(الاختراق) في اغتيال المبحوح

(الاختراق) في اغتيال المبحوح
2010-02-18

بقلم عبد الله عواد

ثلاث ملاحظات أولية:

الأولى: ما كان احتمالاً قبل أسابيع صار معلومات متوفرة ومنشورة ومعروفة للجميع، إي أن دائرة الاحتمالات تم (حصرها) سواء من ناحية المنفذين أو من ناحية (الاغتيال) وليس الموت الطبيعي.
الثانية: لا علاقة لهذا التحليل بالمناكفات الصبيانية التي ظهرت على خلفية اعتقال فلسطينيين في الأردن وتسليمهما لشرطة دبي، بتهمة وجود شبهات حول علاقة ما باغتيال المبحوح.
الثالثة: ليس هذا الاغتيال الأول ولن يكون الأخير (في دائرة الصراع المفتوحة بين دولة الاحتلال والفلسطينيين، ولذلك من الأهمية إخضاعه للجدل الأمني (المهني) للاستفادة، وتجنيب اغتيال الفلسطيني القادم.
أن الثقافة الفصائلية (الضيقة) والتي وصلت درجة التعصب الشوفيني الغبي، هي التي توفر للاحتلال خلفية (مهمة) جداً في سياسة الاغتيال التي ينتجها منذ عقود طويلة ماضية.
من هم منفذو الاغتيال؟
قصة جوازات السفر لا تعني الكثير في الجانب الأمني، ولا يمكن الحديث عن دقة الجوازات التي تحدثت عنها شرطة دبي، لأن تكنولوجيا التزوير متطورة جداً، لذلك فإن كل ما قيل عن جنسيات الذين شاركوا في الاغتيال غير دقيقة مائة بالمائة، وتلقائياً فإن مطاردتهم دولياً عن طريق الانتربول (لا معنى) لها... فهم قد يكونون من الدولة العبرية، أو من دول أخرى (يعملون لصالح الموساد).. وفقط ما عند هذه النقطة (الكشف) عن عمليات التزوير في الدول التي استخدمت جوازات سفرها في عملية الاغتيال.
لم يكن صدفة استخدام جوازات من عدة دول (فهذا ارتباط بعنصر التمويه) كون أدوار المجموعة متعددة، ولا يمكن أن يتحركوا جميعاً مرة واحدة في حركة سريعة لأنها ستلفت الانتباه إليهم، بالضبط كما انه لا يمكن أن تكون الجوازات حقيقية، فمن هم المنفذون؟
لا توجد معلومات، وغير الممكن توفرها إلا في الإطار العام إي وفقاً لسؤال من له مصلحة في اغتيال المبحوح غير (الدولة العبرية)، أما المنفذون فسيتم (التمويه) عليهم، لأنهم عناصر.. مدربة.. محترفة ولا يمكن التضحية بهم بهذه السهولة وحتى الصور الموجودة في الجوازات لا يمكن أن تكون دقيقة.
مهمة محددة وسريعة
لا يمكن لأي جهاز أمني (الموساد) أو غيره أن يغامر بتنفيذ مهمة الاغتيال.. هذه أو غيرها، ويرسل عناصره إلى دولة أخرى دون توفر معلومات دقيقة جداً، لأن (الخلل) في المعلومات يقود لخلل في التنفيذ (أي الفشل) وخاصة عند عملية (معقدة) بهذا الشكل كما أظهرت رواية شرطة دبي.
إن الأحد عشر شخصاً الذين نفذوا العملية.. هم الجهاز التنفيذي فقط.. ولا يمكنهم أن ينفذوا المهمة بهذه السرعة وهذا النجاح (الدقة) دون توفر معلومات ميدانية دقيقة في دبي، ساعة وصوله للمطار والفندق الذي سينزل فيه، أو الغرفة التي سينزل فيها أو يحجزها.. والطرق التي سيسلكها، رغم إنها غير مهمة، كون فرقة الاغتيال كانت في جزء منها كما ظهر الشريط، مكلفة بمتابعته.. ولكن كيف عرفت انه هو المستهدف؟
الصور غير كافية، لذلك هناك على الأرض عناصر أخرى أكثر خطراً من المنفذين، وهم الذين أولاً: عرفوا المنفذين على شخصية «المبحوح» وهم الذين قدموا المعلومات.. في أي فندق سينزل.. وفي أية غرفة.. وهم الذين سهلوا حجز الغرفة.. المطلوبة.. كقاعدة مؤقتة للانطلاق منها.. وهذه العناصر هي الأخطر.
تسهيلات (عملياتية) لوجستية
المنفذون هم «عميان» لا يرون شيئاً، ولا يعرفون أي شيء، حتى لو زاروا دبي عشرات المرات، لهذا فإن ما أعلنت عنه شرطة دبي، هو الجانب العلني الذي كشفته كاميرات المراقبة سواء في الفنادق أو المطار.. أما الجانب السري فهو «الذي ما زال غير معروف» إي الأشخاص في دبي الذين وفروا كامل المعلومات الدقيقة جداً، والتي دونها لم تكن لتنجح جريمة الاغتيال والسؤال.. هل تم اعتقال آخرين في دبي على ذمة (القضية)؟ هذا السؤال الذي يبحث عن إجابة، في ضوء ـ الشق الثاني ـ التنفيذي لعملية الاغتيال من هو الذي دل المجموعة المنفذة على المبحوح؟ «شخصيته».. من هو الذي أعطاهم المعلومات.. انه سينزل في فندق (روتانا) والذي زودهم برقم الغرفة التي سينزل فيها؟ وغيرها من الأسئلة الفرعية المرتبطة بهذه الأسئلة الرئيسية التي على شرطة دبي الإجابة عنها.
إن اعتقال فلسطينيين في الأردن وتسليمهما لشرطة دبي ربما يشكل مقدمة إذا أثبتت علاقتهما بعمليات الاغتيال لفك (الجانب المعلوماتي) وهو الأهم في عملية الاغتيال «وتلقائياً» فك هذه الحلقة «التي ما زالت مفقودة» ربما هناك.. غيرها وهذا احتمال مرجح نظراً لسرعة تنفيذ عملية الاغتيال ودقتها.
«حماس» مخترقة:
لا يوجد في ذلك أية مفاجأة إلا عند السذج والمغفلين، فاختراق الفصائل والقوى والحركات والمجموعات.. سياسة ثابتة عند الدولة العبرية وأجهزتها الأمنية، وكل التطور التكنولوجي لا يعوض عن هذه السياسة والقول إن الفلسطينيين اللذين اعتقلا على هذه الخلفية هما من حماس أو فتح، من حكومة حماس أو حكومة فتح أو من سلطة القطاع أو من سلطة الضفة لا يعني شيئاً كثيراً، في السياق الأمني المهني.
إن تجربة (الاختراق) تدل على أن الاستهداف بالاختراق يرتكز على الدوائر «المغلقة» المقاومة سواء أكانت العائلة أو البيت أو المجموعة أو الفصيل وحركة حماس مستهدفة مثلها مثل غيرها «والقول بأنها محصنة» ينطوي على نكتة بايخة في ضوء «البناء التنظيمي» والثقافة العصبوية للفصائل الفلسطينية، التي وصلت حد الانقسام وما بعده وهذا الواقع يساهم أمنياً في تسهيل الاختراق.
إن العامل الحاسم في الاغتيال هو العامل البشري أو ما يعرف بالاختراق، ليس في دبي وحدها.. بالنسبة لشخصية مثل «المبحوح» الذي يعمل في الجانب السري (العسكري) ولهذا فإن تحقيق شرطة دبي وحدها لا يكفي لكشف الحقيقة، وإنما سيكشف الجزء المرتبط بالتنفيذ «الميداني».
أسئلة برسم حركة حماس:
أسلوب «الهجوم» كنوع من الدفاع الذي لجأت إليه حركة حماس على خلفية اعتقال الفلسطينيين وتسليمهما لشرطة دبي، بالقول إنهما أو احدهما ضابط في (سلطة رام الله) والقول بأنهما ضباط في حكومة حماس أو ما شابه ذلك هو نوع من المراهقة.. السياسية.. لأن المخابرات أية مخابرات وليس جهاز الموساد في الدولة العبرية (جاهز لاستخدام العملاء) في أية عملية اغتيال بصرف النظر عن اللافتة التي يختبئون تحتها سواء لافتة حماس أو فتح أو سلطة الضفة أو سلطة القطاع، لأن العميل هو أولاً وأخيراً العميل الذي يعمل لصالح الدولة العبرية، وأهدافها ضد الفلسطينيين وغيرهم.
يمكن لشرطة دبي التي أظهرت جدية ومهنية حتى الآن أن تفك كل ألغاز عملية الاغتيال التي جرت على أراضيها.. ولكن ذلك لا يفك كل الألغاز، دون إجابة حركة حماس على أسئلة كثيرة، مرتبطة بما تقوله نفسها عن المبحوح كشخصية قيادية، سرية، مهمتها عسكرية أمنية، مغلقة تعرضت لأكثر من محاولة اغتيال أي أن حركته محكومة بالسرية المطلقة سواء في دمشق أو في لبنان أو في سفرياته السرية.
الإجابة عند حركة حماس:
لا توجد إجابة، لا عند سلطة رام الله ولا سلطة دبي، ولا سلطة الصومال، فالعملية لاغتيال المبحوح (حضور المنفذين لدبي قبل موعد وصول المبحوح بساعات.. وكافة عناصر العملية الأخرى، تدل وبالقطع على وجود (اختراق) لا يمكن سوى لحركة حماس أن تجيب عليه، عبر سؤال واحد فقط.. من الذي يعرف أن «المبحوح» سيقوم بمهمة بصرف النظر عن طبيعتها إلى دبي في هذا اليوم؟.. وسيصل إليها في هذه الساعة. وينزل في هذا الفندق وفي هذه الغرفة؟
لا يمكن لفلسطيني، سواء أكان يعمل في سلطة رام الله أو في حركة فتح أو سلطة دبي أو في جهاز شرطة دبي، أن يعرف هذه المعلومات وفقط قيادة الحركة في دمشق أو دبي أو في أي مكان تعرف هذه المعلومات والتي استند إليها وعليها جهاز الموساد في تنفيذ الجريمة..
بالتأكيد، ودون أي شك، كان الأجدر بحركة حماس أن تباشر التحقيق بنفسها في موضوع الاغتيال لأنها وحدها التي تملك المعلومات، ووحدها التي تعرف من سربها للموساد من قيادات على مستوى المبحوح.. أو من الجهاز الأمني فيها.. ودون هذه المعلومات والأهم الكشف، فإن أية نتيجة تتوصل إليها شرطة دبي ستظل ناقصة.

» دبي تكشف عن تفاصيل عملية اغتيال المبحوح وتتهم 11 اوروبيا...
» من أين يبدأ الاختراق الفلسطيني?!
» الصحف الاسرائيلية اليوم (قضية اغتيال المبحوح )06/02/2010
» دبلوماسي إسرائيلي شارك بمحاولة اغتيال مشعل ضالع في قتل المبحوح
» حماس تطالب استراليا بمحاكمة المتورطين في اغتيال المبحوح وعدم الاكتفاء بطردهم