الانتخابات استحقاق وطني وضرورة سياسية

الانتخابات استحقاق وطني وضرورة سياسية

الكاتب : يحيى رباح

بناء على قرار حكومة دكتور سلام فياض بإجراء انتخابات محلية في أوائل تموز القادم، وبناء على قرار اللجنة التنفيذية بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية حتى أيلول القادم، يمكن القول انه سيكون لدينا في فلسطين ورشة وطنية كبرى، من أجل تنفيذ استحقاقات كبرى مطلوبة، عنوان هذه الورشة تجديد شرعية إطاراتنا الوطنية ممثلة بالرئاسة والمجلس التشريعي والهيئات المحلية، وهذه العملية مستحقة ومطلوبة بإلحاح الآن، وهي في سياق التوجه الوطني الرئيسي بالصعود إلى استحقاق الاستقلال، وإعلان قيام دولتنا الفلسطينية المستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية على الأرض، وهو التوجه الذي تسعى إليه الشرعية الوطنية الفلسطينية بكل هياكلها منذ فترة ليست قصيرة.
وهذا التوجه الوطني الرئيسي ليس سرّاً، بل هو المحور الذي تقوم عليه علاقاتنا الدولية مع كل دول العالم، ومع الهيئات الأممية الرئيسية مجلس الأمن والأمم المتحدة، وهو محور الشدّ والجذب، الاستعصاء والانفراج والاشتباك أحياناً الذي يجري بيننا وبين إسرائيل، وبيننا وبين الدولة الأكبر، والقطب الأوحد، الولايات المتحدة الأميركية التي رأيناها تعلن صراحة أنها ستقف في مجلس الأمن ضد أي مشروع قرار يدين الاستيطان اليهودي في أرضنا!!! وضد شعبنا للحصول على قرار من مجلس الأمن للاعتراف بحدود دولتنا طبق القرارات الشرعية الدولية.
ولكن هذا الاستعصاء في العلاقة مع إسرائيل ومع الولايات المتحدة، لم يوقف حركتنا فلسطينياً باتجاه الاستحقاق الكبير، فعلى الأرض نستمر في بناء مؤسسات الدولة، والعالم كله يعطينا شهادات إيجابية، ونبني رغم كل صعوبات الاحتلال قاعدة مبشرة لاقتصادنا الوطني الفلسطيني، ونراكم أوسع إدانة عالمية ضد الاستيطان، ونصعد فعاليات شعبية ضد هذا الاستيطان دون السماح للاحتلال الإسرائيلي بجرنا إلى متاهات خطيرة.
ومن الطبيعي، والضروري، والملح في هذا السياق ونحن ذاهبون إلى استحقاق الاستقلال أن نعزز القواعد الدستورية، فنحن نريد إقامة دولتنا فوق أعلى وأمتن ما يمكن من القواعد، ومن أهمها القواعد الدستورية، التي تجدد شرعياتنا الوطنية، ابتداء من مجالس القرى، مروراً بالمجلس التشريعي، وصولاً إلى الشرعية الوطنية الأولى وهي موقع الرئاسة.
في هذا الطريق الواضح، تواجهنا مرة أخرى عقبة الانقسام، وهو انقسام تائه بلا أفق، لأنه تعدى العناوين السياسية إلى هاوية الانفصال، وأكبر دليل على ذلك، أن إخوتنا في حركة حماس الذين يرفضون الدعوة إلى الانتخابات بكل أشكالها وأنواعها، يرتكزون في هذا الرفض المغلق إلى واقع الانقسام نفسه، بدعوى أن إجراء الانتخابات يكرس الانقسام القائم منذ قرابة أربع سنوات!!! أي التسليم المطلق بأن الانقسام هو المرجعية الوحيدة لحياتنا الوطنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية الآن، وأنه قبل إنهاء الانقسام فإنه لا قيمة لأي انجاز أو استحقاق وطني مهما كان صغيراً أو كبيراً!!! وهذا بالطبع ما لا يقبله أي منطق وطني، وما لا يمكن أن يوافق عليه الشعب الفلسطيني في غالبيته الساحقة وتياره الوطني الرئيسي.
في العادة يختلف الناس سياسياً على المعايير التي تتم بموجبها الاستحقاقات الوطنية مثل الانتخابات، ومثل الاختلاف على قانون الانتخابات، وعلى جداول الناخبين، وعلى الجهات الرقابية، وهل قوائم الانتخابات هي قوائم نسبية أم فردية أم مختلطة، أم القول بأننا نرفض الانتخابات استناداً إلى وجود الانقسام، ثم رفض المصالحة وإنهاء الانقسام استناداً إلى المجهول، فهذه حالة غير مسبوقة في العالم، خاصة أن تأخير الانتخابات إلى المجهول مغامرة قاتلة، وذلك بسبب أن هيئاتنا القائمة لم تعد تقوم بأي دور على الإطلاق، وأكبر مثال صارخ على ذلك هو المجلس التشريعي الذي قتل في مهده بسبب الانقسام ولم يعد موجوداً في الحياة الفلسطينية بأي صورة من الصور.
الرفض بصيغة مغلقة أمر محير، فلا بد لهذا الرفض أن يفتح منافذ للحوار، لماذا، وكيف، أما ديكتاتورية الرفض، فهذا أمر في غاية الخطورة، بمعنى أن الانقسام يتحول من مشكلة يجري البحث عن حلها إلى أداة جهنمية يتم استخدامها!!! وهذا هو التطور الخطير، وقد يعطي هذا الرفض بصيغته المغلقة انطباعات ورسائل بان هناك من يفكر بحل مشكلة قطاع غزة خارج السياق الفلسطيني!!! وهذا هو الخطر الأكبر، لأن عدونا الرئيسي وهو الاحتلال الإسرائيلي في سعيه للتهرب من استحقاق الدولة الفلسطينية ومحاولاته الدائبة بسد الطريق أمامها، يريد أن تبدو العقبات التي يصنعها بيديه كما لو أنها عقبات فلسطينية هو بريء منها، وقد اتضح ذلك للرأي العام الفلسطيني مرات عديدة، ابتداء من الانسحاب أحادي الجانب، وفرض الحصار وتحويله تدريجياً إلى فك ارتباط، وحتى آخر محاولات إدارة ملف التهدئة، التي أرادها الاحتلال أن تنغلق فقط على قطاع غزة، وهو أمر رفضته وحذرت منه بعض الفصائل التي اجتمعت في غزة قبل أسابيع قليلة حين ناقشت موضوع التهدئة، حين أعلن أحد ممثلي الفصائل بأنه يرفض أن تكون الفصائل جبهة لتحرير غزة، بل هي جبهة لتحرير فلسطين.
في مفترق الطرق، ومهما كان التعنت والابتزاز مغرياً للبعض، فإن المواقف السياسية يجب أن توزن بميزان من ذهب، وليس من منطلق التشبث بالخطأ حتى لو كان فادحاً ويشكل ضربة قاصمة لمشروع الإجماع الوطني وهو مشروع الاستقلال الفلسطيني.
هناك وقت مايزال في هذه المرحلة الدقيقة أن نجعل الانقسام بتداعياته الكارثية يتنحى قليلاً لمصلحة استحقاقات وطنية تفيدنا جميعاً، وأتمنى أن تحدث من كل الأطراف هذه العودة الطوعية إلى الشأن الفلسطيني بعناصره الموضوعية، ليس التحليق في فضاءات ليس لها علاقة بالواقع، فالمتحكم في حياتنا هو الاحتلال، في الضفة وفي غزة على السواء وبنفس القدر، وأية أوهام خارج هذا الواقع هي شيء يعيبنا، والبند الأول، كيف نتخلص من هذا الاحتلال، ودون ذلك فإن البرامج والآمال والأوهام التي نتحدث بها هي مجرد أحاديث مع النفس تكشف عن مأساوية وضعنا وليس عن أي شيء آخر.
تستطيع حماس في غزة أن تقدم مبادرة، وأن تعيد الحوار إلى أصوله، وليس إلى هذه الصيغ المغلقة، تستطيع أن تجعل من موضوع الانتخابات حالة من اليقظة، ووسيلة من وسائل المقاومة الوطنية، ومكسباً إضافياً إلى هذا الشعب في معركته القاسية من أجل الاستقلال، من خلال توسيع دائرة الائتلاف الوطني، وليس الانكفاء على تكوينات تعيش على هامش الكارثة التي حلت بنا وهي الانقسام.

» استحقاق الدولة الفلسطينية وليس استحقاق أيلول
» معادلة استحقاق ايلول
» يوم الأرض وضرورة تصعيد النضال الوطني
» الانتخابات، بما هي حديث و..«حدث»!! (( محمد خروب ))
» هل يقف لبنان على شفا أزمة سياسية تسقط الحكومة الحالية