اليونسكو ودورها المشبوه في الترويج للفكر الصهيوني

اليونسكو هي احدى وكالات الأمم المتحدة تأسست عام 1945 وتعنى بالثقافة والتراث والفكر العالمي، وقد جاء في ديباجة أهدافها المعلنة: (تعمل الوكالة على تعزيز التعاون الدولي في مجالات التربية والتعليم والثقافة ،وإيجاد الشروط الملائمة لإطلاق الحوار الأصيل القائم على احترام الكرامة والقيم المتبادلة لكل حضارة ولكل ثقافة ويتسم هذا الدور بطابع حاسم ولا سيما في مواجهة الإرهاب الذي يشكل اعتداء على البشرية)، ويبلغ عدد الدول الأعضاء فيها 193 دولة منها 21 دولة عربية.

فالوكالة حسب ديباجة أهدافها ينبغي أن تنخرط في خدمة فكر وتراث وحضارة الدول والشعوب بأسرها بعيدا عن التحيز لحساب هذه الدولة أو ذاك الكيان، حيث يعتبر التحيز أسوأ ما يكون حينما يوجه لحساب فكر وثقافة العدوان والظلم والاحتلال واغتصاب حقوق الشعوب ومصادرة إرادتها واضطهادها وتشريدها في أرجاء المعمورة، لكن واقع حال الوكالة يثبت بوضوح انتقائيتها في اختيار أولويات مشاريعها، خصوصا عندما تزج بتوجهاتها السياسية المسمومة والمنحازة لحساب الكيان الصهيوني في ميادين عملها المهنية.

فمع أن البشرية مرت عبر القرون الأخيرة بالعديد من الحروب الطاحنة وعصفت الحركات الاستعمارية البغيضة بمستقبل الشعوب، فأعاقت تطورها الفكري والعلمي والحضاري خصوصا شعوب العالم الثالث، ومع أن الحربين الكونيتين الأولى والثانية والاستعمار برمته قد ترك الكثير من الويلات والدمار، ومع أن دولا استعمارية زاولت أفظع الإبادات والمذابح الجماعية واقترفت أبشع أشكال الإرهاب بحق الشعوب، ومع أن الولايات المتحدة ارتكبت هولوكوست نغازا كي وهورشيما في أواخر الحرب العالمية الثانية، ومع أن الكيان الصهيوني اقترف بحق أهالي فلسطين وسائر الأراضي العربية المحتلة منذ ما قبل نكبة 1948 ولغاية وقتنا الراهن ما يزيد كثيرا عما اقترفته النازية بحق يهود ألمانيا، ناهيك عن إثارة الصهيونية ورعايتها لمختلف الصراعات السياسية والنزاعات العسكرية الداخلية والخارجية في العديد من دول منطقتنا، بالرغم من ذلك كله فلم يَرُق لمنظمة اليونسكو أن تختار من بين تلك الجرائم الفظيعة والإبادات الجماعية سوى ما يُزعَم بأنها «الهولوكوست اليهودية».

انتقائية اليونسكو الجلية وانحيازها للصهيونية تتجلى عندما تنشر على موقعها الالكتروني الدعوة لأحياء ذكرى المحرقة اليهودية، ثم دعوتها لأن تصبح إحدى المتطلبات التعليمية في مدارس مختلف الدول، ويتضح ذلك من خلال النص الحرفي التالي: (تسلم اليونسكو بأن نشر التثقيف بشأن محرقة اليهود من الأمور الأساسية في الترويج لاحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية وقيم التسامح والتقدير المتبادل، وفي بنائه وترسيخه، وتعتبر اليونسكو بمثابة مصدر لتطوير المواد التعليمية، وتوفير إطار للمؤسسات، والمعلمين،والطلاب والأطراف المهتمة، للحصول على الموارد الخاصة بدور التربية في إحياء ذكرى محرقة اليهود).

أما البعد الثاني في انتقائية هذه الوكالة فهو ما يتعلق بقائمة المواقع التراثية العالمية، التي اعتمدتها الوكالة، والمنشورة على موقعها الالكتروني، والتي تتألف من 878 ممتلكا دينيا وأثريا وثقافيا وعمرانيا، موزعة على 145 دولة وكيانا، ومع أن فلسطين المحتلة تزخر بمئات المواقع الإسلامية العظيمة والمقدسة، التي طالب الأردن بإدراجها، فلم يدرج منها سوى ما يتعلق بقبة الصخرة المشرفة فقط، مع أن القبة المشرفة لا تمثل سوى الجزء اليسير من الحرم القدسي الشريف والمدينة المقدسة بأسرها، حيث ينبغي على الوكالة إدراج هذه المدينة الإسلامية المقدسة بأكملها إلى جانب مئات المواقع الإسلامية الأخرى في فلسطين المحتلة والمهددة بمختلف الاعتداءات الصهيونية من مصادرة وهدم وتجريف وتهويد، في حين أدرجت الوكالة العديد مما يُزعَم بأنها ممتلكات تراثية يهودية وبهائية في فلسطين المحتلة.