الفضيحة الصغرى والفضيحة الكبرى

الفضيحة الصغرى والفضيحة الكبرى
الكاتب : الياس سحاب
تاريخ المقال : 2010-06-09

برغم أن الظواهر الأولى لردود الفعل على فضيحة القمع الإسرائيلي الوحشي لأسطول الحرية إلى غزة، تكاد تشير إلى تفرد إسرائيل بحساب الخسائر الأخلاقية والقانونية والسياسية، تجاه المجتمع الدولي عامة، وتجاه دولة إقليمية كبرى هي تركيا تخصيصاً، فإني ممن يعتقدون أن المحصلة العامة لمجمل ردود الفعل في الأيام الأولى التالية للواقعة، تشير إلى أن هذه الواقعة قد تمخضت عن فضيحتين: فضيحة صغرى لإسرائيل، وفضيحة كبرى للعرب.
لا مجال للإنكار أن الأضواء ما زالت مسلطة في المدى الزمني القصير التالي للواقعة، على الفضيحة الإسرائيلية وحدها دون سواها، وذلك تحت سخونة الدماء البريئة التي أسالتها الوحشية الإسرائيلية. لكننا لو مددنا بصرنا إلى الأسابيع التالية، التي ستشهد بلا شك تراجعاً في سخونة الدماء البريئة، فإن بإمكاننا أن نرى أمامنا، في القادم من الأسابيع، تضاؤلاً نسبياً وعملياًً في حجم الفضيحة الإسرائيلية، وتضخما واضحا في حجم الفضيحة العربية، التي بدأت ملامحها الأولى بالظهور في الأيام القليلة المنصرمة.
من الواضح أن لقياس حجم الفضيحة الإسرائيلية معايير ثلاثة طرحتها تركيا في مواجهتها الساخنة مع إسرائيل:
1ـ مصير النشطاء المعتقلين.
2ـ مصير حصار قطاع غزة.
3ـ مصير لجنة التحقيق الدولية في ما حدث.
الذي يبدو حتى الآن أن الخسارة الإسرائيلية الكاملة والناجزة، قد تنحصر بشكل رئيسي في النقطة الأولى. فقد كان واضحا أن النية الإسرائيلية الأولى كانت متجهة إلى اعتقال نفر غير قليل من نشطاء أسطول الحرية، ذوي الحيثية الوازنة، للتشهير بهم وتحويلهم إلى رهائن في قضية إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المعتقل في غزة شاليت. وهو أمر أشارت إليه بعض التصريحات الإسرائيلية في معمعان النشوة الإسرائيلية الفاجرة بالانتصار الأولي.
لكن هذه الرغبة الإسرائيلية سرعان ما تلاشت، أمام الضغط التركي الواضح بضرورة الإطلاق الفوري لسراح جميع المعتقلين، دون أي إجراءات إسرائيلية.
هي إذا هزيمة إسرائيلية كاملة في هذه النقطة الأولى. لكننا إذا انتقلنا إلى النقطة الثانية، فإننا نلاحظ انه في مقابل إصرار تركيا، وحتى عدد من دول الاتحاد الأوروبي، على ضرورة إنهاء حصار غزة نهائيا، فإن التحضيرات بدأت، أميركياً وإسرائيلياً، للالتفاف على هذا الضغط الجديد، بالإبقاء على الحصار عموماً، ولكن بعد إيجاد ثغرات تنفس الاحتقان الإنساني الـناجم عنه، من خلال اعتماد وجود دولي في غزة، يشرف على تمرير بعض المساعدات الإنسانية المحسوبة، من وراء أسوار الحصار.
ويبدو أن هذا الاحتمال هو الأكثر حيازة على قوى الضغط بشأنه، إذا قارناه بما وراء احتمال الرفع الكامل للحصار، من قوى ضغط حقيقية وراءه.
أما الاحتمال الثالث، فقد بدأت الولايات المتحدة، منذ اليوم الأول، التحرك لتخليص إسرائيل من الوقوع في شرك الخضوع للجنة دولية للتحقيق. وهي تضغط لذلك في اتجاهين: إما الاكتفاء بلجنة تحقيق إسرائيلية، أو تطعيمها بعناصر دولية، على أن تكون الرئاسة الدولية للجنة بيد أميركي.
ولا داعي للنقاش بشأن النتيجة الفارغة التي يمكن أن تصل إليها مثل هذه اللجان، خاصة إذا تذكرنا النتائج العملية لتقرير لجنة غولدستون، القوي من الناحية القانونية، والفارغ تماما من ناحية القوة السياسية.
إذا أعدنا وضع موازين القوى السياسية في الحسبان، فإن الأيام القليلة المقبلة، تشير إلى تضاؤل متدرج في حجم الفضيحة الإسرائيلية، الذي بدأ كبيرا، وكبيرا جدا، لكنه سائر مع مرور الأيام إلى التضاؤل حتى أقصى درجة ممكنة.
أما الفضيحة العربية، على الجانب الآخر للمواجهة، فهي التي بدأت صغيرة، لكنها مرشحة مع الأيام لان تكبر.
فباستثناء الفتح الخجول لمعبر رفح، يمكن القول إن النظام العربي الرسمي، قد سجل غيابا كاملا في خضم الصدام التركي ـ الإسرائيلي العالي الصوت، والمحمل بالاحتمالات السياسية الهامة.
ولو أخذنا تفاصيل ردود الفعل العربية الرسمية على بعضها، فسنرى أن المحرك الأعظم لها، هو كيفية الخروج من هذه الأزمة، دون إثارة غضب واشنطن. فحتى معبر رفح، لم يعلن فتحه سوى لأجل غير مسمى، ستجري تسمية الأجل في القريب العاجل على ما يبدو، عندما تهدأ العواطف الساخنة.
لكن لهذا الغياب العربي الرسمي هذه المرة، معنى الفضيحة الكبرى، أكثر من أي حادثة سياسية سابقة.
فقد كشفت أزمة أسطول الحرية، أن قضية فلسطين، قد بدأت تحتل موقعا جديا لا سابق له، لدى الرأي العام العالمي إجمالا، وحتى لدى بعض الدول التي تجرأت واستدعت السفير الإسرائيلي لديها للتعبير عن احتجاجها.
صحيح أنه من ذلك النوع من التقدم البطيء، والذي لا يعطي ثماراً حقيقية إلا على المدى البعيد، لكن أهميته تنبع من أنه يقابل وضعاً عربياً رسمياً لا تزيده التحديات الإسرائيلية، إلا مزيداً من الاستجداء والتراجع والاستسلام، وطلب السلامة لدى الحليف الاستراتيجي الأكبر لإسرائيل في واشنطن.
إنها فضيحة صغرى لإسرائيل، لكنها فضيحة كبرى للنظام العربي الرسمي، ستزداد صغراً بالنسبة لإسرائيل، وتزداد كبراً بالنسبة للعرب، مع مرور كل يوم جديد.

» اسرائيل الكبرى وما يحدث بفلسطين الان
» الحجاج يرمون الجمرة الكبرى ويستعدون للتحلل من الإحرام
» تحليل \أسرئيل الكبرى والسيطرة على جنوب السودان و النيل
» الثورة المصرية الكبرى: آفاق ومخاطر../ د. عزمي بشارة