الدوايمة / عندما يتبجحون بخيانة القدس!

عندما يتبجحون بخيانة القدس!


لا أدري إن كان المستور الذي كشفته الوثائق التي أعلنتها الجزيرة هو الأغرب أم موقف السلطة الفلسطينية من الأمر، والذي بادر بكل صفاقة – بكل ما تحمله الكلمة من معنى – إلى التبجح بهذه المواقف والوثائق التي تدين رموزها جميعاً بكل وضوح، ولم يكن هناك في نظري أسوأ من كشف الوثائق إلا الموقف العجيب لكبير المفاوضين

ومسؤول الخرائط وغيرهم من الرموز التي كانت تفاوض على واحدة من أقدس مقدسات شعبنا وأمتنا عربها وعجمها بشكل لا أستطيع أن أجد له وصفاً.

كان موقف كبير المفاوضين هو أكبر ما فاجأني عندما دافع بكل صفاقة عن مواقفه المخزية خلال المفاوضات، وخاصة قولِه للمحتلين خلال تلك المفاوضات العبثية: (سنعطيكم أكبر أورشليم في التاريخ). أتساءل ماذا يسمي كبير المفاوضين هذا الموقف؟ وكيف يجرؤ بعد ذلك على رفع رأسه والنظرِ في الكاميرا في وجوه الملايين ليقول إن هذه المواقف هي المواقف الأصيلة التي لم تتغير ولم تتبدل من قبل السلطة والمفاوضين؟ كيف يستطيع هذا الشخص أن ينظر في وجوه المسلمين وهو يقترح بوقاحة منقطعة النظير حلولاً "مبتكرة" لمسألة المسجد الأقصى المبارك؟ ومنذ متى كان عريقات وغير عريقات وصياً على مقدساتنا يقسمها ويقطعها كيف يشاء؟؟!

وكيف يقبل خبير خرائطهم على نفسه أن يقف أمام كاميرا الجزيرة ليؤكد حقيقة الوثائق والخرائط الفاضحة ويتبجح في ذلك أنه كان عضواً مشاركاً في الوفد المفاوض، بل ويجعل جل همه نزع صفة "المفاجأة" عن هذه الفضيحة المدوية ويعلن إن هذه الخرائط معروفة وأنه عرضها سابقاً؟ ألم يكن الأجدر بهؤلاء التبرؤ – وإن كذباً – من كل ما له علاقة بهذه الوثائق التي تثبت تهمة الخيانة الكبرى بحق جميع المتورطين فيها؟

لفت نظري أمس تقرير السيد إلياس كرام المراسل الإخباري لقناة الجزيرة الفضائية حول حي الشيخ جراح، حين سأل سيدة من العائلات التي تم إجلاؤها من منزلها وتسليمه للجماعات الصهيونية المتطرفة حول موقفها لو تبين لها أن المفاوض الفلسطيني يمكن أن يعرض التخلي عن حي الشيخ جراح، فكانت ردة فعلها "الوطنية" مدافعةً بشكل مضحك ومحزن في نفس الوقت عن "سيادة الرئيس" وعن "القيادة الفلسطينية". كانت أمنيتي خلال عرض ذلك التقرير أن أرى وجه هذه السيدة المنكوبة المخدوعة بسراب هذه "القيادة الوطنية" وهي تنظر إلى شاشة الجزيرة لترى بأم أعينها الوثائق التي تفضح هؤلاء "الوطنيين"...!! ولم يغب عن ذهني في تلك اللحظة سذاجة بعض أبناء قومنا عندما كان يخدعهم الكلام المعسول والخطابات النارية التي أثبت التاريخ والوقائع أنها لم تكن أكثر من أفيون خدرت به تلك الجهات شعوبها.
أما موقف رئيس السلطة فليس غريباً، فهو الذي عرض أمام شاشات التلفزيون وأمام العالم كله التنازل عن بيته في مدينة صفد المحتلة عام 1948 "على البيعة" – على حد قوله – في سبيل "السلام" الذي أصم سيادته آذاننا بتباشيره، ولكني شعرت بالأسى حقاً عندما عرفت أن الدم قد جف من وجوه هؤلاء حتى صارت ردة فعلهم على هذه الفضائح تلخصها عبارة: "وشو يعني؟". وبدلاً من أن يفسر لنا هؤلاء سبب جريمتهم في حق قدسنا وأقصانا، نفاجأ بمحاولاتهم جر الزعماء العرب جميعاً معهم إلى نفس المستنقع والتبجح بأنهم كانوا يطلعون الزعماء العرب كلهم على هذه الوقائع، وأتساءل هنا: أكان رئيس السلطة أو كبير مفاوضيه يطلع الزعماء العرب على موقفه وموقف كبير مفاوضيه من الوصاية الأردنية على القدس ورفضه لها كما ظهر في الوثائق؟ أم كان يطلعهم على ادعاءات كبير المفاوضين حول رغبة بعض الدول العربية الدخول على خط الوصاية على القدس لأسباب سياسية بحتة؟ أطرح هذه الأسئلة كلها وأعلم أنني لن أجد عند هؤلاء إجابة إلا اتهام الجزيرة وغير الجزيرة بالتواطؤ ضد "الوطنيين الشرفاء" الذين كان يسهرون ويكافحون ويناضلون في صالونات المفاوضات العبثية.
أقول لهؤلاء: الأقصى أكبر وأجل من أن يفاوض عليه أمثالكم، والقدس أكبر وأجل من أن يتنازل أحدكم عن شبر منها، فلتتنازلوا عن السراب كما تشاءون، فلا يملك أحدكم في القدس شيئاً ليتنازل عنه، ولا يملك أحدكم حقاً في القدس أصلاً حتى يتنازل عنه، فأهل القدس قالوا كلمتهم في وجهكم أنتم قبل المحتلين عندما وقف أهالي حي البستان والشيخ جراح وسلوان وصور باهر والقدس كلها سداً منيعاً في وجه الاحتلال، وسيكونون سداً أشد مناعةً في وجوهكم أنتم وفي وجه تنازلاتكم المخزية ومفاوضاتكم العبثية، حقاً لقد أصبحتم عبئاً على شعبنا وعلى قضيتنا، وآن الأوان لترحلوا عن ظهور أبناء شعبنا الشرفاء الذين استشهد منهم من استشهد وجرح منهم من جرح وأسر منهم من أسر فداءً للقدس ونصرةً للمسجد الأقصى المبارك... ارحلوا عنا جميعاً، وليكن لكم في جنوب لبنان عبرة.


د. عبدالله معروف
أستاذ دراسات بيت المقدس
مسؤول الإعلام والعلاقات العامة السابق بالمسجد الأقصى المبارك