كي لا ننسى حدود فلسطين التاريخية وخطوط الهدنة على طاولة المفاوضات

كي لا ننسى حدود فلسطين التاريخية وخطوط الهدنة على طاولة المفاوضات

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

تبلورت عقيدة اسرائيل السياسية منذ مؤتمر بازل عام ١٨٩٧ في خلق وطن للشعب اليهودي في فلسطين يضمنه القانون العام، وتحددت خطواتها في هدف الوصول الى اقامة دولتها التي تتراوح حدودها بين الحدود التاريخية التوراتية والمطالب الحدودية التي تقتضيها الظروف السياسية والعمل الدبلوماسي.

فمن المعلوم ان المطالب الاسرائيلية حول مسألة الارض تتسم بعدم الثبات والوضوح، فهي تحتل الارض كلما احتاجت اليها: وكلما ازداد عدد المهاجرين اليها ازداد نهم اسرائيل لسلب المزيد من الارض العربية وعلى الاخص الفلسطينية منها.

ومن هنا قد تكون اسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي ليس لها دستور ولا حدود دائمة تماماً مثلما انها آخر احتلال كوني اطلقت عبره لقوتها العسكرية العنان لتخدم بالاساس استراتيجيتها التي ترتكز الى ما يسميه قادتها «مبدأ الامن والحدود الامنة» بحيث يتجاوب هذا المفهوم المرن بالدرجة الاولى مع الاهداف السياسية والاقتصادية المراد تحقيقها.

ومن هنا ايضاً جاء رفض اسرائيل تعيين حدود ثابتة لدولتها عند قيامها بتاريخ ١٥/ ٥/ ١٩٤٨ لكي يتسنى لقادتها العسكريين تعيين هذه الحدود الجديدة عن طريق احتلال اراض عربية جديدة بالقوة العسكرية في كل مرة يتطلب الامر ذلك، وكذلك من اجل السيطرة وتعزيز وتقوية مركز اسرائيل السياسي والاستراتيجي، وعليه فلا غرابة ان يشكل التوسع جوهر الفكر الاسرائيلي، واساس برامج الاحزاب والقوى السياسية الاسرائيلية كافة، وان في ذلك لعبرة وتذكرة للشعب وللمفاوض الفلسطيني معا!؟

يؤكد الطرح الفلسطيني من خلال المنطلقات والمتطلبات التفاوضية على ان قيام دولة فلسطينية هو حق طبيعي، وجزء من تسوية تاريخية ونتاج حتمي للمفاوضات الفلسطينية-الاسرائيلية، لذا، فإن اي شك في حتمية قيام الدولة الفلسطينية ليضع الغرض من المفاوضات موضع الشك، ويفقد المفاوض الفلسطيني أهلية التفاوض.

ان الاصرار على قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشريف بأركانها الاربعة: السكان، والشعب، والحكومة، والقدرة على اقامة علاقات دولية يفترض وجود تصور محدد لدى المفاوض الفلسطيني حول طبيعة المساومات والمبادلات التي يمكن للطرف الفلسطيني ابداء استعداده للنظر فيها في سعيه لقيام الدولة، ومنها المنطلقات الاساسية في موضوع الحدود التي لابد ان تتمحور منذ البداية حول ركيزة اولية مفادها: ان يرتكز الحل على اساس قرار الامم المتحدة رقم «١٨١» مستنداً في حده الادنى الى خارطة تقسيم فلسطين بتاريخ ١١/٢٩/ ١٩٤٧وليس الى قرار رقم «٢٤٢» او خارطة حدود الهدنة لعام ١٩٤٩، ذلك انه في عام ١٩٤٧ قررت الامم المتحدة تقسيم فلسطين الى دولتين مستقلتين، ووضع خريطة تفصيلية اخذت بعين الاعتبار المصالح اليهودية، ووعود بريطانيا بإقامة دولة يهودية في فلسطين.

وقد نص القرار على منح الدولة اليهودية المزمع اقامتها ما مجموعه ٥٦٪ من مساحة فلسطين على ان يشكل الفلسطينيون ما يقارب ٤٩٪ من سكانها، وفي الجزء المتبقي منها تقام الدولة العربية الفلسطينية «باستثناء منطقة القدس» وقد لاقى هذا القرار ترحيباً حاراً من الحركة الصهيونية، بينما قوبل بالرفض من الاكثرية الساحقة من الفلسطينيين والدول العربية الذين استمروا في المطالبة بالاستقلال التام لفلسطين واقامة دولة عربية فيها، مع العلم ان هذه الحدود لم تطبق فعلياً على ارض الواقع وذلك بسبب اندلاع حرب فلسطين التي بدأت بتدخل الجيوش العربية فيها يوم ١٥/ ٥/ ١٩٤٨ وهو تاريخ الاعلان الرسمي لاقامة دولة اسرائيل، ونهاية الانتداب البريطاني.

لقد اقيمت اسرائيل في سنة ١٩٤٨ مثل الكثير من دول اوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين، كدولة يهودية عرقية تحريرية ملتزمة باسترجاع الاراضي القومية غير المستردة، بحيث انه خلال عامي ١٩٤٨ - ١٩٤٩ توسعت حدود الدولة اليهودية - المؤسسة حديثا: بواسطة الاحتلال من ٥٦٪ من فلسطين الانتداب - وهي حصة اليهود بحسب مشروع التقسيم - الى ٧٧٪ الامر الذي ادى الى تشريد وطرد ما لا يقل عن مليون نسمة، اصبحوا مشتتين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان وسوريا ومصر وشرق الاردن، وذلك بسبب ظروف الحرب القائمة، وللأساليب التي استخدمتها القوات الاسرائيلية خلال تقدمها واحتلالها للمناطق العربية، بدءا بحملات التخويف، مرورا بالحرب النفسية ونشر الشائعات، وانتهاء بالمجازر، والتي اشهرها على الاطلاق آنذاك دير ياسين بتاريخ ٩/ ٤/ ١٩٤٨.

تم رسم الخطوط الجديدة في اتفاقيات الهدنة العربية مع اسرائيل بحيث عكست الهزيمة العربية العسكرية في فلسطين اولا، ومصالح المنتصر الاسرائيلي ثانيا، وقد سمح هذا الموقف لاسرائيل بالحفاظ الكامل تقريبا على حدودها حسب التقسيم، بالاضافة لمناطق شاسعة جديدة وخاصة في الشمال، لقد اكدت اتفاقيات الهدنة على ان رسم الخطوط القائمة لا يجحف بحقوق الطرفين في الحل الدائم لصراع فلسطين، وانها تمت لاعتبارات عسكرية محضة، ونتيجة لرفض الدول العربية الاعتراف بخطوط التقسيم فان هذه الدول لم تسع، ولم تحصل على قرار من الأمم المتحدة بعودة اسرائيل لحدود التقسيم، ورغم ان قبول إسرائيل في الأمم المتحدة تم بناء على وعدها باحترام قرارات الأمم المتحدة، فان هذه الهيئة الدولية لم تتخذ اي اجراءات منذ ذلك الحين لفحص مدى وفاء اسرائيل بوعدها، ومع مرور الوقت اكتسبت خطوط الهدنة قبولا لدى المجتمع الدولي كخطوط دائمة تشكل إحدى المشاكل الأساسية في العلاقة المتوترة بين العرب واسرائيل.

ان قرار التقسيم رقم «١٨١» لعام ١٩٤٧ الذي يعترف بالشعب الفلسطيني، وحقه في دولة مستقلة، هو بعينه الأساس القانوني لانشاء دولة اسرائيل التي اعلنت تمسكها به على لسان مسئوليها في خطابهم الى المجتمع الدولي، ودول العالم، والذي تعهدت باحترامه، وكان شرط قبول عضويتها في الأمم المتحدة الذي أكد على قبولها الطوعي لتنفيذه وعليه فان على اسرائيل ان تحترم الشرعية الدولية، وتعهداتها بالميثاق، وبالقرارات الدولية التي اعلنت موافقتها عليها، والا فانها تفقد الاساس الدولي لمشروعيتها.

بناء على ذلك فان هذا القرار لا يزال قائما وساري المفعول، وان الاراضي التي استولت عليها اسرائيل بالقوة خارج نطاق الحدود الواردة في القرار هي اراض محتلة ينطبق عليها قانون الاحتلال، والقانون الدولي الانساني، والوضع الطبيعي ان يتم الانسحاب منها، وتعود الى الشعب الفلسطيني فهي من حقوقه الثابتة.

وفي هذا السياق فان بعث المفاوض الفلسطيني لخريطة حدود فلسطين التاريخية التي تقوم عليها حسب القرار ١٨١ دولتان عربية فلسطينية واخرى يهودية، وابقاء القدس في حدود الدولة الأم «فلسطين في ظل الانتداب» واحياء خريطة خطوط الهدنة لعام ١٩٤٩ كورقة يلوح بها المفاوض الفلسطيني في إعادة رسم الحدود النهائية، لم ولن تكون ابدا فكرة طوباوية غير ممكنة التحقق على ارض الواقع، انطلاقا من الحكمة الفرنسية القائلة: «انك اذا لم تستطع تحقيق المثال، فأنت على الاقل تستطيع ان تضفي على الواقع تصوراتك المثالية».

د. ابراهيم الدرعاوي *****

» مدن فلسطين التاريخية
» من ذاكرة فلسطين التاريخية
» تعرف على الدوايمه والقرى المحيطه بها في خارطة فلسطين التاريخية
» مخطط اسرائيلي سري للسيطرة على الأراضي في فلسطين التاريخية لتغيير الميزان الديموغرافي
» التقاط اللحظة التاريخية