الفلسطينيين أعلى من النسبة عند اللبنانيين وخصوصاً لدى الذكور في سن العمل".

أما عن وضع المرأة، فأظهرت الدراسة ان "نسبة 18،7% من الأسر تعيلها نساء (مقارنة بـ14% للبنان)، وتشارك المرأة في 20% فقط من قوة العمل، وان اجور النساء ادنى منها عند الرجال". وأوصت الدراسة بإلغاء القيود على عمل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وزيادة الأمان المهني في العمل وإعمار نهر البارد، وتفعيل الهيئات المطلبية الفلسطينية وبناء الشراكة الاستراتيجية في المجال الاقتصادي مع الجهات المعنية في لبنان". وقد أوضحت بيانات الدراسة أن معظم العمال الفلسطينيين يعملون ضمن المخيمات وأطرافها وهذا يفسر تدني فرص العمل للاجئين الفلسطينيين خارج المخيمات. اما متوسط الأجور فهو من 60 إلى 66 دولار اسبوعياً.

وبحسب الدراسة الصادرة عن جمعية النجدة، فإنّ المساهمات الإقتصادية للاجئين الفلسطينيين تصنف بين مساهمات مباشرة وغير مباشرة: تقاس الأولى من خلال المؤشرات التي تتعلق بأعمال تقوم بها الأسر مثل الإنخراط في قوة العمل وأنماط الإستهلاك.

أما المساهمات غير المباشرة فتقاس من خلال مساهمة المؤسسات العاملة مع اللاجئين الفلسطينيين في مجال تقديم المساعدات المالية أو تقديم الخدمات بشكل مباشر. وبالرغم من المعوقات فإن غالبية الساحقة من الأسر لديها على الأقل شخص واحد يعمل على الرغم من أن العمل هو بوظيفة واحدة.

يوفر هذا المسح أدلة تفيد أن الشعب الفلسطيني اللاجىء يحاول العمل في لبنان برغم الحواجز ويفتش عن فرصة عمل في الخارج عندما يتسنى له ذلك. كما أنّ معظم الأسر (أي 91.1 % ) قد إستفادت من مدخول عمل احد افرادها (1122 من اصل 1232 اسرة ). أما النقاط الأبرز التي تظهر حجم وأهمية اللاجئين الفلسطينيين بالنسبة للإقتصاد اللبناني وتستوجب إطلاق حريتهم في العمل فيمكن إختصارها بالنقاط التالي:
-نمط يماثل نمط الإستهلاك اللبناني: على خلاف العمال المهاجرين، يشكل اللاجئون الفلسطينيون مخزون عمل مقيم وطويل فإن الأسر بكاملها تقيم في لبنان. تفيد الأدلة الأولية المستندة على إفادات مرجعيات في شأن العمل الفلسطيني في القسم النوعي من الدراسة أن العمال السوريين المهاجرين على سبيل المثال يأتون إلى لبنان كعمال بينما يعيش معظم أسرهم في سوريا. وهكذا فإن الدخل الناتج من عملهم في لبنان لا يستكمل دورة الإستهلاك بل يغادر بنسبته الأعلى النظام الإقتصادي اللبناني إلى النظام الإقتصادي السوري عبر عوائد مالية لعوائلهم في بلدهم الأم. ويلاحظ نفس اسلوب المعيشة لدى العمال المهاجرين من مصريين وآسيويين (فلبينيين، سيريلنكيين، بنغال، ...).

إن نمط الإستهلاك للاجئين الفلسطينيين في لبنان يعدّ شاملاً من خلال تنوع السلع والخدمات الإستهلاكية : الطعام، والعناية الصحية هي أهم نواحي الإستهلاك والإنفاق المالي. وقد تمّ تقدير حصة الفلسطينيين من الإستهلاك الخاص في لبنان بـ10 %: 352 مليون دولار أميركي من أصل 3400 مليون، هي إجمالي الإستهلاك اللبناني.

- مساهمات في المؤسسات الصغيرة للعمل الحر: يجمع الإقتصاديون المعاصرون أن المؤسسات الصغيرة أصبحت إحدى المكونات الرئيسية للنمو الإقتصادي. وفي لبنان، يشتغل غالبية اللاجئين الفلسطينيين كعمال في مؤسسات صغيرة. كما أسس عدد من الفلسطينيين مؤسسات تجارية صغيرة ضمن المخيمات وفي أطرافها وفي التجمعات التي لديها القدرة على المساهمة في تنمية الإقتصاد غير الرسمي. وقد أظهرت نكبة مخيم البارد عن وجود أكثر من الف مؤسسة تجارية في المخيم المدمر تنتظر إعادة الإعمار في المخيم.

- المساهمة في الدخل القومي عبر المهاجرين الفلسطينيين: تحدثت العديد من الدراسات السابقة عن مقدار مساهمة العوائد التي تتدفق على للاجئين الفلسطينيين في لبنان من ذويهم في الخارج. وتؤكد القرائن العلمية من البحوث الكمية والنوعية في هذه الدراسة على رغبة الناس في الهجرة والعمل وعلى وجود عوائد مالية من المهاجرين إلى أقاربهم في لبنان.
إن هذا الجزء من قوة العمل الفلسطينية في لبنان الذي نجح في كسر دورة العوز يغادر البلاد سعياً وراء العمل وهو مصدر سيولة نقدية تدعم آلية الإستهلاك إما عن طريقة العوائد للاقارب أو عبر النفقات المباشرة عند الزيارة لتفقد الأقارب.

الدراسة الحالية، أظهرت أن ما يزيد عن نصف الأسر( حوالي55%) في المخيمات التي شملتها الدراسة الإحصائية يفيدون عن وجود فرد من العائلة خارج لبنان يرسل إليها المال. وتنقسم هذه التدفقات المالية وفق شكلين: دوري منتظم (34%) ومتقطع (57%). أما المصدر الرئيسي للتحويلات فهو الخليج (36 %) وأوروبا(49.7 %). وقد أفادت ثلثي الأسر (67%) عن أن السبب في هجرة أفرادها هو الإقامة الدائمة فيما أشار حوالي الثلث (31%) أن سبب الهجرة هوفي سبيل العمل.
المجتمع الفلسطيني اللاجىء مصدر لإستقطاب أموال المساعدات الإنسانية العالمية: بالرغم من تحول اولوية الإنفاق لدى المجتمع الدولي إلى الضفة الغربية وغزة إثر توقيع إتفاق أوسلو، فإن اللاجئين الفلسطينيين قد حافظوا على مركزهم كمجموعة تستهدفها المساعدات من قبل المؤسسات الدولية. وعادة ما تذهب هذه المساعدات لتوفير الخدمات الإجتماعية مثل الصحة والتعليم والخدمات الإجتماعية مباشرة عبر الأونروا أو عبر تمويل مشاريع ذات طابع تنموي عبر مؤسسات أهلية محلية تعمل مع المجتمع الفلسطيني اللاجىء في لبنان. ويمكن أن تنتقل هذه الأموال مباشرة إلى الأسر كأجور للموظفين في تلك المؤسسات أو عبر مساعدات مالية وهذا من شأنه أن يساهم في آلية إستهلاك السلع والخدمات المتوفرة في السوق اللبنانية.

- عبء قليل على شبكة الأمان الإجتماعي اللبناني: على الرغم من تواجدهم الطويل في لبنان طوال ستة عقود مقارنة بالأجانب وعلى الرغم من كونهم من الفئات المعرضة إجتماعياً للخطر، فإن اللاجئين الفلسطينيين لا يشكلون عبأً على النظام الإجتماعي اللبناني عبر تغطية وزارة الصحة العامة لغير المضمونين صحياً. والسبب في ذلك يعود إلى حقيقة أن هذا الغطاء الصحي يستثني الأجانب وأقلية ضئيلة من اللاجئين الفلسطينيين الحاملين لأذونات عمل في مؤسسات تدفع متوجبات الضمان الإجتماعي بدون أن يطالهم شيء من منافعها.

هناك شبكة أمان خاصة باللاجئين الفلسطينيين تتمثل بالأونروا وبالمؤسسات الأهلية والدينية التي تعمل مع المجتمعات الفلسطينية اللاجئة.
إن شبكة الأمان للاجئين الفلسطينيين في لبنان لا تمول من خلال الإقتصاد اللبناني لأن الأونروا توفر دفقاً من الموارد المالية المخصصة لتغطية الإحتياجات الرئيسية للاجئين من خدمات صحية وتعليمية وإجتماعية. زد إلى ذلك، أنّ أموال الهبات التي تستهدف الجمعيات الأهلية والمحلية والعالمية والموجهه لخدمة التجمعات الفلسطينية اللاجئة، تشكل بدورها إضافة للتدفقات المالية الخارجية التي تستهدف اللاجئين.

- مصدر للموارد البشرية العاملة الثابتة ذات المهارات المتنوعة: بما أن مجموعة الموارد البشرية العاملة من اللاجئين الفلسطينيين تنبع من مجتمع يعيش في لبنان منذ ستة عقود فإنهم لا يتصرفون مثل العمال الأجانب الذين يوفرون الطلب على المستوى الكلي في مهن محددة مثل العاملات الآسيويات في البيوت. ومن جهة أخرى، يقدم اللاجئون الفلسطينيون قوة عمل ذات مهارات متنوعة في قطاعات البناء والخدمات و الزراعة والصناعة والتجارة والنقل وتقنية المعلومات خصوصاً أن 83% منهم يجيدون القراءة والكتابة باللغة الإنكليزية والعربية، 13% خريجو جامعات، 18% يحملون البكالوريا، 22% خريجو مهنيات.

كما يمكن الإعتماد على ثبات هذه القوة العاملة الفلسطينية، بحيث أنها محصورة وذات قابلية محدودة للهجرة بسبب الكلفة المادية بالإضافة للعقبات القانونية. كما أنّ العمال الفلسطينيين مجبرون على العمل في ظروف مهنية صعبة وساعات طويلة حتى عمر متأخر ومجبرون على الإكتفاء بأجور عمل غير مناسبة وغياب التقديمات الوظيفية.

- مهمشون يوفرون اسواقاً لمهمشين وذوي الدخل المنخفض: تفيد نتائج الدراسة أن مساهمة للاجئين الفلسطينيين على مستوى المخيم أو المجتمع المدني أو المجتمع المحلي في الإقتصاد اللبناني تتجلى عن طريق تنشيط مناطق الجوار من خلال توفير أسواق شعبية في متناول ذوي الدخل المتدني. فعلى سبيل المثال، نجد أسواقاً كصبرا في بيروت، وعين الحلوة في صيدا والبارد في الشمال (سابقاً) أصبح متعارف عليها بأنها مراكز إقتصادية غير رسمية للفقراء ولذوي الدخل المحدود في ثلاثة مناطق في لبنان. ونلحظ الفارق بالنسبة لنهر البارد، حيث ولّد الإنشطار المجتمعي فراغاً إقتصادياً في منطقة عكار.

ويسأل الفلسطيني: ما العمل؟

من المعلوم أن التركيبة السياسية في لبنان هي مكون طائفي ديمغرافي يعتمد المناصفة بين المسيحيين والمسلمين في الوظائف العامة. ولدى العديد من اللبنانيين خشية حقيقية من توطين وتجنيس نحو 400 ألف لاجئ فلسطيني أغلبهم من المسلمين السنة. كما أن الكثير من اللبنانيين ما يزال ينظر إلى اللاجئين الفلسطينيين بأنهم المسؤولون عن إندلاع الحرب الأهلية، هذا الأمر كان كفيلاً بخلق جو من الارتياب بحقهم من قبل السياسيين الذين لم يجدوا حرجاً من تغذيته بين الحين والآخر، بحيث يتم تذكيرهم يوميا بالأخطار التي تترتب على احتمال تجنيسهم في ضوء ذكرى تلك الحرب الأليمة.

وعلى الرغم من أنّ حق العودة للاجئين الفلسطينيين يرتبط بحل مشكلة الصراع العربي الإسرائيلي عموماً، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي خصوصاً، لكن هذا الواقع لا يمكن أن يعفينا بأي شكل من الأشكال من الاهتمام بالأوضاع القانونية وبالحقوق المدنية والاجتماعية، مثل حق التملك والاستشفاء والتعليم والتنقل والإقامة وغيرها للاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان، وربما على رأسها وأكثرها إلحاحاً هي حق العمل والحصول على وظيفة.

بغض النظر عن تلك الحجج المساقة، فإن واقع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، وبشهادة اللبنانيين أنفسهم، يعد مأساويا في ضوء انعدام الكثير من الحقوق المدنية والقانونية التي تكفل لهم حدا ضئيلا من العيش الكريم، الأمر الذي لا تقوم معه تلك الحجج في تبرير هذه الإجراءات، وولو تشدق بهذه الحجج عدد من النواب الذين لا يهدفون من خلالها إلا تجييش الشارع من أجل مصالحهم الضيقة ومحاولة زيادة شعبيتهم أو المحافظة عليها.

إنّ اللاجئين الفلسطينيين في عينة الدراسة يعملون بأغلبيتهم الساحقة بدون أذن عمل (1.7 % فقط يملكون أذونات العمل). وبالنتيجة، فإن هؤلاء العمال ينضمون إلى النظام الإقتصادي غير الرسمي وغير المراقب وغير الخاضع للضريبة في لبنان. ويتم ذلك بشكل واضح عبر العمل خارج المخيمات أو بشكل مكثف عبر العمل داخل المخيمات، وهناك يدخل عامل آخر هو الإقتصاديات الخاصة بالمخيم التي تعتمد على البنى التحتية والسلع الخدماتية الأساسية من السوق اللبناني.

ان حق العمل في الدول الحديثة يُمنح لأصحاب الإقامة الشرعية من غير مواطنيها كل حسب مؤهلاته، وهذا الحق لا يمنح لأسباب إقتصادية وقانونية فقط بل ايضا لأسباب نفسية مما يجعل للاجئين الفلسطينيين قيمة انسانية وأجتماعية يطمئن بها لغده وقوت اطفاله، ولما كان قانون العمل اللبناني يعطي لمن يحصل على موافقه مسبقه بالعمل حق الأقامة. فهل يعقل ان يحرم من العمل صاحب اقامة قانونية حتى ولو كانت اقامته مؤقتة خصوصاً أن للبنان مصلحة إقتصادية في ذلك؟

» المجلس النيابي اللبناني يقر قانونا يمنح الفلسطينيين حق العمل
» اللاجئون الفلسطينيون يدخلون الضمان الإجتماعي اللبناني
» دراسة حول الفلسطينيون وقانون العمل في لبنان
» اللاجئون الفلسطينيون بلبنان.. تعديل قانون العمل بعد طول انتظار
» الدوايمة ..أنا لاجىء من فلسطين في الداخل والشتات اوقع لا تنازل عن حقي بالعودة