[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]معرض استعادي للفنان عبد الحي مسلم في المتحف الوطني
عمان - محمد جميل خضر-«طاحت الحلوة ترقص بإبريق الزيت/ الله يحفظ أخوها عمود البيت»، و«فلسطين بلدنا واربينا فيها/ وزرعنا الورد على سواقيها» وغيرها، موشحات وتراثيات نقشها الفنان التشكيلي عبد الحي مسلّم، بكد السنين، وأنفاس التراب والخشب واللون والمعاناة فوق عدد من لوحات معرضه الذي افتتحته مساء أول من أمس في المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة سمو الأميرة بسمة بنت علي.
الكتابة بوعي شعبي فطري صادق فوق فضاء اللوحات، واحدة من التقنيات التي اعتمدها مسلّم الذي درس الفن على نفسه، خلال مسيرته الممتدة على مساحة عشرات السنين والهجرات والتجارب: «قال أحدهم: قطفوا الزهرة/ قالت من ورائي برعم سوف يثور/ قطفوا البرعم/ قالت: غيره ينبض في رحم الجذور/ قطعوا الجذور قالت: إنني من أجل هذا اليوم خبّأت البذور»، وعبارت أخرى كثيرة لا تبتعد عن الهم الفلسطيني في مداه الشعبي البسيط الواضح المباشر الذي لا لبس فيه ولا تزويق لنبضه في الشارع وبيوت الناس وحقولهم وبياراتهم وجمعاتهم وأحلامهم بالنصر وتحصيل الحق ونيل الاستقلال والإنصاف والسيادة «كامن ثأري بأعماق الثرى/ وغداً سوف يَرى كل الورى/ كيف تأتي صرخة الميلاد من صمت القبور/ تبرد الشمس ولا تبرد ثارات الزهور».
في المعرض الذي حضرت افتتاحه سمو الأميرة رجوة بنت علي رئيسة الجمعية الأردنية للفنون الجميلة ومدير المتحف الوطني د. خالد خريس وزهاء 300 فنان وناقد وإعلامي بأسلوبه وما تهجس به ألوانه ونشارته من الخشب ورؤاه التشكيلية الفريدة من نوعها.
تسابقت 42 لوحة لحفر بعد من أبعاد القضية الفلسطينية، أو لتخليد طقس من طقوس ناسها وأهلها وأعراسها ومواسم خصبها في مناطق فلسطين المختلفة، مع تركيز أكثر على تلك الطقوس في بلدة الدوايمة التي ولد فيها عبد الحي العام 1933.
عن رسالته الفنية يقول مسلّم « يلعب الفنان دوره التاريخي في تسجيل المواقف، ولكنه لا يكتفي بالتسجيل الوثائقي الذي يقدمه المؤرخون والمصورون، بل يقدم تلك الشهادة عبر لغة فنية خاصة تساعده على تحقيق التقديم الأفضل، الذي يجمع بين البطولة والشهادة وبين اللغة الفنية المتميزة التي تعالج الموضوع في إطار جديد يملك المضمون الذي يسعى إليه الفنان ليذكّر بالبطولة». وهي الخاصية التي تبرز أهمية الفن، كما يرى مسلّم، وتظهر دوره «في المراحل الحاسمة من تاريخ الشعوب وفي إغناء ذاكرتها بالمواقف، وفي بلورة ما هو جدير بأن يحافظ عليه ويبقى».
مسلّم يرى في هذا السياق أن الفن يلعب دور «المنبّه والمحرّض والمخلّد».
يقول مسلّم «نحن نرى في كل زاوية أو شارع وفي كل بقعة الأعمال الفنية التي تقدم لنا ذكريات عن بطل أو شهيد أو حادثة أليمة يجسّدها الفنان حياً أمامنا، وهكذا تبقى البطولات ماثلة في الأذهان للأجيال... فهنا مات بطل وهنا دافع شعب عن وجوده وحياته، وهنا تمثال يخلد موقعة أو معركة أو موقف».
ويضيف متصالحاً مع أسلوبه ووضوح رسالة أعماله وانحيازها إلى معاناة شعبه «تبرز أهمية الفنان الذي اختار أن يكون (صوت شعبه) في مراحل تاريخ هذا الشعب الحاسمة، والذي جعل مواهبه الفنية مكرسة لتقديم ما هو عام ومشترك مع الآخرين، وتجاوز ما هو فردي خاص، ليكون الشاهد على حقيقة قومية وإنسانية، وبدأ يجعل أزمات الآخرين ومشكلاتهم همّه الأساسي، ليكون وجه شعبه المعبّر بصدق عن قضيته الملتحمة بقضايا أمّته النضالية، فاتسعت دائرة اهتماماته لتكون شاملة معبّرة عن المعاناة التي يراها أمام عينيه وتبقى».
بدأ مسلّم الرسم العام 1970، ولم يكن ينوي أن يصبح فناناً، إذ إنه لم يدرس الفن أساساً، غير أنه وجد في نفسه رغبة لاستعادة عالم طفولته السحري في فلسطين من خلال اللوحة، وجاءته الفكرة بإلهام من وجه امرأة عجوز مثبت على أغلفة إحدى المجلات وقد كتب تحتها عبارة «لن نغفر»، وقد أحدثت هذه الصورة أثرها في نفس مسلّم الذي صنع عجينة من النشارة والغراء، وصار يرسم بها على لوح خشبي، وهي الخامة التي راح يشكل فيها فيما بعد الوجوه والأشياء والأجساد والموتيفات الفلسطينية، وهو يؤكد دائماً أنه لن يتجه لتجريب خامة أخرى، قائلاً: «أحببت اللعب بالطين منذ الصغر، وكلما شكلت لوحة منه أشعر أنني أعيد ذكرى رائحة تراب وطني وملمس طينه الطيب بين يدي».
أنجز مسلّم، في بداياته الفنية، مجموعة من الأعمال التي جمعت في تقنياتها بين اللوحة والمنحوتة، وشارك فيها في معرض طرابلس الدولي للفن التشكيلي. ثم صار يطور تجربته التي عبرت عن أجواء الفلكلور الفلسطيني، وجو القرية بما فيها من بيوت الطين، والنساء اللواتي يحملن قرب الماء، ورعاة الماعز بعصيهم، والأعراس والدبكات، وقد توسع في تناول تفاصيل هذه المشاهد وإضاءتها وإبرازها كبؤرة مركزية في اللوحة.
من أبرز أعماله في هذا المجال رباعية «العرس الفلسطيني» التي تشتمل على مراسيم العرس وطقوسه من رقصات النساء ودبكات الرجال واللباس البهيج، وقد تنوعت مستويات سطح اللوحة فبرزت بعض الأشكال أكثر من أخرى، وهو ما يؤكد قدرة الفنان على شحن سطح اللوحة بعناصر الحركة والإيقاع واللون.
كذلك استلهم مسلّم التراث الكنعاني بما فيه من أساطير خصبة، وذلك عبر استحضاره الرموز والإشارات المعبرة عن هذا التراث؛ حيث «بعل» يركب الغيوم، والمراكب القديمة تشق فضاء السماء، والنساء اللواتي يطرن أو تتشكل أجسادهن من أغصان الشجر وجذوره المتينة، وهنا يؤكد مسلّم احتفاءه بالمرأة التي ترمز إلى الأرض والعطاء. كذلك أبدع مسلّم لوحات: «وصية الشهيد»، «مناضلات من شعبي»، «أخي جاوز الظالمون المدى»، «مقاتل» و»أسير» معبراً عن آلام الشعب الفلسطيني وأحلامه في آن، وحين تفجرت الانتفاضة، كرّس لها طاقته وجهده، ليقدم أعمالاً فارقة في تجربته، عامداً إلى الجداريات الضخمة، التي تحتشد على سطحها جموع الناس من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ، بما يجعل لوحته أقرب إلى الأجواء الملحمية المسرحية، كما اشتمل عدد من اللوحات على تخطيطات لأبيات شعرية وزجليات تخدم موضوع العمل، وجميعها مستوحاة من التراث والفلكلور الفلسطيني.
حين يودع الزائر معرض مسلّم المتواصل في المتحف الوطني في جبل اللويبدة حتى 20 الشهر الحالي، فإن ثمة ما يظل عالقاً بالروح، ورائحة تراب تهبّ قادمة من بعيد، وفنان شاخ لكنه ما يزال يعيش بقلب الطفل الذي كان يلعب بطين البيارة.
في سياق متواصل، يستضيف المتحف الوطني المبنى2 في الخامسة من مساء اليوم وضمن «لقاء الاثنين» فنانين ونقاد وإعلاميين ومعنيين لإقامة حوارات معهم حول تجربة الفنان عبد الحي مسلّم، وموضوعات أخرى لها علاقة برفع الذائقة البصرية وإثراء التواصل بين العمل الفني والجمهور في إطار نقاشات وحوارات مفتوحة.
.. وينظم لقاء الاثنين
ينظم المتحف الوطني الأردني للفنون الجميلة ضمن نشاطاته الثقافية في باكورة فعالياته للعام 2010 سلسلة من المحاضرات واللقاءات والحوارات المفتوحة بعنوان «لقاء الاثنين». يتناول قضايا الثقافة التشكيلية والنقد الفني والتذوق البصري، وهي موجهة للفنانين والمهتمين بالشأن الثقافي والجمهور عامة.
يستضيف المتحف فنانين لطرح موضوعاتهم وعرض تجاربهم للحاضرين، ويأتي اللقاء الاول ضمن هذه السلسلة في الخامسة من مساء اليوم الاثنين، المبنى2 في جبل اللويبدة. يستعرض مدير عام المتحف د. خالد خريس في اللقاء الاول اهمية مثل هذه اللقاءات والحوارات في رفع الذائقة الفنية وإثراء التواصل بين العمل الفني والجمهور في إطار نقاشات وحوارات مفتوحة.
يذكر أن سلسلة هذه اللقاءات التي يقدمها المتحف الوطني تقام مرتين كل شهر تبدأ على هامش المعرض الاستعادي للفنان عبد الحي مسلم المقام في المتحف بعرض ومناقشة تجربته الفنية.
صحيفة الرأي الأردنية